حلت الذكرى الستون لثورة 23 يوليو ومصر فى حالة من الاضطراب والارتباك غير مسبوقة فى تاريخها , نعم تبدو مصر وكأنها تبدأ من جديد حالة من البحث عن الذات , عن الانتماء , عن تحديد الهوية , هذا رغم أنها الدولة الأولى فى العالم التى سبقت غيرها إلى تحديد هويتها ورسم العلاقة الصحية بين أبنائها . حين أقبلت ذكرى الثورة هذا العام طرح المصريون عدة تساؤلات , منها هل سيحتفل النظام الإخوانى بالثورة التى ناصبها العداء لستين عاما ؟ وماذا لو تجاهل المناسبة؟ , ومن هنا فإن الرئيس الإخوانى قد أمسك العصا من الوسط , وألقى خطبة قصيرة فى المناسبة لم يرتجل منها شيئا وهو المغرم بالخطابة والإطناب , ولاحظ المصريون أن الرئيس تجاهل الإشارة إلى عبد الناصر فى خطابه , وعبد الناصر - وياللعجب - لا يزال أيقونة عند كثير من المصريين, ومنهم بعض كبار المفكرين والسياسيين . لفت نظرى ما ذكره الرئيس من أن ثورة 25 يناير قد جاءت لتصحيح مسار ثورة يوليو , ولعل الكثيرين يعرفون أن معظم قادة الإنقلاب العسكرى عام 52 كانوا ضمن التنظيم السرى للجماعة داخل الجيش بما فيهم جمال عبد الناصر , , وأن ما حدث من خلاف بينه وبينهم بعد ذلك كان فى الأساس صراعا على السلطة , وبالطبع كانت هناك اختلافات نظرية فى رسم خارطة طريق مصر . أنا أرى أن الذى يجمع بين عبد الناصر والإخوان هو نظرية الاستعلاء على المخالفين , والاعتقاد بامتلاك ناصية الحقيقة , وتقريب الأتباع والموالين , على حساب الكفاءة والولاء للوطن . ولقد دفعت مصر والأمة ولا تزال ثمنا باهظا لسياسات عبد الناصر غير الرشيدة , ولا زلت على يقين أن الحالة المتردية لمصر الآن هى أهم آثار الحقبة الناصرية التى مكنت العسكر من كل مرافق الوطن , حتى وصل آخر جنرالاتهم -مبارك -إلى الحكم وكانت الثلاثين سنة الأخيرة هى فترة الإجهاز على عافية مصر وضرب عقولها المبدعة , وتشاء حركة التاريخ التى قد تصنع أحداثها الجسام حادثة غاية فى البساطة , تشاء الأحداث أن يبدأ شاب تونسى فى حرق نفسه , فتشتعل ثورة تونس لتنتقل الشرارة إلى مصر , وأكاد أجزم أنه لولا هذا الشاب البوعزيزى لما حدث ما يطلقون عليه اسم الربيع العربى بالصورة الدراماتيكية التى حدث بها . , كان قصارى مايمكن حدوثه فى مصر أن تقوم بعض الحركات الاحتجاجية , وكان أقصى نجاح لها هو إسقاط مشروع التوريث . وتوالت الأحداث ولست من الذين يرون أن العسكر فى مصر قد ارتكبوا كل هذه الأخطاء , ولكنى أرى أنهم مكنوا الإخوان من ناصية الوطن عن تخطيط واقتناع , ومن الممكن ان تحدث خلافات بعد ذلك بين العسكر وبين التنظيم , ولكن المؤكد عندى أن التيار الدينى لم يقفز إلى السلطة دون دفع الإخوان به وتمهيد الطريق أمامه , وهنا يصدق قول الرئيس مرسى بأن ثورة يناير قد صححت طريق ثورة يوليو من وجهة نظره طبعا , فإذا كان الجنرال -ناصر - قد حال بين الإخوان وبين السلطة فإن الجنرال -طنطاوى - قد قدمها لهم على طبق من ذهب , وعن طريق لعبة هزلية اسمها صندوق الانتخابات . يبقى أن أقول إن الحقبة الناصرية قد قادت مصر إلى هزيمة عسكرية غير مسبوقة فى تاريخها , وأخشى أن الإخوان سيودون بها إلى هزيمة حضارية واجتماعية قد تكون الأفدح والأخطر خاصة إذا نالت من وحدة نسيجها الوطنى .
التعليقات (0)