مواضيع اليوم

لقاء قناة (سي بي سي) (CBC) المصريّة بالدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقيّة

  • كيف ترى أهمّيّة القِمّة العربيّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: القِمّة تكتسب أهمّيّتها من الظرف، ومن طبيعة المخاطر التي تحفُّ بالأمّة، واتساع دائرة التحدِّي في أكثر من بلد عربيٍّ؛ لذا لا يُمكِن أن نعدَّ هذه القِمّة قِمّة تقليديّة، بل قِمّة نتمنـّى أن ترتقي إلى الطموحات والأخطار المُحدقة، ونتمنـَّى أن تكون قِمّة المسؤوليّة، أي: أن تـُؤشِّر على نقاط الخلل، وتضع حُلولاً ناجعة وعمليّة، وتـُوظـِّف ما لديها من إمكانيّات بتزويد، وتمويل مُتطلـَّبات التصدِّي في كلِّ بلد عربيٍّ بما يستحقه سواء كان في العراق، أم مناطق أخرى من العالم العربيّ؛ لذا أعتبرها قِمّة على درجة عالية من الأهمّيّة.

 

  • في اجتماع وزراء الخارجيّة كان لكم موقف من الضربة العسكريّة التي قامت بها السعوديّة، وعدد من الدول العربيّة الأخرى ضدَّ الحوثيِّين في اليمن.. ما هو هذا الموقف، ولماذا اتخذتموه؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: موقفنا ليس لأنَّ الذي بادَرَ هو السعوديّة، ولا لأنَّ البلد الذي يتعرَّض للضربة العسكريّة هو اليمن إنـَّما موقفنا من عُمُوم التحرُّك العسكريِّ في عُمُوم بلدان العالم خـُصُوصاً العالم العربيَّ. نحن مع الحُلـُول السياسيّة، وهي البديل عن الحلِّ العسكريّ.

نعتقد أنـَّه ما من مُشكِلة عصيّة على الحلِّ السياسيِّ، وأنَّ البدء بالوتيرة العسكريّة كحلٍّ سابق قد تـُعرِّض المنطقة إلى أخطار هي في غنى عنها خـُصُوصاً أنَّ العالم الآن مُضطرب، ويمرُّ بحالة من مخاضات الشدّة، والعنف، ونحن بحاجة إلى تطمين، وتهدئة أكثر من إشعال فتيل حُرُوب.

من السهل البدء بالحُرُوب، لكنَّ الحُرُوب لا تنتهي بالسُهُولة نفسها، وقد تبدأ في بلد، ولكن سرعان ما تمتدُّ إلى بلدان أخرى.

الأمّة العربيّة أمّة يجمعها أكثر ممّا يُفرِّقها؛ لذا لدينا موقف استراتيجيّ، ولم نـُفكِّر به كثيراً، بل هو حاضر، ومُبرِّرات الرفض أوضحناها أمام الجميع بسرعة.

نرفض التدخـُّل العسكريَّ، ونحن مع الحُلـُول السياسيّة، وضرورة أن تتحرَّك جامعة الدول العربيّة حركة مكوكيّة على كلِّ الأطراف، وكلِّ البلدان؛ لإخماد الفِتـَن الموجودة؛ أمَّا أن نـُشعِل فتنة جديدة ذات طابع عسكريّ أعتقد أنَّ هذا ليس في صالح أحد.

 

  • ولكن في العراق تدخـُّل عسكريّ، ولستم وحدكم تـُحارِبون داعش، فهناك ضَرَبات التحالف الدوليّ، وهناك الوجود الإيرانيّ.. بأيِّ المقاييس نقيس الأمور؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا تـُوجَد عندنا مقاييس مُزدوَجة؛ (لاؤُنا) واحدة، و(نـَعَمُنا) واحدة. ما يجري في العراق ليس كما يجري في اليمن، أعني أنَّ الوافدين والداخلين على سيادة العراق ليسوا عراقيِّين إنـَّما جاؤوا من أكثر من 62 دولة، فنحن نواجه حرباً عالميّة في العراق، نعم.. هي على أرض العراق، لكنَّ الذين قدِموا من كلِّ مناطق العالم، وقارّات العالم هم عناصرها، وأتوا على حين غفلة، ومارسوا العمل الإجراميّ.. هذا لا يُقاس بأيّ شريحة بغضِّ النظر عن كلِّ الاعتبارات.

