مواضيع اليوم

لقاء قناة الميادين بالدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقـيّة ورئيس التحالف الوطنيّ العراقيّ

  • البداية من الخارجيّة العراقـيّة وآخر النشاطات؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الخارجيّة العراقـيّة الآن بصدد تحقيق مُبادَرة، وقد توصَّلنا إلى شاطئ التهدئة بعد أن تعرَّضت المنطقة إلى توتر حادّ رُبّما يُلقي بظلاله على عُمُوم المنطقة؛ لذا حملت هذه مبادرة التهدئة، وأجريتُ اتصالاً مع السادة المسؤولين في الجمهوريّة الإسلامية، ومنه عبرت إلى عُمان، والكويت، والآن نظراً لضيق الوقت، ومُداهَمة وقت اجتماع وزراء الخارجيّة العرب اقتصرتُ على المُهاتفات بيني وبين عدد غير قليل من وزراء الخارجيّة العرب، ثم رست سفينة التحرُّك عند اجتماع وزراء الخارجيّة العرب.

المُبادَرة كانت قبل اجتماع وزراء الخارجيّة العرب، واستثمرت هذه الأجواء، وستمضي -بإذن الله تعالى- حتى نصل إلى نتيجة.

 

  • المُبادَرة العراقيّة التي طرحتموها للتهدئة بين طهران والرياض كيف ستجد طريقها إذا كانت الجامعة العربيّة قد أصدرت بياناً ختاميّاً كان بالضدِّ من طهران بشكل كامل؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذه محطة في الطريق، وليست المحطة الأخيرة. تعوَّدنا أنَّ الكثير من البيانات تأخذ صفة إعلاميّة رُبّما تصل إلى مُستوى الضجيج، وتتلقـَّى بعض الاستجابات من هنا وهناك؛ لدوافع مُعيَّنة، أمّا العمل السياسيّ فيبقى أطول نفساً، وأبلغ تأثيراً، ورُبّما يأخذ زمناً أطول. إلى الأمس القريب كان هناك إجماع سلبيّ ضدَّ العراق، والآن العراق يحتلّ موقع الإجماع العربيّ الإيجابيّ لصالحه عندما وقفوا أمام حليف استراتيجيّ لبعض هذه الدول، أو على الأقلِّ الدول المُهمّة جدّاً بالنسبة لهم، ووقفوا جميعاً معنا.

 

  • ماذا حصل بالضبط في الجامعة العربيّة قبل الخـُرُوج بالبيان الختاميِّ. ذكرتَ أنه كان هناك جوّ من الشدّ؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هناك كان جوّ من الشدِّ بينهم، ومُعبَأون بوجهة نظر سلبيّة -للأسف الشديد- باعتبار أنَّ العنوان العامّ الذي اجتمعت عليه منظومة وزراء الخارجيّة العرب هو الموقف من الجمهوريّة الإسلاميّة. نحن بيـَّنا سواء كان في مُهاتفاتي، أم لقائي مع بعض وزراء الخارجيّة العرب قبل المُؤتمَر، ولقائي مع السيِّد أمين عامِّ الجامعة العربيّة نبيل العربيّ، وكانت إيجابيّة، ولكني كنتُ أدرك أنـَّهم مُلتزِمون مع بعضهم في مسألة الإدانة.. نحن نعيش الآن عالم محاور، وأدرك أنَّ القضايا الإعلاميّة تأخذ حالة من الشدِّ الإعلاميِّ، وتظهر على السطح، وسرعان ما تتبخـَّر عندما نـُحسِن إدارة ملفاتها، ونمضي بنفس طويل.

 

  • هل وصفت ما صدر من بيان ختاميّ في الجامعة العربيّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: وصفته في الجامعة العربيّة بأنّ فيه مُفارَقات، ومُؤاخـَذات كثيرة جدّاً، وثـبّـتها على هذه الصيغة من كلِّ النواحي. عندنا مُؤاخـَذة على قضيّة اتهام إيران بأنها دولة راعية للإرهاب. هذا شيء يُضحِك الثكلى، ومُؤاخـَذات على قضيّة حزب الله.

 

  • من ضمن التحفـُّظات ربط حزب الله بالإرهاب؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: مُلاحَظات كثيرة سجَّلتها بالجملة، وما كانت تخونني الشجاعة أن أتهجَّاها واحدة واحدة.

قلتُ لهم في خطابي: الحكم على الحكومة من خلال مجموعة مُتظاهِرين في بلد يُعطي حقَّ التظاهر، وفيه مُحدِّدات لهذا التظاهر، ولكن استغلّ بعض المُتظاهِرين في الجمهوريّة الإسلاميّة، فعبروا من الخلف، وانسلـُّوا، وقد اتخذت الحكومة إجراءات مُهمّة، وقد استمعتُ للشيخ حسن روحاني رئيس الجمهوريّة بشكل مُباشِر -وهو رجل صادق- وأنا أصدِّقه قال: نحن تفاجأنا، والآن نـُحقـِّق، وسنتوصَّل إلى العناصر التي تسبَّبت بهذا الاقتحام، إضافة إلى ذلك استهلَّ حديثه بأنـَّهم منذ البداية يُفكـِّرون في التقارُب الإيرانيِّ مع دول المنطقة، ومع المملكة العربيّة السعوديّة، وهذا يعني أنَّ الرجل جادّ في إرساء علاقة قويّة؛ حتى تعود بالنفع على إيران ودول المنطقة. الرجل يملك نظرة استراتيجيّة، ويعمل عليها.

ذكـَّرتهم بأنه في الشهر الأخير قبل أن يرحل خادم الحرمين عبدالله سمعتُ حديثه بتوصيف العلاقة مع إيران، وحرصه على العلاقة مع إيران. أنا أتحدَّث معكم ولستُ إيرانيّاً، بل أنا رجل عربيّ، ولا يُنافِسني أحد على عُرُوبتي. أنا أفكـِّر بمُستقبَل المنطقة، وما يُمكِن أن يُهدِّدها.

يُمكِن أن تتوتر الأوضاع، وبعد التوتر احتراب، وبعد الاحتراب تـُؤقلِم الحرب، وبعد ذلك سنقع في محذور خطر بأننا أمام نار التهبت، ورُبّما تعمُّ المنطقة، وتمتدُّ إلى مديات بعيدة من الزمن؛ لذا حرصي على إيجاد علاقات جيِّدة، والتهدئة، وتحكيم صوت العقل.

قلتُ لهم: لايزال صوت العاطفة إلى الآن هو الغالب، ويجب أن نـُحكـِّم صوت العقل، ونحفظ علاقة جيِّدة مع إيران.

نحن إلى الآن لم نرفض العلاقة مع تركيا على الرغم من أنَّ قواتها، وأبناءها يسرحون في الأرض العراقـيّة بعمق 110 كيلومتر.

رفضنا التجاوز، والتدخـُّل في شُؤُوننا، ولم نرفض العلاقة مع تركيا.

 

  • بالنسبة للمُبادَرة العراقـيّة التي طـُرِحت للتهدئة بين الرياض وطهران هل تواصلتم مع السعوديِّين؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: كان بيني وبين الأخ عادل الجبير حديث، والحقيقة أنا لم أبادر في البداية ليس عُزُوفاً، ولكن كنتُ أتحيَّن، ومازلتُ الظرف الأنسب لفتح هذا الموضوع، وهو شعر أنَّ عندي مُبادَرة تهدئة، وتحدَّثنا قليلاً على هامش اجتماع الجامعة العربيّة لوزراء الخارجيّة العرب، وقال: نتواصل. قلتُ له: أهلاً وسهلاً نتواصل، ونتبادل وجهات النظر. ليس عندي مُشكِلة.

 

  • هل علم أنَّ لدى العراق مُبادَرة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نعم.. تكلمتُ مع أعضاء في مجلس التعاون الخليجيِّ، وذهبتُ إلى عُمان،  والكويت.

 

  • هل عُدتَ مُتفائِلاً بعد هذه الجولة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: مازلت مُتفائِلاً. من الدول العربيّة مَن يتفهَّم موقف العراق، ويحرص على تهدئة الأجواء، ولكنهم تربطهم التزامات بمسألة وحدة الصفِّ العربيِّ، أنا شخصيّاً الصفّ العربيّ لا أفرِّط به خُصُوصاً أنَّ وحدة الموقف العربيّ صبَّت لصالح العراق كأوَّل بادرة في تاريخ الجامعة العربيّة عُمُوماً، وللعراق خُصُوصاً، ولكن ليس على حساب تجاوز الحقِّ، والإذعان لبعض المُدَّعيات. هذه لا نعتقد أنها صحيحة.

يُراد له عمل؛ لأنَّ عندنا تراكماً زمنيّاً، وتراكماً في الأحداث، فيُراد لنا أن نـُغيِّر وجهة النظر هذه بحيث هذا حالة الهلع من الاسم الإيراني، ومن التصرُّف الإيرانيِّ يجب أن نـُغيِّرها.

 

  • الجامعة العربية اجتمعت، وأدانت، وأصدرت بياناً ختاميّاً، ووضع في هامش البيان تحفـُّظ لبنان؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: مع احترامي للموقف اللبنانيّ، وأنا أشكر لهم هذا الموقف، وأعتبره مُجتزَأ فقط نصَّ على قضيّة حزب الله، ونحن لا نختلف على أنَّ حزب الله ليست مُنظـَّمة إرهابيّة، ولكن عتبي لماذا نقتصر فقط على حزب الله، وماذا عن بقـيّة الإجراءات التي اتخذها، ولماذا تجديد التهمة للحكومة الإيرانيّة بأنها مُتورِّطة بهذا العمل علماً أنَّ الحكومة الإيرانيّة قامت بما يلزم، واعتقلت المُواطِنين الإيرانيِّين، وتـُجري تحقيقاً معهم، وأقالت أحد المسؤولين الإيرانيِّين في طهران.

قلتُ لهم: أنتم في قطر ألم يُختطـَف مجموعة من القطريِّين في الأرض العراقيّة، ولكن لم تتهموا الحكومة العراقـيّة، وقلتُ لهم: من كلِّ دولكم هناك إرهابيّون في سُجُون العراق، ولكننا لم نحكم عليكم من خلال هؤلاء.

