الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ننظر إلى العلاقة مع كلِّ دولة من دول العالم، ومنها الشمال الأفريقيّ، من ثلاث زوايا: الزاوية المُستقِرّة استراتيجيّاً، وهو الشعب، وما يجمع الشعب العراقيَّ بالشعب المصريّ، عربيّته، وإسلاميّته، وعندما نتحدّث عن مصر نتحدَّث عن قِمّة الشعر العربيِّ، والأدب العربيّ، والأزهر، والدراما المصريّة، والثقافة المصريّة، والأكبر العربيّ ديموغرافيّاً، وسُكـّانياً، وحاضنة جامعة الدول العربيّة، وكيف ننظر إلى أنفسنا -من دون غُرُور- العراق حضارة شامخة، وهو الجناح الأوَّل للحضارة العالميّة، وبعده جاءت الأهرام. مصر تأتي بعد العراق، ووشائج العلاقة بيننا وبين مصر كثيرة، وأنا -شخصيّاً- درستُ لدى بعض المصريِّين عندما كنتُ طالباً في الإعداديّة حتى عام 1965، وكذلك عندما كنتُ طالباً في كلية الطبّ، ومنهم: الأستاذ إبراهيم أو النجا، وحسن حلمي سالم، ومحمد علي الكريميّ وغيرهم من الأساتذة.
العلاقة، والوشائج قويّة جدّاً؛ لأنها هي القاعدة الاستراتيجيّة الثابتة بين الدول، أمّا زاويتا الأنظمة والحكام فقد تـُساهِمان في تعميقها، وقد تـُسبِّبان لها خلخلة، وقد تمتدّ، وتتقلص حسب طبيعة النظام في كلا البلدين. صدام حسين لم يكن يُمثــِّل الشعب العراقيَّ، وكذلك بعض الحكام المصريّين، بينما تبقى البنية التحتيّة قائمة على أساس التقارُب المُجتمَعيِّ الاستراتيجيِّ، وحصل في بعض الفترات أنَّ أكثر من مليون ونصف المليون مصريّ كانوا موجودين في العراق؛ هذا يعني أنَّ المجتمعيّة العراقـيّة لم تختنق بوجود المصريِّين في العراق، وقد عملوا في العراق فترة طويلة، نعم.. بعض الحُكـّام رُبّما حصل شدّ وجذب وهي تبع للحكام. نحن لا نتدخـَّل في الشأن المصريِّ، كما لا نتدخـَّل في شُؤُون أيّة دولة، ولا نقبل لأيّة دولة أن تتدخـَّل في شُؤُوننا مصر أو غيرها، لكننا نعتقد أنَّ العلاقة مع مصر تـُحقــِّق أكثر من هدف ليس لنا فقط، وإنما لمصر، وعُمُوم الدول العربيّة؛ لأنَّ مصر لها مكانة ليست قليلة في دول العالم، وسنبذل جُهُودنا في تقوية العلاقات، وفتح باب التعاون على أكثر من صعيد.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: المجاميع التي ترفع شعارات الإسلام إمّا جاهلة، أو مُتجاهِلة؛ لأنَّ الإسلام لا يسمح باستخدام العنف، لا بدءاً، ولا انجراراً، وآيتان قرآنيتان كريمتان واضحتان: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج:39]
إذا تعرَّض البلد إلى هُجُوم، وإلى اعتداء، وإلى حرب عدوانيّة يُؤذن عندئذٍ لذلك البلد أن يُدافِع عن نفسه، وحتى إذا تورَّط في الحرب:
{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال : 61]
الإسلام لا يُحبِّذ الحرب، ويُريد أن يحقن الدماء، ثم إنَّ له آدابه، وسننه في التعامُل مع الجنود والناس الآمنين والجرحى وما شاكل ذلك، فالإسلام يرفض ما يرتكبه داعش، ولا يرضى به.
ظهرت، وطفحت هذه الظاهرة على السطح كجزء من ظاهرة تدوَّرت في التاريخ في عِدّة مناطق من العالم، ثم جاءتنا إلى الشرق الأوسط. نعتقد أننا يجب أن نتعاون على إشاعة حالة السلم، ونصيحتي لكلِّ أنظمة العالم: مثلما اتسعنا في العراق لكلِّ القوى السياسيّة، واستوعبنا قواعدها، وكوادرها، وحصرنا المُواجَهة في عناصر الشرِّ التي تـُوغِل، وتـُصِرُّ على المضيِّ في طريق القتل؛ لأنَّ أيّة دولة عندما تحتضن أبناءها تقطع الطريق على الذين يُتاجرون بهؤلاء، وعندما تـُغلِق الدولة أبوابها، وتـُوصِدها أمام أبنائها ستجعلهم لـُقمة سائغة للآخرين لأن يفترسوهم؛ لذا يجب أن نـُفكـِّر في أن نستوعب هؤلاء.
