مشروع تغييرالنظام الملكي في ليبيا الى نظام جمهوري بأمر الملك إدريس
بقلم بشير السني المنتصر وزير دولة لشئون رئاسة مجلس الوزراء في العهد الملكي
بعد تعديل الدستورالليبي وإلغاء النظام الأتحادي في ليبيا سنة 1963 باقتراح من الملك وموافقة مجلسي النواب والشيوخ فكر الملك في تغيير النظام الملكي إلى نظام جمهوري ، وكلف المستر إدريان بيلت عندما كان محمود المنتصر رئيسا للوزراء وبعدها رئيسا للديوان الملكي سنة 1965 تاليف لجنة من الخبراء القانونيين الدوليين وإعداد مشروع دستور جمهوري لليبيا . وقد حاول الملك مرارا تعديل النظام الملكي الى نظام جمهوري أوإلغاء سلطات الملك الأستتنائية الواردة في الدستور الملكي الساري أنذاك المتعلقة بتعيين رئيس الوزراء أسوة بالدساتير الملكية في أوربا .
في سنة 1965 كنت في لندن في أجازة فأتصل بي هاتفيا السيد محود المنتصر رئيس الديوان الملكي أنذاك وطلب مني المرور بجنيف وتسلم من المستر إدريان بيلت ( مندوب الامم المتحدة في ليبيا في فترة الأعداد لأستقلال ليبيا ) مظروفا سريا وأحضره معك حالا . وفعلا سافرت ألى جنيف من لندن ودعاني المستر بيلت على غذاء في مطعم جميل على بحيرة جنيف وسلمني مظروفا مختوما بالشمع الأحمر معنونا ألى الملك عن طريق رئيس الديوان الملكي . وحال وصولي إلى طرابلس سلمت المظروف إلى السيد محمود المنتصر. وكنت أرغب في السفر الى مدينة البيضاء للألتحاق بعملي برئاسة مجلس الوزراء وكنت أنذاك وكيل وزارة لرئاسة مجلس الوزراء . لكن السيد محمود المنتصر طلب مني البقاء في طرابلس بعد موافقة السيد حسين مازق رئيس الوزراء . وقد إستدعاني بعد يضعة أيام في بيته وقال لي إنه إستشار الملك ووافق على أن اقوم أنا بترجمة الوثائق التي أعدها المسترأدريان بيلت وفريق الخبراء الذين كانوا معه من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية ، لأن الملك لا يريد أي أجنبي القيام بترجمتها، وكان معظم مترجمي الحكومة والديوان الملكي من الأجانب، وأضاف بأن الموضوع سري للغاية ولا يعرف تفاصيله أحد حتى الآن .
وسلمني السيد محمود المنتصر المظروف الذي أحضرته من المستر بيلت في جنيف كما أشرت سابقًا بعد أن فتح من طرف الملك وكان يحتوي على وثائق الدراسة القانونية التي أعدها فريق المستر بيلت وخبراء القانون الدوليين . وقد توكلت على الله وتسلمت محتويات المظروف وقمت بترجمتها وكتبتها بخط يدي لأني لم أكن أعرف الكتابة على الألة الكاتبة أنذاك .، وطلب مني السيد محمود المنتصر إستعمال مكتبه في البيت وأن لا آخذ الأوراق معي خارج المكتب بأي حال من الأحوال زيادة في الحيطة.
كانت الوثائق التي سلمت لي في غاية الأهمية. وضمت من بينها مشروعا لتعديل الدستور الليبي الملكي ألى دستور جمهوري ، ينص على أن نظام الحكم في ليبيا يكون جمهوريًا ينتخب فيه الرئيس ونائبه لمدة أربع سنوات من طرف مجلس الأمة بمجلسيه أو في (انتخاب شعبي عام) ويتولى نائب الرئيس الرئاسة في حالة وفاته أو إستقالته . أما سلطات الرئيس فهي محدودة وشرفية وهي نفس سلطات الملك التي نص عليها مشروع الدستورالملكي ، بأستتناء تعديل المسئوليات التي وردت في الدستور الملكي بحيث تكون الحكومة مسئولة بالكامل أمام البرلمان بمجلسيه النواب والشيوخ الذي يتولى السلطة التشريعية ، وإستقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية. ويقضي مشروع الدستور الجمهوري أخذ رأي مجلس النواب قبل تسمية رئيس الوزراء وعلى الحكومة الحصول على ثقة المجلس قبل مباشرة مهامها، وللمجلس وحده سحب الثقة من الحكومة وحلها أو تعديلها . وينص المشروع أيضًا على أن يكون ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ بالأنتخاب، وتقوم الحكومة بالتشاور مع مجلس النواب لتعيين الثلث الباقي بمرسوم .أما بقية فقرات المشروع فتقر نفس الحريات والحقوق التي أقرها الدستور القائم آنذاك بما في ذلك حق تأليف الأحزاب والجمعيات والنقابات والتظاهر والحريات الأساسية وميثاق حقوق الإنسان.
وكما ذكرت لم يمكنني السيد محمود المنتصر من أخذ نسخة من الوثائق. وبعد إنتهائي من ترجمتها أخذ مني النص الإنجليزي الأصلي والترجمة العربية معه إلى الملك ، ولم أسمع عن الموضوع بعد ذلك سوى أن الملك استدعى المستر بيلت ورفيقيه المستشارين القانونيين وعقد معهم اجتماعًا بحضور السيد حسين مازق رئيس الحكومة آنذاك في سنة 1966م وانتشرت الإشاعات بسرعة إ نتشار النار في الهشيم بأن الملك يريد تعديل الدستور ويرغب في التنازل عن العرش وقوبلت بأحتجاجات من جميع أنحاء البلاد ولم أسمع بعد ذلك شيئا عنها ، ولم يصدر أي بيان من الديوان الملكي بشأنها نفيا أو تأكيدا . ولا أعرف أين تركت هذه الوثائق قبل سفر الملك الى تركيا واليونان سنة 1969، هل تركها في قصر دار السلام أو أخذها معه . ومشروع الدستور الجمهوري قد يفيد ، إذا وجد ضمن وثائق الدولة ، في التحضير لدستور ليبيا الذي يزمع إعداده في الفترة الأنتقالية . كما يمكن الأستفادة من بعض نصوص الدستور الملكي المتوفرفي التحضير للدستور المرتقب ، لأنه يعتبر من أحدث الدساتير في العالم ، وقد أعد بمساعدة خبراء الأمم المتحدة وأكبر خبراء القانون الدوليين وراعى مبادي ميثاق الأمم المتحدة وإعلان حقوق الانسان .
التعليقات (0)