الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذه السفرة -فعلاً- هي السفرة الأولى إلى موسكو، نعم.. قرأتُ عنها، وعن روسيا القيصريّة، والبلشفيّة، وروسيا الحاضرة، ولكن تختلف ثقافة المحسوس عن ثقافة المقروء. يوم أمس تصفـَّحت مدينة موسكو وأنا أتنقـَّل؛ لإنجاز ما بذِمّتي من لقاءات مع السادة المسؤولين شعرتُ أنَّ موسكو تختزن من حقائق التاريخ، وفي الوقت نفسه تختزن من التجدُّد بمُرُور الزمن، مدينة تجمع بين هذين الجمالين: (جمال تاريخها القديم، وجمال مُواكـَبتها المُعاصَرة).
أصِفُ السفرة بأنـَّها على درجة عالية من الأهمّيّة لكلا الطرفين: (العراقيّ، والروسيّ)، هناك إرادة، وإصرار حقيقيّ على تنشيط العلاقات، وهي قد مضى عليها فترة ليست قصيرة من الزمن رُبّما لم يكـُن هناك قرار بالقطيعة، ولكن حصل انقطاع في العلاقة، وكلا الطرفين كان يحرص أشدَّ الحرص على أن نستأنف العلاقة بأقوى ما تكون عليه؛ نظراً لتشابُك المصالح بين البلدين، كما أنَّ هناك علاقات قديمة، وهناك أكثر من 400 ملفّ منها اتفاقـيّة، ومنها مُذكّرة تفاهُم منذ عام 1972؛ وهذه تعكس ثروة من المُشترَكات، والمصالح المُشترَكة، إلا أنـَّها كانت مُعطـَّلة، أو مُجمَّدة؛ ومن خلال اللقاءات بالسادة المسؤولين لمستُ لمسَ اليد أنَّ هناك إرادة جادّة لتنشيط هذه العلاقات، وتحريكها لصالح البلدين على الأفق الاقتصاديِّ، والتجاريّ، والأفق السياسيّ، وكذلك الأفق الأمنيّ، وقد وجدتُ استجابة حميمة، وجيِّدة من لدن المسؤولين الروس.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: رُبّما لم يكـُن الأخ النائب قد جانـَبَ الحقيقة عندما قال.
أنا لا أدري أيّ اتفاقـيّة تحوَّلت إلى مُذكـَّرة تفاهُم، لكني أعرف أنَّ الاتفاقـيّات ومُذكَّرات التفاهُم كلـّها تعطـَّلت، وهذا أمرُّ من أن تتحوَّل إحدى هذه الاتفاقـيّات إلى مُذكَّرة تفاهُم.
هناك انقطاع في العلاقة، وهناك جُمُود في كلِّ ما كُتِبَ سواء أكان مُذكَّرة تفاهُم، أم اتفاقـيّات.
علينا اليوم أن نلج، وندخل خط شُرُوع جديداً، وتفعيل هذه الاتفاقـيّات، وفي الوقت نفسه تفعيل وتنشيط مُذكَّرات تفاهُم لعلها تصل إلى مُستوى الاتفاقـيّات بين البلدين خصوصاً أنَّ العراق في موضع حاجة، وروسيا دولة لها سبق في مجالات الإعمار، والبناء، والتجارة، ولها تجربة مُتعدِّدة في كلِّ المجالات بما فيها مجال التدريب، والتأهيل الدبلوماسيّ، وقد استقبلتْ طلاباً عراقـيِّين، علاوة على جامعاتها التي تستقبل عدداً من العراقـيِّين، فهناك استثمار وتعاون مُتعدِّد، ومن الطبيعيِّ لبلد يحرص على أن يرتقي على سُلـَّم التكامُل، وبناء الدولة الجديدة أن يستفيد من خبرة هذه الدول خصوصاً أنـَّها لا تُكلـِّف شيئاً أكثر من استجابة بنـَّاءة؛ لذا استثمرنا لقاءات اليوم مع السادة المسؤولين، وطـُرِحت عِدّة ملفات. وبالمُناسَبة معي فريق من العمل منهم وكيل وزير النفط، ووكيل وزير الكهرباء، والأمن الوطنيّ، ومجموعة من الشخصيّات على مُستوى عالٍ من الاختصاص، وأخذوا دورهم، وتحاوروا، وثبَّتوا كلَّ ما يتعلـَّق بالشأن العراقيِّ، وجرت اتفاقات بيننا وبين الطرف الروسيّ.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: العراق يُؤكـِّد على ضرورة استثمار أكبر ما يُمكِن من الإنتاج النفطيِّ؛ لتعويض الخسارة التي حصلت من الانخفاض الحادِّ في أسعار النفط، نعم.. المُعادِل الحقيقيُّ لانخفاض سعر النفط هو زيادة الإنتاج النفطيّ؛ لذا يبحث عن الشركات التي تـُعينه على زيادة حجم الصادرات النفطيّة، ويجد في الشركات الروسيّة عوناً حقيقـيّاً في ذلك، نعم.. رُبَّما طلبت الإدارات المحليّة في البصرة طلباً مشروعاً هو أن تكون لها ليس فقط على مُستوى الإنتاج النفطيّ إنما إنتاج على مُستوى الكهرباء، وكانت بعض الشركات النفطيّة الروسيّة تـُجيب بأنَّ هذا ليس من اختصاصها، ونحن اليوم لفتنا انتباههم إلى أنـَّه يُمكِن أن تكون هناك مَهمّة مُزدوَجة. أمّا نفس الشركة فتمارس إنتاجها كهربائيّاً، أو تتفق مع شركات أخرى بحيث تُسهِّل عمليّة إنتاج الكهرباء، وتـُحقـِّق هدفين في آن واحد. هدف عراقيّ وطنيّ لنا هو أن تُسهَّل احتياجاتنا الكهربائيّة مثلما تنتج من الناحية النفطيّة، وفي الوقت نفسه تـُحقـِّق لها كشركة إنتاجاً جيِّداً هو إمكانيّة أن تستمرَّ أكثر في العراق، وتبرم علاقات مع شقيقاتها الشركات الروسيّة الكهربائيّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نعم.. هناك صفقة شفـَّافة، وجيِّدة، وصريحة. أمّا نفس الشركة فلها مهمّتان الأولى التنقيب، والثانية أن تتفق مع شركة أخرى تختصُّ بالكهرباء. هذا أحد الحُلـُول المطروحة.
أمّا نحن في العراق فبحاجة لزيادة الإنتاج النفطيّ، وبحاجة لزيادة المنتوج من الطاقة الكهربائيّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: دعنا نتكلم على واقع البصرة، وبعدها نتكلم على حقيقة طلب أن تكون إقليماً.
البصرة مدينة مُلتقى الثروات: (الثروة النفطيّة، والثروة المائيّة، والثروة الزراعيّة، والثروة التاريخيّة، والثروة الأدبيّة الشعر والأدب، والفكر وما شاكل)، وهي منفذ العراق على دول الخليج، ومُحادِدة لثلاث دول: (إيران، والسعوديّة، والكويت) من الطبيعيِّ أن تشقَّ هذه الثروات طريقها إلى المُواطِن، ومن الإجحاف الكبير أن تكون المدينة غنيّة، والمُواطِن البصريّ فقيراً. هذا ظلم فاحش.
هذه حقيقة على الأرض، وإذا طلبوا إقليماً فهو طلب دستوريّ، وإن كنتُ أميل إلى أن لا يكون ردَّ فعل؛ لظروف استثنائيّة شاذة في العراق، وإنما يستكمل مُستلزَماته، ويُهيِّئ البيئة، والمناخ المُناسِب؛ حتى لا يكون ردَّ فعل إنما يكون بمُبادَرة في الوقت المُناسِب.
البصرة وغير البصرة لها كلُّ الحقّ أن تتخذ نفس النهج، وتتوصَّل إلى نفس النتيجة، ولكن أتمنـَّى أن تـُهيَّأ الأجواء اجتماعيّاً، وسياسيّاً، وقانونيّاً؛ حتى يكون الإجراء إجراءً راسخاً، وثابتاً، ويأتي في ظرف تنسجم فيه البصرة مع مُجمَل أخواتها المحافظات في العراق.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: المُشرِّع الدستوريّ أعطى الحقَّ للمحافظات أن تتخذ لنفسها إطاراً إقليميّاً، وهذا ليس خطأ، وليس فيه غضاضة، ولا أيّ مُشكِلة؛ أكبر ديمقراطيّات العالم من حيث الحجم السكانيّ والتنوُّع هو أميركا، وفيها 50 ولاية، و 50 دستوراً، و 50 برلماناً، و50 كونغرس، و 50 علماً، و 50 مسؤول ولاية، ولكنَّ الناس كلـَّها تتكامل، والجميع يعرفون أنَّ عاصمة الولايات المُتحِدة الأميركيّة هي واشنطن، والعلم الأساسيّ واحد، والرئيس واحد، والكونغرس واحد، والدستور واحد. عندما نـُحسِن التوفيق بين محليّة الإقليم، ومركزيّة الحكومة لا أعتقد أنَّ في ذلك أيَّ ضير. يجب أن نـُحسِن تطبيق التجربة الفيدراليّة، وتجربة الأقاليم بطريقة صحيحة؛ حتى يكون نموذجاً جيِّداً وكاملاً لحلِّ الكثير من المشاكل، لا أن يكون عمليّة تغالب، أو اقتطاع، او اجتزاء للعراق، وإنـَّما عمليّة تكامُل، وتبارٍ، وتسابُق لفعل الخير لكلِّ محافظة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: إذا ما قـُورِنت صفحة التجربة الحاليّة بالصفحات السابقة فهي أقلُّ توتراً، وأفضل بكثير ممّا كانت عليه، وإن كنا مازلنا نطمح لأن تأخذ القضيّة صفة مُستديمة، وتكون أرسخ ممّا عليه الآن. نتمنـّى ذلك بخاصّةٍ أنَّ العراق برهن من خلال التشكيلة المُتنوِّعة في الرئاسات، والتصدِّي بأنَّ أبناء العراق متواجدون في الخط الأوَّل بشكل مُتكأفِئ، ومُتجانِس، وبصمات التنوُّع العراقيِّ تركت آثارها على الرئاسات الثلاث.
لا معنى أن تكون هناك بقايا أزمة، علاوة على وجود أزمة عاصفة في هذه المدينة، أو تلك المدينة، أو في هذا الإقليم، أو ذاك الإقليم. يجب أن يكون هناك تعاون حقيقيٌّ، ويجب أن نـُعبِّر عن التزام مُشترَك التزام المركز بحقوق الأقاليم، والتزام الأقاليم بسيادة الدولة، وما يتعلـَّق برمزيّة الدولة ومركزيّتها على غرار الديمقراطيّات الناجحة في العالم كالهند، وكثير من دول العالم فيها فيدراليّات تـُحافِظ على هذا التوازن.
نـُوقِش هذا الأمر على مُستوى الدستور، ولم نجد فيه خللاً أو شيئاً، لكنَّ التجربة بالتطبيق رُبّما أخذت منحى ذات اليمين وذات اليسار؛ لذا علينا أن نـُحسِن تطبيق هذه التجربة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ما نتوسَّمه بجميع إخواننا هو إنَّ مَن يُدافِع ضدَّ داعش إنـَّما يُدافِع عن العراق كلـِّه ضدَّ أعداء العراق، ويكفينا شرفاً أننا جميعاً نـُدافِع عن العراق في أيِّ مدينة، وفي أيِّ منطقة، وهو واجب وطنيٌّ يقع علينا جميعاً. والأجر الحقيقيُّ والثمن الحقيقيُّ لهذا النجاح هو استتباب الأمن والاستقرار، وتحسُّن الاقتصاد، والاستقرار السياسيّ في العراق.
كلُّ العراقـيِّين يدفعون الآن الثمن، وكلُّ العراقـيِّين يستحقون أن يقطفوا الثمار، ولا تـُوجَد حالة من التكالـُب، وتجزئة العراق. الإخوة الكرد يُقدِّمون دوراً مُمتازاً كبيشمركة في الدفاع عن حُرمة العراق، وعن كرامته؛ ومن ثم فوزهم الحقيقيُّ هو استتباب الأمن، وهناك مجاميع من أبناء الوسط والجنوب يقفون إلى جانب إخوانهم في مناطق الأنبار، والموصل، وصلاح الدين.
هذا هو ثمن الوطنيّة.
هناك عقد وطنيٌّ بين المُواطِن وبين الدولة، وأينما يتصدَّع الوطن، وتظهر تحدِّيات ليس لدينا إلا المُواطِنون العراقـيّون أن ينهضوا بهذه المهمة، ويُواجـِهوا أعداء العراق.
لا يُتوقـَّع من المُواطِن العراقيِّ الذي يُقدِّم إلى الوطن، ويحمل روحه على راحة كفه؛ للدفاع، وردِّ غائلة الإرهاب أن يُدير بوصلة الحركة مع الحكومة التي انتخبها الشعب. هذا لا نتوقـَّعه، ولا نتوسَّمه من إخواننا الكرد، ولا من كلِّ الشرائح الاجتماعيّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: إذا رجعنا إلى الدستور كمرجعيّة قانونيّة فهو قد حلَّ المُشكِلة، ومنذ أن كان قانون إدارة الدولة، ثمَّ تحوَّل إلى مادّة دستوريّة فيه ثلاثة مُفرَدات، المُفرَدة الأولى: الإعمار، وقد حدّد مبلغ في وقتها في عام 2005 حوالى 200 مليون دولار؛ لإعمار كركوك، والمُفرَدة الثانية: عمليّة التطبيع، وإعادة المُهجَّرين؛ لأسباب كيديّة، وشرعنا في ذلك، والخطوة الثالثة: الإحصاء.
