حياة غريبة بمفارقاتها التى يعيشها البشر , ويتبادلون فيها مواقع التاثير والتأثر , وتتقاذفهم عوامل السعاد ة أو أسباب الشقاء . دارت هذه المعانى بخاطرى وأنا أشاهد ابتسامة الرئيس مبارك العريضة المتفائلة رغم أنه بين القضبان وتحت محاكمات وقضايا متعددة , بحيث أصبح أى حكم بالإدانة لم يعد يهم الرجل , حتى السجن لن يتأذى منه كثيرا , ذلك لأنه عاش ليشهد اللحظة التى كان يأملها , وربما التى خطط لها طيلة أيام حكمه : لحظة ندم شعب كامل إلا استثناءات قليلة على الثورة ضده , والشوق إلى أيام حكمه حتى بتجاوزاته , و هناك شعور جارف بأن الرجل رغم الفساد الذى انتشر فى عهده إلا أنه كان رئيس دولة لا رئيس جماعة , وأن يد الامن الغليظة رغم قسوتها , كانت تشعر الجموع بالأمان على ممتلكاتهم وأعراضهم . , وبصرف النظر عن كل ذلك فقد طرح فكرى سؤالا مهما هو : أى الرجلين أهدأ بالا وأسعد روحا الآن : مبارك أم مرسى ؟ . هنا أستطيع أن أجيب بكل ثقة أن مبارك هو الأكثر حرية رغم قضبان سجنه , والاكثر استمتاعا بأمن النفس وراحة البال من مرسى , هذا الرجل المسكين يعيش فى سجن كبير صلد الحوائط خانق الهواء , أمامه قرارات صعبة يجب أن يتخذها , وقرارات أخرى اتخذها ويجب أن يلغيها , وما بين هذه وتلك فان القرار ليس فى يده ولكنه فى يد جماعته التى تختلف رؤاها وتوجهاتها حسب اختلاف الفتاوى , وتفسيرات النصوص . وكثيرا ما أشارت الجماعة بقرارات ارتجالية كارثية تحمل مرسى وحده المسؤولية عنها أمام الشعب وأمام العالم , ولا تزال أمام الرجل معضلات خطيرة من الإنفلان الأمنى , وارتفاع الأسعار , وتضاؤل النقد الأجنبى , ورفض الشعب المصرى لسياسة الأخونة , وتصديه لها , والعين الحمراء التى أظهرها قادة الجيش والتى أوضحت أنه لن يقبل بأن يعبث التيار الدينى بالقضية الوطنية . هذه التحديات الجسام تعنى ببساطة أن مبارك فى سجنه أكثر حرية وأمنا من مرسى وسط حراسه أو بين أحضان جماعته . وسبحان مبدل الأحوال !
التعليقات (0)