مواضيع اليوم

مرارة الغربة فى الوطن !

أحمد قيقي

2013-03-25 21:42:50

0

 لا أظن أن هناك عددا كبيرا من المصريين  يعيش هذا الشعور البالغ القسوة الشديد الإيلام الذى يعتصر نفسى , ويغتال هدوئى , ويجعل أيامى الباقيات وقتا للأسى الموجع  ,والمعاناة الفوق الاحتمال , وأعنى به شعور الغربة فى الوطن ,  ذلك أن  الشعور بالغربة يكون أمرا طبيعيا حين يضطر الإنسان لمغادرة وطنه , ويشعر بأنه يعايش أناسا مختلفين , وتقاليد غير ما نشأ عليه , وأنماط سلوك غير ما عهده  ,  . ويكون عزاء الإنسان فى هذه الحالة  أنها ضريبة الغربة  التى قد تنتهى بعودته إلى وطنه ,  أوقد يتلاشى الإحساس بها إن طالت هذه الغربة  . هذا كله أمر طبيعى , ولكن أن يحس الإنسان بغربة شديدة الوحشة , وهو على  نفس الأرض , ومع نفس  البشر , فهذا هو المريع فى الامر  ,  وهنا سآخذ من نفسى نموذجا   فأقول   : بأن الكثيرين ينظرون إلى آرائى ومواقفى باستغراب وإنكار  مع أننى لم أتغير , فمواقفى وآرائى هى ذاتها التى كنت أعرضها قبل عشرات السنين , ولكنها لم تكن تقابل بهذا القدر من الإندهاش  , أنا رجل علمانى , أبنى علاقاتى بالناس على هذا المبدأ , أقدر الصادق الأمين أيا كان معتقده , ذهب إلى المسجد , أو لم يذهب , لا أقرّ تعبير أن فلانا هذا -بتاع ربنا - لمجرد أنه اطلق لحيته , أو أنه أسس جمعية لتسهيل السفر للحج والعمرة .   كما أننى لا زلت حتى الآن أنتشى بسماع أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ , وأجلس أمام التلفاز لأشاهد الأفلام العربى منها والأجنبى , ولا أشعر بالذنب إن عُرض مشهد من هذه المشاهد التى يصفونها بأنها خارجة . كل ذلك لسبب بسيط جدا , هو أنى كنت كذلك  ونشات على هذا كما نشأ عليه كل رفاقى وزملائى وأصدقائى ,  كنا شبابا أزهريين  نقرأ القرآن وندرس العلوم الشرعية , وفى نفس الوقت ندخل السينما ونقرأ أشعار نزار وقصص  نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وغيرهم من أدباء ذلك العصر , وكانت الليلة التى ستغنى فيها أم كلثوم ليلة رائعة نجتمع جميعا حول  المذياع  ,  -ونهتف الله يا ست -  , وأظن أنه لو جرؤ أحدنا على القول بأن الغناء حرام لاتُّهم بالجنون  .  أكرر أننى ذات الإنسان , بنفس الأفكار ونفس المشاعر , لم أتحوّل أو أتغير , ولكن الذ ى تغير هو الوطن , هى الأفكار والمعتقدات , هى سلّم القيم الحاكمة التى تفصل بين ما هو صواب ونافع , وبين ما هو خطأ وضار ,   أصبح الخطأ أن يضع الإنسان فى يده خاتم الخطوبة الذهبى , وليس الخطأ ان يكذب ويدلس ,  والخطيئة ان تكشف المرأ ة شعرها , وليس الخطأ  أن تعرف  أنها تنفق أضعاف دخل زوجها , وأن الباقى هو من عائد الرشوة ,  أصبحت مشاهدة بعض الأفلام حرام , بل إن البعض قد حرّم جميع الفنون , أصبحت المدن مستباحة  فلا أحد يهتم بنظام او نظافة , بل تم اغتيال قوانين البناء , وأصبحت الشوارع غابات من الأسمنت ,  وتم التحايل بالرشوة والمحسوبية من المقاولين الذين دمروا التراث الحضارى للمد ن,  وكلهم يحمل لقب الحاج ,  وبعضهم يقيم موائد الرحمن فى رمضان  .  أنا لم أعد أستطيع السير فى شوارع مدينتى التى كانت عروسا للبحر , ولا أستطيع الدخول فى حديث أدافع فيه عن حضارة مصر وفنونها وإبداعها دون أن أدفع ثمن ذلك تهجماواندهاشا  , إننى أذكر أننا كنا فى شبابنا نحن الأزهريين نقوم بنقد النص الدينى نقدا عقلانيا , وبعضنا كان يتمادى فى ذلك  دون أن يتعرض للتهجم أو التهديد ,   ذلك لاننا كنا كبار العقول  كبار التصرفات , كما ازعم أننا فى  هذا الزمن كنا نعيش فى مجتمع اكثر أمانة وصدقا , وتسامحا وزهذا فى كماليات الحياة   وبعدا عن السفاسف والخطايا , رغم سفور نسائه , ورغم لبس رجاله لدبلة الزواج الذهبية  .    ما الذى حدث إذن  ؟ لماذا هذه الغربة الموجعة  التى تلفنى  بردائها الأسود ,مع أننى لازلت فى ذات الوطن , وأنا ذات الأنا لم أتغير , ولكن الذى تغير هو هذا الوطن وهم ناسه وأهله لأنهم  وقعوا ضحايا  لمن  يجعلون الطريق إلى الجنة مفروشة ببعض الطقوس والمظاهر  , وألوان القمع والتحريم




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !