فى بدايات نجاح ثورة يناير المصرية , وحين كثر الحديث عن هوية الدولة ومكانة الانتماء الدينى فى دستورها وثقافتها فى العصر الجديد , حدثت مقارنات بين مصر وتونس فى مجالات عدة من بينها وضع الحريات الاجتماعية فى كل من الدولتين , حينها كتبت على هذه المدونة مقالا تحت عنوان - مصر ليست تونس - بينت فيه ان تونس ليست مثقلة بما يثقل العقل المصرى من تجذر التراث الدينى بها وكثرة مؤسساته وتنظيماته بما لا يوجد له مثيل فى تونس , رغم نجاح حزب النهضة ذى التوجه الأسلامى بالأغلبية فى انتخاباتها البرلمانية وبينت أن التراث البورقيبى العلمانى لا يمكن القفز عليه , وقد حدث ما توقعته , حيث نص الدستور التونسى على أن الاسلام دين الدولة , ولكنه لم يتطرق لكلمة الشريعة بأية إشارة , وقد توافق الساسة التونسيون على هذه الصياغة التى تحفظ لتونس هويتها ولكنها لا تسلب مواطنيها حرياتهم الأساسية وانتماءهم لحضارة العصر . هذا عن تونس , بالنسبة لسوريا فقد قرأت أن خلافا قد حدث بين النخب السياسية للمعارضة السورية الذين اجتمعوا فى القاهرة , وكان الخلاف حول هوية الدولة بعد رحيل الأسد , وقد انصب هذا الخلاف هل ينص الدستور السورى على كلمة - مدنية - أم علمانية - . نقارن ذلك بما يحدث الآن من شد وجذب فى اللجنة المخولة بوضع دستور مصر المحروسة حيث يطالب التيار السلفى المستقوى بأن ينص الدستور على أن احكام الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع بينما يرى الإخوان الاكتفاء بكلمة - مبادئ الشريعة بدل أحكام الشريعة . معنى هذا أنه بينما الخيار فى سوريا بين العلمانية والمدنية نراه فى مصر بين الدولة الدينية الأصولية وبين الدولة الوهابية المتشددة مع مابينهما من بعض الفروق . من هنا فإن مصر لا هى لحقت تونس بدستورها المدنى الذى يحافظ على الحريات الأساسية ولا هى ستكون مثل سوريا وبالطبع فالبون شاسع بين مصر وسوريا فى حالة رحيل الأسد أما فى حالة بقائه فمعروف أن حزب البعث حزب علمانى , وإننى وأنا أتعاطف مع ثوار سوريا ضد الاستبداد وفى نفس الوقت أحيى كوادر المعارضة التى لم تنزلق إلى ما آلت إليه مصر أم الدنيا . الأم العجوز , وإن كنت أخشى أنه فى حالة سقوط الأسد أن يتوارى صوت المنظرين والثائرين ليحتل الساحة المسلحون بسلاح الإرهاب وهو نفس ما حدث فى مصر .
التعليقات (0)