هذا اليوم سأبدأ الدراسة - سأصبح مهندسا في نظر أمي، وطبيبا في نظر أبي... ومناضلا في نظر أخي الكبير، إن كنت مجتهدا طبعا –
سجلني أبي في مدرسة حكومية جميلة ومزركشة... أقسامها مصبوغة بألوان قوس قزح... قيل لنا بأن الألوان تساعد على الدراسة وتفتح الذاكرة – أظن أن من روج لهذه القولة له محل لبيع الصباغة – .
جرت العادة في بيتنا أن نُكسى مرتين في السنة... أثناء الدخول المدرسي وقبيل عيد الفطر... أما في عيد الأضحى فنستعمل ملابس عيد الفطر التي تلزمنا أمي بخلعها بمجرد انتهاء يوم العيد... لتخبئها في خزانتها... أما بالنسبة للأحذية فنعتمد على نظام الإراثة... أنا أرث حاليا حذاء عن أخي كان قد ورثه عن أخي الكبير الذي بنفسه ورثه عن أخينا الأكبر – الحكم ليس وحيدا في هاته المسألة –.
أيقظتني أمي باكرا وحضرت لي إفطارا من نوع آخر... حليب وفرماج. تظن أن الفرماج يفتح الذاكرة وسيجعلني مجتهدا – المسكينة تثق بكلام التلفزة وتعتبرها أصدق حديثا بعد صحيح البخاري – على كل أنا الرابح... شكون بحالي فاطر بالفرماج..؟ تناولت فطوري وتوجهت إلى غرفة أمي لتغير لي ملابسي... رجاءً... أغمضوا أعينكم حتى أنتهي... (مشهد لا ينصح بمشاهدته (18-))... افتحوها الآن... كيجيتكم..؟؟ ارتديت سروالا أسود وقميجة بيضاء - سرباي في مقهى البلد - شكرا لأبي لأنه قبل بشرائها لي بعد نضال أمي وتهديدها له بالذهاب إلى بيت جدي...
اليوم سأذهب إلى المدرسة لأسجل اللوازم والأدوات التي سأحتاجها هذه السنة... أظن أن أمي ستدخل هذه المرة في إضراب عن الطعام كخطوة نضالية ليقتنع أبي بشراء الأدوات - الله يسمحنا من الوالدين -.
أعطتني أمي ورقة مطوية جيدا وملتصقة بقبعة القلم الأزرق، سأسجل بها الأدوات.
أمي: هاك سجل الأدوات فهاد الورقة... داكشي اللي قال ليكم الأستاذ سجلو... وعنداك تنقل من شي واحد، راه يحصلك الأستاذ ويعطيك صفر... (هههه ..مكسنية كان يسحاب ليها امتحان... الله يسمحنا من الوالدين ..) .
لبست وتناولت فطوري، وأنا الآن أمام باب المدرسة سأدخل إلى عالم العلم... أمي لازالت واقفة بباب المدرسة تنظر إلي وإلى قميجتي التي توصيني للمرة الرابعة والستين بأن لا أوسخها، لأن جافيل ديال العبار لا يزيل مداد القلم... من حقها، هي من ناضلت شهرين متتابعين لألبسها في هذا اليوم المشهود...
أغلق الحارس باب المدرسة واجتمعنا في ساحة المدرسة لنؤدي تحية العلم... مدرستنا تربينا على حب الوطن... ما أعجبني هو أننا نردد النشيد الوطني بطلاقة... ارتفع علمنا الجميل في السماء... وصفق المدير ورن الجرس ليدخل كل فوج إلى القسم... لكن أول قسم دخلته أنا هو قسم مكتوب عليه wc ... لأنني كنت (...) حاشاكم...
أبي يوصيني دائما أن أجلس بالصف الأمامي لأنه صف مهم... لم أكتشف ذلك إلا بعدما أخذني عمي ذات يوم إلى المسرح، فرأيت المسؤولين الذين يظهرون في الأخبار يحتلون الصفوف الأولى... ففهمت أن الصفوف الأولى مهمة...
