ما نفقه كثيرا مما تقول
خالص جلبي
هناك من يشكل عليه ما أكتب فيحتار في أي خانة يضعني. هل أنا رجعي أم تقدمي. خلفي أم سلفي.
وعندما أمزج علوم الشريعة مع أحدث نتاج المخابر العلمية في الأنثروبولوجيا يحتار البعض فيقولوا هل هذا إسلامي أم لا؟؟
وهم لا يعرفون معنى الاثنين. ولا يوجد في القرآن كلمة علماني وإسلامي. إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان.
وما يطبخ في مطابخ العلم الغربية ينقل إلينا حذو القذة بالقذة، بما فيها المصطلحات، مثل البنيوية والحداثة والشفافية والأصولية بترجمة ركيكة. وهناك من يرى أنني أكتب للنخبة وهذا صحيح في قسم منه. وهناك من يقرأ فلا يفقه شيئا مما أكتب. وأنا أريد رفع مستوى الوعي بالعلم المكثف أكثر من هرج العوام.
وهناك كثير ممن يكتب من دون عمق وتعب أو إثارة من علم وهم ليسوا قليلين.
وفي يوم قال الناس لشعيب عليه السلام ما نفقه كثيرا مما تقول، وإنا لنراك فينا ضعيفا، ولولا رهطك لرجمناك، وما أنت علينا بعزيز.
واتهم الأنبياء بخمس: بالسحر والجنون والكهانة والشعر، وأنه اكتتب أساطير الأولين فهي تملى عليه بكرة وأصيلا.
قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما.
وهي مفاهيم تفيد خمس أمور أن النبي يتكلم بكلام يسحر به عقول الناس. أو يقول كلاما خطيرا من التنبؤ، سوف يتحقق ويقرر مصائر الناس، كما لو قال أحدهم لصدام نهايتك أنك سيلقى عليك القبض في حفرة مثل الفأر اليائس ثم تشنق بأيد عراقية؟
أو يتكلم كلاما ليس له علاقة بالواقع. والجنون هو انفكاك الإنسان عن الواقع والتصريح بذلك كما لو قال أحدهم تغذيت البارحة في المريخ؟
أو أن يقول كلاما مؤثرا يهيم به في الخيالات. كما وصف أحدهم كتابي عن اللاعنف أنه محض خيالات.
واليوم يدرك كثير أن كلامي كان سابقا لوقته قبل التفجيرات في كل مكان من البرجين حتى بالي مرورا بالرياض وعمان فطار العقاد في الهواء مثل ديك رومي ومن قبل رفيق الحريري.
ولكن لم يستفد أحد مما كتبت حتى اللحظة، وصحة فكرة لا تعني انتشارها بل الأرض المستقبلة.
والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا..
وحاليا هرع كثير فبدأ يكتب في اللاعنف خوفا من المطارات، أكثر من القناعة بالتوجه.
والأمم تتعلم بالمعاناة أكثر من الكتب.
ونحن من يكتب لا ننشر كل ما نكتب، ويبقى الترميز أرحم من الإفصاح. وقسم مما ينشر يثير غضب كثيرين، فليس أقسى من النقد ولا ألذ من الإطراء والثناء.
وكثير ممن يكتب يتبرع بغسل كثير من المسؤولين بماء الورد من عاطر الثناء، والمشكلة أن عديدا من المسؤولين لا يلتفتون للمنافقين كثيرا فقد شبعوا وملوا منهم، وهم يعرفون أن فيهم هذا وذاك، فهم عباد الله الذين يحسنون ويخطئون، ولكن لا أحد يتجرأ فينتقدهم.
ولكن هذا خطير وهو إثبات غير مباشر لمعصومية لا تصح لهم مثل بابا الفاتيكان والأئمة.
والله يقول عن رسوله إنما أنا بشر مثلكم.
وعندما أقرأ في التاريخ لبعض القياديين أتمنى أن يكونوا قد وضعوا في الميزان كبشر، وليسوا كآلهة لا يقاربهم الخطأ، أو يمازجهم الهوى، أو يلامسهم القصور والضعف، وهو غير صحيح ومضلل.
ولكن ثقافة من هذا النوع في تدريس التاريخ ثورية.
والناس لا تريد تغيير الأفكار، بل استمرار تدفقها، حفاظا على إعادة المجتمع نفسه بصورة رتيبة، فهذا أريح من وجع الدماغ.
ولكن القرآن يشن حملة بدون رحمة على من يتبع الآباء..
أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون.
ونحن نظن أن قريش كان عندها آباء؟ أما نحن فولدنا من دون آباء؟ ألا ساء ما يحكمون.
وهناك أشخاص أعطيناهم تاريخا بقدسية فلا يلمسون مثل ابن تيمية، والرجل يقول بل أنا بشر ممن خلق.
وهنري لاوست كتب كتابا من مجلدين عن تاريخ ابن تيمية جدير بالتأمل. كما أن الوردي كتب في مجلده السادس عن تاريخ المملكة بكثير من الحياد ولكن من يقرأ الحياد؟
والمهم فأهم ما يجب فعله لتغيير المجتمع هو تغيير العقول بتغيير الأفكار. وهو يعني تغيير مناهج التعليم، وهو يعني الانتهاء عن نموذج الكذب والتبجيل. وهو يعني الانفتاح على الثقافة العالمية. وهو يعني بناء منهج في النقد الذاتي مثل طريق سرية باتجاهين، وهو ما فعلته بكتابي في النقد الذاتي وضرورة النقد الذاتي للحركات الإسلامية، فاستفاد منه المغاربة ونجوا من مذابح الشرق..
ويسألونك أحق هو قل أي وربي وما أنتم بمعجزين؟
التعليقات (0)