المادَّة الدستوريّة تقول: يجب أن يكون هناك إحصاء في العراق. وأنا أعتقد أنَّ الإحصاء يحلُّ لنا مُشكِلة كبيرة جدّاً، وهو إلى الآن لم يُجرَ، ويُؤسِفي ذلك بخاصّةٍ أنَّ المادّة نصّت على أن يتمَّ نهاية عام 2007 ونحن الآن في بداية عام 2015، ولم يُجرَ الإحصاء، فيجب أن نحلَّ بطريقة دستوريّة، وبعد استقرار هذه المدينة أو تلك المدينة، لا أن يتأتَّـى من خلال أجواء استثنائيّة مشوبة بتحدِّيات داعش، واختلال الأمن والصراعات.
كركوك مدينة تـُعبِّر عن عراق مُصغـَّر بمُكوِّناته الاجتماعيّة، فيها ديانات مُتعدِّدة، ومذاهب مُتعدِّدة، وقوميّات مُتعدِّدة؛ لذا يجب أن نرعاها فيدراليّاً، ويجب أن تـُراعى خصوصيّاتها بتطوير إدارة كركوك بما ينسجم مع مُكوِّنات الشعب العراقيِّ، فهي باقة ورد مُلوَّنة الزهور، إضافة إلى كونها مصدراً نِفطيّاً مُهِمّاً فليس من الصحيح أن نتعجَّل. وقد أثبت الواقع أنَّ بعض الأمور التي تمَّ التعجيل فيها جرَّت على البلد نتائج وخيمة.
أنا أرجو من الإخوة كافة عرباً كانواً، أم كرداً، أم تركماناً أن يعملوا على الابتعاد عن أيِّ قضيّة عاطفيّة، ويختاروا التوقيت المُناسِب لحلِّ مُشكِلة كركوك.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هناك بعض الحساسيّات، وهناك -للأسف- عمليّة شخصنة لكلِّ إجراء.
ينبغي أن يتحرَّك الإجراء بطريقة موضوعيّة، ويبتعد عن الحسابات الشخصيّة التي تكون دائماً تكون على حساب الوطن.. لابدَّ أن يُقدَّم حُبُّ الوطن على حُبِّ الذات، ولابدَّ أن تـُقدَّم مصلحة الوطن على مصلحة الذات. هذا هو العقد الحقيقيُّ في المُواطنة، والمفروض أن ننزع كلَّ الأمور الجانبيّة، ونـُخاطِب التاريخ، ونرسم معالم مرحلة جديدة تذكرنا الأجيال اللاحقة فيما بعد، ويقولون: من هنا مرَّ أولئك الرجال، وصنعوا مُستقبَلاً لكركوك ومُستقبَلاً للعراق.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: كلام الأميركان أو غيرهم هو نوع من أنواع الحدس، وهو ليس إنجيلاً، ولا قرآناً مُنزَلاً، هم يقرأون قراءات قد تـُصيب، وقد تـُخطى.
نحن -العراقيِّين- يعرف بعضنا البعض الآخر، ونتحمَّل مسؤوليّة ما نواجه من أخطار على أرض العراق.
أبناؤنا اليوم يُحقـِّقون نتائج رائعة وباهرة في مُواجَهة داعش، وكلُّ العلامات تـُشير إلى أنَّ هناك إسراعاً جيِّداً على الرغم من وجود بعض الصعوبات، ولكنَّ القوات المُسلّحة العراقـيّة حقـَّقت نتائج باهرة اكتسبت احترام رأي العالم، والمُطـَّلعين على ما يجري في العراق، ولا داعي لأن نـُثبِّط العزائم، نعم.. ليس من الصواب أن نستعجل بتحديد تاريخ، بل قد لا يكون سهلاً أن نـُحدِّد تاريخاً مُعيَّناً لهزيمة داعش، ولكن -بكلِّ تأكيد- لنا الحقُّ، بل الواجب أن نقول: إنَّ علامات الانسحاب بدأت منذ زمن، وتراجع داعش في الكثير من المناطق، ومنها: تكريت، وجرف الصخر، والإسحاقي، ومنطقة حمرين، ومناطق أخرى على أنَّ الحرب كرٌّ وفرٌّ يُمكِن أن تمتدَّ في مكان، ويُمكِن أن تتقلـَّص في آخر، ولكنَّ مُحصِّلة، ومُجمَل حركة القوات المُسلـَّحة العراقـيّة أنَّ هناك تقدُّماً بشكل جيِّد، والله -تبارك وتعالى- يكتب عليهم سمات النصر، ولأعدائهم الخذلان والتراجُع.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: العراق بالنسبة إلينا كلـُّه كرامة، والكرامة لا تتجزَّأ، وكذلك الوطن لا يتجزّأ، ولا يُمكِن أن نختزل مدينة بشخص، وإذا جاز لنا أن نحكم على مدينة من خلال شخص ما فلا نحكم على مدينة من خلال أسوأ شخص عرفه التاريخ بالإجرام، والانحراف، والساديّة، والدمويّة.