شريحة ذات بُعد داخليّ، ولها جُذور اجتماعيّة، وعشائر، وتكوينة مُعيَّنة، ولديها مطالب. صحّ أم خطأ هذا بحث آخر.

سمحنا للتدخـُّل الدوليِّ بشُرُوط عراقيّة، وأن تكون إدارة العمليّة العسكريّة عراقيّة على الرغم من كلِّ هذه الظروف الصعبة، والآن القوات المُسلـَّحة تـُدير دفة الصراع العسكريِّ في العراق.

العراقيّون وحدهم، ولا أحد يتدخـَّل في ذلك، نعم.. طلبنا غطاءً جوِّيّاً عند الحاجة؛ لأنَّ الحرب غير مُتكافِئة، علاوة على أنَّ الحرب على الإرهاب غير تقليديّة -هناك قياس مع الفارق- أمّا إيران فلم تتدخـَّل لو لم نكن نحن بحاجة، وأنَّ الحشد الدوليَّ الذي جاء مُتأخـِّراً ترك فراغاً كبيراً كادت المحافظات أن تنهار الواحدة تلو الأخرى؛ ليس لأنَّ الشعب العراقيَّ كان يقبل بذلك، ولا لأنَّ القوات المُسلـَّحة عاجزة عن ذلك، ولكن أصبحنا أمام الأمر الواقع، فوقفت إيران معنا في الوقت الذي كان العالم كلـُّه في حالة من الغيبوبة، والنوم إلى أن صحا على طبول الحرب التي بدأت تمتدُّ إلى مناطق أخرى، ولو كان الحشد الدوليُّ منذ البداية فلرُبّما لم نحتجْ هذه الدولة أو تلك الدولة؛ لذا انفتحنا على كلِّ دول العالم سواء كان ضمن إطار الحشد الدوليِّ، أم خارج الحشد الدوليِّ. هناك دول مدَّت يد المُساعَدة، وتحاول أن تـُعطينا مُساعَدات وهي خارج الحشد الدوليّ كالصين، وروسيا، وأيّ دولة أخرى.

نحن في هذه الحال نبحث عن أقصر طريق لاستتباب الأمن، والتخلـُّص من خطر داعش.

 

  • كيف وقفت معكم إيران ورُبَّما يُسبِّب الوجود الإيرانيّ المزيد من القلق الطائفيِّ، والمزيد من تأكيد الطائفيّة بين السُنـّة والشيعة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذا لا وجود في العقل الوطنيِّ العراقيّ.. هذا تـُعِدُّه بعض غرف الإعلام، والتخطيط الإقليميِّ والدوليِّ؛ لتحويل القضيّة من استحقاقات الجوار الجغرافيِّ إلى افتعال حرب لا وجود لها في العراق.

 

  • لا وجود للحرب الطائفيّة في العراق؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: غير موجودة. أنا أتكلـَّم معكِ وأنا مُواكِب للعمليّة من ألِفها إلى يائها، ولا يُساوِمني على ذلك أحد. أنا موجود على الأرض منذ المُعارَضة، وموجود في مجلس الحكم، والحكومة المُؤقــَّتة، والانتقاليّة، والحكومة الأخرى، وتسنـَّمت مواقع.

الذين يُقاتِلون هم السُنـَّة والشيعة معاً. وزير دفاعنا من الإخوة السُنـّة، والمحافظات المنكوبة سُنـّيّة وليست شيعيّة: (الموصل، والأنبار، وصلاح الدين) عماد المُجتمَعيّات السُنـّيّة في العراق كلها منكوبة من قِبَل داعش المُعتدي الذي يدَّعي أنه سُنـّيّ والسُنـّة منه براء، والمنكوبون هم من إخواننا السُنـّة هبَّت، واهتزّت أريحيّة العراقيِّين كلـِّهم من السُنـّة، ومن الشيعة، والقوات المُسلـَّحة المُختلِفة للدفاع عن هذه المحافظات المنكوبة.

أين تقع القضيّة الطائفيّة؟

هل نزجُّ أنفسنا بالقوّة؛ حتى نـُصدِّق بوجود حرب طائفيّة، ونحن لا نعلم بها؟!

نحن أبناء هذه الأرض، وأنا ابن العراق أنظر من داخل البيت -أنا ابن هذه الدار أنظر ما بها وسواي ينظر من شُقـُوق الباب- الناس ينظرون من شُقوق إعلاميّة وعدسة تـُريد أن تـُجمِّل، وعدسة أخرى تـُريد أن تـُقبِّح، وعدسة تـُضخِّم، وعدسة تـُقلـِّص.. أمّا إذا سألتِني فأنا ابن العراق اسأليني كما تسألين ابن اليمن عن اليمن، وابن مصر على مصر..

 

  • ألم يكن هناك غبن لأهل السُنـَّة في عهد المالكيّ، وهو ما أجَّجَ رُبّما المعركة الداعشيّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لنتكلم على الجزء الطافي على السطح. ما هي تكوينة الرئاسات الثلاث؟

الآن رئيس الجمهوريّة سُنـّيّ كرديّ، ورئيس البرلمان سُنـّيّ عربيّ، ورئيس الوزراء شيعيّ نـُوّابه سُنـّيّ عربيّ، وسُنـّيّ كرديّ، والناس أفرزوا مُكوِّنات إلى البرلمان، والبرلمان شكّل حكومة.

أيّ عمليّة سياسيّة أوضح كوضوح الشمس في رابعة النهار من العمليّة التي تجري الآن في العراق؟ ليخرج مسؤول، ويُناظِرني على شاشة التلفزيون، وليأتِ إعلاميٌّ استراتيجيّ يتكلم بصوت لا صدى لصوت الآخرين، ويقول: عندي أرقام من الأرض العراقيّة تدلُّ على وجود ثقافة طائفيّة، وهناك مدينة مُشترَكة السُنـَّة فيها يقتلون الشيعة، أو الشيعة يقتلون السُنـّة.

أنا أتحدّاه.

 

  • ماذا عن الاتهامات الأمميّة للحشد الشعبيِّ؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أريد أحداً يقول الحقيقة؛ حتى أناقشه.. لا أريد أن أناقش صدى، أريد أن أناقش صوتاً يقول: لديَّ أرقام أنَّ الحشد الشعبيَّ مبنيٌّ على قضيّة طائفيّة.

مَن الذي دعا إلى الحشد الشعبيّ؟

الحشد الشعبيّ صار في أجواء مرجعيّة دينيّة كانت قد مارَسَت دوراً أبويّاً لم يكُن الأوَّل، ولن يكون الأخير بأنـَّكم إخوة سُنـَّة ًوشيعة. وعليكم أن تـُدافِعوا عن بلدكم، ابتعدوا عن أيِّ شُبهة طائفيّة.

مَن هم الحشد الشعبيّ؟

هم أبناء المُدُن، وأبناء العشائر. العشائر الموجودة الآن في الأنبار بطبيعة كون الغالبيّة العظمى من الإخوة السُنـَّة يكون ذا طابع سُنـّيّ، ومَن يكونون في المناطق الأخرى التي غالبيّتها شيعة ستعكس هذه القواعد إفرازاتها على البُنية الفوقيّة، وكذلك والأكراد موجودون كبيشمركة؛ فهذا الشيء الذي يتردَّد في الإعلام، ويُؤسِفني أنَّ إعلامنا لا يُمارِس دور النفوذ إلى المواقع ليستلَّ المُفرَدات من الواقع إنـَّما يُحاول أن يُحلـِّل كما يشتهي.

 

  • أمميّاً هناك اعتراضات دوليّة على الحشد الشعبيِّ، وهذا ليس مُجرَّد إعلام، إنـَّما الإعلام ينقل هذه الاعتراضات الأمميّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أمميّة يعني أمم مُتحِدة؟

 

  • نعم.

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: مَن قال؟ بان كي مون؟

 

  • حينما قالوا: إنَّ هناك تحذيرات من ارتكاب الحشد الشعبيِّ بعض ما سُمِّي الانتهاكات ضدَّ السُنـّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الحشد الشعبيّ حشد يُمثـِّل الشرائح العراقيّة جميعاً، والحشد الشعبيّ سجَّل سبقاً رائعاً لحفظ العراق، ودفع غائلة انهيارات في المحافظات الأخرى، وهو الذي مسك، وهو الذي ضحَّى، وقدَّم خيرة أبنائه من أجل الدفاع عن كرامة العراق، وحفظ المُدُن العراقيّة. هذه نقطة في مُجمَل هذه الحركة، قد لا أرهن إذا كان هناك مُفارَقة لشخص أو شخصين، ولكن لا يُمكِن أن أنظر لعُمُوم الحشد الشعبيِّ من خلال مُفارَقة فرديّة هنا وهناك.

