حينما حلت بمصر الهزيمة القاسية عام 67 , أعلن عبد الناصر تنحيه فى خطاب شهير , كتبه هيكل , وجاء فى الخطاب عبارة ( علينا أن نعترف اننا واجهنا فى الأيام الأخيرة نكسة خطيرة ) . فى تعبير هيكلى مخفف عن الهزيمة الثقيلة التى لا تزال مصر والمنطقة تدفع ثمنها حتى الآن . وأذكر خطابا بعدها لعبد الناصر تحدث فيه عن ملابسات ما حدث وأفلتت كلمة - الهزيمة - من فمه بدل النكسة , واستدرك قائلا ( بأقولها كده) , وبادر بعدها أحد الكتاب قائلا - إن عبد الناصر هو أول من استخدم تعبير الهزيمة بدل النكسة , فى نوع من التفاخر السقيم والعجيب بكون الزعيم المهزوم استخدم الكلمة الحقيقية وهى الهزيمة بدل تعبير هيكل المدلل , وما حدث عام 67 ليس له من وصف آخر غير الهزيمة . أما النكسة فهى ما حدث بعد ثورة يناير 2011 , إذ المعروف أن مصطلح النكسة معناه عودة المرض للإنسان بعد أن بدأ يتعافى منه - وفى هذه الحالة يكون الأمر أشد خطورة وربما يودى بحياة الإنسان , فبعد قيام ثورة يناير بدا وكأن الوطن المصرى قد أخذ يستعيد عافيته , كانت الثورة هى المضاد الحيوى المقاوم لمرض الاستبداد العسكرى الذى سيطر على مقادير مصر وأهلك قواها , وكان الانفلات الأمنى وسقوط مايقرب من ألف شهيد وثلاثة آلاف جريح , كان ذلك بمثابة الأعراض الجانبية التى لا بد منها , وبدأ العقل المصرى الواعى يفرد أشرعة الأمل وبدأ شباب مصر يتأهب لوضع وطنه فى المكانة اللائقة به , وبدا كأن مصر على أبواب نهضة وطنية وعلمية وثقافية رائعة , وأخذ العالم يتحدث عن الثورة المصرية الملهمة , وعن شبابها الذى عبر عن نفسه بالفن والرسم والغناء وهو يستقبل الموت , الشباب الذى قام بتنظيف الميادين وطلائها ورسم علم وطنه فى كل مكان بعد نجاح ثورته . ولكن للأسف ما لبثت الأمور أن أخذت منحى مغايرا تماما , برعاية المجلس العسكرى حيث جرى تسليم الوطن للتيار الدينى تحت دعاوى ملفقة بأن هذه إرادة الشعب , وأصبحت المؤسسة التشريعية الجديدة معنية بختان الإناث وحد الحرابة وإقامة الأذان تحت القبة فضلا عن فضيحة مضاجعة الوداع . وهكذا غرب حلم الدولة المصرية الحرة و وتم وأد آمال الشباب فى ثورته , أعنى حدثت النكسة , النكسة التى هى أشد خطرا من الهزيمة , النكسة التى من الصعب أن ينجح أى مضاد حيوى فى مقاومة فيروساتها التى اكتسبت مناعة ضده , أقول -من الصعب لا من المستحيل - , ويبقى أن الجسد المصرى فى حاجة إلى معجزة كى يتعافى من جديد حتى ولو كانت معجزة باهظة الثمن غالية التكلفة ,
التعليقات (0)