نحن في العراق استوعبنا كلَّ الذين خالفونا، وهم الآن موجودون في العملـيّة السياسيّة، ومُكوِّنات الشعب العراقيّ كلها تتواجد في البرلمان، ومن البرلمان إلى الحكومة، فنصيحتنا لكلِّ الدول أن تستوعب قدر ما تستطيع من أبناء الشعب من خلال احتضانهم في المُؤسَّسات الشعبيّة، والمُجتمَعيّة، ومُؤسَّسات حُقوق الإنسان، ومُنظـَّمات المُجتمَع المَدَنيِّ، وفي الدوائر، وحتى في أجهزة الدولة؛ حتى نقطع الطريق أمام من يستغلون شبابنا في التعبئة ضدَّ الدولة، فيُهدِّدوا النظام. وما تتعرَّض له مصر -وهي ليست الدولة الأولى، وقد لا تكون الأخيرة- كلُّ دول العالم مُهدَّدة بشيء اسمه تنظيمات إرهابيّة تعمد إلى إيجاد خلخلة في النظام، ورُبَّما لا يعلمون الأصابع التي تـُحرِّك هؤلاء.
لا أعتقد أنَّ مُسلِماً لديه أدنى درجات الثقافة الوعي الثقافيّ لا يفهم أنَّ القتل، والعنف، والشِدّة صفات لا يُمكِن أن تلصق بالإسلام. الإسلام أجلُّ، وأكبر من أن ينحدر إلى وهدة التناقضات بين اسمه الشريف (الإسلام) المُستمَدِّ من اسم الله -تعالى- (السلام، المُؤمِن، المُهيمِن)، والشعار الخاتمة في كلِّ صلاة: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، وتحيّة الإسلام التي يبدأ بها مع كلِّ واحد أن يستبدل كلَّ هذا بالعنف، والقتل. الإسلام له آدابه في التعامُل مع الحيوانات، وما لم يكن قتل الحيوان لخطره، أو الإفادة من لحمه، أو جلده، أو شعره فلا يجوز قتله فكيف بقتل النساء، والشُيُوخ، والأطفال، لكنّي أرجو أن لا نـُعمِّم هذا الانطباع على كلِّ الذين يحملون ثقافة إسلاميّة؛ لأننا نتصوَّر أننا إذا فتحنا المجال لهم، وتعاملنا معهم بالحُسنى خُصُوصاً الشباب الصاعد الذي لم يُلوَّث، ولم ينحرف بعدُ بإمكاننا أن نـُغلِق الطريق على أصحاب النزعات الشِرّيرة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نحن مُستعِدّون للتعاون، وأعتقد أنَّ باب التعاون مفتوح الآن بيننا وبين دول العالم قاطبة، ولا يُوجَد ثمة ما يُعيق التعامُل مع مصر.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: حصل مثل هذه الحديث، وطـُرِق أكثر من مرّة، واستعدَّت مصر، واستعددنا من طرفنا لأن نتبادل المعلومات، وأكثر من المعلومات بيننا وبين جمهوريّة مصر العربيّة، فلا أعتقد أنَّ هناك شيئاً يمنع، والآن نحن نعيش في عالم التعاون؛ لمُناهَضة الإرهاب المُشترَك فلابدَّ أن تكون لنا -أيضاً- رُدُود مُشترَكة، ودُرُوع مُشترَكة، لكنَّ تفاصيل التعاون الميدانيِّ تـُترَك لأصحاب الاختصاص من الأركان، والقيادات العسكريّة في القوات المُسلـَّحة في كلا البلدين.