مواضيع اليوم

لقاء قناة النهار المصريّة بالدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقيّة

  • أبدأ بحدث الساعة وهو الحدث اليمنيّ، وقِصّة القوة العربيّة المُشترَكة؛ لأنـَّها أصبحت واقعاً على الأرض قبل أن تبدأ القِمّة، وقبل أن ينعقد الاجتماع التحضيريّ لوزراء الخارجيّة أريد أن أعرف موقف العراق، ورُؤيته بخاصّة أني علمتُ من داخل الاجتماعات بأنَّ العراق كان ضدَّ كلِّ ما جرى؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لابدَّ لي أن أمهِّد للجواب عن هذا السؤال؛ لأنـِّي أنظر إلى اليمن نظرة خاصّة، وأتابع مسيرتها الثوريّة شوطاً بعد آخر، وكنتُ أرقبها من كثب وأنا من العراق، ومن البرلمان، وما الذي حصل في اليمن، وكيف تصاعدت. واكبتها في خطاباتي محطة بعد أخرى، وخطوة بعد خطوة، وأنا سعيد بالذي حصل من تغييرات حين طوت صفحة من الماضي، وبدأت صفحة جديدة.

يُوجَد واقع يُولـَد من الدولة، ويُوجَد واقع يُفرَض على الدولة. الشُعُوب تصنع واقعها بنفسها، وما لم يُصنـَع الواقع من داخلها لا يقوى على الاستمرار، فقد يُحسِن البعض البدء، ولكنه لا يستطيع الاستمرار إذا كان دخيلاً عليه.

الأشقـّاء العرب كلـُّهم يمتلكون الحرص الذي أمتلكه حيال الشقيقة اليمن، ولكني فـُوجـِئت أن يكون الموقف بهذه السرعة، ويأخذ صفة عسكريّة، وذلك لا يعني أن أختزل نفسي مع هذا الطرف أو مع ذلك الطرف؛ حُبّي لليمن لا يتجزَّأ، فعندما يتفقون أنا معهم جميعاً، وعندما يختلفون أتمنـَّى عليهم جميعاً أن يتفقوا، وعندما رفضتُ التدخـُّل العسكريَّ في اليمن لا يعني أني أحابي بين طرف وآخر. أتمنـّى لليمن كما أتمنـّى للعراق ولكلِّ الدول العربيّة أن تنأى بالدول عن أن يقترن اسمها بتدخـُّل عسكريٍّ من الخارج.

التدخـُّل العسكريُّ بداية لم أكن أتمنـَّاها.

 

حتى وإن كان لجعل الحوثيِّين يلجأون إلى مائدة التفاوض بعد استخدام السلاح في مُحاوَلة إسقاط عدن؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الحوثيّة ظاهرة يمنيّة، وليست مثل داعش الذي هو ظاهرة غير عراقيّة، إنما  جاءنا من الخارج العراقيّ، وقد أسقطنا كلَّ الحُجَج، وحاولنا أن نتعامل مع كلِّ الأطراف لتلافي هذه الحالة، وليس سهلاً أن يلوذ الإنسان بالسلاح ابتداءً.

الظاهرة الحوثيّة نشأت في التربة الاجتماعيّة اليمنيّة، ومن داخل اليمن، ومن عشائر اليمن، وعلينا أن نـُفكِّر ببديل ثانٍ، وثالث، ورابع؛ حتى وإن وجدت خطوات حاسمة، ولتكن اليمن من داخلها هي التي تتولـّى، فلديهم حكومة موجودة، ورئيس مُنتخَب، وكان يُمكِن أن تكون هناك خطوات تسبق هذا التدخـُّل على الأقلّ؛ ليُقلـِّص من فجوة التفاوت بين الفرقاء السياسيِّين.

الحوثيّون وغير الحوثيِّين نقف إلى جانبهم، ونتمنـّى أن يسود الأمن، والاستقرار في اليمن، وتـُسوَّى الخلافات بطريقة صحيحة، فلا ينبغي أن نرجع إلى السلاح خُصُوصاً أنَّ السلاح يُورِّث في البلدان كراهة قد تستمرُّ إلى حالة بعيدة الأمد. أنا أتذكّر في عام 2003 حين اشتدَّت بعض العمليّات الإرهابيّة ناقشنا في مجلس الحكم هل نستعين بالدول المُجاورة، ورفضنا ذلك؛ لأنه عندما تأتي الدول المجاورة قد تنتهي هذه الحرب، ولا تنتهي آثارها، ونتائجها، وقد يبقى المُواطِن العراقيّ يشعر أنه تحت نيران وقصف وأسلحة من دول الجوار الجغرافيِّ؛ لذا طلبنا مُساعَدة، واشترطنا أن لا تكون من دول الجوار الجغرافيِّ، وليس ذلك سهلاً علينا.

