الدكتور إبراهيم الجعفريّ: كانت الجلسة مُحدَّدة المحور، وهي الأزمة التي تمرُّ بها الدولتان السعوديّة، وإيران.
الحُضُور جميعاً تناولوا القضيّة من مداخل مُختلِفة، واتفقنا على أنَّ الذي حصل من دُخول إلى السفارة السعوديّة في طهران، والقنصلـيّة في مشهد عمل خاطئ، ومُدان، واختلفتُ معهم بأنَّ الطرف الذي يُدان ليس الجمهوريّة الإسلاميّة، وإنما تـُدان المجموعة التي دخلت خُصُوصاً أنَّ إيران كحكومة حَمَت السفارة، وتضرَّر بعض الشرطة، والحراس عندما دافعوا عن السفارة، واعتقلوا بعض المشبوهين، والآن بصدد الوصول إلى نتائج، وأقالوا أحد رجال الأمن في طهران؛ بسبب تقصيره في تأمين السفارة.
فمن غير الصحيح أن نـُدين حكومة ترفض ابتداءً، واستنكرت قبل أن يستنكر الآخرون، وحدَّدت موقفاً مُشرِّفاً، نعم.. أنا معهم بالإدانة، لكنَّ مَن المُدان؟
اختلف معهم في هذه النقطة، وكما تعلم أنَّ العراق بدأ مشواره بمشروع التقريب، والتهدئة، وكانت إيران المحطة الأولى، والتقيتُ السادة المسؤولين، وزُرتُ سلطنة عُمان، والكويت.. هذه الدول أتصوَّر أنها دول مفصليّة تستطيع أن تؤثر، وخطابها مُحترَم، وقويّ، ورصيدها في الاستجابة عالٍ؛ لذا اخترتها دون غيرها بالبدء، ولو كان قد طال بي الوقت لزُرتُ دولاً أخرى، وبعدها التقينا بالقاهرة، واستثمرتُ اللقاء، وبدأ مشروع التهدئة، ولكنه لم ينتهِ إلى الآن، وسأواصل المشوار.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا يُوجَد شيء يمنعني من الرياض. عندما تقتضي مصلحة بلدي، ومصلحة العرب عُمُوماً أن أذهب إلى الرياض أذهب، ولن أتردَّد.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: جلسنا، وتحدَّثنا سوية، وتواصلنا.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: قال الأخ عادل الجبير: إذا خطت إيران باتجاهنا خطوة سنـُبادِلها بعشر خطوات. قلتُ له: هذه رسالة جيِّدة، فكان إيجابيّاً، ونحن عندما نشرع من ضفة التباعُد، والاختلاف علينا أن لا نقفز، بل نتدرَّج بالمشي حتى نصل إلى ضفة التهدئة؛ لأنَّ التهدئة مكسب للجميع، ولا ينبغي أن نشتبه، ونتصوَّر أنَّ القضيّة بدأت بين دولتين، وستنحصر -لا سمح الله- نتائجها، وأضرارها، وتداعياتها على هاتين الدولتين إذا اندلعت شرارة توتر؛ الأزمات تعمُّ بشررها المنطقة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: تـُوجَد خشية مُتبادَلة من الطرف الإيرانيِّ والطرف السعوديِّ كلُ واحد منهم يختزن من الذكريات ما يجعله يُؤاخِذ الطرف الآخر.
أنا آمل بكلتا الدولتين الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، والمملكة العربيّة السعوديّة أن تتجاوزا الماضي. كلٌّ من الدولتين لها شأنها، ولها قيمتها. بالنسبة لنا ثابت جواريّ مع المملكة العربيّة السعوديّة حُدُود جغرافـيّة، وكذلك مع إيران حُدُود جغرافـيّة هذه بلد الحرمين، وبلد شقيق له خُصُوصيّاته، فيهمنا كثيراً أن تكون العلاقات بينهما جيِّدة، ونعتزّ أن نـُبادِر عندما تكون هناك -لا سمح الله- أزمة قبل أن تشتدَّ، وتتفاقم، ونأخذ دورنا في تخفيفها. هو من مصلحتنا، ومصلحة هذه البلدان.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ردُّنا أننا جئنا إلى البيت العربيِّ، وطرحنا، وفـُوجـِئنا مُفاجَأة سارّة بأنَّ العرب كلهم اجتمعت كلمتهم على أنَّ الموقف التركيَّ مُدان، وخرج القرار بالإجماع.
أوّل مرّة تشهد أروقة الجامعة العربيّة قراراً بالإجماع يقضي بالحقِّ مع العراق، وأدانوا الموقف التركيَّ، وطالبوه بالانسحاب، ونحن -بدورنا- كلفنا السيد نبيل العربي بنقل قرار الإجماع العربيّ إلى مجلس الأمن، وقد أرسله.
نحن لا نرفض تركيا كجار. هذه حقيقة جغرافـيّة، والحقيقة لا تـُبدِّل من نفسها شيئاً. نحن نرفض التجاوز التركيَّ على العراق، كما لا نرضى لأنفسنا أن نتجاوز على حقوق الآخرين.
فاجأتنا تركيا أن تدخل إلى العمق العراقيّ 110 كيلومتر بقوة مُسلـّحة، وهي إلى الأمس القريب كانت قوى التحالف الدوليّ التي تدعم العراق تتمنى على تركيا أن تـُسخـِّر قاعدة أنجرليك لإطلاق الطائرات من مطارها؛ خدمة للعراق، فكانت ترفض، وإلى الأمس القريب قبلت بذلك، وفجأة تحوَّلت القضيّة إلى أن تدخل إلى العمق العراقيِّ.
نأمل أن تراجع تركيا موقفها، وتـُصحِّحه؛ وبذلك ستجد العراق مثلما كان مُصِرّاً على الرفض سيكون أكثر إصراراً على التمسُّك بالعلاقة معها مادامت سيادته مصونة، وحقوقه محفوظة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: اتصل بي الأخ عادل الجبير بالتلفون، وأخبرني به. قلت له: العراق يُمثـِّل عُمقاً إسلاميّاً لا يُنافِسه عليه أحد، ويُمثــِّل عُمقاً عربيّاً، وعُمقاً في مُواجَهة التحدِّي العالميِّ وهو الإرهاب، وله عُمق حضاري كأوَّل دولة في العالم رفعت لواء الحضارة قبل أهرام مصر كانت أهوار فلا يتسلم هذه الأخبار بالتلفون، وبشكل عابر.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نعم. وأنا أجبته كما أتحدَّث معك.
مرَة نـُناقِش مُبادَرة، وأخرى نـُناقِش عمليّة صناعة المُبادَرة، وتهيئة المُقدّمات الناجحة، والمناخ المُناسِب؛ حتى تكون النبتة قد استوفت شُرُوط الزراعة والإنبات. هذا الشيء مُستعجَل، وما أرى الاستعجال صحيحاً.
سألتُ أحدهم، فقال: أنا لا أعلم أيضاً.
لا يُعقـَل أن يكون الإقدام على مثل هذا العمل بهذه السرعة، وبشكل مُفاجـِئ. أنا أعتقد أنَّ القضيّة كانت مُتعجَّلة، نعم.. العمل الجماعيّ عُمُوماً أفضل من العمل الفرديِّ المُفكـَّك، ولكن يجب أن نـُؤمِّن مُقدّمات صحيحة؛ حتى تنتهي إلى نتائج صحيحة. النتيجة تتبع دائماً أضعف المُقدّمات. إذا كانت المُقدّمات ضعيفة ستـُؤدِّي إلى نتائج ضعيفة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: مُبادَرة الرئيس عبد الفتاح السيسي كانت في زاوية جمع قوى عسكريّة عربيّة، وقد كانت مُرتجَلة.
دخلنا إلى شرم الشيخ في وقتها، وكانت السعودية قد دخلت إلى اليمن بيوم أو يومين قبل أن يُطرَح الموضوع على جامعة الدول العربيّة، واستغربنا كثيراً.
هل يُعقـَل أنَّ قوة عسكرية تمارس عملاً ميدانيّاً، ولا يعرف عنها أحد، وغير مُشكـَّلة رسميّاً؟!
طرحتُ مُلاحَظاتي بشكل صريح: أنا لستُ ضدَّ مُبادَرة جمع القوة العسكريّة العربيّة، ولكني ضدّ الارتجال الذي من شأنه أن يُضعِف القوة العربيّة العسكريّة، ولا يُضفي عليها قوة، نعم هي مُبادَرة جيِّدة جدّاً، ولكن كان يجب أن تـُؤمَّن لها مُقدّمات، وتسبقها تعريفات، وتحديد فلسفة القوة العسكريّة. لا جيش بلا فلسفة.
ما فلسفة القوة العسكريّة العربيّة؟
المُؤسَّسة العسكريّة النازيّة على كلِّ سوئها كانت لها فلسفة، وكذا قوى التحالف الدوليّ، وقوى المحور.