 

  • هل هناك سبب، وأبعاد تتصل بالأزمة العراقـيّة، والأزمة السوريّة بأزمات تشتعل في المنطقة لهذا القرار، أو تقف وراءه؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: بالتأكيد هناك تعبئة، وشحذ العواطف، والهمم؛ وهذا هو الذي جعلني أحتاج وقتاً أكثر. بالمُناسَبة مُبادَرة التهدئة لم تنطلق من جامعة الدول العربيّة رُبّما تلتقي مع إرادة العرب عُمُوماً، ولكني لم أتحرَّك على أساس الجامعة العربيّة، ولا تنتهي باجتماع جامعة الدول العربيّة. هي أبعد من ذلك، وتسبقها في التوقيت، وستتواصل معهم، وبالفعل تحدَّثتُ، واستثمرتُ أجواء الجامعة العربيّة بضرورة التهدئة، وقلتُ لهم: نحن قدَّمنا مجموعة مُقترَحات كان آخر هذه المُقترَحات هو اعتماد آليّة للتقريب بين السعوديّة وبين الجمهوريّة الإسلاميّة.

 

  • وهل وُضِعت المُبادَرة ضمن جدول، وبرامج في اجتماع القاهرة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نعم.. وثــُبِّتت في المحضر، وقدَّمت مجموعة نقاط بأنه يجب أن نتصدَّى، ونـُغلـِّب صوت العقل، ونتكـيَّف مع دول بيننا وبينها استحقاقات جغرافيّة، وتاريخيّة، وإذا كانت هناك مشاكل عالقة يجب أن نحلـَّها بهُدُوء.

 

  • مَن مِن العرب كان قريباً من المُبادَرة، أو يُؤيِّد التوجُّه للتهدئة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لو سألتني: مَن مِن العرب لم يقبل بالتهدئة؟ لأجبتك بضرس قاطع: لم يرفض التهدئة أحد. أمّا ما يُضمر في نفسه فهذه تعود له، وسمعتُ حتى من الدول التي تتصوَّر أنها من دول الصقور أنه عندما تخطو إيران خطوة نحونا سنخطو عشر خطوات نحوها، كما وجدتُ تفاعُلاً داخل الاجتماع.

قلتُ لهم: لا أحد يُنافِسنا على العُرُوبة. نحن معدن العُرُوبة. أنا شخصيّاً ابن رسول الله، ونحن نرتبط مع بقـيّة الدول باستحقاقات الجغرافية، والجوار.

نحن -العرب- أقلية في العالم الإسلاميِّ.. أندونيسيا وحدها بقدر العرب كلـِّهم نحن 350 مليون، والمسلمون غير العرب يُشكـِّلون 80 إلى 85% من نفوس الأمّة الإسلاميّة.

 

  • هناك دول عربيّة التحقت مع السعوديّة، واشتركت، واتخذت ذات الموقف، وهو قطع العلاقات، وسحب السفراء فلرُبَّما تجد السعودية أنَّ هناك صِحّة لموقفها؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لذا كنا نفكر كيف نحول دون اتساع القطيعة من جانب، وكيف نحمل السعوديّة وغير السعوديّة على أن تـُعيد موقفها، وتتعامل بطريقة أفضل لها ولغيرها.

السعوديّة قدر سعوديّ، ونحن ليس لدينا إشكال عليه إذا كانت تـُريد أن تبقى مُتطرِّفة فهذا شأنها، ولكن تـُوجَد أمامنا مساحة قدر عربيّ كبير، والعراق يستطيع أن يحتلَّ موقعاً، ويمتدَّ على بقـيّة الدول العربيّة، بل نطمح حتى بالسعوديّة أن تـُعيد موقفها.

توجد أجواء يُمكِن تحريكها. في لقائي الأخير في شرم الشيخ مع الأمير سعود الفيصل عندما أبديتُ استيائي من أحد وزراء الخارجيّة، فتكلم الرجل، وفاجأني بكلام إيجابيّ جدّاً عن الشيعة خُصُوصاً، وعن الإيرانيِّين عُمُوماً، وسمعه الكثيرون.

 

  • ما الجديد في الموقف السعوديِّ اليوم؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: تـُوجَد بُؤرة إثارة بسبب إعدام المرحوم الشهيد الشيخ النمر، وصدرت رُدُود فعل ليست قليلة سواء على مُستوى شعبيّ، أم على مُستوى حكومات إقليميّاً ودوليّاً، حتى الاتحاد الأوروبيّ عبَّر عن استيائه بشكل أو بآخر، وبيـَّنت الولايات المتحدة الأميركيّة، ودول أخرى بأنّ هذا يتعارض مع حُقوق الإنسان، وحُرّية التعبير عن الرأي، ونحن قلنا لهم: العراق بلد يحترم حقوق الإنسان، ويمنح حُرّية الرأي لكلِّ المُواطِنين.

قالوا: إنَّ المرحوم النمر في صفِّ الإرهاب. قلتُ لهم: لا. هذه مُفارَقة. كيف يكون في صفِّ الإرهاب، وهو يتكلم بأننا لسنا مع الإرهاب، ولا نـُريد استخدام السلاح، ونـُعبِّر عن حقوقنا بالسلم، والسلم يُوصِلنا إلى أهدافنا، والحرب والإرهاب لا يُوصِلنا إلى شيء.

هم يقولون: هو مُواطِن سعوديّ حُوكِم من قبل القضاء السعوديِّ.

