العقاب الجسدي في المدارس ظاهرة لا ينفرد بها الشرق الأوسط وحده، بل يشكو منها تلاميذ أوروبا، وخاصة فرنسا. رغم أن قانون 1886م الفرنسي منع تماماً أي عقاب جسدي للطالب، وقد نص على ذلك بالقول صراحة:إن «العقاب الوحيد الذي يمكن أن يستخدمه المعلم هو: إعطاء درجات سيئة، الحرمان الجزئي من الفسحة، الوقوف في الفصل والاستبعاد مؤقتاً من الحصص، اللوم والتوبيخ».
ويذكر أيضاً: «محظور تماماً اللجوء إلي أي عقاب جسدي».
بالنسبة للأكبر سناً: فان قانون 5 يوليو 1890 والمنفذ حالياً، لم يذكر العقاب الجسدي في قائمة العقاب المسموح به:
فالعقاب دائماً له صفة معنوية ويكون هدفه إصلاحياً مثل: الحرمان من الفسحة، أو تكليفه بعمل كتاب يعيه عدة مرات، الاستمرار يوم الأحد أو الخميس بعد المدرسة لأداء واجب محدد... ولكن محظور تماماً الحرمان من الرحلات.
القانون يجيز الصفعة، ولكن..
ويبدو حرص القانون ورحمته بالطلاب أكثر من المعلمين، بل إن المحاكم الجزئية تتدخل في بعض القضايا للتأكد من أن الحركة التي تم بها العقاب لم تؤد إلى التأثير على صحة الطفل. ولكن مع ذلك تقف مع المعلم في حالات محددة مثلما حكمت محكمة ريجون لصالح مدرس صفع تلميذه، وذلك لأن صفعته كان مبررها الحق في التقويم الذي يملكه المعلم على تلاميذه بسبب عمله! فالمدرس -من وجهة نظرها- له قوة وسلطة تأديبية مبررها المسئوليات التربوية التي يتحملها في ظروف غير مواتية أحياناً.
من منا لم يتلق صفعة من مدرسه؟
إلا أن شد الشعر والخدود والصفعات والضرب على المؤخرة وملء الوجه بالطباشير.. ما زالت أساليب يرى فيها معلمو فرنسا وسائل طبيعية للحفاظ على النظام داخل الفصل. أي تلميذ هذا الذي لم يتلق صفعة طوال حياته الدراسية في المدرسة؟ كم مدرس منع نفسه من ضرب تلميذ على الأقل يومياً؟! «إن تربية الصفعات» لم تختف بالكامل رغم أنها قلّت كثيراً عن ذي قبل! ورغم وجود النصوص القانونية الصارمة في هذا المجال إلا أن عدم تطبيقها يعد ذريعة تجعل بعض المدرسين يقومون بالعقاب بصورة متعمدة أو بحركة تلقائية مفاجئة! فها هو طالب يشكو من أن بعض المدرسين يقومون بالعقاب بصورة متعمدة أو بحركة تلقائية مفاجئة! وها هو طالب يشكو أستاذه فيقول: «كان لدينا مدرس حساب يعتمد أسلوبه التربوي على ضرب التلاميذ باستمرار، بل إنه صفع طالباً لأنه اخطأ في علامات الترقيم! وكانت النتيجة أن أدمى فمه وتم إلحاقه بالعيادة المدرسية! ونتيجة أخرى أكثر خطورة وهي اكتئاب عام ورغبة في التقيؤ من كل تلاميذ الفصل، هذا طبعاً مع القلق المستمر قبل بداية حصة الحساب طوال العام!
عانوا كي تتعلموا!
وهذا مثل بسيط تماماً مقارنا بغيره، مثلما يحدث في بعض ضواحي باريس، حيث تقوم مدرّسة بضرب مؤخرة التلاميذ أمام الفصل، وأخرى تضع دلو ماء لتغمر فيه وجه الطالب غير المطيع، ومدرس يضع رأس الطفل بين ركبتيه ويقوم بخنقه! ومدرسة اقتصاد منزلي تحرق الأطفال بالكبريت.. وكل ذلك تحت شعار «يجب أن يعانوا كي يتعلموا».
ويحاول المسئولون التغطية على مثل هذا العمل المشين، وفي محاولة لتهدئة الرأي العام، فإن هناك مصطلحات تستخدم للتقليل من وقع هذا العنف، مثل القول بأن هذا العنف ليس في ازدياد أو أنه يتناقص.
ولكن بعض المدرسين من ذوي الأمانة يؤكدون أن طالباً من اثنين قد تعرض، أو على الأقل شهد عملاً عنيفاً من المدرسين أثناء الدراسة! وهو ما أكده البحث الذي قام به برنارد دي فرانس، مدرس فلسفة، وظهر أن 50% من الأطفال في الحضانة تلقوا صفعات أو ضربة على الأرداف، وأن نسبتهم في الأول الإعدادي كانت 95% و24% في ثانية إعدادي و34% في الثالثة. وحتى في الثانوية لم تختلف الصفعات في المدرسة ولكن يتردد المدرسون كثيراً لأنه كما يؤكد برناد «يكبر الأولاد في السن وفي القامة، كما أنه في ظل حساسية الشباب والمطالبة بالعدالة، فانهم يلجأون إلى محامين لأخذ حقوقهم!».
المعلمون: العقاب هو الحل الوحيد
ورغم أن نقابة المعلمين أكدت أنه ليس من حق المعلم أن يلمس الطالب، فإن الواقع فرض رأياً آخر يجعل القرارات صعبة في التنفيذ، حيث إن 95% من المعلمين أبدوا رغبتهم في اللجوء للعقاب مع الأطفال العنيدين، بل ولجأ 74% منهم فعلاً إلى العقاب الجسدي.. ولتبرير هذا العمل، أبدى المعلمون أن هذا هو الحل الوحيد من وجهة نظرهم، ليأسهم من نوعيات من الطلاب! وهذا هو الرأي الذي اختفى وراءَه عدد من الأساتذة مؤكدين أن الآباء أنفسهم يقومون بذلك، بشرط أن يظل العقاب استثناء وليس القاعدة!.
ومع ذلك بدأ أخيراً نوع جديد من العنف يظهر في المدارس وهو العنف الشفهي باستخدام ألفاظ وكلمات حادة! وهو عنف يترك آثاراً ضخمة على المدى البعيد!
ويبقى فقط ضرورة التفاهم بين السلطة (المدرسة) أو الطالب ومحاولة حل المشاكل حتى تنتهي معتقلات التعذيب في المدارس الفرنسية.
التعليقات (0)