ماذا نـُريد من القوة العربية المُشترَكة، وهل نـُكوِّن جيشاً جديداً، أم نجمع قطعاً عسكريّة من الجُيُوش الحاليّة، وكيف ستكون إدارتها، وما أهدافها، وما الحالة البنيويّة التراتبيّة؟
إلى الآن -بتقديري- لم تصل إلى نتيجة. مُمكِن تفعيلها إذا خضعت لمنهج، ومبدأ التدرُّج في التطبيق. انظر إلى أوروبا كيف كانت مُمزَّقة، وهتلر الذي ابتلع الكثير من دولها تشيكسولوفاكيا، وبولندا، وفرنسا، والدنمارك، والسويد، وذهب إلى روسيا، وهدَّد بريطانيا بعمليّة أسد البحر، فشعرت أوروبا أنها إذا بقيت تحت رحمة هتلر سيبتلعها كلها، فسارعت بعد الحرب إلى تشكيل الناتو (حلف شمال الأطلسيّ)، الذي اعتبر الاعتداء على أيِّ دولة أوروبيّة اعتداءً على كلِّ الدول الأوروبيّة، وطار بالجناح الثاني بأنَّ المُنتـَج الأوروبيّ في كلِّ بلد أوروبيّ يجب أن يغمر السوق الأوروبيّة في كلِّ الدول، فتأسَّست السوق الأوروبيّة المُشترَكة، فطار الاتحاد الأوروبيّ بجناحين الأمن مُمثـَّلاً بالناتو، والاقتصاد مُمثـَّلاً بالسوق الأوروبيّة المُشترَكة، علماً أنَّ أوروبا من قوميّات مُتعدِّدة، وديانات مُتعدِّدة، وجغرافية مُتباعِدة، وكان بينها حُرُوب على طول التاريخ منذ القرن الخامس عشر إلى الآن. حرب واحدة بين بريطانيا وفرنسا استمرَّت 116 عاماً، ومع ذلك توحَّدت.
كيف توحَّدت؟
مشت بمنهجيّة صحيحة. فلنستفِد، ونتعلم.
نحن نحتاج سوقاً عربيّة مُشترَكة، ونحتاج -أيضاً- قوة عسكريّة، ولكن يجب أن تخضع لفلسفة واضحة، ومُحدَّدة، وتخضع لنظريّة؛ حتى تـُنشِئ بُنيويّة صحيحة.
المُبادَرات يسهل أن تبدأ بها، ولكن من الصعب أن تستمرَّ. لا نـُريد أن نـُجيد فنَّ البدء من دون أن نـُجيد فنَّ الاستمرار.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا على أتمِّ الاستعداد لأن أتحاور، وأدلي بما لديَّ من رأي، وأستمع الآخرين بكلِّ احترام.
أنا أعتقد أنَّ مُحاوَلات كهذه يجب أن نـُوفـِّر لها عناصر النجاح. نحن بصدد قوة عسكريّة مُشترَكة، وهذا لا يُطرَح على وزراء الخارجيّة العرب، وإنما نأتي بالأركان، والميدانيِّين، والجنرالات.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أوَّل ما طـُرِحت لم يكن هذا الموضوع مطروحاً، وعتبتُ عليهم كثيراً، وقلتُ لهم: أنا كعراقيّ أسمع بمُبادَرة منكم هنا؟!
الجيش العراقيّ تأسَّس عام 1921، وبعد أربع سنوات، أو خمس سنوات يكون عمره 100 سنة، والنسور العراقـيّون طاروا في سماواتكم في مصر، وفلسطين، والأردن، وسورية، ودافعوا عن هذه البلدان ضدَّ إسرائيل. هل يُعقـَل أن نأتي هنا، ونسمع؟!
هذا عمل فيه تسرُّع. المُبادَرة مُبارَكة وجيِّدة. ولو أنهم استشاروني منذ الشوط الأوَّل لقلتُ لهم: لتأخذ حِصّة كافية من النقاش، والتصوُّر على الورق؛ حتى إذا أردنا أن نخطو الخطوة القادمة نعرف الموضع جيِّداً.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا. قالوا: سنـُعطي شهراً، ونتداول بالموضوع، وقبل الشهر بيوم أُبلِغْتُ تلفونيّاً في بغداد بأن تـُرسِلوا لنا مندوباً عنكم.
الذي يُريد أن يُقدِم على عمل كهذا يجب أن يأتي بخيرة ما عنده من أصحاب الاختصاص من جنرالات عُجـِنت طينتهم بين التنظير كأركان، وبين التطبيق كرجال ميدانيِّين؛ حتى يضطلعوا بالمشروع، وإلى الآن أقول: المطلوب أن نـُهيِّئ المُقدّمات الناجحة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: العراق دهمه الدواعش مثلما دهم الإرهاب دولاً أخرى قبله. لم يكن العراق الدولة الأولى، كما لا يُتوقـَّع أن يكون الدولة الأخيرة -أتمنى أن لا تـُصاب أيُّ دولة به- لكنَّ القاعدة كجيل أوّل في الإرهاب المُعاصِر ضربت واشنطن ونيويورك في مطلع القرن الحادي والعشرين 2001 في 11 سبتمبر/أيلول، ثم استقرَّت في أفغانستان، ثم رحلت إلى الشام، ومن الشام جاءت إلى العراق.
هذا عاصف إرهابيّ يأخذ مجرى في المناطق المتخلخلة أمنيّاً، ويحاول أن يُعشعِش في المُجتمَعات الثنائـيّة التكوين، فيُحوِّل الثنائـيّة المُتكامِلة إلى ثنائـيّة مُتقاتِلة كما حصل في أوروبا في القرن السابع عشر في حرب الثلاثين عاماً بين الكاثوليك والبروتستانت، وكانت هناك حالات خلل أمنيّ في العراق، فاستحوذ على الموصل، وأصبحت في قبضته وهي ثاني أكبر مدينة بعد بغداد، وقد مضى عليها الآن سنة ونصف.
عندما تسلـَّمت الحكومة الجديدة في الشهر التاسع من عام 2014 كانت طبول داعش تـُقرَع على أبواب بغداد، ووصلت إلى منطقة الفرات الأوسط بين الحلة وكربلاء، وباتجاه الشمال إلى منطقة ديالى، وجبال حمرين، ومنطقة الإسحاقي إلى الغرب من سامراء، وبغداد كانت تقع عليها القذائف.
من 2014 إلى الآن حُرِّر جرف الصخر بين كربلاء والحلة، وحزام بغداد من الخارج بعيدة عنه، ومنطقة حمرين، وبيجي، والأنبار.. هناك عمليّة تحرير، وتقدُّم للقوات المُسلـَّحة العراقـيّة بكلِّ ما تنطوي عليه من مُكوِّنات الحشد الشعبيِّ، أو البيشمركة القوى الكرديّة، أو شباب العشائر باتجاه واحد تحت غطاء القوات المُسلـَّحة العراقـيّة بإمرة الأخ رئيس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المُسلـَّحة العراقـيّة.
التراجُع مُستمِرٌّ لداعش تحت ضربات القوات المُسلـَّحة، والآن يتجهون نحو الموصل.. مُحصِّلة الحركة في صالح القوات المُسلـَّحة العراقـيّة، والذي يُدير عجلة الحرب البرّيّة هم العراقـيّون وحدهم.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: يُوجَد تواطؤ، وغضّ نظر، واستفادة، وإلا اليوم صندوق سكائر لا يعبر من الحُدُود من دون إشراف، فمن غير المعقول أنَّ شاحنات نفط تـُنقـَل من دون تواطؤ دول أخرى، ونحن نعلم بها على مُستوى إقليميّ، وحتى على مُستوى دوليّ.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا باركتُ، وقلتُ: هذه قراءة صحيحة.
أنا أصدقك مرتين: أصدِقك في المُبادَرة، وأصدقك فيما لديَّ من مُلاحَظات.
نحن بحاجة إلى مُبادَرة ليس قوات عسكريّة فقط، بل نحتاج إلى سوق عربيّة مُشترَكة. نحتاج أن ننتفض على هذه العزلة، وهذا الغيتو، ونرفع هذه الحواجز أمنيّاً، وعسكريّاً، واقتصاديّاً. أنا معه 100% على أن لا نقفز على المُقدّمات. يجب أن نسمع صوت الزمن، ويجب أن نـُؤمِّن لهذه المُبادَرة مُستلزَمات النجاح على الأرض من تخطيط، ودراسات. بالمُناسَبة السيِّد السيسي رجل عسكريّ، وأبدى حكمة عالية في طريقة التصرُّف في المرحلة الانتقاليّة التي حصلت مُؤخـَّراً، واستطاع أن يتعامل بحكمة.
نحن لسنا أمام مشروع مصريّ-مصريّ، بل أمام مشروع مصريّ-عربيّ. هل هو تجميع أجزاء القوى العسكريّة من الجُيُوش الحالية، أم هو إنشاء قوة عسكريّة جديدة، وما الفرق بين المفهومين، وماذا يترتب عليهما، ومن يكون الأصلح؟
هذه الأسئلة يجب أن نـُجيب عنها قبل أن نبدأ. أنا لا أعرف رُبّما تكون كلُّ هذه التصوُّرات عنده، ورُبَّما تكون عنده أكثر، ولكني أتكلم كطرف عراقيّ لم أعلم بهذا المشروع إلا عندما أتيتُ إلى شرم الشيخ.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لستُ أنا فقط، بل دول عربيّة أخرى.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ما يجمع بين المصريِّين والعراقيِّين كثير. ستتعب إذا قلتَ على ماذا يجتمعون، ولكن يُمكِن أن تـُغيِّر السؤال، فتقول: على ماذا يختلفون؟
الأشياء التي يختلفون عليها قليلة جدّاً، أمّا ما يتفقون عليه، فهم يتفقون على انتمائهم العربيِّ، وانتمائهم الإسلاميّ، وانتمائهم الحضاريّ. تعلم أنَّ الحضارة في العالم طارت بجناحين العراق النصف الأوّل من الألف الرابع قبل الميلاد، أي مضى على حضارته 6000 سنة إلا 200 سنة، ومصر بعد 600 سنة الجناح الثاني للحضارة العالميّة من الأهرام، وما يجمع بين مصر وبين العراق هو الاهتمام العلميّ، والأطواد الشامخة طود النجف الأشرف، والأزهر الشريف، وكيف أدَّوا دوراً مُهمّاً جدّاً كحركة إصلاحيّة، وفكر جعل الأمّة على الطريق الصحيح، والقصّة، والأدب، والمسرح.
الدراما المصريّة وصلت، وعبرت من خلال الشاشة بشقيها التراجيديا والكوميديا. اعتاد المُتلقي العراقيّ على إسماعيل ياسين، وفريد شوقي، وغيرهما، وروايات نجيب محفوظ، ومصطفى لطفي المنفلوطيّ.
الذي يُوحِّد ويُبعِد هو ثقافة. كلُّ شيء من حولنا يدور حول الثقافة. كلِّ شيء من حولنا يدور حول الثقافة، وكلُّ ظاهرة مُنطوية على فكرة. فإذا شئتَ أن تـُغيِّر وجهة بلد فعليك بالبنية التحتـيّة.
مصر والعراق منبعان ثقافيّان مُتكامِلان.
أساتذتي في الثانوية مصريّون، وبعض أساتذتي في كليّة الطبّ مصريون إبراهيم أبو النجا، ومحمد علي الكريميّ، وحسن حلمي. هناك حالة من الامتزاج بيننا وبينهم، إضافة إلى ذلك في وقت من الأوقات تجاوز عدد الإخوة المصريين في العراق المليونين؛ إذن ما تخللت هذه العلاقات حالة من النفور، والنشوز الاجتماعيّ، بل بالعكس كان بعضهم يحبّ البعض الآخر، مصر جغرافيّاً في أفريقيا، ونحن في آسيا. عالم اليوم عالم القارّة الواحدة. إذا كانت قارّات العالم الجغرافيّة خمس قارّات، وهناك قارّة ممتدة هي السادسة، وهي القارّة الثقافيّة.
أعتقد أنَّ القارّة الثقافيّة قارّة واحدة، ومُمتدّة لكلِّ العالم. الثقافة، والمفاهيم، والتنظيرات تتسرَّب من خلال أدوات الاتصال، ولا يُعيقها أحد.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نعوذ بالله. هذا يعني أنها تنازلت عن مبادئها، وتخلـَّت عن هُويّتها.
الدولة في العراق لا تقوم على أساس مذهبيّ لا سنيّ، ولا شيعيّ، وإنـَّما تعتمد الدستور الذي يحترم الديانات. دين الدولة الرسميّ هو الإسلام، وتـُعطي مجالاً بشكل مُتكافِئ لأبناء الديانات المختلفة، وفي الدين الواحد بالنسبة للإسلام للسُنة والشيعة الحقوق محفوظة، وكذا الواجبات مُشار إليها، فهي ليست دولة دينيّة بالمعنى الدقيق، نعم.. هناك مُتديِّنون في هذه الدولة، وفي الحكومة، لكنَّ الحكومة غير مُؤدلـَجة، يُوجَد إسلاميّون وغير إسلاميِّين في الحكومة، كما يُوجَد من المُواطِنين مُتديِّنون، وغير مُتديِّـنين.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أتذكر الكلام جيِّداً. عندما أقول: شيعة عليّ يجب أن يُؤخـَذ الكلام غير مقطوع من سياقه.
