متى يعلنون وفاة العرب؟.
هذا السؤال كان عنوان قصيدة شهيرة للشاعر نزار قباني، كتبها سنة 1994 . و تعرض على اثرها لحملة شرسة من طرف بعض الأقلام المأجورة. وقد ارتأيت أن أبدأ هذا المقال بمقاطع من تلك القصيدة:
"
أنا منذ خمسين عاما،
أراقب حال العرب.
وهم يرعدون، ولا يمطرون..
وهم يدخلون الحروب،
ولا يخرجون...
وهم يعلكون جلود البلاغة علكا
ولا يهضمون... "
" أنا... بعد خمسين عاما
أحاول تسجيل ما قد رأيت...
رأيت شعوبا تظن بأن رجال المباحث
أمر من الله.. مثل الصداع... ومثل
الزكام...
ومثل الجذام.. ومثل الجرب...
رأيت العروبة معروضة في مزاد الأثاث
القديم...
ولكنني... ما رأيت العرب... ".
حقا لقد أصاب الشاعر كبد الحقيقة. ولا يبدو أن الأمر قد تغير منذ ذلك الحين. اذ مازال الحال كما وصفه نزار قباني تماما. ولم يتعلم العرب أي درس أوعبرة لا من نكباتهم التي أصبحت ديدنهم، ولا من تجارب الآخرين التي يبدو أنها لا تهمهم. انهم يعيشون خارج النص، وهم بذلك مجرد حاشية على هوامش التاريخ. هذا التاريخ الذي يحاولون الاحتماء به كلما سنحت الفرصة، حيث الحنين الى الماضي بات بلسما لمداواة جراح الحاضر.وفي هذا الالتفات الى الماضي هروب من الواقع، وتعبير عن العجز وعدم القدرة على التطلع الى المستقبل.وكم هو مضحك هذا الحنين. انه يذكرنا بالمقدمات الطللية في الشعر الجاهلي.
من غرائب العصر العربي الرديء أن سؤالا واحدا ظل يتكرر، وسال من أجله مداد كثير منذ ما سمي بعصر النهضة ( نهضة النوم الأبدي). لماذا تخلف العرب وتقدم غيرهم؟. هذا السؤال مازال قائما الى اليوم ولا أجوبة في الأفق، مع أن كل من يملك عقلا سليما يدري أن العلم هو سلاح الانسان للتقدم. وعندما ننظر الى واقع الحال في المجتمعات العربية ندرك جيدا أن العلم ليس له أي حظ في أجندة أصحاب العقد والحل، لأن العلم يعني بداية اليقظة الحقيقية. و ما كان للأوربيين أن يتجاوزوا غياهب القرون الوسطى لولا انفلات العقل من سلاسل الحواس، واسقاط سلطة الموروث البطليموسي الأرسطي الذي كان مسيجا بصكوك الغفران الكنسية. وقتها كان العرب والمسلمون غارقين في صراعات السلطة ومكائد السياسة وثقافة المجون وهز البطون. أما اليوم و بالرغم من التحولات الكبرى التي عرفها العالم بفضل العقل الغربي المستنير، فالعرب مازالوا يدورون في نفس الحلقة المفرغة: صراعات مذهبية وطائفية تنهل شعاراتها من معين القبلية وعصبية الأوس والخزرج، وانكسارات متتالية تجد دائما مشجب المؤامرة مبررا لها، و ديموقراطية _عفوا ديموقطاعية_(من الاقطاع طبعا) على المقاس وحسب المزاج.حيث برع العرب في نحت مفهوم جديد في الأدبيات السياسية، يحلو للفنان المغربي الساخر أحمد السنوسي أن يطلق عليه لفظ : الجمهلكيات. وهو اسم يليق بموضة جمهوريات التوريث الجديدة.
ماذا قدم العرب للانسانية؟ و ما دورهم اليوم؟ وفيم يتم صرف الأموال الطائلة التي تجود بها عائدات النفط.؟. ولماذا...؟ (و أعود هنا ثانية الى شعر نزار قباني وهذه المرة من قصيدة أخرى):
"
لماذا... تتقاتل الأفعال مع الأسماء...
والألف مع الباء...
والحليب مع الأثداء...
وتقف النساء ضد حرية النساء؟؟."
هي أسئلة لن تجد لها أجوبة. فلا حياة لمن تنادي. انهم في غيبوبة قومية.
محمد مغوتي. المغرب.
التعليقات (0)