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: بالنسبة إلى الشقّ الأوَّل من السؤال لا نعتبر ميدانيّاً النجاح في منطقة بمعزل عن النجاح في منطقة أخرى؛ إنما هي معركة كرّ وفرّ، نتقدَّم هنا، ورُبّما نقف هنا، ورُبّما نتراجع، وهذا ما يُسمّى بالمفاهيم العسكريّة صفحات الهُجُوم والدفاع، وصفحات الانسحاب.. هذه الانسحابات والتقدّم قد تكون تكتيكيّة، أو آنيّة، ولكن أن يُحكـَم على مُجمَل حركة التقدُّم من خلال كلِّ الجبهات فنحن عندما نـُقيِّم ما كنا عليه في نهاية 2014 ومع بداية 2015 وإلى الآن فهناك تراجُع واضح لداعش ليس في المناطق التي تفضَّلتِ بذكرها، وإنما في جرف الصخر، وفي الإسحاقي، وفي أغلب المناطق، وقد كانوا على مشارف بغداد. فهناك تقدُّم واضح لقواتنا. هذه هي مُعادَلات الأرض، وتداعياتها، وفي بعض الأحيان الطرف الآخر عندما يخسر يُحاول أن يُعوِّض، فيدخل في طرق قد تكون وحشيّة ومُبالـَغاً بها، أي: إنهم استخدموا أساليب الشاحنات المُفخـَّخة، واستخدموا أساليب تفخيخ البُيُوت مع إبقاء العوائل، والأطفال والنساء فيها. فلا نريد تحقيق انتصار، وتقدُّم سريع، ونجني على هؤلاء الأبرياء؛ إذن قراءة دقيقة تمحيصيّة من كثب لما يجري على الساحة العراقيّة تـُفضي إلى أنَّ المُحصِّلة في النهاية هي تقدُّم القوات المُسلـَّحة، ولكننا بعد في أشواط الطريق، ولم ننتهِ. هذا فيما يتعلق بالشقِّ الأوَّل من السؤال.
وفيما يخصُّ الشقَّ الثاني من السؤال نحن لا نعتبر مُواطني الدول الأجنبيّة من عناصر داعش مُعبِّرين عن آرائهم فهذا ظلم، هناك مصريّون لكننا لا نحكم على الشعب المصريِّ، ولا نحكم على الحكومة المصريّة، وهناك خليجيّون ليس سِرّاً على أحد. في عام 2005 وعندما كنت رئيسا للوزراء اتصل بي أحد رؤساء الوزراء الخليجيِّين في مُكالمة تليفونيّة، وأخبرني أنَّ مُواطِنين اثنين من تلك الدولة الخليجيّة تسلـَّلوا عبر الحُدُود، ودخلوا إلى العراق. كيف أحكم على الحكومة، أو أحكم على الدولة ورئيس الوزراء يُخبرني بذلك؛ إذن يجب أن نـُفرِّق بين مُواطِني الإرهاب، وبين وطن الإرهاب والدولة التي ينتمي إليها..
الإرهابيّ خان دولته قبل أن يخون العراق، وكذلك الحال في بلاد أوروبا وأميركا، هناك دول تـُقدِّم إلينا مُساعَدات، وتمدُّنا بأسلحة، وأدوية، وأموال، نحن نحكم على تلك الدولة من خلال المُساعَدات؛ لذا أناشد الدول، وأذكـِّرها أنها تـُسجِّل حُضُوراً في العطاء، وتـُسجِّل حُضُوراً بالولاء الحقيقيّ، وتبعث رسائل الحُبِّ إلى الشعب العراقيِّ؛ لئلا يكون المُواطِنون في بُلدانكم هم الذين يرسمون الصورة السيِّئة.
نحن من طرفنا لا نحكم عليكم من خلال هؤلاء، فأنا أعتقد أنَّ على دول العالم أن تشعر شُعُوراً واثقاً، وأكيداً بأنها مُهدَّدة بالخطر، وأنَّ ما يجري في العراق ليس دعماً للعراقيِّين، وإنما هو دفاع بالوكالة عن كلِّ شُعُوب العالم، وسينتصر العراق -بإذن الله تعالى- في المعركة النهائيّة على ما بقي من فلول داعش، وسيُسجِّل نصراً مُؤزَّراً لكلِّ دول العالم.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا لم أحضر؛ بسبب ارتباطي بزيارة لدولة أخرى، لكنَّ رئيس الوزراء، ومعه السيِّد مُستشار الأمن الوطنيِّ حضرا، وكان حُضُور رئيس الوزراء فاعلاً، وجيِّداً، ووصف ذلك اللقاء في باريس أنه حلقة مُهمّة في مسلسل اللقاءات التي بدأت من نيويورك، وتوالت في لندن، ومناطق أخرى. لقد كانت لقاءات مُمتازة، وجيِّدة، وكانت دفعاً باتجاه إسناد الدول المنكوبة، وفي مُقدّمتها العراق.