 

  • إذا كنتَ تنفي هذه الاتهامات فلماذا الاتجاه الغربيّ يُؤكـِّد؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنفيه بضرس قاطع، أنفي أن يكون هناك نيّة -لا سمح الله- أنَّ الحشد الشعبيّ أُسِّس على قضيّة طائفيّة، أو أُسِّس على قضيّة قوميّة، أو أُسِّس على قضيّة دينيّة، إنـَّما أُسِّس على أساس المُواطِن العراقيِّ المنكوب، وغالبيّتهم من الإخوة السُنـّة.

 

  • تقصد أنَّ الغرب يُريد أن يُؤكـِّد فكر الطائفيّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا لا أحكم على الغرب، وأقع في الخطأ الذي وقع فيه بعض الإعلاميِّين حين فسَّروا الحالة العراقيّة، وإذا كانت هناك فضائيّات غربيّة، وإدارات سياسيّة غربيّة تتصرَّف عن عمد بهذه الطريقة فلأجندة خاصّة بها، وهي: مُحاوَلة إيجاد اقتتال عربيّ-عربيّ، إسلاميّ-إسلاميّ؛ حتى تكون الحرب حرباً استهلاكيّة بدمها، ومالها، وحرباً لا رابح فيها إنما الغالب والمغلوب كلاهما خاسران. هذه نوايا بعض الدول، وأكثر حقيقة في التاريخ تعلـَّمناها من أعدائنا (فرِّق تسُدْ)، وأكثر حقيقة تعلّمناها في بلداننا (الوحدة سِرُّ القوة)، ولكن -للأسف الشديد- أنـَّنا لم نعتبر من هذه الدُرُوس.

أعتقد أنَّ العالم الإسلاميَّ، والعالم العربيَّ اليوم في أمسِّ الحاجة لأن يُنظـِّم صفه، ويُوحِّد كلمته، ويعرف أعداءه وأصدقائه الحقيقيّين.

نحن نعيش في بلد جوارنا تركيا بلغة وقوميّة تركيّة، وجوارنا إيران بلغة وقوميّة فارسيّة، ولغة عربيّة في عُمُوم الدول الأخرى، أمّا الأنظمة فمُتنوِّعة: نظام ولاية الفقيه، ونظام إسلاميّ ليبراليّ، ونظام ملكيّ، ونظام جمهوريّ، ونظام أميريّ. ليس بيد العراق أن يختار هذه الجغرافية المُتنوِّعة من حوله. هذا حقيقة، ونتشرَّف أن نمدَّ الجُسُور، ونـُجسِّر العلاقة بيننا وبينهم من دون التدخـُّل في شُؤُوننا. لا يُوجَد ثمّة ما يُسمَّى قضيّة سُنـّيّة-شيعيّة، إيرانيّة-عراقيّة.

 

  • انزعجتم من بيان الأزهر الشريف حول الحشد الشعبيِّ؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: تستغربين أنـّي أنزعج، أم تستغربين أنـّي لا أنزعج.

الآن أنا في مصر. حين يأتيني خبر مُعيَّن نتقصَّاه من الذين يتحرَّكون في الشارع المصريِّ، وكلُّ مُتصدٍّ أنصحه مصرياً كان أم غير مصريّ أن يضع في باله هذه الحقيقة: كلما يتصدَّى أكثر ويكون لديه فعل قويّ فبقدر فعله سيكون رُدُود فعل مُضادّة.

نحن تحفـَّظنا، وتأنـَّينا، وأملنا أن لا تكون هذه الأخبار صحيحة. 

فكيف تـُعمَّم القضيّة بأنَّ السُنـَّة الآن يُذبَحون على يد الشيعة باسم المليشيات. هل سمعتِ بما حصل في سبايكر؟

الذي حصل في سبايكر في العراق أنَّ 1700 شابّ شيعيّ من مناطق شيعيّة اقتيدوا إلى مكان، وقـُتِلوا (كلُّ واحد طلقة في رأسه، ويرمونه في الماء) التلفزيونات نقلته.. هل قلنا: إنَّ السُنـّة ذبحوا الشيعة؟!