على كلِّ حال.. عندما تتخذ البلدان العربيّة قراراً يُحسَب علينا جميعاً، وقد سجَّلنا اليوم اعتراضنا، ولكني أقول لك: ما تقوم به الدول العربيّة بالنسبة لنا نحن جزء منه، وأتذكّر قول الشاعر الذي استشهد به محمود رياض عندما دخل جمال عبد الناصر إلى القِمّة العربيّة، وكان منكوس الرأس استقبله محمود رياض ببيتين من الشعر لدريد بن الصمّة، فانتعش عبد الناصر، ولمّا جاء إلى القاهرة اتصل به مرّة أخرى، قال: أخبرني بهذين البيتين -كان يحبُّ الشعر- فردَّد الشعر له في التليفون -دريد بن الصمّة زعيم قبيلة هوازن يُعطينا حقيقة عندما يعيش الإنسان مع مجموعة تتخذ قراراً مُتعجِّلاً ينسحب القرار على كلِّ الأفراد حتى على الذي لا يُوافِق عليه-:

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى        فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد

قلتُ لقومي أن لا يُقدِموا على هذا العمل، فعندما قدِموا عليه ليس فقط يُحسَب عليهم إنما سيُحسَب عليه، ولو بعد حين.

نحن لسنا أمام صفقة عاطفيّة، إنـَّما مع صفقة إنسانيّة عربيّة إسلاميّة مع أحبّائنا وأعزّائنا اليمنيِّين جميعاً حُكّاماً وشعباً، وقوى سياسيّة.

موقف العراق ضدّ أيِّ تدخُّل عسكريّ في أيِّ بلد عربيّ، وهذا ينطبق على اليمن، وغير اليمن. موقفنا هذا ثابت استراتيجيّ، وهو موقف يقوم على الفهم، ويسبر غور التناقضات الموجودة، ونحن اليوم في أمسِّ الحاجة لأن نجعل رايات السلام ترفرف في آفاق الدول العربيّة.

يكفي أن ننتقل من حرب إلى أخرى، وتتخلـّلهما حرب. ارجعوا إلى تاريخكم.. في مصر كيف كانت تسير الأمور في  زمن علي عامر ما الذي حصل؟ وانظر التراجعات التي حصلت..

الحُرُوب ليست مفاتيح الحلّ، إنما مداخل للمآسي. الجُنُود، والطيّارون السعوديّون وغيرهم هم أبناؤنا وأعزّاؤنا، والمعركة المشروعة الوحيدة هي مع عدوِّ كلِّ العرب والمُسلِمين وهو إسرائيل؛ وامّا غيرها فليست في محلـِّها.

 

السلاح كان في المُعادَلة اليمنيّة منذ البداية في اقتتال يمنيّ-يمنيّ، والحكومة اليمنيّة استنجدت بعدد من الدول، وهناك حوار، وأنتَ فرَّقت بين القِصّة الداعشيّة والقِصّة الحوثيّة تماماً، وأصبح الأمر واضحاً، ولكن هناك مَن يقول: إنَّ السلاح مُجرَّد خطوة لإجبار الرافض على الجلوس إلى مائدة الحوار، وثانياً أنت مُصِرٌّ على أنَّ الحوار يُمكِن أن يجري بعد أن دخل الحوثيّون بأسلحتهم إلى القصر الرئاسيِّ في اليمن.

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا لا أريد استخدام السلاح لحسم القضايا السياسيّة لكلِّ الأطراف من دون استثناء، أنا أفهم أنَّ البندقيّة ليست بديلاً شرعيّاً عن القلم؛ هذه لغة الحضارة، والله -سبحانه عزّ وجلّ- حاوَرَ إبليس في القرآن الكريم، يسأله، ويُجيبُه، الله المُقدَّس المُطلَق يُحاور المُدنـَّس المُطلَق.

قد تميل بعض المُنظـَّمات، وبعض الجهات إلى هذا الشيء، ولكن ما لنا لا نستطع أن نرتقي بهم إلى مُستوى ما نطمح؟! نعم.. لسنا معذورين في أن ننزل إلى هذا المُستوى، ونـُعمِّم لغة السلاح.

فلا تقـُل لي: دخلوا إلى القصر، وغيره كان يُمكِن ابتداءً أن نـُزيل الأسباب التي أدَّت إلى هذا، ونتحاور، ونبقى نحاور أكثر فأكثر حتى نتوصَّل إلى الحلِّ السلميّ.

 

نحن -العرب- عندنا مشاكل كثيرة في طريقة الحوار، وإدارته، وكذلك لدينا مُشكِلة في أنـّنا نتأخـَّر كثيراً في الشُرُوع، أو في التعاطي مع شأن مُعيَّن.. ما رأيك؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا لا أنكر أنَّ هندسة الحوار، وأبطال الحوار يحتاجون من الشجاعة أكثر من الفارس في المعركة؛ الحوار يُراد له بطولة.