قلنا لهم: لا نـُريد أن نتدخـَّل، ولكن هناك فرق بين مُواطِن سعوديّ يُحاكـَم بعدالة، وبين مُواطِن يرتبط بشيء اسمه (مرجعيّة دينيّة). المُجتمَعيّات الشيعيّة في مُختلِف دول العالم تحترم الدول التي تسكن فيها، وتحترم دساتيرها، وتحترم حكوماتها، ولكن يجب أن يُدرك الجميع أنَّ الشخصيّة الشيعيّة لها ارتباط مع جهة معنويّة اسمها (المرجعيّة الدينيّة) سواء على مُستوى الاستفتاء، أم على مُستوى تحديد الوجهات العامّة.

المرجعيّة لا تـُريد أن تتدخـَّل في شُؤُون الدول، ولكنها ترعى المُواطِنين في كلِّ مكان؛ إذن الإقدام على مثل هذه الخطوة تقبل أو لا تقبل يتداخل مع عواطف الشيعة.

 

  • ومن ثم تعتقدون أنه إذا ما وُجِّه نقد ليس تدخـُّلاً؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا.. إنما يُوجَد تداخـُل في العوامل بين دولة ودولة. الآن تـُوجَد مُجتمَعات كاثوليكية كثيرة في العالم مُوزَّعة من دول الشرق في روسيا إلى دول الغرب، ولكنَّ الكاثوليكية كمفهوم وكمرجعيّة في الفاتيكان يُوجَد شيء اسمه الكاثوليكيّة، فهي تربط بين خُيُوط هذا النسيج، ويجب أن يُذعِنوا لهذه الحقيقة، وأنَّ هؤلاء -بالنتيجة- مُواطِنون، والعلاقة بينهم غير مُسيَّسة.

ذكـَّرتهم بأنَّ المرجعيّة الدينيّة لطالما أخمدت هذه الفتن، وأطفأت النيران، فالمرجعيّة الدينية لم تستخدم هذا الرصيد المُمتدّ لإقلاق المنطقة، أو إقلاق الدول التي يعيش فيها أبناء الشيعة.

 

  • المُبادَرة العراقيّة التي طـُرِحت هل تعتقد أنها ستـُبقي العراق ينتهج سياسة وسط، ولا يدخل في المحاور؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نحن نبقى وسطاً، ونبتعد أشدَّ الابتعاد عن حالة محوريّة. هذا بالنسبة لنا ثابت استراتيجيّ في الدبلوماسيّة الجديدة، ولكن لا نفهم الوسطيّة بأنـَّها عدم التعامُل، وعدم التفاعُل، وصمُّ الأذن.

 

  • إذن أنتم تعتقدون أنَّ المُبادَرة، والتحرُّك عقب الأزمة فيه حفاظ على الموقف الوسطيِّ للعراق؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: العراق وسطيّ، ويتفحَّص مُفرَدات المواقف، والمجاميع التي فيها، ويُحاول أن يتعامل من هذه الوسطيّة بشكل مُتأنٍّ، ومُعتدِل.

 

  • تركيا دخلت الأراضي العراقيّة بعمق 110 كيلومترات، وهناك حديث عن إعادة انتشار، وعمليّات تدريب، وغيرها. أنتم اجتمعتم بالوفد التركيِّ الذي جاء إلى العراق على أساس أنه يخرج بنتيجة إيجابيّة للطرفين.. ماذا حصل في هذا الاجتماع مع مُدير المُخابَرات التركيّ؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ما بين استقبالنا للسيِّد فريدون وزير خارجيّة تركيا الانتقاليّ في أجواء الانتخابات، ومعه مسؤول المُخابَرات التركيّ إلى أن خرجوا من العراق أبلغوا برسالة بضرورة تقـبُّل التواجُد التركيِّ العسكريِّ في منطقة بعشيقة، وخرجوا بعد حوار دام قرابة ساعتين ونصف بأننا نـُعلِن مبدئيّاً الانسحاب من هذا المعسكر، ولكن أمهلونا إلى أن نصل إلى أنقرة؛ لنـُعلِن من هناك الشيء النهائيّ.

 

  • بداية الزيارة كانت مُحاوَلة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: مُحاوَلة لإقناع العراق بأنَّ هذا لا ينبغي أن يُقلِقكم، ونحن مُتواجدون لحمايتكم، وحماية أمنكم. قلنا لهم: (كثـَّر الله خيركم). نحن نحمي أنفسنا. أنتم دخلتم العراق من دون إذن، وليس لكم إلا أن تخرجوا من الأرض العراقـيّة، وهذا نعتبره انتهاكاً. جاؤوا بمُفرَدة (إعادة الانتشار)، فقلنا لهم: هذا مرفوض؛ لأنه اعتراف ضمنيّ بشرعيّة، أو مشروعيّة تركيا على الأرض العراقـيّة، وسيفتح علينا بوّابة عريضة لدخول بعض الدول. فماذا نعمل؟ نبلقن العراق، أم نجعله طعماً لتقاطع إرادات دوليّة؟

يجب أن تنسحبوا من العراق.

 

  • ماذا قالوا لكم؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: سنـُعلِن عن الموقف النهائيِّ، ولكن الآن مبدئيّاً نحن مع الانسحاب هذا ما قاله السيد فريدون وهو في بغداد، ولكن فـُوجئنا أن يأتي مرّة أخرى التصريح بأنه ليس في نيّة تركيا الانسحاب، وهناك تصريح آخر بأنها ستنسحب في مرحلة مُتأخـِّرة، وأنها تريد أن تـُعيد نشر القوات، وأننا لمُساعَدة القوات العراقـيّة في مُواجَهة داعش.