هل سمعتِ بالانتفاضة الشعبانيّة عام 1991 حين دفنوا 365 ألف شخص وهم أحياء، وقلنا: إنَّ صدّام حسين مثـَّل السُنـّة، هل سمعتِ بما حصل في الأنفال وحلبجة، وقتل الأكراد بهذه الطريقة المُروِّعة، ونقول: أنَّ العرب قتلوا الأكراد؟!

الحقيقة تكشف النقاب عن شيء آخر: إنـَّه كما قـُتِل الشيعة قـُتِل السُنـَّة قبل الشيعة، وكما قـُتِل الأكراد قـُتِل العرب قبل الأكراد.. هذه عقلنة الإعلام أمّا إعلام ينظر من بعيدـ ولديه مقالة يُريد أن يُحشِّي بها الصحيفة، أو يُريد أن يُحلـِّل في التلفزيون من دون أن يُراجع.

الأزهر بالنسبة لي قامة تاريخيّة شاهقة، وفـُجـِعتُ عندما قرأت الرسالة، ولم أصدِّق في البداية، ولكن حين تأمّلت الرسالة رأيت أنـَّها صادرة، وتأسَّفت كثيراً خـُصُوصاً أني قد حصلت بيني وبين الدكتور الطيِّب مُراسَلة واحدة سابقة أوَّل ما تسنـَّم الموقع.

كنتُ، ولم أزل أطمح أن يكون قامة من قامات الأزهر كما كان محمد شلتوت، وأبو زهرة. نحن في أمسِّ الحاجة لأن نجعل المرجعيّة الدينيّة تلثم جراح الناس، وتـُعبِّر عن المُشترَك، وتقف في الأزمات.

لا يُعقـَل أن يأخذ خبراً من هنا وهناك، والقرآن الكريم حذر من ذلك: ((ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيَّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين))

لا يُمكِن أن أختزل مصر بخبر يأتي من ليبيا، أو من اليمن، أو من أيِّ مكان إنـّما يجب أن آخذ الأخبار من منابعها الصحيحة، فأملي بالأزهر أن يرتقي إلى مُستوى هُمُوم الناس، ويُحافِظ على وحدة الأمّة الإسلاميّة، وهو إحدى القامتين في العالم الإسلاميِّ: (قامة النجف، وقامة الأزهر).

 

  • قلتَ: إنَّ إيران ساعدتكم في وقت لم يكُن هناك التحالف الدوليّ، ولم تكُن هناك دولة تمدُّ اليد إلى العراق لمُواجَهة داعش، ما نوع المُساعَدة التي قدَّمتها إيران، وهل إيران موجودة بالحرس الثوريِّ على الأرض، وهل ما يتردَّد عن وُجود قوّات إيرانيّة على الأرض، وما هو حجم المُساعَدة الإيرانيّة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: عندنا مبدأ الاستشارة، وهناك مُستشارون من دول غربيّة مُتعدِّدة موجودون في العراق. لماذا لا نسمع رُدُود فعل ضدّها. يُوجَد مُستشارون من أميركا، ومن بريطانيا، ومن عِدّة دول بأكثر من ألف مُستشار لماذا هذه الحساسيّة عندما وقفت إيران معنا منذ وقت مُبكِّر، وقبلنا منها المُستشارين، ولم يكن الحشد الدوليُّ حينها قد تشكـَّل إنـَّما كُنا وحدنا.

هل من الصحيح أن نترك الدول المحافظات تنهار واحدة بعد الأخرى، ونـُكابـِر، ونقول: لا نـُريد، نحن أملينا شُرُوطنا، ومنها: أن يكون مُستشاراً مثلما يُوجَد مُستشارون من أميركا، وبريطانيا.

 

  • مُستشارون فقط، أم هناك قوات على الأرض؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا يُوجَد قوّات، وهذا أقوله بضرس قاطع، وعندما طلبتُ في مجلس الأمن وجود مُستشارين وضعنا مجموعة شُرُوط، ومنها: لا نـُريد شيئاً على الأرض، وأقصى شيء مُستشارون وبإذن عراقيّ، ويحترمون الدستور العراقيّ، ولا يتدخـَّلون في شُؤُوننا، نعم.. عندما يكون المُستشار مُستعِدّاً لأن يتقدَّم بالصفِّ الأماميِّ، ويُخاطِر بحياته يكون له وجود أكثر.

