معالم تعديل السلوك عند الإمام موسى بن جعفر

                                         معالم تعديل السلوك عند الإمام موسى بن جعفر
المبدأ الذي اتخذه الإمام في تعديل السلوك الإنساني لاصلاح الناس هو اصلاح الجميع بلا استثناء لأنه مبدأ رسول الله (ص) اذ كان يطمح في الجميع ان يؤمنوا .
فحب الناس غايته الكبرى واعتقاده ان الناس يمكن أن يتغيروا وان السلوك الإنساني قابل للتغيير ومرن وثابت نسبيا وهذا ماأكد عليه علماء الغرب اليوم .
أئمة اهل البيت عموما والإمام ع استنبطوا أساليبهم الإرشادية في تعديل السلوك الإنساني وإصلاحه من القران ومن النهج المحمدي واعتمدوا في كل حركة وسكنة لهم على هذا النبع الصافي الذي لا ينضب قال الإمام موسى بن جعفر(ع)(كل شي نقوله في كتاب الله وسنته ).
فالإمام (ع )لا يتقيد بأسلوب معين كما تقيدت به النظريات وأصبحت ضيقة المنظور لأنها تنظر إلى الإنسان من جانب واحدة عدته مهما في الشخصية واسست عليها نظرياتها كنظرية التحليل النفسي التي اهتمت بالدوافع الجنسية واعتبرتها حلا لكل المشاكل او النظرية السلوكية التي اعتبرت المثير والاستجابة وضبطها حلا لكل المشاكل ثم جاءت نظرية التعلم الاجتماعي التي اعتمدت التعلم من خلال الانموذج التعليمي فقط لاغير واخرون اعطوا للافكار اهمية في تغيير السلوك ( النظرية المعرفية) .
الامام موسى بن جعفر عليه السلام استعمل كل الأساليب الحديثة وأعطى لكل مشكلة أسلوبا خاصا بها مهتما بالفروق الفردية للأفراد فهو ينظر للإنسان على انه وحدة متكاملة
(اذا اشتكى منه عضوا تداع له سائر الجسد بالسهر والحمى) من هنا جاء تعدد الأساليب الارشادية في تعديل السلوك الانساني لدى الامام (ع) وهو ما غفل عنه الغرب حينما أسس نظرياته في تعديل السلوك الإنساني ثم ان الامام (ع) لم ينتظر من كل ما يقوم به لاصلاح الناس مصلحة سوى الإصلاح والهداية فهو لا يرجو من الإصلاح راتبا او علوا في الدنيا ولان إصلاحه ينبع من نفس متكاملة يستقر تاثيره في قلوب الناس بشكل فاعل غير مسبوق .فسيطر على القلوب والعقول في وقت زادت فيه الاختلافات والأزمات الفكرية في الأمة الإسلامية ’في عصره اختلفوا في كل شي وكادت تعصف الأفكار المنحرفة بالأمة الإسلامية إلى الهاوية فترصد لها الإمام وأجاد في ذلك فشدت له الرحال ليتعلموا منه ويأخذوا من منهله وأحيان كثيرة يشهدوا الشهادتين في حضرته ويسلموا . فسموه الناس باب الحوائج وسميناه في عصرنا( ابو طلبة ) لان الله يستجيب لمن يدعوا باسم العبد الصالح موسى بن ىجعفر (ع) حيا وميتا .
اصلح رجل من مترفي المدينة اسمه بِشر في قصةٍ معروف بكلمتين قالها (ع) لجارية بشر حينما القت بقايا الطعام في الشارع فقال (ع) سيدك عبد ام حر فقالت الجارية حر فقال (ع) (صدقت لوكان عبدا لستحى من الله ) وسموه فيما بعد (ببشر الحافي) كان كلام الامام |(ع) لبشر فتحا مبينا الذي سمي بعد ذلك بشر الحافي.
ثم كان يتعامل مع من يجهله بواقعية ولا يتخذ اتجاههم اي موقف متشدد امام المغرر بهم للنيل من الامام موسى الكاظم( ع) روي ان رجلا كان بالمدينة يؤذي ابا الحسن موسى (ع) ويسبه اذا رآه ويشتم عليا (ع)فقال له بعض أصحابه :دعنا نقتل هذا الفاجر فنهاهم عن ذلك اشد النهي وزجرهم وسأل عن الرجل فذكر انه يزرع بناحية من نواحي المدينة فركب اليه فوجده في مزرعة له فدخل المزرعة بحماره فصاح الرجل لا توطىء زرعنا فوطأه (ع) بالحمار حتى وصل اليه ونزل وجلس عنده وباسطه وضاحكه وقال له كم عزمت على زرعك هذا؟
قال:مائة دينار .
قال ع فكم ترجو ان تصيب ؟
قال الرجل :لست اعلم الغيب ,قال له انما قلت كم ترجو ان يجيئك فيه ؟
قال الرجل ارج وان يجيء مائتا دينار ,فاخرج له الامام موسى ع صرة فيها ثلاثمائة دينار وقال هذا زرعك على حاله والله يرزقك فيه ماترجو .