كيف تستطيع أن تسطع بنفسك، وتتقرَّب إلى الآخر، لا أن تفكر فقط أن تسطع الآخر حتى تروّي ما في داخلك من نزعات.. بعض الأحيان تسحق على قناعاتك من أجل أن تتلافى آثار، وتداعيات قد تنتشر في أوساط يكون ضحاياها أطفالاً ونساءً وكباراً. انظر الآن صفحات الحُرُوب إلى أين؟ لنرجع إلى الوراء: كانت أوروبا تحلُّ مشاكلها بالحُرُوب، حرب وراء حرب، تتخلـَّلها حرب، حرب الـ116سنة يُسمِّونها باختصار حرب المائة عام، والحرب الفرنسيّة-البريطانيّة، وحرب الثلاثين عاماً الألمانيّة-الألمانيّة، ثم انتقلت، وكانت حُرُوب ما يُسمَّى الحرب العالميّة الأولى والثانية في القرن العشرين.. وهكذا حُرُوب أكلت الكثير.

لغة الحُرُوب ليست لغة حضاريّة، نعم.. نجلس نـُناقِش، نـُؤثـِّر، ونضغط، ونبعث فرق عمل، ونـُحاصِر، ولكن لا نبدأ بالحرب؛ لذا قالت العرب: آخر الدواء الكيّ، ويقول الشاعر العربيّ:  لو لم يكن إلا الأسنة مركب              فما حيلة المضطر إلا ركوبها

العراقيّ اكتوى بنار الحُرُوب، حرب الخليج الأولى، والثانية، والثالثة، وما بين الحُرُوب حصارات، وأكثر ما قضَّ مضجع العراقيِّين الحصار الذي فـُرِض عليهم من 1990 إلى 2003 هذا خَدَشَ في وجدان العراقيّ، وحوَّله من أغنى شعب إلى أفقر شعب على الرغم من وجود الثروات المُتعدِّدة.

الحُرُوب ليست منطقاً مقبولاً إنسانيّاً، وليس سهلاً أن نـُقرِّر الحرب؛ لخطر تداعياتها.

أنا أعجب لإنسان يستسهل قرار الحرب. ماذا قدَّمنا قبل أن نتخذ هذا القرار؟

أليس من اللازم أن نـُقدِم على مُبادَرات، وسعي مكوكيٍّ من قِبَل كلِّ الأطراف المَعنيَّة؟

هؤلاء لم ينزلوا علينا من القمر. اليمن تستعين بأشقـّائها العرب، وحتى من غير العرب من المُسلِمين غير العرب يتحاورون معهم، ونتنازل لهم، ونـُعطيهم، ونأخذ منهم، بل حتى في المكنون الثقافيِّ نـُفكِّر بماهيّة ثقافته، ونتثاقف معهم.

ما عنده آخذه منه بشجاعة، وما لديَّ أقنعِه بكفاءة إلى أن أهتدي.

الإرهاصات تأتي من عمليّة مخاض طويلة، تختمر مع كلِّ المُكوِّنات، فتتمخَّض عن ثقافة جديدة، وخطاب جديد. لا نستسهل الأمر.. عندما دخل صدّام إلى الكويت انتفضنا عام 1990، وانطلقت الثورة الشعبانيّة، وكان ضحيَّتها 365 ألف دُفِنوا وهم أحياء في مُختلِف مناطق الجنوب والوسط؛ فنحن عندما نرفض الحرب ليس فقط نرفض التدخـُّل في اليمن، فلو -لا سمح الله- تعرَّضت السعودية سيكون نفس الموقف، وكذا ليبيا، ومصر، وأيّ دولة عربيّة أخرى.

لا نقبل أن يُهدَر دمٌ عربيٌّ على يد عربيٍّ، وهذا موقف مبدئيّ؛ لذا اليوم صُغنا الموقف بالشكل التالي: نحن لسنا مع دُخول أيِّ دولة أجنبيّة إلى دولة أخرى، وهذا ينطبق على الجميع، لا نقبل في سورية، ولا نقبل في ليبيا، ولا نقبل في مصر، ولا نقبل في العراق، ولا نقبل في اليمن -حكم الأمثال فيما يجوز، وما لا يجوز واحد- لم نأتِ ببـِدَع ٍمن القول. هذه هي الحقيقة.

 

داعش ووجودها على أرض العراق وسورية، ولها وجود في ليبيا. هل هذه الظاهرة صنيعة غربيّة-أميركيّة، أم إنـّها نتاج لتعثـُّرات، وإحباطات، وانكسارات؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: يجب أن نـُفرِّق مفهوميّاً: أن تكون صنيعة وغير صنيعة، أو إنـَّها مُستغـَلّة من قِبَل هذه الأطراف، الداعشيّ الفرد وحدة بناء الكيان الداعشيّ، مُكوِّناته فكر يقتل، ويقتل نفسه قبل أن يقتل الضحيّة؛ إذن هو ليس من المُرتزِقة، فالمُرتزِق لا يُمكِن أن يُضحِّي بنفسه إنـّما يأتي لينتفع، بينما الداعشيّ وضع مُسبقاً بنظر الاعتبار أنه سيُقتـَل.