 

  • لماذا تهتمُّ إيران في أن تكون موجودة داخل العراق بمُستشارين؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: عندما تشتعل النار في بيت من بُيُوت الجيران إوَّل مَن يُستصرَخ، ويهبُّ لإطفاء هذه النار هو الجار القريب.

لماذا؟ لسببين: لأنَّ النار لا تدخل بفيزا إنـَّما تنتقل إلى البيت الآخر، وانظري الآن ما حصل في العراق، وقد كنا قد نبَّهنا به عندما كان في سورية نار الإرهاب، والقاعدة، والنصرة، وفيما بعد داعش نبَّهنا على أنـَّها ستنتقل إلى العراق، وقد انتقلت إلى العراق.

 

  • لا تظنّ أنه جاء ليُؤجِّج هذه النار، ويُشعِلها أكثر الجار الإيرانيّ؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لماذا؟

 

  • لإضعاف العراق الذي كان دولة قويّة في يوم من الأيّام؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هل أسحق على قناعاتي أنَّ ايران طيلة هذه الفترة التي مضت كانت تتعامل مع المُعارَضة العراقيّة، وتـُؤويهم حين ضاقت بهم الدنيا بما رحبت. سألني معمر القذافي عام 1984، وكنت شابّاً قال لي: أين تعيش؟ قلتُ له: مُقيم في إيران. قال: غريب هذه الدول العربيّة وأنت تسكن إيران؟ قلتُ: الغريب أن أسكن إيران أم الغريب أن لا أسكن إيران؟

هل تـُوجَد دولة عربيّة فتحت أبوابها؟ كلـُّها أغلقت أبوابها، وكان العراقيّون يسرحون ويمرحون في إيران، وفي سورية. دعونا نـُعقِلن التحليل. إيران ليست بحاجة فلديها نفط، وهي شبه قارّة. أنا أتكلم معكِ بلسان عربيٍّ مُبين، وأنتِ أبوكِ أديب عربيّ.

مَن يطمع بالدخول إلى العراق فالأسهل عليه أن يصل إلى المرّيخ.. العراق الذي ناضَلَ ضدَّ صدّام حسين سيُناضِل ضدَّ أيِّ دولة مهما كانت، وفي أيِّ قارّة، والله نساؤنا ستـُقاتِل، ولسنا بحاجة لأحد لأن يُذكـِّرنا بالاعتزاز الوطنيِّ، والدفاع، والذود عن بلدنا، وردِّ غائلة أعدائنا.. لسنا في أزمة شجاعة، ولا في أزمة مُقاتِلين، ولا في أزمة فهم، نحن مُتحضِّرون.

أليس من شمال أفريقيا بينكم وبين إيران مُصاهَرة، ألم تكن مُصاهَرة بين شاه إيران ومصر لماذا لم نقـُل أنَّ مصر صارت إيرانيّة، أو إنَّ إيران مصريّة؟! لم نقل هكذا (رمتني بدائها وانسلـَّت).

 

  • كانت في عهد الملك فاروق.

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: فكيف ترفضين علينا، أو تستكثرين علينا وهي دولة جوار جغرافيّ بالنسبة إلينا.

 

  • أنا أسأل عن حجم التدخـُّل الإيرانيِّ؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لأستفِد من ثقافتكِ الأدبيّة باللغة العربيّة. أنا -شخصيّاً- أميِّز بين التدخـُّل وبين التداخُل. يُوجَد عوامل تتداخل فيها الشُعُوب فيما بينها لا نستطيع أن نمنعه. فالمكسيك الآن ليست على حال مع أميركا، وكوبا قبل الانسجام الأخير ليست على حال مع أميركا، ولكن تتداخل العوامل بينها، وكذلك بيننا وبين الكويت تداخُل اجتماعيّ، وبيننا وبين سورية البوكمال وهي عشائر على الحُدُود.. عوامل اجتماعيّة مُتداخِلة، ولكن أن يتدخـَّلوا في شُؤُوننا نرفض ذلك، كما نرفض أن نتدخـَّل في الكويت، ونرفض أن نتدخـَّل في سورية، وفي تركيا، ونمنع -أيضاً- ونرفض تدخـُّلهم في شؤوننا.

 

  • الولايات المُتحِدة تتدخـَّل بشكل كبير؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ونحن نرفض.