ليس صحيحاً أن نختزل هذه المدينة بشخص صدّام؛ لا لشيء إلا لأنـَّه وُلِد فيها، فكلُّ المُجرمين في التاريخ وُلِدوا في مُدُن مُعيَّنة. لا نسمح لأنفسنا بأن نحكم على مُدُن التاريخ من خلال هؤلاء المُجرِمين.
تكريت فيها مُناضِلون، وفيها أصحاب تاريخ، وفيها مُثقـَّفون. وكذلك كلُّ مُدُن العراق. اسمح لي أن أنقلك إلى مكة المُكرَّمة أشرف مدينة في الوجود لا يدخلها الناس إلا من خلال كونهم مُحرِمين، فيها مُحمَّد -صلى الله عليه وآله- وفيها أبو لهب، وأبو جهل. لا نحكم على مكة من خلال أبي لهب وأبي جهل إنما نحكم من خلال الرسول -صلى الله عليه وآله- فليس من الصحيح أن نختزل المدينة بشخص. المدينة ذات تاريخ عريق، ولها مكانة مُعيَّنة، وفيها مُواطِنون قدَّموا خدمة في مُختلِف مجالات المُجتمَع، وفي مُختلِف مراحل التاريخ؛ لذا يجب أن نـُحيِّي تكريت، ونُحيِّي تاريخها، وحاضرها، وكذلك نُحيِّي مُستقبَلها، ونتحمَّل وإياها معاً مسؤوليّة الدفاع عن حياضها، وإرساء نظام العدل، وندفع عنها غائلة الانحراف الذي تعرَّضت له شأنها شأن بقيّة المُدُن العراقـيّة الأخرى.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: دعني أثبت لك مسالة مبدئيّة: نحن قبلنا من دول العالم التي تقف إلى جانبنا مبدأ المُستشاريين من دون أن نتقبَّل منهم قواعد على الأرض، أو قطعاً عسكريّة، والعراق ليس في أزمة مُقاتِلين؛ حتى يأتي هذا وذاك ويُقاتِل نيابة عن العراقـيِّين سواء كان القادم من الخارج العراقيِّ إيرانيّاً، أم أميركيّاً، أم أيَّ شخص آخر، نعم.. على مُستوى الاستشارات نقبل ذلك، ومادامت القضيّة على مُستوى الاستشارات فالمُستشار كلما يدنو من خطوط المُواجَهة يكون أكثر واقعيّة، وأكثر عمليّة؛ لأنـَّه يرى بعينه مُتطلـَّبات المعركة، واستحقاقاتها.
المُستشار الأمنيُّ عندما يتحلـَّى بشجاعة، ويتقدَّم، ويرى ستكون له كلمة عمليّة لا كلمة من وحي التجريد.
أمّا أن يُقاتِل نيابة عنا فنحن لسنا في أزمة مُقاتِلين. الجُنُود العراقـيّون، وأبناء العشائر العراقيّة، وقوات الحشد الشعبيّ يتسابقون، والآن يكتبون أساطير بدماء زاكية، ويُحقـِّقون انتصارات على الأرض.
نحن نـُحيِّي كلَّ مَن يقف إلى جانبنا، وتقبّلنا المُستشارين من كلِّ البلدان من دون استثناء، وإلى الأمس القريب اتصلت دول جديدة، ومنها: البرتغال، وقبلها نيوزلندا، وأستراليا أعربت عن استعدادها لإرسال مُستشارين ضمن الشُرُوط العراقـيّة بما لا يُخِلُّ بسيادتنا، ولا يجعل الحُضُور الاستشاريَّ عبارة عن قاعدة عسكريّة أجنبيّة تـُعيد شبح الخوف عند العراقـيِّين من وجود قواعد عسكريّة. نحن نرفض هذا، والقضيّة طارئة تنتهي بانتهاء الحاجة الميدانيّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: العراق طَلَبَ، وليس سِرّاً على أحد، وأطلقنا ذلك من خلال منبر الأمم المُتحِدة في نيويورك، وقلنا: نحن بحاجة، ووضعنا شروطنا، وتحشَّد التحالف الدوليُّ بما فيه أميركا، وبريطانيا، ودول أوروبّية كثيرة، وبعدها التحقت أستراليا، ونيوزلندا، ودول أخرى، وتحرَّكنا خارج التحالف الدوليِّ على روسيا، وإيران، والصين، وسنتحرَّك على أيّة دولة من دول العالم تمدُّ يد المُساعَدة ضمن شروطنا.