كلُّ هذه لم تـُغيِّر من موقف العراق الواحد، والمُصاغ بصيغة واحدة، وهي: انسحاب القوات التركيّة من الأراضي العراقـيّة حتى آخر جنديٍّ من آخر شبر.

هذا هو موقفنا من تركيا، وهو ليس عدوانيّاً، ولم نرفض العلاقة مع تركيا، بل نرفض الاختراق التركيَّ للسيادة العراقـيّة.

 

  • لماذا حصل، وكيف؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: إلى الآن يُوجَد تحليل في هذا الموقف، وأنا أحبِّذ أن أكون سريعاً في التفاعُل مع الأشياء، ولكن أتجنـَّب أن أكون مُتسرِّعاً خُصُوصاً أنني أختزل في داخلي هُمُوم وحدة الصفِّ الإقليميِّ، والدوليِّ، والعراقيِّ، فلا أريد أن أتسرَّع، ولكن اقول لك: مهما تكن الدوافع فهي غير مقبولة أبداً. والعراق لا يرضى بذلك، وليس لهم من أجل احترام السيادة العراقـيّة، وإبقاء المصالح المُتبادَلة بين العراق وتركيا إلا الانسحاب الكامل من آخر شبر من العراق.

 

  • تركيا لم تنسحب إلى حدِّ هذه اللحظة على الرغم من إدانة الجامعة العربيّة للتدخـُّل التركيّ؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نحن تحرَّكنا من خلال الحوار الثنائيِّ، وتحرَّكنا إعلاميّاً، وسياسيّاً، وتحرَّكنا على مُستوى مجلس الأمن، واتفق معنا على أنَّ هذا انتهاك للسيادة، ثم انقسموا.

 

  • مَن الذين انقسموا؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الأعضاء الدائميّون في مجلس الأمن؛ بحُجّة أنهم يُحبِّذون آلـيّة الحوار. نحن بدأنا بالحوار، وأعطينا فرصة، وأردنا منهم تصريحاً بأنَّ الحكومة قرَّرت سحب قواتها من الأراضي العراقـيّة إلى أن وصلتُ على أعتاب مبنى مجلس الأمن، ولم يبقَ بيني وبين الباب إلا بضعة أمتار في حرم الأمم المتحدة، واتصلوا، وقالوا: مُمكن أن يكون هناك لقاء ثلاثيّ وزير خارجيّة أميركا ووزير الخارجيّة التركيّة ووزير خارجيّة العراق؟ قلتُ لهم: يكون اللقاء في حالة واحدة، وهي أن يصدر تصريح بأنَّ تركيا قرَّرت الانسحاب. قالوا: إعادة انتشار. قلتُ لهم: إعادة الانتشار معناها بقاء. ما الفرق بين أرض وأرض عراقـيّة تـُعيد انتشارها من قطعة إلى قطعة أخرى. العراق هو العراق في كلِّ أراضيه.

 

  • يتحدَّث الأتراك عن اتفاقـيّة سابقة وقـَّعها طارق عزيز وزير الخارجيّة الأسبق؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ليس لها صِحّة. طارق عزيز وقـَّع عام 1983 على قضيّة مُحدَّدة في منطقة شمال العراق كردستان لمُدّة 72 ساعة، ومكان مُحدَّد، وأن تخرج بعدها وبالفعل هذا الذي حدث.

ما يتمسَّكون به هو مُجرَّد محضر اجتماع، وليس اتفاقيّة أبداً.

البرلمان العراقيّ الذي يُمثـِّل الشرعيّة العراقـيّة اتخذ قراراً في 2009 بأنَّ كلَّ اتفاقيّة عسكريّة مع تركيا مُلغاة. هذا لا تأخذ به، وترجع إلى عام 1983، وهو محضر اجتماع لمُدّة 72 ساعة في منطقة مُحدَّدة. هذا بصراحة منطق مفلوج، وليس صحيحاً.

 

  • ما صِحّة الحديث عن أطماع تركيا بالموصل، أو مُحاولة زجّ تركيا في عمليّة تحرير الموصل تحت يافطة الأمر الواقع؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أيّ دولة تـُريد أن تـُحوِّل العراق إلى مناطق اقتطاع لها من خيراته، ومن سيادته، ومن أرضه، ومن سمائه، ومن موارده نحن نرفض بضرس قاطع.

نتمسَّك بالعلاقة مع دول الجوار، ولكننا نتمسَّك أكثر بعدم اختراق سيادتنا من قبل أيِّ دولة من هذه الدول.

 

  • لمَّحتم في الأزمة مع تركيا إلى اللجوء إلى أساليب غير دبلوماسيّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الذي تـُنتهَك سيادته، وتنتهك حُرمته يجب أن يبقى سقف الخيارات مفتوحاً أمامه. لا نفهم الخيارات بالمنطق الكلاسيكيِّ التقليديِّ المعروف بأن نـُحرِّك جُيُوشاً، ونـُطلِق صواريخ، وما شاكل ذلك، ولكن يُوجَد ما هو أهمُّ من هذا، وهو الشعب عندما تتعبَّأ قدراته سيزجُّ شبابه، وكلَّ إمكانيّاته من أجل تحقيق هذا الهدف، والدفاع عن حياض بلده.