ليكُن واضحاً لديك أنـَّنا منذ البداية ما طلبنا من الولايات المُتحِدة الأميركيّة أن تتدخـَّل. في عام 2002 كنتُ أمثـِّل حزب الدعوة الإسلاميّة، ورفضتُ الحُضُور في مُؤتمَر لندن، وأوصل إليَّ الأميركان سؤالاً: أنتم قدَّمتم ضحايا وشهداء كيف تـُسقِطون صدّام حسين؟ قلنا لهم: ليس بمُؤتمَر يكون واجهة لضربة عسكريّة لبلدنا. نحن نرفض، وحينما صدر القرار ما دخلنا في مُؤتمَر تغذيه أميركا من الخلف، ويكون ظاهره المُؤتمَر الوطنيّ.

 

  • الحزب كمُعارَضة، ولكنَّ أميركا احتلـَّت العراق؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نحن رفضنا، وهذه واحدة من سوءات صدّام حسين إذ عرَّض العراق إلى ثلاث حُرُوب؛ وبالنتيجة عرَّضه للاحتلال. هذه واحدة من سوءاته، وبعض الحكومات العربيّة كانت نائمة.

 

  • هل ترى أنَّ حلَّ الأزمة السوريّة بالتفاوض مع الأسد؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا لا أجد أيَّ حلٍّ إلا الحلَّ السياسيَّ. نحن نعيش الآن في عالم التواؤم، والتقارُب، عالم نبذ الحُرُوب؛ والحُلـُول السياسيّة، ثم إنَّ الحُلـُول تنبعث من كلِّ بلد، هو الذي يحلُّ مشاكله بنفسه.

ما أقوله في اليمن أقوله في سورية، وفي ليبيا، وفي أيِّ بلد آخر.. لنترك البلدان تحلُّ مشاكلها بنفسها، نعم.. إذا أرادوا منا مُساعَدة ذات طابع أمنيّ فنحن مُستعِدّون من دون أن نـُخِلَّ بسيادتهم، وكذا إذا كانت المُساعَدة ذات طابع سياسيٍّ، أو اقتصاديٍّ، أو إنسانيّ.

أعتقد أنَّ الحلَّ للمُشكِلة السوريّة يكمن بالإرادة السوريّة عندما تنهض بهذه المَهمّة تحلّ المُشكِلة مع الفرقاء السياسيِّين السوريِّين. دعهم يشتركون في الحكومة، وأعيدوا النظر ببعض الإجراءات، وإذا كان هناك أبرياء في السُجُون يُطلـَق سراحهم، وتـُمنـَح الحُرّيّة للتعدُّديّة الحزبيّة؛ فقد طـُويَت صفحة الحزب الواحد الحاكم. ماذا كانت النتيجة لحرب مُستمِرة منذ أربع سنين؟

جرَّب العالم حين أسند، وأكـَّد على القضاء على الحزب الحاكم، أو على الرئيس فكانت النتيجة أنَّ الشعب هو الضحيّة؛ لأنَّ فتح جبهة مع الحاكم سيُعطي الفرصة للتمرُّد الإرهابيّ، والمزيد من القتل، وعَبَرَ الإرهاب من سورية، ودخل العراق.. هذا بسبب الحُرُوب.

يُفترَض بالأطراف المُتباعِدة فكريّاً أن تـُجمِّد خلافاتها في الحُرُوب؛ من أسرار نجاح دول التحالف على دول المحور في الحرب العالمية الثانيّة أنَّ ستالين أقصى اليسار مع ولسن تشرشل أقصى اليمين، مع روزفلت وديغول وقفوا معاً ضدَّ هتلر، وفازوا في الحرب.

هذا هو المنطق العقلانيُّ في إدارة الحُرُوب، والخلافات؛ ونحن إذا أصررنا على أن يسقط فلان نظام، وكانت النتيجة أنَّ تحت الأرض براكين تتفجَّر على شكل إرهاب، وداعش، وتنتقل من أرض سورية الآن.

 

  • إلى أين وصلتم في المعركة ضدَّ داعش في تكريت، وهل هناك أمل في تحرير الموصل؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: بكلِّ تأكيد أنَّ العمليّة العسكريّة تتقدَّم، والقوّات العراقيّة المُسلـَّحة بعناوينها المُختلِفة تتقدَّم أكثر فأكثر -الحمد لله-.