أنا أعتقد أنـَّها ثقافة مُنحرِفة؛ بسبب الغيتو والحصار الثقافيّ، وغسل الأدمغة، ولكن من حيث الانطلاقة الداخليّة هو يعتقد بها. كما أعتقد أنَّ هناك ثقافة سخط واستياء أدَّت إلى ثقافة التمرُّد.

ما الذي أقصده بالسخط، والاستياء؟

أن يُولـَد الفرد في منطقة تملك ثلثي احتياطيّ نفط العالم، ومُلتقى القارّات الثلاث، واقتصاد ممتاز، ومنابع حضارة، ويرى نفسه ينتمي إلى بلد مُتعدِّد الثروات، ولكنه فقير؛ ممَّا يُولـِّد عنده سخطاً واستياءً. هو يرى طبقة قليلة مُتنعِّمة، وطبقة مسحوقة مُتضرِّرة، ويرى أنظمة وحكومات تفرض عليه فوقيّة؛ ممّا يُولـِّد عنده سخطاً واستياءً يدفعه إلى ثقافة التمرُّد والانتقام، ثم تأتي الأصابع المشبوهة من خلف الستار لتـُوظـِّف هذه الحالة.

نحن في العراق ضحيّة داعش التي وظـَّفته، ووضعته على سِكّة التدمير، والقتل، والانتقام الأعمى، والذبح، وحرق الأحياء، والاعتداء على البنات، ويذهبون بهنّ إلى الشام يبيعونهنَّ، ويعتدون على السُنـّة والشيعة، وعلى المُسلِمين والمسيحيّين، والإيزديّة، والصابئة، والعرب والأكراد، والتركمان. أرجو أن تضعوا ما يجري في العراق تحت العدسة، فالقضيّة في العُمق إنسانية، كما أنَّ مُشكِلة داعش ليست تعبيراً عن الثقافة فحسب، بل هي مُعولـَمة فعناصر داعش من اثنتين وستين دولة بعضهم ينتمون إلى أرقى ديمقراطيّات في العالم من كندا، وأميركا، وبريطانيا، وفرنسا جاؤوا إلى العراق تحت لواء داعش، ومنهم مَن مارسوا الإرهاب في باريس، وفي كندا، وحين كنتُ في أستراليا ونيوزلندا أخبروني أنهم أمسكوا مجموعة داعشيّين في أستراليا.

كبرى ديمقراطيّات العالم تعرَّضت لهذه الحالة؛ إذن نحن أمام ظاهرة مُعولـَمة، نعم.. هي ظهرت في أرض الشام ابتداءً، ثم انتقلت إلى العراق، ولكنها قد تنتقل إلى بلدان العالم الأخرى. ما الذي يمنعها، ومُواطِنوها من الأقصى الجغرافيّ، وما الذي يمنع هؤلاء عندما يعودون إلى بلدانهم من أن يُمارسوا هذا العمل، وقد مارسوه حين دخلوا إلى البرلمان الكنديّ إلى بيت الشعب، وقتلوا اثنين أو ثلاثة من حُرّاس الشعب في أرقى ديمقراطيّات العالم؟

يجب أن نفهم الآن أنَّ ظاهرة داعش حرب عالميّة حقيقيّة، وأمّا الحرب العالميّة الأولى والثانية فليست حربين عالميّتين إنما ينبغي أن يقولوا: حرب دول الحلفاء، ودول المحور، لكنَّ الحرب على الإرهاب عالميّة حقيقيّة فما من قارّة مُستثناة، وفي كلِّ قارّة ما من بلد مُستثنى، وفي كلِّ بلد ما من بلدة مُستثناة: المعابد بمُختلِف خلفيّاتها الدينيّة، والأسواق، والمطاعم، ومحطات القطار، والطائرات كلـّها أهداف لداعش.

داعش حالة نـُشُوز، وخُرُوج عن الطبع البشريِّ. هي حرب عالميّة.

 

الاتصالات الآن مع سورية سواء لاحتواء داعش، أم للقضاء على فكرة الإرهاب بشكل أساسيّ.. ما هي آخر التطوُّرات على هذا الصعيد إجرائيّاً؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: مثلما لا نـُجزِّئ الإرهاب كطرف صانع يمضي، ويُوغِل في الإجرام كذلك لا نـُجزِّئ الضحايا في كلِّ بلد.

ما الفرق بين الطفل السوريّ وبين الطفل العراقيّ، وبين المرأة السوريّة وبين المرأة العراقيّة، وفي أيِّ بلد من البلدان يطالها الإرهاب؟

بالنسبة لنا يُضيف أرقاماً جديدة للضحايا، ويجب أن نـُعبِّر مرّة واحدة عن هذه الضحايا؛ لذا يجمعني مع هؤلاء أن أستمع إليهم، وأُسمِعَهم ما عندي؛ لكي نـُوقِف عجلة النزيف المُستمِرّ. سورية كان البلد المُنطلـَق لداعش، وقبلها القاعدة؛ وعلى ذكر سورية لو كان العالم ركَّز على داعش، وجمَّد الخلافات الآن مُؤقـَّتاً لانتهى داعش.

 

حسب تقارير صحفيّة هناك كلام عن تعهُّدات رُبّما للرئيس بشار الأسد بأنـَّه لو خرج، وحلَّ محلـَّه آخر يُعفى من مُحاكَمة، أو أيّ شيء من هذا القبيل.. هل لديكم معلومات؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا أوَّل أمسِ كنتُ في سورية، والتقيتُ الرئيس الدكتور بشار الأسد، ولم أسمع هذا الكلام، ولكن عندما دار حديث بيني وبينه حول مسألة إتاحة الفرصة للحوار مع المُعارَضة السياسيّة السوريّة كان يُظهر استعداده بشكل واثق؛ فقد انطوت مسألة الحزب الواحد وكان لزاماً الآن أن نـُجمِّد الخلافات، ليس من الصحيح أن نستهلك الجهد الإنسانيَّ الدوليَّ، ونـُوظـِّفه في غير موضعه.

الذي استفاد من هذه الخلافات التي استمرَّت أربع سنوات هو بعض الدول التي تـُراهِن على الحكم السوريِّ، فبقِيَ الحكم السوريّ، واستفادت داعش.

 

التنسيق مع سورية في إطار مُحاصَرة داعش، وتحرير الموصل من قبضته، ومسألة ضبط الحُدُود هذه فيها تنسيق أمنيّ واضح؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: عُبُور داعش من سورية إلى العراق ليس من موقع التنسيق مع طرف من الأطراف السوريّة، أو الحكومة السوريّة إنـّما هو نوع من أنواع التمرُّد على الحكم السوريِّ، كما أنـَّه ليس من مصلحة سورية -كحكومة- أن تسمح بعُبُور داعش إلى العراق؛ لأنَّه إذا نشط داعش في العراق انعكس نشاطه سلباً على سورية، والعكس صحيح، ولكن مثلما تـُوجَد عندنا الآن بعض الحركات تنشط في العراق ليس من موقع التنسيق مع العراق، بل من موقع التمرُّد على الإرادة الوطنيّة العراقيّة كوجود بعض القوى والكتل من هنا وهناك فبالعكس نحن يجب أن نتعاون على ضبط الحُدُود، وقطع الطريق أمام المُتسلـِّلين الذين يُساعِدون على تسريب عناصر داعش، ويُمارِسون عمليّة نقل الأسلحة، والعتاد، والمال.

مُركَّب الإرهاب ليس النشاط الداعشيَّ الإرهابيَّ فقط، فلا نغضَّ النظر عن الأموال المُتدفـِّقة عليه، وعلى آليّاته، والمُعسكرات التي تتولـّى تدريبه، وفقه الإرهاب الذي يُغذي، ويُشعِر الشابَّ أنـَّه في طريق مشروع، وحين تـُقتـَل تتناول الطعام مع رسول الله صفيِّ الجنة، علاوة على ذلك الدول التي تسمح بعُبُورهم من دولة إلى أخرى.. كلُّ هذا يدخل في مُقدّمات هذا العمل. حين ننظر إلى هذا المُركَّب الإرهابيّ نجد -بالضرورة- أنـَّنا أمام مسؤوليّة إنشاء مُركَّب أمنيٍّ يجب أن نـُهيِّئ عناصره، وخطابه، وفقه نبذ الإرهاب، وصون الحياة، وحقن الدم، والأموال للمُتضرِّرين، والإعلام الذي يُدافِع عن الضحايا؛ فنقلب المُعادَلة.

بعض الحكومات دخلت في سجالات عقيمة، وانشغلت بتصفية الحسابات مع هذا الحاكم وذاك الحاكم، أو هذه الحكومة وتلك الحكومة. كلُّ الخلافات في وجهات النظر مُحترَمة، ولكن ينبغي عقلنة المُواجَهة التي تتطلـَّب -بالضرورة- أن نضع الأولويّات على أساس حفظ شعوبنا وسياداتنا.. في الحرب العالميّة الثانية التقى أقصى الشرق ستالين الماركسيّ المُتطرِّف مع أقصى الغرب شيخ السياسة الغربيّة تشرشل، ووقفوا صفاً واحداً لمُواجَهة الخطر المُشترَك وهو هتلر؛ المِحَن تجعل الواعين يتناسون خلافاتهم من أجل أن يتوجَّهوا لعدوِّهم، وكسبوا الحرب، وانتصروا فعلاً.

 

كيف هي العلاقات العراقيّة-المصريّة الآن بعد 12 سنة من سقوط صدّام، وبدء عمليّة سياسيّة فيها تداول وآخِرها تداول السلطة وخروج المالكيّ ومجيء العباديّ؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: العلاقة العراقيّة-المصريّة تحكمها مجموعة ثوابت لا تتبدَّل مع تبدُّل الحكومات والحكام، نعم.. هما طرفان يُعبِّران عن جغرافية قارّتين هذه من الناحية الجغرافيّة، أمّا من الناحية الديمغرافيّة والسكانيّة فهناك عناصر مُشترَكة، وهناك ثوابت بين الدولتين إذ العراق يُمثـِّل الجذر الحضاريَّ الأوَّل للبشريّة كلـِّها منذ بداية الألف الرابع قبل ميلاد السيِّد المسيح، ومصر في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد، والعمود الثاني لصرح الحضارة الشامخة..