تحت أيِّ مطرقة تراجعت داعش على الأرض العراقـيّة؟

تحت مِطرقة من الشباب العراقيِّ وهم الحشد الشعبيّ. أمهاتهم ربَّتهم على أن لا يساوهم أحد على كسر إرادة العراقيين.

عندما تتعرَّض السيادة العراقيّة، والشعب العراقيّ إلى الخطر والله سيجدون العراقيات يُحاربن في داخل بُيُوتهن.

 

  • لكن ما حصل أنَّ الرئيس التركيّ أعلن أن تعرُّضاً من داعش على موقع عسكريّ فيه تواجُد تركي تمَّ الردُّ عليه، وقدم هذا الردّ العسكريّ الذي حصل دليلاً على صوابيّة الموقف التركيِّ في إدخال قواته إلى الأراضي العراقيّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذا الأمر لم يتحقق، وهذا الكلام غير صحيح. أرجو أن يُراجعوا مصادر معلوماتهم.

 

  • إعلان الرئيس التركيّ؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذا الأمر غير صحيح أوَّلاً، وثانياً: لنفترض جدلاً أنه صحيح مَن قال لك أن تدخل الأرض العراقيّة، وبلا إذن عراقيّ؟

دول عظمى بناءً على اتفاقـيّة مع التحالف الدوليّ وافقنا على أن تـُساعِد العراق بالغطاء الجويّ، ولا تـُوجَد طائرة جاءت بلا إذن، ولا يُوجَد مُستشار لم يأخذ فيزا. مَن الذي أعطى الاستثناء للأتراك لأن يدخلوا فجأة. إلى الأمس القريب تركيا ما وافقت على أن تـُسخِّر قاعدة أنجرليك لطيران التحالف لحماية العراق من داعش، وتأخرت في قبول الدخول في التحالف الدوليّ.

 

  • لكن حتى الآن يُقال: إنَّ التصعيد الدبلوماسيَّ العراقيَّ لم يكن بمُستوى الانتهاك التركيِّ حتى هذه اللحظة، أو على الأقلّ لم يأتِ أُكـُلـَه؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أمّا أن يكون التصعيد ليس بالمُستوى المطلوب فأنا أعتقد أننا بعض الاحيان اتـُهـِمنا بأنَّ رُدُود فعلنا كانت أكثر من اللازم. نحن نتشرَّف أننا كنا شُجعاناً، ونشجب، ولا نقبل بغير الانسحاب الكليِّ من الأرض العراقـيّة كلها، لا أحد يُساوم علينا لا دولة إسلاميّة، ولا دولة عربيّة، ولا دولة أوروبيّة أبداً.

أمّا (لم تـُؤتِ أُكـُلـَها) فالمشاكل تشتعل بسرعة، وتتفاعل، ولكن ليس بنفس السرعة تتحقق؛ لذا مازلنا في طريق استرجاع هذا الحقِّ، ومنع الانتهاك.

حتى الآن أنا في الوقت الذي استهللتُ خطابي الأوَّل في جامعة الدول العربيّة بهذه السفرة الأخيرة، وقلتُ لهم: أبلغكم شكري على الإجماع العربيِّ، والوقوف إلى جانب العراق ضدَّ التدخل التركيّ، ولكن أذكركم بأن تركيا لم تنسحب إلى الآن، ويبقى هذا في همّتنا جميعاً بأن نتواصل من أجل تحقيق الإجماع العربيِّ الذي حصل في الاجتماع الأخير.

 

  • هل صحيح أنَّ التحالف الدوليّ الذي تقوده واشنطن لم يُقدِّم ما يحتاجه العراق في الميدان؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ليس بالمُستوى المطلوب. ليس سِرّاً على أحد أنَّ سماء العراق شهدت طيران التحالفات الدوليّة السابقة في حرب الخليج الأولى، والثانية، والثالثة، وكانت عدد طلعاته يتجاوز 1000، وقد تصل إلى 1400 طلعة في اليوم، والآن نواجه حرباً غير تقليديّة للطيران فيها دور مُهمّ، وداعش ينتمي من حيث الجنسيّة إلى أكثر من 100 دولة، ولم يرَ الشعب العراقيّ الدعم بالحجم المطلوب.

 

  • ما السبب؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نحن لا نـُنكِر أنَّ طلعات جوّيّة ساعدت القوات المسلحة العراقيّة، ولكن كتكافؤ بين حجم التحدِّي وحجم الردّ فهناك فرق شاسع بين المُستويين.

 

  • يُقال: ليس من فراغ وإنما استثمار، أو استغلال، أو توظيف وُجُود داعش؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذا يعني أننا سنلجأ إلى نظريّة المُؤامَرة أنا لا أسقط نظريّة المُؤامَرة من الحساب، ولكن لا أنفيها أبدأ، وقد انتهي إليها.

أعتقد أنَّ المبادئ التي أحمله تجعلني أربط بين الأسباب والنتائج، ولكن عندما تلوح بالأفق معالم المُؤامَرة سأتكلم بملء فمي، وأؤشِّر على الأطراف التي تنتهك السيادة؛ لأنها مُتآمِرة.

 

  • في خِضَمِّ هذه الأزمة هناك دعوات سياسيّة من داخل التحالف الوطنيِّ إدخال روسيا على خط مُواجَهة داعش في العراق باعتبار أنَّ روسيا أدَّت دوراً بارزاً في الميدان السوريّ؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا نـُريد أن ندخل في صراع، وتقاطع محاور دوليّة. روسيا يُمكِن أن تنفعنا في أشياء كثيرة، وكنا نتمنى أن تكون ضمن التحالف الدوليِّ، ورُبَّما كانت قد استجابت لو أنَّ التحالف الدوليَّ كان قد وجَّه ذلك، ونحن أسمعنا التحالف الدوليَّ بأنه من غير المعقول أن لا تكون إيران التي بينها وبين العراق لأكثر من 1200 كيلومتر جزءاً من التحالف الدوليِّ، من غير المعقول ونحن نقبل أعضاءً في التحالف الدوليِّ من أقصى العالم، ومن كلِّ دول العالم، ولكن عندما لم يتحقق ما نـُريده لم نتوقف؛ لأنَّ عندنا قضيّة ساخنة على الأرض تتطلب حركة دائبة.

نحن نـُعبِّر عن وجهة نظرنا، ونصنع مواقفنا بأنفسنا، ولكن لا نـُفرِّط بالموجود على الأرض.

أنا شخصيّاً أتصوَّر أنَّ روسيا تنفعنا، والآن يُوجَد تنسيق معلومات ضمن ما يُسمّى (التحالف الرُباعيّ: إيران، وسورية، وروسيا، والعراق)، وليس دقيقاً أن نـُسمِّيه (تحالف عسكريّ) كأنه إلى جانب التحالف الدوليّ.

تبادل المعلومات ينفعنا؛ لأنَّ مُواجَهة داعش تعتمد في العمق على المعلومات، وكيف تتحرَّك هذه المجاميع من دولة إلى دولة أخرى، وفي داخل الدولة من مدينة إلى أخرى، وروسيا دولة لها باع طويل في المعلومات الاستخباريّة.

 

  • هل يستفيد العراق؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: يستفيد. المعلومات نحتاجها، وهي إن لم تنفع فلا تضرّ، ولكننا نستفيد من هذه المعلومات؛ فرُبَّ معلومة بسيطة تفتح لنا أفقاً لتحديد أهداف بإغلاق منافذ مُعيَّنة للدواعش.

 

  • كيف تجدون التواصُل مع السوريِّين اليوم؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: سورية دولة جارة، ونحن منذ البداية لدينا مبدأ بأن لا نتدخـَّل في شُؤُون أيِّ دولة، وموقفنا من الحكومات من خلال موقفنا من الشعوب.

الشعب السوريّ مُختلِف مع بعضه بخُصُوص الحكومة السوريّة. نحن نحترم اختلافاتهم، ولكن ليس لنا الحقّ أن نقف مع شقٍّ من الشعب السوريِّ ضدَّ الشقِّ الآخر.

سافرتُ إلى سورية، والتقيتُ بالرئيس بشار الأسد، وكنت حينها في طريقي إلى شرم الشيخ، وكان لقاءً مُفصَّلاً. لو كانت كلمة الشعب السوريّ قد اجتمعت على رفض بشار سنـُقاطِعه؛ لأنَّ الشعب كلـَّه قاطعه، أمّا قسم من الشعب يُريده، وقسم لديه مُلاحَظات عليه فأنا لا أصطفّ مع صفٍّ ضدَّ صفٍّ آخر.

 

  • يُقال: إنَّ العراق نقل رسائل، ووجهة نظر إلى السوريِّين، ولديه تواصُل أمنيّ، وتبادل معلومات مع السوريِّين بشكل ثنائيّ؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: تبادل المعلومات بين الدول أصبح حقيقة قائمة. وعندما نختلف مع دولة فلا يعني أن نختلف بالمطلق، بل هناك دائماً مساحة من المُشترَك السياسيِّ، والإعلاميِّ، والاستخباريِّ، وحتى الاقتصاديّ.

 

  • بالنسبة لعلاقات العراق مع الإجماع العربيِّ أليس هناك تكتل عربيّ بالضدِّ من النظام القائم في سوريا؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا أتحدَّث في اجتماعات الدول العربيّة بأنَّ موقفنا من سوريا ثابت، وهو إنَّ الأمر متروك للشعب السوريِّ، ولسنا إرادة بديلة عن إرادة الشعب السوريّ. بعض الدول التي تمسّكت بالحلول العسكريّة كلفتهم أزكى الدماء. أبرز، وأروع مثل يختزلها هو الطفل الذي عاد جثة هامدة على سواحل البحر.

الإصرار على تغيير الحكومات أوّلاً، ثم مُواجَهة داعش هو جزء من خطة سيّئة؛ عندما تشتعل الحرب، وتكون القوة الإرهابيّة طرفاً فيها يجب أن نـُجمِّد كلَّ الحُرُوب الأخرى، ونتوجَّه لمحاربة الإرهاب.

تغيير النظام، ثم مواجهة الإرهاب أصبحت أسطوانة فاضحة، أنا أسمعتُ في الأمم المتحدة، أو في اجتماع فيينا الدول المعنية إصرار العراق بأنَّ تغيير الحكومات شأن داخليّ لا ينبغي لأحد أن يتدخل فيه، ولا ينبغي أن يكون جزءاً من صفقة دوليّة، أو إقليميّة؛ ممّا يعني أن نضع العالم على حافة شيء جديد هو أن يأتي الإرهاب إلى كلِّ بلد، ويفرض نظاماً جديداً، ويتغيَّر النظام، ويبقى الإرهاب في ذلك البلد.