جلست بالصف الأول للقسم وجلست أمامي تلميذة جميلة... دخلت الأستاذة... وقوف... قف للمعلمة وفها التبجيلا... جلوس... جلسنا... التلميذة التي تجلس أمامي لم تلتفت إلي حتى لترى القميجة... كيفاش؟؟ تكون ما عجبتهاش القميجة؟؟ ولا نكون أنا هو اللي ما عجبتهاش..؟؟ المعلمة تعرفنا بنفسها... اسمها كريمة... أتمنى أن تكون كريمة في التنقيط أيضا... يا سلام... إنها غير متزوجة... سأقترحها على أخي فهو يبحث عن زوجة موظفة... ليتعاون معها على الزمان... هو لا يفعل شيئا سوى النضال... بماذا سيتعاون مع الأستاذة..؟؟ لو تزوج أخي بالأستاذة كريمة فأظنها ستكون كريمة معي... (زواج المصلحة)، لكني أخشى أن أنجح في القسم الأول وأدرس عند المعلمة خديجة في القسم الثاني ويضطر أخي إلى أن يُعَدِّدَ الزوجات... لكن كيف سيفعل إن كان الأستاذ عبد الله هو من سيدرسنا؟؟؟ عذرا... لقد حملت الأستاذة الطباشير لتكتب اللوازم... يجب أن أكتب.
قلم أزرق . قلم أخضر . قلم اسود .. قلم أحمر... يا إلهي!!! لا أحب القلم الأحمر... إنه يقيد حريتي في التعبير... خاصة عندما أكتب بالقلم الأسود...
لقد تعلمت الكتابة في الروض... كي لا يقول أصحاب الأقلام الحمراء إنه من غير المعقول لتلميذ في الفصل الأول أن يكتب.
بدأت الأستاذة كريمة تكتب... بدأنا ننقل... انتهى الطباشير الأول... لا زالت تكتب ونحن ننقل... انتهى الطباشير الثاني... لازالت تكتب... لازلنا ننقل... انتهت علبة الطباشير الأولى... لازالت تكتب... لازلنا ننقل... امتلأت السبورة... لازلنا ننقل... ستكمل المعلمة الحصة بالإملاء.
لماذا كل هذه اللوازم؟؟؟ هل تريد الوزارة الدخول إلى كتاب غينيس للأرقام القياسية في طلب الأدوات؟؟ لا أفكر في ظهري الذي سيقسم لحمل كل هذه الأدوات... لكني أفكر في حرب أهلية ستشتعل في غرفة نوم أمي وأبي بمجرد وصول هذه الورقة إلى البيت...
إذا أعطيت لأبي هذه الورقة البيضاء فسيعطيني ورقة حمراء... يطردني بها من البيت... ستتكلف أمي بتسليمها له، فهي متمرنة على ذلك... لأنها تكثر الطلبات على أبي، وتعلم أنه سيصرخ قليلا وسيصرف كثيرا، وسينصرف بعد ذلك إلى المقهى –الله يسمحنا من الوالدين -.
سجلت الأدوات بالورقة التي ناولتني أمي إياها في الصباح... لعلمكم التلميذة التي تجلس أمامي... عفوا التي أجلس أمامها... اسمها زينب... - يا سلام!!! زينب اسم جميل..!! يذكرني بخالتي رقية... – إنها ابنة المدير... كنت أعلم أن أباها سيكون ذا منصب، لأنها جميلة... - أحسست أنها متكبرة في البداية... لكنها أصبحت صديقة حميمة لي في منتصف السنة الدراسية – نسيت... حتى القميجة لعبت دورا مهما في ذلك... كنت ألبسها طيلة الأسبوع ما عدا يوم الأحد... لأنني كنت أخلعها لتصبن... وأدعو الله أن يعطينا شمسا مشرقة... -.
لكن السؤال الذي ظل يحيرني، وخجلت أن أطرحه على زينب، هو لماذا لا تدرس هي بالتعليم الخصوصي؟؟ فمعظم أصحاب المناصب يدرسون أبناءهم في المدارس الخاصة... لأنها أصبحت موضة العائلات وحوارا ثقافيا للتباهي... أنا ولدي كانقريه بالفلوس... وأنا بَّا كايقريني بالنخالة؟؟؟ حتى أنا الواليد شرالي سروال وقميجة وغادي يزيد يشريلي الدفاتر والكتب، ويمكن شي قميجة أخرى نبدل بها... هو من حُق له التباهي بي... ويقول أنا كانقري ولدي بالفلوس...
رن الجرس فخرجنا... وجدت أمي بانتظاري... تحمل لي خبزا محشوا بالطماطم... ناولتني إياه .. هاك كول كون راك سخفتي بالجوع... إنه منظر مخجل فعلا، خاصة وأنا أمام زينب... أمسكت الخبز وحاولت أن أخفيه بين يداي... لكن الكارثة هي أنني وسخت القميجة بماء الطماطم، وصفعتني أمي أمام زينب... وبدات زينب تضحك وأصدقائي أيضا وكل من شاهد المشهد... ثم صعد جينيريك الفيلم الذي كان من بطولتي أنا وزينب وأمي والأستاذة كريمة... تأليف وإخراج: أنور خليل. الذي لم يختر لي سوى الصفع في نهاية القصة... حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا أنور .
التعليقات (0)