نحن لم نـُشكِّل التحالف الدوليَّ، بل إنَّ التحالف الدوليَّ شكَّل نفسه بقوّة وفاعليّة ومراكز القرار في داخل هذه الدول. كانت أميركا في المُقدّمة، ونحن بالنسبة إلينا؛ لظروف استثنائيّة كنا في أمسِّ الحاجة لتسلـُّم مُساعَدات لحماية البلد، وحماية المُدُن.
ماذا يتصوَّر العالم عندما تتعرَّض أمُّ الربيعين (الموصل) ثاني أكبر مدينة في العراق إلى ما تعرَّضت له، هل نقف، ونحلم؟
كلُّ بلد يمرُّ بما مرَّ به العراق يستنهض العالم، ويطلب المُساعَدات، وهذا ما فعلناه؛ وهو يتماشى مع المنطق، والقانون الدوليِّ، والأمم المُتحِدة، وكلِّ الموازين الإنسانيّة.
أمّا أنهم أوفوا بكلِّ التزامهم فالوجود الناقص خير من العدم، أي: يُعطون أفضل ممّا لا يُعطون.
وهل هو بمُستوى ما نطمح إليه؟ قد لا يكون بمُستوى ما نطمح إليه، لكن وصلت مُساعَدات، وحدثت بعض الغارات.
وجهات النظر التي يقولها بعض الإخوان مُحترَمة، وكلُّ واحد يتناول القضيّة من زاويته الخاصّة، وهو صادق مع نفسه، وإن كان مُشتبـِها، ولكن علينا أن نـُحسِن أخذ الإسناد من بقـيّة الدول، ونجعل من العراق مُلتقى للمُساعَدات الإنسانيّة على الصعيد الأمنيِّ، والصعيد الخدميِّ، ونأخذ من كلِّ دولة بما تعطي. هذه هي مهمّتنا الآن، وليس مهمّتنا أن ندخل خط التقاطعات؛ ومن ثم نخسر هؤلاء.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: المُطالبة بتوحيد الخطاب لا تخلو من صواب، ومن صِحّة. نحن مع تعدُّد الخطباء، ولكن مع وحدة الخطاب.
لا نستطيع أن نقمع أحداً، فليتعدَّد الخطباء، وليتكلّموا على منابر مُتعدِّدة في العالم بشرط أن يكون الخطاب واحداً هذه النقطة الأولى التي أشار إليها، وأعتقد أنها صحيحة، أمَّا عن التوقيت فليس من الصحيح في العسكريّة كأكاديميّة، وكمعركة على الأرض أن يتمَّ البوح بنقطة البداية. هذا من الأسرار، ومن أسرار العمليّة الناجحة عسكريّاً أن لا يعرف عدوُّك متى تبدأ، ومن أيِّ مكان تبدأ.
عنصر المُباغتة أساسيّ، وهذا التهالك والتسابُق في الإعلان عن زمن البدء، ومكانه أعتقد أنه لا يخدمنا، بل يخدم أعداءنا، وليس من المصلحة.. هذا من الناحية الإعلاميّة، أمّا من ناحية جوهر الميدان فبكلِّ تأكيد أنَّ القيادات الميدانيّة في القوات المُسلـَّحة العراقيّة هي المعنيّة بتحديد الوقت المُناسِب، والمحور المُناسِب للحركة، وتعطي الإيعاز في الوقت المُناسِب الذي تـُباغِت العدوّ، وتجعله أمام مواقع مُتحرِّكة على الأرض، ويُفوِّت عليه فرصة أن يُفلِت من العقاب.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا أتذكّر في زمن الملك عبد الله بن عبد العزيز أعطى مبلغاً ليس بالقليل في المجال الإنسانيِّ، والكويت أيضاً قدَّمت مُساعَدة، وأمّا مصر فلا يحضرني على وجه التحديد حجم المُساعَدات التي قـدَّمتها، لكن -على أيِّ حال- كنا نتسلـَّم مُساعَدات من هنا وهناك، ونعتقد -أيضاً- أنَّ حجم ما يحتاجه شعبنا أكثر من حجم المُساعَدات، فلايزال هناك فجوة كبيرة بين حجم احتياجاتنا وبين حجم المُساعَدات التي قـُدِّمت.
العراق بلد غنيٌّ، وأنا أؤكـِّد هذه أكثر من مرّة، ولا يحتاج على المدى البعيد أن يأخذ مُساعَدات من أحد، ولكن لأنه يمرُّ بظرف استثنائيٍّ، ولانخفاض أسعار النفط فمن الطبيعيِّ أن يتطلع لإخوانه، وأشقائه أن يُساعِدوه، وهو -بكلِّ تأكيد- ما يتوقـَّعه من الأشقاء على الحُدُود المُتاخِمة للعراق، وما بعد حوض الجوار أكثر من المفروض أن يتوقـَّعه من دول الأقصى الجغرافيّ من أوروبا وأميركا وأستراليا ونيوزلندا وغيرها.
الأقرب إلينا يُفترَض أن يكون أكثر عطاءً، وأسرع استجابة، ونحن نـُسجِّل عتباً أخويّاً عليهم بأنَّ العراقـيِّين ليسوا بحاجة في الوضع الطبيعيِّ إلى أيِّ شيء، ولكن لأننا نمرُّ بظرف استثنائيٍّ، والشعب العراقيُّ شعب كريم، والكريم يُثمِّن مَن يقف إلى جانبه خصوصاً في ظروف المِحنة، ولن ينسى ذلك أبداً.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: عندما يكون هناك انخفاض في الموارد فمن الطبيعيِّ أن تلجأ الدولة إلى نوع من أنواع التقشـُّف، وتبدأ بخطوت مُعيَّنة ومنها الضرائب، وتأخذ بنظر الاعتبار حالة الناس الفقراء، ولا تمسُّ المسائل الضروريّة في حياتهم، وتفرض ضرائب على الحاجات والاستيراد.
أعتقد أنَّ من الطبيعيِّ أن تـُقلـِّص من نفقات الوزارات، وقد بدأت الحكومة بهذا؛ لأنَّ انخفاض سعر النفط جاء بشكل مُفاجئ، والعالم كلُه شهد ذلك، ولم يكُن من فعل الحكومة، وليس للحكومة إلا أن تـُوازن بين الواردات والمصروفات.
كلُّ دول العالم تعمل مثل هذا، ولكن بطريقة حكيمة تراعي الطبقة الفقيرة، ولا تمسُّهم، أمّا الطبقة الغنيّة فيُمكِن أن تكون حِصّة الضرائب عليهم أكثر.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هي الآن بالسقف الوسط. بالنسبة لطموحي أقول: السقف الوسط بما كنا عليه من حالة انقطاع عراقيٍّ، وقطيعة عربيّة.. قرار من دول عربية بأن تقاطع العراق وبين انقطاع من الجانب العراقي.. لكن خط الشروع بدأنا به.. نحن الآن لم نصل إلى ما نطمح إليه.. نحن الآن بالسقف الوسط لكن لا نقف.. سنستمر إلى أن تكون العلاقات متعددة الجوانب راسخة غير موجية لا تتأثر بأحد ويكون الأصل هو فتح أبواب العلاقة على مصراعيه مع كل الدول العربية نظراً لما يربطنا بالدول العربية من حقائق التاريخ والجغرافية والمصالح الحيوية بيننا وبينها.. لا نسأل لماذا توجد العلاقة؟ وإنما نقول لماذا لا توجد العلاقة؟ الأصل بيننا وبين الدول العربية وبين دول الجوار بل في كل دول العالم أن تكون لنا معهم علاقة ونحن مصممون وعازمون على هذا الطريق وأنا أعتقد كلما مضى الوقت ارتفع السقف الواقعي.. ولكن بعد لم يصل إلى سقف ما نطمح إليه.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: العراق على مُستوى دول الجامعة العربيّة بدأ بوزراء الخارجيّة العرب، فقبل فترة كان هناك لقاء، وكان لنا أيضاً خطاب مع إخواننا وأشقائنا وزراء الخارجيّة، وتعاملنا معهم، وسنستثمر كلَّ فرصة لقاء؛ لندفع بالعلاقات أكثر فأكثر.
العراق اليوم لا يتحدَّث بخطاب الطموح العراقيِّ، وخطاب الخطر العراقيِّ فقط، بل يتكلـَّم بخطاب الطموح العربيِّ، والخطر العربيِّ.
هناك طـُمُوحات عربيّة مُعطـَّلة، وأخطار قرعت أجراسها في أفق الدول العربيّة كلـِّها. العالم العربيّ بلد الثروات، وبلد المساحة الواسعة، وبلد الدول المُتعدِّدة لا يحظى في جامعة الدول العربيّة بمكانة تتناسب مع حجم طموحاته؛ لذا سوف نتحدَّث به، ونجد في أشقائنا العرب من وزراء خارجيّة إلى رؤساء عوناً لهم.
جامعة الدول العربية هي جامعة للدول العربيّة، وانتهى عصر العنتريّات التي كانت صقور، أو مَن يحبّون أن يُسمُّوا أنفسهم أنهم صقور، ويجلسوا في جامعة الدول العربية، ويتبادلوا الشتائم، والفضائح.