بالنسبة إلينا نستثمر كلَّ المنابر الدولية، وكلَّ الفرص، والمُؤتمَرات؛ لتعزيز الأمن؛ نحن لا نـُفكـِّك بين ما يُهدِّد العراق، وبين ما يُهدِّد أيّة منطقة أخرى.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: مَدَيات القضاء على هذه الظاهرة تختلف من بلد إلى آخر. بالنسبة إلى العراق كنتُ أتنبّأ بناءً على اعتبارات ميدانيّة، وقراءة سياسيّة للوضع الداخليِّ، وقراءة إقليميّة ودولـيّة، والدول عندما تتعامل معنا سيكون السقف الزمنيّ مُتوسِّطاً، وكنتُ أتنبّأ، ومازلت إلى عام 2016، لكنَّ هذا لا يعني أنَّ تطهير أرض العراق من هؤلاء أنه انتهى كلُّ شيء، فهناك خلايا نائمة، وهناك ثقافة سبقت نقطة الشُرُوع في مُختلِف دول العالم؛ لذا سيبقى العالم يُعاني منها لفترة من الزمن، وأرجو أن لا تكون طويلة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: مسألة العُقود بعيدة جدّاً، أطول حرب في القرن العشرين كانت حرب الثماني سنوات (الحرب العراقـيّة-الإيرانيّة) أطول حتى من الحرب العالميّة الأولى والثانية. الناس لا تـُطيق التوتر، ولا تـُطيق الحُرُوب، وتكرهها بطبيعتها.
لا تـُوجَد حرب نظيفة، وحرب وسخة، ولا تـُوجَد حرب مُريحة، وحرب مُزعِجة؛ كلُّ الحُرُوب وسخة، وكلّ الحُرُوب مُزعِجة؛ لذا ثقافة الشعب في الوجدان تكره الحُرُوب، وتضغط على آلـيّاتها الديمقراطيّة، وعلى حكوماتها من أجل حسم الموضوع.
نحن لسنا أمام أناس يُصدِّرون إلينا بضائع، ويتنافسون كشركات إنما نحن أمام مجاميع، ومافيات تـُشيع ثقافة القتل، وهذه مرفوضة بكلِّ أنواعها؛ لذا لا تـُوجَد حالة تلقــِّي من كلِّ المُواطِنين في العالم، ثم إنَّ الإنسان هو الإنسان، إلا أنَّ المُشكِلة التي يمرُّ بها البلد قد تكون من خُصُوصيّة ذلك البلد، أمّا عندما تـُهدِّد الإنسان في ذلك البلد تهتزّ كلّ البشريّة للوقوف إلى جانبه، فكلُّ طفل، وشيخ، وشابّ عندما يُقتـَل تتعاطف الناس معه. أنا لا أظنُّ أنها تستمرّ عُقـُوداً من الزمن.
في التاريخ استمرَّت حرب أكثر من مائة سنة؛ لأسباب مُعيَّنة كحرب المائة عام التي تـُسمَّى مائة عام مجازاً، لكنها 116 سنة بين فرنسا وبريطانيا ثلاثة أجيال عاشت على حرب، وحرب الثلاثين عاماً التي نشبت في ألمانيا، وهناك حُرُوب كثيرة لعُقود من الزمن، ولكنَّ الحُرُوب أصبحت الآن أكثر فتكاً، وإيذاءً، وأقصر زمناً؛ لأنَّ العالم لا يتحمَّل هذه الحالة، علاوة على ذلك المُؤسَّسات العالميّة، والمُنظـَّمات الدوليّة، والوعي الشعبيّ، وطبيعة الأسلحة الفتاكة التي يستخدمونها كلـُّها تخنق آفاق الحُرُوب في أقلِّ وقت مُمكِن.
لا أظنُّ أنَّ الحرب على داعش تستمرُّ لعُقـُود، لكنّ مَدَياتها كحالة عالميّة ليست بالقصيرة عندما ننظر إليها بين بلد وبلد، فقد تنتهي في مصر في وقت مُبكـِّر، وفي العراق تنتهي بوقت مُبكـِّر، وفي الوقت نفسه ينساب الإرهاب من المناطق المُتخلخِلة من منسوب عالٍ يفتك بها إلى مناطق أخرى بين فترة وأخرى؛ لذا على العالم أن يُوجـِد مناخاً أمنيّاً يمتدُّ إلى دول العالم؛ حتى يختنق الإرهاب في كلِّ دول العالم.
إذا بقي الإرهاب في أيِّ بلد سيُهدِّد البلدان الأخرى.. لا يُمكِن أن ننظر إليه في أيِّ بلد بمعزل عن البلدان الأخرى.
التعليقات (0)