يُتهَم الشيعة بأنهم فرس. فما جوابي؟
لماذا يُسمى الشيعة شيعة؟ لأنهم شيعة عليّ، وعلي معدن العُرُوبة، ومعدن البلاغة. ألم يقـُل عنه محمد عبده: كلام علي دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوق.
فكيف يُتهَم الشيعة بأنهم فرس؟!
إنما سُمِّيَ الشيعة شيعة لأنهم شيعة علي (ع)، وعاصمة علي (ع) الكوفة، لا شيراز، ولا أصفهان.
أمّا يقتطع أحد ما الكلام عن ظرفه، يُعطي مردوداً مُعاكِساً. أنا ليس بمزاجيٍّ، عندما أُسُاَل عن أنَّ الشيعة يُقال: إنهم فرس. أقول: الشيعة عرب، وسُمُّوا شيعة لانتسابهم لعليِّ بن أبي طالب -عليه السلام-، وعلي عربيّ، بل معدن العُرُوبة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا قطع عسكريّة، ولا مُعسكرات. العراق ليس بحاجة لتدخـُّلات أجنبيّة. وعندما نحتاج سنـُعلِن عن ذلك، لا يُوجَد شيء نستحي منه، وقد قلنا: لا نسمح بقطع عسكريّة من أيِّ دولة من دول العالم أوروبا وأميركا، وأيّ دول من دول المنطقة. الآن عندنا مُشكِلة مع الإخوة الأتراك على خلفيّة انتهاكهم السيادة العراقية، ونحن لا نسمح بدخول قوات أجنبيّة، نعم.. لدينا مُستشارون، والمُستشار يُلبِّي حاجة ميدانيّة خـُصُوصاً إذا كانت عنده تجربة. عندنا مُستشارون من أميركا، وبريطانيا، وأستراليا، ومن بلدان أوروبا الأخرى، ويخضعون للقرار العراقي، والشُرُوط العراقية، ويأخذون فيزا لمُدّة مُعيَّنة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ليس من عادتي أن أمدح، وأكره المدّاحين -وإذا رأيتم المدّاحين فذروا في عيونهم الرماد-: عندما يُقبـِل عليَّ، وأقبل عليه بالسلام أشعر أنه رجل مُتواضِع، مع كونه زعيماً لأكبر دولة عربيّة، وأشعر بودٍّ قلبي لكلِّ مُتواضِع، وأعتزّ به في الوقت نفسه.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هو رجل حكيم، ويفهم هذا الكلام، وأدار التحوُّل الذي حصل بهُدُوء وحكمة، وأرجو أن يتحلى بما ينبغي أن يتحلى به كلُّ رئيس، ويستحضر الحديث الشريف: (آلة الرئاسة سعة الصدر)، و(آلة الرئاسة الحلم).
أنت لا تستطيع أن تـُلغي الآخرين، ولكنك تستطيع أن تتسع لهم. كلهم بلا استثناء كلما يمضون يجدون في قلبك فضاءً عاطفيّاً، وكلما فكروا يجدون في عقلك فضاءً فكريّاً يتسع لهم.
قد تكون الكثير من الكيانات، والقوى، والشخصيّات ارتكبت أخطاءً مُعيَّنة، لكنَّ مبدأ الصفح، والتسامُح، والاتساع للآخرين مسألة في غاية الأهمـّيّة. إنما سُمِّي الرأس رأساً؛ لأنه يملك ناصية التحرُّك، والتحكم بالأطراف.
أنا أجد في هذا الرجل قدرات على أن يُخاطِب الآخر، من دون أن يُثيره، أو يُزعِجه. نحتاج إلى هذه المُقارَبات أكثر فأكثر، ولا ينبغي أن يعصف بنا عاصف الإبعاد، والإقصاء.
لا يُوجَد عندي عقد عاطفيّ مع أيِّ كتلة سياسيّة في مصر، بل عندي عقد أخلاقيّ، وعقد دستوريّ بأن أحترم سيادة الدول، ولا أتدخل في شُؤُونها لا من قريب، ولا من بعيد.
التعليقات (0)