بين مصر وبين العراق تاريخ، وتعامُل، وثقافة مُتبادَلة. عندما بعث الإمام عليٌّ -عليه السلام- مالك الأشتر إلى مصر قال له: (يا مالك لقد ولـّيتك خيار جُندي)، أي: أحسن ما لديَّ هذه قبل أن يتأسَّس الأزهر، والدولة الفاطميّة؛ فالعلاقة قديمة، وتدوَّرت عبر التاريخ وإلى ما قبل نظام صدّام المقبور حين كنا شباباً كان يُدرِّسنا بعض المصريِّين، ومنهم: محمد محمود عبد الفتاح درّسني الفيزياء في الثانويّة في كربلاء، وحين ذهبتُ إلى كليّة الطبّ درَّسني حسن سالم، وإبراهيم أبو النجا، ومحمد علي الكريميّ، علاوة على ذلك الدراما المصريّة التي تنتشر عبر وسائل الإعلام، وكذا الشاعر المصريّ، والكتاب المصريّ، والأزهر؛ فهناك روافد ثقافيّة مُتعدِّدة تدفع بالمصريِّ نحو العراقيِّ، وتدفع بالعراقيِّ نحو المصريّ.

 

هل هذا مُترجَم على الصعيد السياسيّ؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: حاوَلَ صدّام أن يُوظـِّف هذه الحالة بوضعه الخاصِّ مثلما وظـَّف الكثير من الأمور، في تقديري كان المُصريّون يحسّون أنَّ صدّام لا يُمثـِّل الوجدان العراقيَّ، فماذا يتوقـَّعون من صدّام الذي يدفن 365 ألف مُواطِن عراقيّ أحياءً، وماذا يتوقـَّعون من صدّام الذي استخدم الكيمياويّ في حلبجة، وقبلها في الأنفال، نعم.. هو يقول لك -كمُواطِن-: ليس لي حقّ التدخُّل، ولكن -بكلِّ تأكيد- كإنسان مصريّ يئنُّ لأنين العراقيِّين؛ لذا ما هو مرفوض عراقيّاً مرفوض مصريّاً، وكذلك الحال بالنسبة لنا عندما ننظر إلى تجربتكم فالمقبول المصريّ مقبول عراقيّاً، والمرفوض المصريّ مرفوض عراقيّاً. وإن كنا لا نتدخّل في شُؤُونكم، ولكننا نتابع ما يجري في مصر مع حركة الشعب وتطلّعاته، ونبارك كلَّ خطوة فيها تقدُّم، ونتفاعُل بين المصريِّين في صناعة مُستقبَلهم.

العلاقة بيننا وبينكم مُتشعِّبة، كما أنَّ مصر قابلة لأن تستثمر في العراق فالسيّارات المصريّة (نصر) كانت تجوب شوارع بغداد والعراق عُمُوماً، وهي مُعتدِلة السعر، ومن السهل أن يشتريها المُواطِن، إضافة إلى الروافد الأخرى، ومنها: المنتوج القطنيّ ومشتقاته وغيرها كثير، ولاتزال هناك فرص أمام المنتوج المصريّ لأن يشقَّ طريقه إلى العراق، وهذا عصب اقتصاديّ مُهمّ يجب أن نعمل على تفعيله؛ إذن العلاقات عندما تنطلق بين الشعوب تكون استراتيجيّة ومُستقِرّة -يتبدَّل الحكام ولا تتبدَّل العلاقة، بل تتبدَّل الحكومات ولا تتبدَّل العلاقة-؛ لأنها انطلقت من قاعدة تتدوَّر مع الدولة، ولا تحبس نفسها في إطار تلك الحكومة أيّاً كان اتجاهها مادامت انبعثت، وانطلقت من قاعدة شعبيّة ستبقى ببقاء القاعدة الشعبيّة.

 

وصفتَ في البداية المعركة مع عدوٍّ واحد فقط عدوّ العرب، والأمّة الإسلاميّة وهو إسرائيل، ولكن هناك موضوع تتكلم فيه الناس عبر وسائل الإعلام هنا في مصر، وهو دول الجوار غير العربيّة الموجودة على حُدُود الوطن العربيِّ، وفيما يُوصَف بمنطقة الشرق الأوسط تحديداً.. نحن نتحدَّث عن إيران وتركيا، والصراع الأزليّ القويّ.. كيف تنظرون إلى التدخـُّلات إذا كنتم ترون أنَّ هناك تدخـُّلات لدول الجوار غير العربيّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ابتداءً أنا أعتزُّ بعربيّتي، وأعتزُّ بالأدب العربيِّ، والتاريخ العربيِّ، واللغة العربيّة؛ لأنـَّها لغة القرآن الكريم، ولكني لا أؤدلج اللغة. هذا هو فرقي عن القوميِّين العرب، ولا أحد يُنافِسني على تاريخي العُرُوبيّ. أنا من سلالة أهل البيت، وعربيّ، ولكن لا أؤدلج هذه الحالة.

اللغة بثقافتها، بشعرها، بنثرها بكلِّ شيء كذلك لم يعُد بالنسبة لي الفارق اللغويّ بيني وبين أيِّ لغة أخرى إسفيناً يحول دون التواصل معهم.

 

نتكلم في الشقِّ السياسيِّ، ولا نتحدَّث إلا عن هذا الشقِّ لأنَّ الآخر تنوُّع وثراء، وعلينا أن نستفيد منه، ومادمنا تحدّثنا عن الشعر فمن أجمل الشعر هو الشعر الفارسيِّ. هذه حقيقة ليس فيها جدال.

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: حافظ الشيرازيّ، وسعدي الشيرازيّ، والخيّام، ولكنَّ الشعر العربيَّ تسنـَّم موقع القِمّة، واحتكرها المُتنبي، وحتى الذين يختلفون معه ما تخلـَّصوا من هيمنته على عُقـُولهم إنما بسط نفوذه، وتربَّع على عرش الشعر العربيّ.

 

نتحدَّث عن الشقِّ السياسيِّ، وما يُقال عن التدخـُّلات؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا بأس في أن نرجع إلى هذا الحديث: تركيا دولة جوار جغرافيّ، ولم نأتِ بهم بقرار، فجعلنا تركيا شمالنا، ولم نأتِ بإيران وجعلناها شرقنا. هذه جغرافية، ومثلما أنتم الآن جاركم السودان، أو ليبيا هذه حقائق جغرافيّة فلا نستطيع أن نـُغيِّر الجغرافية، ولكن يُمكِن أن نـُكيِّف الديمغرافيّة والسكانيّة على الحقائق الجغرافيّة، ثم إنَّ المُعادِل لهذا الفرق في اللغة هو الدين، فالدولتان مُسلِمتان، وتربطنا بهما منابع شرايين الحياة في العراق، منابع الحضارة دجلة والفرات ينبعان من تركيا، ومن إيران، ومن سورية، فمادمنا تربطنا هذه العلاقات، وهذا التشابُك، ونحن دول الاجتياز بالماء فمنابع النيل ليست من مصر، ومنابع دجلة والفرات ليست من العراق.

تركيا وإيران دولتا جوار، نعم.. نـُحافِظ على خُصُوصيّاتنا، ولا تتدخَّلان في سيادتنا، ولا نتدخَّل في سيادتهما، ونصون وإياهما المصالح المُشترَكة، ونتعاون في درء الأخطار المُشترَكة.. كوبا على أبواب أميركا، والخلاف قائم على قدم وساق إلى عام  2015، والآن بدأت صفحة جديدة، وبدأوا يتعاونون مع بعض، وكذلك المكسيك على حُدُود أميركا، وقـُل مثل ذلك في كلِّ دول العالم.

لا يُوجَد في العالم جوار جغرافيّ فقط، بل جوار سياسيّ؛ رُبَّما يكون الأقصى الجغرافيّ أقرب إليك سياسيّاً، وقد يكون الأدنى الجغرافي أبعد عنك سياسيّاً؛ إذن علينا أن نـُجيد، ونفهم المُشترَكات بيننا وبين الآخرين، ونراعي مصالحهم، ويُراعون مصالحنا.

 

الحديث عن صراع سنيّ-شيعيّ على الأرض العربيّة.

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: كم يوماً بقيت في العراق؟

 

أربعة أشهُر.

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هل سمعتَ بوُجُود تحارُب بين السنة والشيعة بلا مُجامَلة؟

 

في بغداد، والنجف، وكربلاء، والناصرية.

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا ابن مدينة كربلاء عاصمة التشيُّع فيها سُنـّة أيضاً، وبغداد فيها سُنـَّة وشيعة. ما من مدينة عراقيّة إلا وتجد الثنائيَّ المُتكامِل بين السُنـَّة والشيعة.

 

أنا لم أتكلّم على داخل العراق إنـّما أتكلّم على إيران، وتركيا.

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نحن نـُريد أن نستخلص أنَّ السُنـّة والشيعة مذاهب فقهيّة تجتهد أصابت أو أخطأت، وهذا الفكر عندما ينزل من عليائه على الناس تتكوَّن طوائف من الناس، وتلتفُّ حوله.

الطائفة مصطلح قرآنيّ، طائفة من الناس تتقبّل، وتتلقـَّى الفكر السُنيَّ، فتكون طائفة سُنيّة، وطائفة أخرى من الناس يتلقـَّون الفكر من منظور شيعيّ؛ فتكون طائفة شيعيّة. لا نـُريد عراقاً بلا طوائف، بل نـُريد عراقاً بلا طائفيّة.

لا نستطيع أن نتصوَّر عالماً بلا طوائف، الإخوة الكرد جزء من العراق، والعراق بلد غالبيّته من العرب، ولكن نـُريد عراقاً بلا عنصريّة، عِراقاً فيه عناصر مُتعدِّدة من الكرد، من التركمان، من العرب.. هذا شرف لنا.

أنا أعتقد أنـَّه لا يُوجَد شيء اسمه سُنـّة أو شيعة إنما المذاهب كلـُّها مُحترَمة، والديانات مُحترَمة، والتجمُّعات التي تتجمَّع حول هذا الفكر أو ذلك الفكر مُحترَمة، نعم.. يحاول البعض أن يتصيَّد، ويُحوِّل هذه الثنائيّة المُتكامِلة المُتعايشة إلى ثنائيّات مُتقاتِلة، وقد حصلت في أوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت حُرُوب في ألمانيا من 1618 إلى 1648 حرب الثلاثين عاماً، وقتال شرس، أي: قتال ألمانيّ-ألمانيّ، ثم امتدَّ من الداخل الألمانيّ، وتسرَّب إلى الدول الاسكندنافيّة.

بعد تلك الجولة الكبيرة من الحُرُوب فهموا الآن أنَّ هذا ليس من مصلحة أحد.. نحن الآن ليس من مصلحتنا أن نفتح معارك هذا سُنـّيّ أو هذا شيعيّ.. مذاهب فقهيّة تجتهد، وكلـُّهم يُصلـُّون إلى قبلة واحدة، ويصومون في شهر واحد، ويقرأون كتاباً واحداً، ويُؤمِنون برسول واحد.

لماذا نضع أنفسنا في زاوية حرجة، وحتى إذا كان هناك سُنـّيّ سيِّئ، أو شيعيّ سيِّئ فهل هذا يعني أنَّ الطائفة كلـَّها أصبحت سيِّئة؟! حين نقول: إنَّ أبا لهب، وأبا جهل كانا في مكة، وهي أشرف ما في الوجود، ولا يدخلها الإنسان إلا مُحرماً هل من الصحيح أن نختزل مكة بأبي لهب وأبي جهل؟! مكّة بلد بالرسول مُحمَّد -صلى الله عليه وآله-؛ إذن إذا صادفنا سنـّيّاً طائفيّاً، أو شيعيّاً طائفيّاً لا ينبغي أن نخضع إلى رهان المُعادِين لنا، ونـُعمِّم الأحكام على كلِّ السُنـّة، وعلى كلِّ الشيعة..

من الخطأ أن ننجرَّ إلى هذه المعركة خُصُوصاً عندما يُطلِقها رجل دين الذي يُفترَض به أن يُساهِم في خنق هذه البـِدَع؛ لذا أملي بكلِّ علماء الدين من دون استثناء أن يُحافِظوا على وحدة الأمّة في مثل هذه الظروف الصعبة، وأن يستحضروا المُشترَكات التي تجمعنا من دون أن يُعطوا مجالاً للعب على حبال الخلافات البسيطة من الناحية الفقهيّة.

 

الفكرة هي الاستخدام السياسيّ لهذا الشأن، وهذا موجود في دول عربيّة تتحدَّث بهذا الشأن بوضوح، ومنها: مصر.

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نحن -دول الجوار الجغرافيّ- عندنا قوميّات مُتعدِّدة، تركيا أتراك، وإيران فرس وعندهم قوميّات مُتعدِّدة فرس، وأتراك، وعرب، وكرد، وبقيّة الدول العربيّة أنظمة مُختلِفة أميريّة، وملكيّة، وجمهوريّة، وولاية الفقيه، ونظام إسلاميّ ليبراليّ في تركيا هذا شأنهم، ولا نتدخـَّل فيه، نحن علينا ببلدنا في العراق، وعلينا أن نصنع البلد ضمن دستورنا، ونحترم إرادة شعبنا، وكذلك الحال في مصر، وكلّ الدول. وما نتعاطى به في الداخل العراقيِّ يختلف عمّا نتعاطى به مع دول الجوار الجغرافيِّ؛ لأنك أمام الآخر الإقليميِّ، ولا تستطيع أن تفرض نظامك عليه، لكن عليك أن تـُجيد فنَّ التعاطي معه على أساس المُشترَكات، والمصالح المُشترَكة، وتتجنـَّب التدخـُّل في شُؤُونه.

إيران قبل 50 سنة كانت شاهنشاهيّة، وتمتلك أقوى العلاقات مع مصر، وبينهما تصاهُر- هذه حقائق مُجتمَعيّة تفرض نفسها على الأرض-، وتركيا الآن غير تركيا في زمن مصطفى أتاتورك، وإيران الآن غير إيران التي كانت في زمن الشاه، والعراق اليوم غير العراق الذي كان في زمن صدّام؛ فنحن أمام ديناميّتين: ديناميّة ديمغرافيّة في داخل كلِّ بلد، وديناميّة علاقات مع البلدان المجاورة، نحن غير مسؤولين عن هذا النظام وذلك النظام إنـَّما نحن مسؤولون عن نظامنا في داخل العراق، وكيف نتعاطى.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !