-ما تيسر-
النفط.. ومراجعة الذات
كنا وربما لا نزال نعيب على أمراء النفط جهالتهم في تبديد الثروة، وتطور الأمر إلى اتخاذ مواقف تنم عن تطرف عُبر عنه بالشماتة من أخ شريد ووطن جريح، كما لم يتورع البعض الآخر من تنصيب نفسه وصياً على الآخرين والتبشير بعدالة وضع الحاكم المناسب في الوطن المناسب..
والدعوة إلى غل أيدي الأمراء وحرمانهم من الثروة التي نعتقد أننا أحق بها منهم، وأن مكانها الأمين أيدينا نحن.
وما أبرئ نفسي من شعورٍ انتهازي باستلطاف فكرة تأميم عائدات النفط وحمايتها عن عبث الأمراء الذين أنفقوا الملايين لإشباع الرغبات المترفة، واعتماد المنح المالية الطائلة لقياديين (عرب) سرعان ما غيروا مواقفهم وروجوا لمشروعية الحجر على أثرياء النفط.. وسبحان مغير الأحوال جاعل الإخلاء بعضهم لبعض عدواً.
وفي لحظة اللاوعي.. وبدافع الانسياق وراء بريق الثروة والأمل بنصيب منها، تفحمت في ضمائرنا أجمل القيم التي لا تقدر بثمن ولا يمكن تعويضها بكل كنوز العالم.
وفي لحظة الانتشاء الأحمق أثبتنا القدرة على محاكمة الآخرين والعجز عن محاسبة الذات.. وإلا فما الفارق بين الملايين التي تنفق في اليمن لإفساد الضمائر وشراء الذمم وبين ما يهدره الأمراء في مصايف باريس.
الأمراء يهدرون ثروة وجدوها مخزونة في بلدانهم.. أما نحن فنمد أيدينا لقروض خارجية ونقبل بالارتهان في سبيل (الفيلات الضخمة) وتوزيع الرشاوي وبدلات التواطؤ.
هم يستوردون سيارات (الكاديلاك) و(المرسديس) ونحن نستورد شتلات (أبو دبة) و(تاير) وصناديق (وضاح) مستقبلاً.
نحن أمراء القروض وهم أمراء النفط.. فأي الإمارتين أخف..! وأيهما أقسى..؟
أما المغلوب عليهم الذين لم تتفحم قيمهم، هؤلاء سيان أكانوا من (عتيبة) أم من (العدين) فإنهم سيظلون يثقبون الجدران بحثاً عن نجم في السماء، عن وطن في النهار.
الصحيفة: الأيام
العدد:19
التاريخ: 13 مارس 1991م
التعليقات (0)