فقام الرجل فقبل رأس الإمام وسأله أن يصفح عنه فتبسم إليه الامام وانصرف وراح الامام الى المسجد فوجد الرجل جالسا فلما نظر اليه قال الله اعلم حيث يجعل رسالته . فوثب اصحاب الرجل وقالوا لصاحبهم ما قضيتك ؟ قد كنت تقول غير هذا ثم قام الرجل يدعوا الى ابي الحسن (ع) فخاصموه وخاصمهم فلما رجع الامام (ع) لداره قال لجلسائه ايما كان خيرا مااردتم ام مااردت اني أصلحت امره بالمقدار الذي عرفتم وكفيت به شره .
ويمكن تحليل هذه الرواية بعدة امور مهمة وهي تقبل الرأي والرأي الاخر مهما كان ثم الانتظار الى اثبات الحقيقة بالحوار والإمام اتخذ الحوار العملي وليس الشفهي مع الرجل , استعمل المال للاصلاح وليس لشراء الذمم او الاصوات او من اجل دنيا . ثم ان الامام (ع ) اراد ان يؤكد لنا ان الاستماع للاخرين امرا مهما وليس رد مايقوله الاخرين بالهجوم او الاغتيال او الاعتقال كما يحصل في يومنا هذا المعارض ينام سنين طويلة في طوامير السجون ولايرى الشمس.
وحتى السجن الذي هو اخر الدنيا عند البعض ومقبرة الحياة حوله موسى بن جعفر (ع) الى مدرسة لاصلاح سجانته ومن حوله ولم يكن السجن حائلا في الاستمرار برسالته الاصلاحية وتأدية دوره الرسالي كامام معصوم ومفترض الطاعة , حينما انفذ هارون الى موسى بن جعفر جارية خصيفة ,لها جمال ووضاءة لتخدمه في السجن بنية غير حسنة فقال الامام (ع) للخادم قل لهارون (بل انتم بهديتكم تفرحون ) لاحاجة لي في هذا ولاحاجة في امثالها :فاستطار هارون غضبا وقال ارجع اليه وقل له ليس برضاك حبسناك ولابرضاك اخذناك واترك الجارية عنده وانصرف .فمضى ورجع الخادم ثم قام هارون عن مجلسه وانفذ الخادم الى الامام( ع) ليستفحص عن حالها فرآها ساجدة لربها لاترفع رأسها تقول :قدوس سبحانك سبحانك . فقال هارون سحرها والله موسى بن جعفر بسحره ,عليَ بها ,فاتى بها وهي ترعد شاخصة نحو السماء بصرها فقال ماشانك ؟
قالت شاني ا لشأن البديع اني كنت عنده واقفة وهو قائم يصلي ليله ونهاره ,فلما انصرف عن صلاته بوجهه وهو يسبح الله ويقدسه ,قلت سيدي هل لك حاجة اعطيكها ؟
قال ع :ماحاجتي اليك؟ قلت اني ادخلت عليك بحوائجك فقال ع فما بال هؤلاء ؟قالت :فالتفت فاذا روضة مزدهرة لا ابلغ اخرها من اوله بنظري ,واولهامن اخرها ,فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج وعليها صفاء ووصائف لم ار مثل وجوههم حسنا ولامثل لباسهم لباسا عليهم الحرير الاخضر والاكاليل والدرر والياقوت وفي اياديهم الاباريق والمناديل ومن كل الطعام ,فخررت ساجدة حتى اقامني هذا الخادم فرايت نفسي حيث كنت . قال هارون ياخبيثة لعلك سجدت فنمت فرايت هذا في منامك ؟ قالت لا والله ياسيدي الا قبل سجودي رايت فسجدت من اجل ذلك فقال الرشيد :اقبض هذه الخبيثة اليك , فلايسمع هذا منها احد فاقبلت في الصلاة فاذا قيل لها في ذلك قالت هكذا رايت العبد الصالح ع فسالت عن قولها قالت :اني لما عاينت من الامر نادتني الجواري يافلانه ابعدي عن العبد الصالح ,حتى ندخل عليه فنحن له دونك ,فما زالت كذلك حتى ماتت ,وذلك قبل موت موسى ع بايام يسيره .وهذا الاسلوب الذي استعمله موسى بن جعفر ع اسلوبا يسمونه اهل البيت (كونو لنا دعاة صامتين ) اي دعاة بحسن السلوك وانموذج سلوكي مهذب وعالي جدا.
ولموسى بن جعفر مكانة عالية بين المسلمين كافة ومحترم بين اصحاب الديانات الاخرى فمَن اليوم يدعي انه من اتباع اهل البيت عليه ان يسعى لاصلاح نفسه واصلاح الاخرين متسامحا ومضحيا من اجل الاخوة والوحدة الاسلامية .

سيد جلوب سيد الكعبي
sfascha@yahoo.com