استطاع مفتي الجمهورية د.علي جمعة أن يلقي بكل شجاعة بحجر كبير في مياه الفكر العربي الراكد وان يتحمل وحده حالة الفوران والتعكير في هذه المياه التي أصابها العطب من رغبة العرب الجامحة في استمرار ركودها.
فاجأ د.جمعة العالم كله بزيارة تاريخية للمسجد الأقصي المبارك فاتحا الطريق أمام كل من يملك الشجاعة من علماء الإسلام ورجال الدين المسيحي وكبار المفكرين والمثقفين والسياسيين لكي يشد الرحال إلي ثالث الحرمين الشريفين لا ليطبع العلاقة مع اسرائيل كما يردد اصحاب الشعارات الجوفاء ولكن ليزعج هؤلاء المتطرفين اليهود الذين يحيطون بالأقصي من كل جانب ويخططون للتخلص منه واقامة هيكلهم المزعوم علي أنقاضه.
المفتي لم يرتكب جريمة بزيارته للقدس والصلاة في الأقصي بل قام بعمل شجاع ونقل رسالة مهمة لاسرائيل بكل متطرفيها من المتدينين والسياسيين وهي ان القدس ستظل في وجداننا والأقصي سيظل في قلوبنا ولن نفرط فيهما في يوم من الأيام مهما اتخذتم من اجراءات مجرمة لتهويد المدينة والتخلص من المسجد التاريخي الكبير.
سبق ان قلت في مقالات سابقة ان حسابات الأزهر وشيخه ففيما يتعلق بزيارة القدس والصلاة في الأقصي غير مدروسة جيدا واختلفت مع شيخ الأزهر السابق والحالي فهما ومعهما البابا شنودة لم يكونوا علي صواب في هذه المسألة وحساباتهم لم تكن دقيقة ولا مدروسة بحسابات السياسة التي تزعج إسرائيل ومتطرفيها.. لذلك كان موقفهم الرافض لزيارة القدس يحقق للاحتلال الإسرائيلي كل أهدافه وابرزها ان تستمر هذه المدينة المقدسة بما تضم من مقدسات إسلامية ومسيحية في عزلة تامة تساعد المحتل علي تنفيذ مؤامراته في تهويد المدينة والتخلص من كل ما يربط المسلمين والمسيحيين بها خاصة المسجد الأقصي المبارك.
منطق شيخ الأزهر والبابا شنودة في ان زيارة المسلمين والمسيحيين للمدينة المقدسة بتأشيرات دخول إسرائيلية يعد تطبيعا يحتاج إلي إعادة نظر خاصة بعد ان اصبح تعامل إسرائيل مع العرب والمسلمين يتخذ الآن اشكالا كثيرة ومتنوعة ويحظي باعترافات وموافقات رسمية وشعبية وثقافية ولم تعد المشكلة في التعامل الشكلي بقدر ما هي في كيفية التصدي لسياسات إسرائيل ومواقفها من حقوق العرب والمسلمين في المدينة المقدسة وتأكيد ارتباطهم بها.
علماء فلسطين البارزون طالبوا المسلمين والمسيحيين العرب بسرعة التوجه إلي القدس.. في كل المؤتمرات الإسلامية والملتقيات الفكرية والثقافية التي شاركوا فيها في السنوات الأخيرة وجهوا مناشدات للمسلمين والمسيحيين العرب بالتوجه إلي القدس لدعم صمود أهلها ماديا ومعنويا.
لقد شبه وزير الأوقاف الفلسطيني زيارة المسلمين والعرب لاخوانهم في مدينة القدس والشد علي أيديهم والتعامل والتعامل الاقتصادي مع متاجرهم ومنازلهم والصلاة إلي جوارهم داخل المسجد الاقصي المبارك بزيارة أهل السجين له داخل محبسه لرفع معنوياته وحضه علي الصبر والكفاح داخل السجن حتي ينال حريته الكاملة.
وناشد الشيخ تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين السابق شيخ الأزهر والبابا شنودة التخلي عن تحفظهما وتوجيه اتباع الديانتين في مختلف انحاء العالم لزيارة المسجد الاقصي والقدس لمواجهة مخططات التهويد التي تقوم بها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية والتأكيد علي ان القضية الفلسطينية ليست قضية الشعب الفلسطيني وحده وإنما قضية كل المسلمين والمسيحيين في انحاء العالم واكد قاضي قضاة فلسطين ان الفتاوي التي رفضت زيارة المسلمين لها في الوقت الراهن ساهمت في عزلها عن الوجود الاسلامي والمسيحي واعطت لإسرائيل القوة لتنفيذ مخططاتها وتغيير معالم القدس.
الشيخ عكرمة صبري المفتي العام الأسبق للقدس وكبير خطباء المسجد الأقصي المبارك بح صوته هو الآخر من كثرة مطالبة المسلمين والمسيحيين العرب بشد الرحال إلي القدس لدعم العرب المحاصرين داخلها ماديا ومعنويا ونقل للجماهير العربية والاسلامية في كل مكان قرار الهيئة الإسلامية والمؤسسات المقدسية بدعوتهم لزيارة القدس وأكد ان الفلسطينيون وحدهم لا يستطيعون الوقوف في وجه سلطات الاحتلال التي تهود كل شيء بالمدينة وتتحالف مع الشيطان للإضرار بالمسجد الأقصي المبارك وأوضح ان زيارات المسلمين والمسيحيين لهذه المدينة المقدسة ستكشف جرائم إسرائيل وتدفعها إلي التراجع.
كل هذه الآراء والمناشدات والحيثيات صدرت عن كبار علماء فلسطين لكن يبدو اننا فلسطينيين اكثرمنهم واننا احرص علي القضية الفلسطينية منهم واكثر ادراكا لأحوالهم وما ينفعهم وما يضرهم!!
ينبغي أن يدرك الجميع ان زيارة القدس في ظل الظروف الجديدة التي تعيشها المدينة المقدسة مطلوبة ومهمة للغاية لأنها ستحقق عدة أهداف أبرزها:
ان الطريق إلي القدس لن يكون مفروشا بالورود أمام العرب والمسلمين حيث ستمارس إسرائيل هوايتها في الرفض والمنع والتعسف مع معظم من يطلبون تأشيرة دخول وفي التعامل معهم في المطارات وساحة المسجد المبارك.. وهذا سيكشف إسرائيل العدوانية أمام العالم.
هذه الزيارات المتكررة لو تمت ستسبب قلقا وازعاجا لإسرائيل فهي ستنقل لها رسالة سياسية واضحة وهي ان المقدسات التي تعتدي عليها ولا توفر لها الحماية الواجبة من المتطرفين لها مكانتها في نفوس جماهير المسلمين في كل مكان وانها ملك لهم جميعا وليست ملكا للفلسطينيين وحدهم وان الاضرار بها سيؤدي إلي الاضرار بمصالح ودور العبادة الخاصة باليهود في كل بلاد العالم.
تحقق زيارة المسلمين والعرب لاخوانهم في المدينة المقدسة مكاسب معنوية واقتصادية عن طريق التعامل اليومي معهم والشراء من متاجرهم والاقامة في فنادقهم ومنازلهم وركوب حافلاتهم وتجنب التعامل مع الإسرائيليين وهذا في حد ذاته سيسبب ألما نفسيا أكثر من شعارات رفض التطبيع التي مازلنا نتغني بها ونحن نتعامل مع الإسرائيليين علي كل المستويات كل يوم!!
زيارة المسلمين والمسيحيين العرب للقدس ستسبب ازعاجا لإسرائيل علي عكس ما يتصور الرافضون لهذه الزيارة وازعاج إسرائيل وادانة سياساتها العدوانية وكشف حقيقتها للعالم مطلوب علي كل المستويات وعندما تأتي الادانات من الشعوب ستكون أكثر تأثيرا. بسيونى الحلوانى
التعليقات (0)