قلتُ لهم: إنَّ هذه النظريّة جديدة. المعركة أوّلاً مع الإرهاب، وعندما يدخل الإرهاب في كلِّ بلد نـُجمِّد النظر في ذلك النظام؛ وأنَّ الشعب هو الذي يُغيِّر النظام. ذكـَّرتهم بأنَّ الذي غيَّر نظام زين العابدين في تونس، ومعمر القذافي في ليبيا، وحسني مبارك في مصر هو إرادة الشعب، وليس إرادتكم.

نحن جالسون هنا لنواجه إرادة داعش خُصُوصاً أنَّ داعش انطلقت من الأرض السوريّة، ولكنها لم تتحدَّد كخطورة على الأرض السوريّة، والشعب السوريّ فقط، بل تـُهدِّدنا جميعاً.

 

  • مَن اقتنع بوجهة النظر العراقيّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لم أرَ أحداً اعترض على هذا الكلام.

سوى شخص واحد قال: نحن -أيضاً- قدَّمنا. يقصد الغطاء الجويّ وما شاكل ذلك، ولكن هل هذا بمُستوى التحدِّي؟ الجواب: لا. ليس بمُستوى التحدِّي.

صريحون معهم، ونعتقد أنَّ اتباع سياسة إرعاب كلِّ بلد، ثم مطالبة البلد بتغيير نظامه حتى يُمكِن النظر بالقوة التي أرعبته أعتقد أنَّ هذه السياسة خطرة جدّاً.

 

  • ملفات الإصلاح في الخارجيّة العراقيّة، والسياسة الجديدة التي تنتهجونها، والوضع السياسيّ العراقيّ. هل هو في أحسن حالاته اليوم؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا نقول في أحسن حالاته، لكنَّ الإرادة معقودة على المُضيِّ في الإصلاح حتى يصل إلى أحسن حالاته.

عندما تصل إلى مُستوى تحقيق طموحاتك الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والسياسيّة تنتقل من خطوة إلى خطوة، أي: من نسبة مئويّة إلى نسبة أحسن، وتتقدَّم نحو الأفضل.

مُراجَعة حركات الإصلاح في كلِّ العالم في أوروبا وأميركا عندما تـُوقـِّت لها من بدأ الإصلاح إلى أن انتهت تجدها أخذت بعض الوقت، نعم.. يُفترَض الآن أن نمضي بالزمن السريع، ولا نتأخر أكثر من اللازم، ولكن حصلت بعض الإصلاحات، وبقيت إصلاحات أخرى تـُوجَد ثقافة الآن نحو الآصلاح، وشعبنا بدأ يُشخِّص ضرورة التحرُّك على بُؤَر الفساد، والمُتورِّطين بالفساد.

هذا القدر يُمثـِّل قاعدة رائعة لتثبيت أقدام الحكومة، وأيِّ مُصلِح لا يعيش في عُزلة عن الفاسدين الذين يُقاتِلون المُصلِحين بدعاوى شتى. هذا كله أنا أتحيَّنه منذ زمن، ولطالما دوَّيت بصوتي بأنَّ الفساد أصبح ثقافة، وأخطر شيء في الفساد أن يتحوَّل إلى ثقافة.

 

  • الجبهة الداخليّة في العراق مُتماسِكة بقوّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: مفهوم التماسُك مفهوم عامّ.. تـُوجَد مُشترَكات بين القوى السياسيّة، ومازالت القوى السياسيّة المُختلِفة تجتمع في رواق مجلس النواب على مُستوى السلطة التشريعيّة، ومازالت تجتمع على طاولة القرار تنفيذيّاً، وماتزال المُجتمَعيّات العراقـيّة عابقة بالتنوُّع، وتتعاطى رغم خلفياتها المختلفة، نعم.. تـُوجَد سلبيّات، ويُوجَد إعلام مُغرض يُريد أن يُؤجِّج المشاكل، ويُقطـِّع أوصال النسيج الاجتماعيّ.

 

  • هل التحالف الوطنيّ في أحسن حالاته، وهل هو مُتوافِق بين مُكوِّناته؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: التحالف الوطني مجموعة مُكوِّنات، ومُركـَّبه الاجتماعيّ لا تخلو منه كلُّ المُؤسَّسات.

نحن أبناء هذا المُجتمَع بكلِّ ما فيه، وكلِّ ما عليه، ولكنه الآن يُجذف، ويُبحِر بسفينة ويُواجه تياراً في شدّته، ويُحافِظ على موقفه، وهو أكبر كتلة، وما استطاع أحد أن يجرَّه إلى نعرة طائفيّة، أو قوميّة، نعم.. عليه مُلاحَظات، ولكن في الوقت نفسه يبذل جُهُوداً ليست قليلة سواء في البرلمان كأكبر كتلة، أم في الحكومة من خلال رئيس الوزراء الأخ العبادي.

التحالف الوطنيّ يحرص على أن يُساهِم في إرساء قاعدة الدولة على قاعدة أمنيّة، واقتصاديّة، وما شاكل ذلك رغم الصُعُوبات الموجودة.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !