مباراة مصر والجزائر
" قراءة سياسية "
, الرياضة مكسب وخسارة , وفى بعض الأحيان تعادل .
على أن معظم المسابقات و لتحديد الفائز , فالأمر لا يقف عند حدود التعادل ولكن لابد من كسبان وبالتالى خسران .
الأمم والشعوب المتقدمة لا تخرج بالرياضة عن هذا الاطار , بل ان بعضها وصل الى درجة من الرقى والسمو الفكرى ان أصبحت الرياضة مقدمات لازالة بعض الاحتقان السياسى .
وهذا الكلام ليس صحيحا على اطلاقه , فاننا نثمن الاجراء الذى يقوم به الرياضيون وبعض الفرق عن عدم ملاقاة رياضيين أو فرق اسرائيلية .
وقد سبق ان انتهجه العالم حينما كان يقاطع فرق جنوب افريقيا ايام التمييز العنصرى بين السود والبيض .
وقد سبق وقاطعت بعض دول العالم دورة موسكو الأوليمبية – ايام الحرب الباردة – وايضا دورة بكين , بسبب انتهاكات حقوق الانسان وتجاوزات الشرطة مع المتظاهرين .
على ان مصر والجزائر حالة خاصة , بل خاصة جدا .
اذ أى فريق سوف يصعد منهما سوف يمثل العرب وحيدا فى مونديال جنوب افريقيا 2010 , وذلك بعد خسارة البحرين وتونس .
من الطبيعى ان فريق واحد هو الذى سوف يصعد , وعلى الآخر ان يتقبل هذا كأمر واقع اذ ليس لأحدهما أفضلية على الآخر , كما ان عدم التأهل للمونديال ليس نهاية العالم .
المهم انه قد احتكم الأمر ووصلنا الى المباراة الفاصلة فى الشقيقة السودان .
قبل الفاصلة تم شحن ( زمبلك ) اللاعبين شحنا مؤذيا , ولذا جاءت المباراة دون المستوى .
ولأن القائمين على الاعلام – خاصة الرياضى – فى كلا البلدين شأنهم شأن جميع القيادات والتنفيذيين فى كلا البلدين , مستواهم المعرفى وبعد نظرهم محدود بلا حدود فى كلا البلدين .
أستمرأ الجميع وأوكلوا الأمر لغير أهله , فكانت هذه القيادات الهشة والضعيفة , وظلت تشحن فى جماعير جاهلة متعصبة ليل نهار , كأنهم يدقون طبول الحرب بين البلدين , وكأنهم غير راضين عن حالة التشرذم والانقسام التى تسود عالمنا العربى , أو كأنهم وجدوا الذريعة والمبرر والسبب الكافى لدق ( أسفين ) اضافى, امعانا فى زيادة الشرخ وأملا فى توسيع الهوة .
وهى فرصة مواتية جدا , نظرا لأن الدولتين ليستا حدوديتين , وايضا ليستا من ضمن دول الجوار مع العراق الشقيق .
فنجد الشعر العربى القديم يستدعى فى الموقف " أسد على وفى الحروب نعامة " .
وبح صوت المستجيرين , من أهالى القتلى برصاص القناصة الاسرائيليين على حدود مصر وفلسطين , كما بح صوت المهاجرين الجزائريين فى أوروبا – خصوصا فرنسا - , من الظلم والقتل والاختطاف , والكل يجأر " وامعتصماه " .
ولكن المعتصم فى كلا البلدين لا يسمع , فقد وضع سماعة الأذن , وأوصلها ب " الووكمان " الذى يسبح ليل نهار بالسيد الأمريكى , فهل يضيع سماع التسابيح وينصرف الى الرعاع والغوغاء الذين ما فتئوا يرددون " وا معتصماه " .
ولكن " معتصمنا " و " معتصمهم " ينتفض فجأة لمجرد تجاوزات فى مباراة لكرة القدم .
قد تكون تجاوزات فعلية , وقد تكون محض افتراء من اعلاميين جهلاء . ويتم استدعاء السفير فى كلا البلدين , وتصدر بيانات التهدئة والربت على الأكتاف وتقبيل الأنوف بالأنوف والعناق وتبادل القبلات – رغم تحذيرات منظمة الصحة العالمية تحت شعار عالم بلا قبلات - , والاعلاميون التافهون فى واد آخر , حيث تسترجع القنوات المصرية مجدا دبلوماسيا فى علاقة مصر بالجزائر , وتبث أشرطة الستينيات عن لقاءات عبد الناصر مع بن بيللا وهوارى بو مدين , فى اشارة ضمنية الى المن بما فعلته مصر تجاه الجزائر , وهو ما فسره البعض بطريقة اخرى على انه ( تباهى القرعة بشعر بنت اختها ) .
وبدأت حرب الانترنت , فى التجريح المتبادل واتهام بالعمالة والخيانة وعدم فتح المعابر , بل والتجنى فى بعض الأحيان واختلاق وفبركة الأخبار والصور حول اعتداءات كل دولة على مواطنى الدولة الأخرى , وقد يكون بعضه صحيحا , فالشعوب المتعصبة , جاهلة ايضا .
وليس اخطر من ردة فعل حيوان حبيس ومعصوب العينين .
ان ما خاضه الأمن المركزى فى مصر ضد أى معارض وما يخوضه الأمن المركزى فى الجزائر ضد الجماعات الاسلامية , والعنف المتبادل بين الأمن والمعارضين , يبقى هو السمة المميزة لنقاط التقاء مصر والجزائر – حاليا - .لذا فرح الحكام وابتسمت الأنظمة , فهاهى الشعوب تلتف حول قياداتها السياسية وبدون ثمن – مقدم أو آجل – وهومالم تحلم به الأنظمة , وها هى الشعوب تشترى اعلام دولها مما أدى الى حدوث ازمة وندرة فى الأعلام , يرفعونها ويهتفون باسم بلادهم لدرجة بح فيها صوت بعضهم .
ان الغياب لأى مشروع قومى او وطنى هو ما جعل الشعوب متعطشة لأى هدف – حتى لو كان تافها – كى تتجمع وتلتف حوله وتهتف به وتقاتل من اجله , وهو درس نتمنى ان تستوعبه الحكومات والأنظمة .
وقد تكون مظاهرات الشعوب , عطشا وجوعا لأى مظاهرات ممنوعة او مقموعة .
وقد تكون " بروفة " لمظاهرة كبرى لم يحن أوانها .
وعن الأوان , فهذا درس آخر نتمنى أن تحسب له الأنظمة ألف حساب .
كلمات لها علاقة بالموضوع :
- نتمنى ألا يصيب الشقيقة السودان بعض شذرات الحاصل بين مصر والجزائر ( كفاية عليكى اللى انت فيه ) .
- بعد شغب بعض الجمهور الجزائرى فى مباراة بين فرنسا والجزائر , قررت فرنسا عدم لعب اى مباراة على ارضها بينها وبين الجزائر .
- مبروك للعرب ممثلهم الوحيد فى المونديال , مبروك لمصر , مبروك للجزائر , ايا كان الفائز .
التعليقات (0)