جامعة الدول العربيّة اليوم في أمسِّ الحاجة للخطاب الحاني، الخطاب الواعد الذي يُشير إلى المساحات المُشترَكة بين الدول العربيّة، الخطاب الذي يستحثُّ الدول الأغنى أن ترعى الدول التي تمرُّ بظـُرُوف استثنائيّة.
سنجد فرصة هناك، وسنتكلم من خلال منبر الجامعة على كلِّ ما من شأنه أن يُقوِّي الدول العربيّة؛ وقوة جامعة الدول العربيّة تكمن في قوة أعضائها، ولا نطمح لأن تكون بعض الدول العربيّة قويّة وبعضها الآخر تـُعاني من أيِّ نوع من أنواع التحدِّي، أو نوع من أنواع الضعف؛ لذا أمامنا فرص كثيرة، وسيكون خطابنا خطاباً يُشير بكلِّ صراحة إلى أنـَّه يجب أن نعمل معاً؛ من أجل الانتقال بواقع الدول العربيّة إلى واقع أحسن ممّا نحن عليه الآن.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ليس لدينا مُشكِلة في ذلك مادام رائدنا المصلحة الوطنيّة، كما أعتقد أنَّ هناك حالة من الانسجام فيما بينهما، ونأمل أن تبقى حالة الانسجام مُستمِرّة، وتتعمَّق، وتتجذر أكثر.
المهم أن يحضر العراق بخطابه، وحواره، وبرنامجه، أمّا مَن يحضر فهذا يأتي في الدرجة الثانية.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أعتقد أنـَّه طلب مشروع أن يسألوا على ما يُؤمِّن لهم غطاءً أمنيّاً لشركاتهم، وشخصيّاتهم، ولا يُعاب عليهم ذلك. هذا وفاء لمُواطِنيهم، وهم مسؤولون عن أمن وسلامة المُواطِن الذي يعمل في شركة، أو لا يعمل في شركة.
نحن لا نـُنكِر أنه يُوجَد شيء من التحدِّي الأمنيِّ موجود، فالقلق مشروع، لكننا طمأناهم بأنَّ هذا الشيء يُمكِن أن نتعاون عليه معاً بخاصّةٍ أنَّ مناطق الجنوب والوسط ترفل بالأمن والاستقرار، مثل ما هي مناطق كردستان.
قلقهم أعتبره طبيعيَّاً جدّاً، وقد تحدَّثنا عن كلِّ ما يتعلق بهذا الجانب؛ حتى نذلـِّل وإياهم هذه العقبات من الناحية الأمنيّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ليس لديَّ أرقام تفصيليّة عن الجانب التقنيِّ لبعض الأسلحة الأميركيّة التي تُسلـَّم إلى العراق، ولكن أستبعد أن تصل القضيّة إلى الصورة التي نـُقِلت لك. لا أعتقد أن هذا شيء صحيح، نعم.. رُبّما نطمح -ونحن نقول للأميركان وكلِّ الأطراف الأخرى، ولا نجاملهم- أن يكون سقف المُساعدات، وسقف الدعم والاستجابة أعلى، ومن حيث الزمن أسرع.
طبيعة المعركة هي التي تفرض علينا حجم ما نحتاجه، وسرعة ما نحتاجه من الآليّات؛ المعركة ليست معركة بالحركة، أو حرباً باردة، ولا مُلاكَمة إنما هي مسألة سلاح ساخن، ومُتطوِّر، والطرف المقابل يحتاج إلى رصد مُبكّر، وحركة مُبكّرة، وكاميرات مُعيّنة، وأسلحة مُتطوِّرة؛ حتى نرتقي إلى مُستوى التحدِّي؛ لذا نقول لهم مثل ما نقول لبقـيّة الدول بين فترة وأخرى.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: تكلّمنا بآفاق عامّة، والحاجة إلى مُساعَدات على أكثر من صعيد، ونأخذ من كلِّ دولة من دول العالم تملك هذا السلاح، ونحن نطلب، ولا نستثني روسيا، ولا أيّة دولة من دول العالم التي لديها أسلحة، وتستطيع أن تـُقدِّم لنا.
يجب أن نمدَّ المُقاتِل الذي هو أصعب طرف في المُعادَلة، ويُقدِّم روحه، فما قيمة السلاح بالنسبة إليه، وما الذي يُمكِن أن يفعله المُقاتِل بلا سلاح؟
يعني أنه ينتحر، ومن الطبيعيِّ أن نطلب أسلحة، ونـُلِحَّ في طلب الأسلحة من روسيا وغيرها.
التعليقات (0)