في البداية كان داعش يتقدَّم، ووصل إلى خـُطوط مُتقدِّمة على مشارف بغداد بين الحلة وكربلاء، ثم حدث توقــُّف الامتداد، ثم بدأ يتراجع، والآن -الحمد لله- حُرِّرت جرف الصخر، والمناطق المحيطة ببغداد، والإسحاقي، وحمرين، وبيجي، والعَلـَم، وتكريت، ومناطق في الأنبار. والعمليّات تتوالى، ويُسجِّل العراقيّون ملاحم رائعة، وانتصارات باهرة يشهد بها مَن يرى ذلك، ومَن يأخذ الأخبار من مصادرها الحقيقيّة. أمّا عن الموصل فكلنا أمل أن تتحرَّر مع مُراعاة القوات المُسلـَّحة العراقيّة لسلامة المُواطِنين؛ إذ إنَّ داعش الآن يستخدمون أسلوب استبقاء بعض العوائل في البُيُوت كدُرُوع بشريّة، وهذا بالنسبة لمَن يهمُّه الدم العراقيّ يُعيق حركته، كما يستخدم داعش الآن أسلوب الشاحنات المُلغـَّمة وهي لا يُكافِئها مُقاتِل يحمل بندقيّة، أو سلاحاً خفيفاً؛ لذا نحتاج إلى دعم جوّيٍّ، ويُوجَد تنسيق.

 

  • ألا يُقلِقكم النفوذ الإيرانيّ في المنطقة، ووصول إيران إلى باب المندب، وما قد يُؤثـِّر فيه بعد هذه المعركة التي قد تتطوَّر إقليميّاً؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: القدر المُتعلـِّق بالعراق وإيران نحن حسبناه، وحدَّدنا البوصلة، ولا نـُريد أيَّ تدخـُّل، لا نـُريد مسَّاً بسيادة العراق لا من إيران، ولا من قِبَل أيِّ دولة أخرى، ونتمنـَّى على دول العالم الأخرى أن لا تفتح لنا معركة اسمها (العرب والفرس)، أو (السُنـّة والشيعة).

أعتقد أنَّ هذه معركة سندفع أثمانها، والذي يُخطـِّط لها هم ليسوا فرساً، ولا عرباً، ولا سُنـَّة ولا شيعة.. بعض الدوائر تـُريد أن تبني استراتيجيّة جديدة اسمها: (قلق المنطقة من أجل أمن دولة)، فلا نقع في هذا الشراك.

 

  • الدولة هي إسرائيل؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: إسرائيل. (مُختصَر الحكاية يُوجَز في عبارة).

 

  • كيف تصفون العلاقة مع مصر خـُصُوصاً ما مرَّ به العراق، وما مرَّت به مصر من أحداث كثيرة؟

الدكتور إبراهيم الجعفريّ: العلاقة بين مصر وبين العراق رغم البُعد الجغرافيِّ، والتنوُّع القارّيِّ آسيا وأفريقيا، إلا أنـَّها تميَّزت على طول الخط بأنـَّها علاقة مُستقِرّة، ومُتعدِّدة، ووجدانيّة فيها مَحبّة، وساهَمَ فيها الانحدار الحضاريّ منذ الألف الرابع قبل ميلاد السيِّد المسيح وإلى الآن، والفكر، والثقافة، والدراما المصريّة، الشعر، والأدب، والأطواد الإسلاميّة الشامخة: (طود النجف، وطود الأزهر)، والجامعات التي ساهمت بالتردُّد المُجتمَعيِّ المصريّ إلى العراق، أساتذتنا في الثانويّة والإعداديّة والجامعة في كليّة الطب مازلتُ أختزن عنهم أجمل الذكريات، ومنهم: إبراهيم أبو النجا -رحمه الله- وحسن حلمي سالم، ومحمد عبد الفتاح، ومحمد الكريمي كانوا معنا في العراق في الفترة الماضية.

العلاقة مُمتازة ويُمكِن أن تكون أفضل بكثير، وأملي أن تشهد المرحلة المُقبلة ارتقاءً على سُلـَّم العلاقات، وتعدُّداً في آفاق الاستثمار خـُصُوصاً أنـَّنا نعتقد أنَّ مصر هي الأكبر العربيّ، وحاضنة جامعة الدول العربيّة، ونتمنـَّى أن تستحضر هذين المُصطلحين دائماً، لا يُبارحان ذاكرتها. وكلما فكـَّروا في شأن أيِّ دولة يضعون في حسابهم أنَّ عليهم استحقاقاً أكبر لأن يستوعب، وإلا لا يكون أكبر.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !