الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الجديد في دبلوماسيّة العراق في التعامُل مع دول العالم عُمُوماً، ودول المنطقة بصورة خاصّة، ودول الجوار الجغرافيّ بصورة أخصّ. العراق لديه رؤية دبلوماسيّة تقوم على أساس إقامة العلاقات مع هذه الدول، وجعل العلاقة الثنائيّة (العراق والآخر) سواء كان هذا الآخر جغرافيّاً، أم حُدُوديّاً، أم ما إقليميّاً، أم دوليّاً؛ لأنـَّنا من دون علاقات لا نستطيع أن نتبادل المصالح، ولا نستطيع أن نتجنـَّب الأخطار المُشترَكة. هذه من ثوابت السياسة العراقيّة الجديدة. فالجديد أنـَّها تقوم على نظريّة إقامة العلاقات، وعدم السماح بحالة العزلة التي كان العراق فيها سواء أكان مُنقطِعاً في العلاقة، أم مُقاطـَعاً من قِبَل الآخرين.
عملنا على إيجاد، وإبرام العلاقات، ومدِّ الجُسُور جهد الإمكان، ولا نقف عند حُدُود آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، وأميركا، وأستراليا، بل في كلِّ مناطق العالم، وكذلك كان؛ لذا استجبنا لكلِّ مُبادَرة، ودعوة من أيّة دولة من دول العالم، كما أنـَّنا بادَرنا بدعوة بعض دول العالم على مُستوى وزراء، ورؤساء، وجاؤوا إلى العراق، واستقبلناهم هنا.
طبعاً أصل اللقاءات هدف، ولكنه ليس كلَّ الهدف، وإنما كانت هناك ملفات بيننا وبين هذه الدول حرَّكنا مُجمَلها، واستطعنا أن نـُحقـِّق حُضُوراً مُشترَكاً بيننا وبين هذه الدول.
بعض الدول رُبّما كانت مُقاطِعة لنا، أو مُنقطِعة عنا من دون قرار، ولكن يُوجَد واقع قطيعة حتى وإن لم يكُن بقرار القطيعة، عملنا على تحريكها -والحمد لله- استجابت. أنا أعتبرها مكسباً؛ لأننا عندما ننفتح على هذه الدول كخطوة أولى نستطيع بعد ذلك أن نـُحقـِّق الأهداف العراقيّة معها، وأهدافها مع العراق، ولم نستثنِ دولة من دول العالم.
إلى الأمس القريب كانت المملكة العربيّة السعوديّة مُنقطِعة عنا، وكان هناك عدم وجود سفارة، وحرَّكنا هذا الملفَّ مع الإدارة السعوديّة السابقة في زمن خادم الحرمين عبد الله بن عبد العزيز، وكان وزير الخارجيّة الأمير سعود الفيصل، وأكَّدناه الآن في إدارة خادم الحرمين الملك سلمان ووزير الخارجيّة الجديد.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: سُمِّيَ السفير، وجرى التأكيد عليه في مُكالَمة هاتفيّة بيني وبين معالي الأخ الوزير الجديد، ونحن وافقنا عليه. أعتقد أنَّ القضيّة دخلت في سياق التنفيذ، وليس لدينا مُشكِلة أبداً. هذا ما يتعلق بالعلاقة مع هذه الدول، نعم.. هناك دول قد تكون أبعد جغرافيّاً، ولكن من مصلحة العراق، ومصلحتها أن نـُبرم علاقة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: داعش لا تحتاج أن يأتي أحد ويُعرِّفها هي تـُعرِّف نفسها. هي لا تـُصادِق أحداً، وتـُخالِف الجميع، وتبطش بالجميع؛ لذا فمن يملك أدنى درجات الوعي والحرص على بلده، والمروءة على بلدان العالم لا يجد مجالاً لأن يتصالح معها.
أينما تحلّ داعش تمارس التفجير، والقتل، والاغتيال. والسعوديّة تعرَّضت لهُجُوم عليها من قِبَل داعش عِدّة مرات سواء كان هُجُوماً إرهابيّاً، أم هُجُوماً إعلاميّاً، وانتُقِدت من قِبَلهم. لا تـُوجَد دولة تسلم من هذا الخطر لا السعوديّة، ولا غير السعوديّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: مسألة دخول مُتسلـِّلين من دول الجوار بصورة خاصّةٍ، أو عبرها إلى العراق قضيّة مرتبطة بطبيعة الحُدُود الصحراويّة المُمتدَّة بيننا وبين المملكة العربيّة السعوديّة إذ هي أرض مكشوفة صحراء من النخيب عندما تخرج إلى حدِّ ما يُسمَّى الخط الفاصل بين الدولتين، وهناك مَواطن، ودعامات حُدُوديّة كثيرة جدّاً بيننا وبين السعودية، ومنها: عرعر، والبريت، ومكرن، وغزال، وكثير من المناطق على الحُدُود، نعم.. الصحراء ليس من السهل ضبطها، ولو نأمل على المدى المُتوسِّط، أو البعيد أن تجري السيطرة عليها؛ لحفظ الأمن، وعدم تسرُّب هذه العناصر بين البلدتين.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: قدر تعلـُّق الأمر بنا نحن نـُقيم العلاقات مع دول العالم على قاعدة الشعب، أي: علاقة دولة بدولة أخرى، وعندما أقول دولة أعني أكبر من الحكومة.
الحكومة قد تتفق مرّة، وقد تختلف مرّة أخرى. إذا كانت العلاقة مرهونة بالحكومة، فقد تـُستبدَل من صلة إلى قطيعة إذا تأزمَّت العلاقة بين هاتين الحكومتين، أمّا نحن فمن طرفنا نـُقيم العلاقة على أساس فهم القاعدة الشعبيّة بين العراق وبين هذه الدول، علاوة على المصالح المُشترَكة، والمخاطر المُشترَكة؛ لأنـَّنا نعتقد أنَّ علاقة العراق، وليس فقط حكومة العراق سوف لن تتعثـَّر ببعض الخلافات التي تكون مع هذه الحكومة أو تلك، أو مع هذا الحاكم أو ذاك.
أعتقد أنَّ الأساس هو المصالح بين الشُعُوب. ماذا أقصد بهذا على وجه التحديد؟
هناك مصالح بين الشعبين العراقيِّ والسعوديِّ، هما شعبان عربيّان، مُسلِمان، مُتجاوران بينهما مصالح مُشترَكة، وتنافذ، وتداخُل عشائريّ مُشترَك، وعشائر وقبائل مُشترَكة بين العراق والمملكة العربيّة السعوديّة فالذي يعي هذه الحقائق الديمغرافيّة والسُكّانيّة يعي -بالضرورة- أن يُبقي العلاقات قائمة، وحتى إذا كان هناك خلافات لا يُوجَد ما يمنع من أن نـُقيم مثل هذه العلاقات؛ بالنتيجة العلاقة مع السعوديّة قائمة على استحقاقات الجغرافية، واستحقاقات التاريخ، وهي دولة يُؤمُّها ملايين المُسلِمين على مدى السنة حَجّاً، وعُمرة. والعراق في المُقدّمة فكلُّ الأشياء تدعونا لأن نـُقيم مثل هذه العلاقة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: في مجال التعاطي بيننا وبين الدول سواء كان التعاطي على الصعيد الاقتصاديِّ، أم الأمنيِّ، أم السياسيّ لا يعني عندما أن نعتمد على دولة ما، ونـُقاطِع الدول الأخرى. السياسة لا يُنظـَر إليها بهذه الطريقة. سبق أن زُرنا روسيا على مُستوى وزارة الخارجيّة، والتقينا مع كبار المسؤولين في موسكو، وأبدوا استعدادهم للتعاون معنا، ولا نجد هناك تعارُضاً، أو تقاطعاً مع الدول الأخرى؛ لأنَّ سوق المُساعَدات، وسوق الدعم، وسوق الاتفاقات مفتوح، ومُتعدِّد، وعلينا أن نـُدير هذه العلاقة بناءً على أولويّات المصالح العراقيّة، وكذلك الطرف الآخر ينظر إلى أولويّاتهِ في المصالح، والعالم مفتوح أمامنا، وندخل كطرف مُحاوِر، وواثق بنفسه، وليس -بالضرورة- عندما نفتح علاقة مع دولة نـُقاطِع بقيّة الدول حتى إذا كنا نختلف بعض الشيء.
أعتقد أنها فرصة لأن نستفيد من الإمكانات الروسيّة؛ روسيا إلى الأمس القريب كانت تتصدَّر، وكانت تـُمثـِّل قلب الاتحاد السوفيتيّ، وهي الآن دولة لها إمكاناتها، وقدراتها التصنيعيّة في المجال العسكريِّ، وفي كثير من المجالات، والعراق يتطلع لأن يُنمِّي قدراته، وقابليّاته على أكثر من صعيد، وقد يجد في روسيا فرصة طيِّبة لأن تدعمه.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: على هذا الصعيد مرّت العلاقات العراقيّة-الأميركيّة بعِدّة أشواط، وكلها كانت باتجاه واحد، وهو: دعم العراق، والوقوف إلى جانبه؛ لنصرة الشعب العراقيِّ، والوفاء بالاتفاقات المُبرَمة بين العراق وبين الولايات المُتحِدة الأميركيّة، علاوة على هذا أنَّ أميركا من ضحايا الإرهاب، وعندما عُقِد المُؤتمَر في الشهر التاسع عام 2014 من على منبر الأمم المُتحِدة في نيويورك سمع الأميركيّون كما سمعت كلُّ دول العالم مَن تحدَّث عن خطر الإرهاب، وضرورة الوقوف إلى جانب الشعب العراقيِّ، وأميركا بيننا وبينهم اتفاقات ليست قليلة، وهم يُشارِكون في حَمَلات جوّيّة بين فترة وأخرى بالتنسيق مع القوات المُسلـَّحة العراقيّة. ليس سِرّاً على أحد أنه إلى الأمس القريب أن أميركا ساهمت إلى جانب العراق. والمُساهَمة الأميركيّة ليس بالحجم الذي نحن نتطلبه مثلما نحن تحكمنا مجموعة ثوابت ومجموعة التزامات هم محكومون ببعض الثوابت، ومع ذلك يُوجَد هامش مُرونة غير قليل.
أنا أتفق معك أنَّ الدعم العسكريَّ الأميركيَّ للعراق ليس بالحجم الذي يتناسب مع حاجاتنا الحقيقيّة هذا من جانب، ومن جانب آخر كذلك لا يتناسب مع عمق الخطورة التي تعرَّض لها العراق؛ وهذا لا يحتاج إلى مجهر حتى نراه. كلُّ العالم يُدرك جيِّداً أنَّ العراق يخوض غمار المعركة في الخط الأول، والمُواجَهة أصالة عن نفسه، وفي الوقت نفسه نيابة عن دول العالم كلها؛ لأنَّ الإرهاب لم يبدأ في العراق، ولم ينتهِ بالعراق.
الإرهاب المُعاصِر بدأ اليوم في 11/ سبتمبر عام 2001 في واشنطن، ونيويورك، وبعدها انتقل إلى مناطق أخرى، وفي مجال الوضع الإقليميِّ في سورية، ثم من سورية تسرَّب إلى العراق، ومن العراق بدأ يتسرَّب إلى مناطق أخرى؛ إذن نحن أمام حالة مُعولـَمة مُتسِعة.
موقف الأمم المُتحِدة، وموقف السيِّد بان كي مون مشكوراً ركَّز على هذا في أكثر من لقاء ثنائيٍّ سواء كان في بغداد عندما التقينا، أم في نيويورك كان يُشيد بموقف العراق، ويُقِرُّ أنَّ العراق يُقاتِل أصالة عن نفسه، ويُقاتِل -أيضاً- نيابة، وبالوكالة عن بقيّة دول العالم.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا أعتقد أنَّ في هذا الكلام دقة، وموضوعيّة. أميركا تـُدرك جيِّداً أنَّ إيران وقفت إلى جانب العراق في وقت لم تتدخَّل قوات التحالف الدوليّ لحماية العراق. وقوات التحالف الدوليِّ بدأت عمليّاً بعد اللقاء الذي حصل في الشهر التاسع في نيويورك عام 2014، بينما العراق انتـُهـِكت حُرمته، وسقطت ثاني أكبر مدينة وهي الموصل، ولم يحصل هذا إلا مُتأخـِّراً جدّاً، بينما وقفت الجارة الجمهوريّة الإسلاميّة إلى جانبنا، وأرسلت مُستشارين، وقدَّمت بعض المُساعَدات. نحن لا يُمكِن أن نرى مُدُن العراق تسقط واحدة بعد الأخرى بانتظار التحالف الدوليّ.
ولماذا نتحسَّس من إيران، ولا نتحسَّس من أيّة دولة أخرى. أيّة دولة تمدُّ يدها بشرف، وأمانة سوف نـُصافِحها، كما أنَّ إيران تخشى على نفسها، وإلا ماذا يعني عندما تلتهب، أو تندلع النيران في العراق من الطبيعيِّ أنـَّه غداً أو بعد غد تدخل إلى دولتها؛ لذا وقفت إلى جانبنا قفة مُشرِّفة، ودعمتنا بالمُستشارين، وبالمُساعَدات الإنسانيّة الأخرى، والخدميّة، وهذا موقف جيِّد، حتى سياسيّاً وقفت إلى جانبنا، ونحن مُنفتِحون على كلِّ دول العالم، وفتحنا هذا الملفَّ من على منبر الأمم المُتحِدة، وأعلنت دول العالم أنها مُستعِدّة لأن تـُشارِك بالحشد الجوّيّ تحديداً.
التحالف الدولي قال: نحن مُستعِدّون لأن نـُلبِّي حاجة العراق، وركَّزنا مُساعَدات فقط بالجوِّ، والقضايا اللوجستيّة، والتدريب، وتوفير معلومات استخباريّة، وغير ذلك.
كلُّ دول العالم أعلنت استعدادها، واستجاب كلُّ الخطباء الذين اعتلوا منبر الأمم المُتحِدة، ولم يتأخَّر منهم أحد.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: من حيثُ المبدأ لا أقول: إنـَّهم لا يُقدِّمون مُساعَدات، ولكن من الناحية الفعليّة التي أخضعها لمُعادَلة التناسُب بين الحاجة والواقع الميدانيِّ فليس بالمُستوى المطلوب؛ لذا نستثمر هذه الفرصة لنحثَّ هذه الدول على أن ترفع من مُستوى الدعم من حيثُ الإمكانيُات، وحجم المُساعَدات سواء كانت العسكريّة، أم الأمنيّة، أم المعلومات، أم القضايا الإنسانيّة والخدميّة. ليس مع العراق فقط، بل مع أيِّ بلد يتعرَّض لهُجُوم من قِبَل داعش.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: حيويّ، وأساسيّ، والحشد الشعبيُّ -في تقديري- ليس إفرازاً مناطقيّاً، كما أنـَّه ليس إفرزاً مذهبيّاً، ولا إفرازاً قوميّاً إنـَّما هو إفراز وطنيّ.
الحشد الشعبيّ جاء تلبية لنداء المرجعيّة، ويعمل بتنسيق، وإدارة القوات المُسلّحة العراقيّة، وأثبت في الأشهُر القليلة الماضية أنّ أداءه رائع، واستطاع أن يُحقـِّق انتصارات جيِّدة، وهو ليس واجهة مُضادّة، ومُتقاطِعة مع القوات المُسلّحة، بل يعمل تحت مِضلتها، ولأنَّه وليد جديد فهو خالٍِ من عُقد القضايا البيروقراطيّة، والتكلّسات السابقة، والعُقـَد الماضويّة، وجاء بطريقة لطيفة، وجيِّدة، ومُستعِدٌّ لأن يُضحِّي. وأبرز شيء فيه هو التضحية، وبالفعل لقـَّن هؤلاء دُرُوساً، ولا أحد يُنكِر اليوم أنَّ الحشد الشعبيَّ قوة لكلِّ المحافظات، وقوة لأهالي الأنبار الشرفاء، وقوة لأهل الموصل الشرفاء، وقوة لكلِّ أبناء المحافظات الشرفاء من دون استثناء. الحشد الشعبيّ منهم ولهم، هو من الشعب، ويعمل بواسطة الأدوات الشعبيّة، ويُحقـِّق أهدافاً شعبيّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نحن لم ندخل في بورصة اقتصاديّة حتى نفكر بمقابل الدماء الطاهرة وأرواحهم على راحة أكفـُّهم؛ حتى يكسبوا شيئاً مادّيّاً. القضيّة قضيّة العراق.
معلوماتي أنَّ أهل الأنبار يتطلعون لتدخـُّل الحشد الشعبيِّ؛ من أجل إنقاذهم من هذا المرض الخطير.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أنا لا أختزل رأي المحافظة برأي شخص مهما كان. نحن لدينا مِجسّاتنا، واتصالاتنا، وعلاقاتنا مع البقيّة، علاوة على ذلك أنَّ سلامة كلِّ محافظة ليست بمعزل عن المحافظات الأخرى.
هل تعتقد أنـَّه إذا حدث في الأنبار اختلال أمنيّ لا يُؤثـِّر في المحافظات المُحادِدة، والمُجاوِرة لها ككربلاء، وصلاح الدين، والموصل.
المحافظات تتأثر فيما بينها بما يحدث في كلِّ واحدة منها، مثلما التكوين، والديمغرافية، والسكانيّة متداخلة، كذلك جغرافية المحافظات مُتداخِلة في الوطن العراقيِّ.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذا الكلام غير دقيق. الدكتور محمود -مع احترامي له- كان عليه أن يُقدِّر الظرف الذي عليه الجعفريّ الآن عمّا كان عليه سابقاً، وأنا قلتُ له منذ الخطوة الأولى حين قال: عندنا مُبادَرة، ونـُعوِّل على المُشارَكة، وأنا رحَّبت بها من حيث المبدأ، واعتبرتها بادرة جيِّدة بعد أن أطلع على تفاصيلها، ولستُ الوحيد، بل كلّ العناصر الأساسيّة في البلد يجب أن تـُساهِم بها، لكنَّ الموضوع محكوم بالتزامات البلد، والتزاماتي بالخارجيّة العراقيّة، وما يترتب عليه من استحقاقات، وكذلك التزاماتي في التحالف الوطنيّ.
ليس لديَّ رؤية غير الرؤية التي أخبرته بها، ولو كنتُ لا أريد أن أتفاعل مع هذا المشروع لا تعوزني الشجاعة بأن أقول: لا أتفاعل مع هذا المشروع، وفعلاً أنا قرأتها، ولو وجدتُ فيها عناصر تحفـُّظ لقلتُ بملء فمي: لا أتفاعل مع هكذا مشروع، لكن ليس لديَّ هكذا شيء.
من حقـِّه أن يقول ظرفه وظرفي لم يسمح بأن نلتقي بسرعة، ولكن ليس من حقـِّه أن يُفسِّر ما في قلبي، ويعتبر التأخُّر الذي حصل نتيجة إهمال، وليس مسألة انشغال بالتزامات وطنيّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا، ولكن سمعتُ به عندما كنتُ مارّاً بالخليج، وكذلك عندما كنتُ في بغداد سمعتُ أنه يُريد أن يُوصِل هذا الشيء، ولكن -عمليّاً- لم يصلني هذا الشيء.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: المُبادَرات محكومة بنفس المُبادَرة، وما تتضمَّن من تصوُّرات، وأهداف، وآليّات عمل، ومنهجيّة؛ حتى ينفتح عليها الإنسان بعقله، ويتفاعل معها، ومحكومة بالمُبادِر الذي يحمل هذه المُبادَرة؛ لذا على كلِّ مُبادِر أن يُعبِّر أنه سيُنظـَر إليه مرّة من خلال مُبادَرته، وأخرى يُنظـَر إلى المُبادَرة من خلاله، أي: لا يُمكِن أن نتقبَّل مُبادَرة من شخص عليه تحفـُّظ -لا أريد بذلك أن أسجِّل تحفـُّظي- يُوجَد تداخُل بين المُبادَرة، والمُبادِر.
يجب أن يكون تاريخه، وخطابه، وقدرته، وقابليّاته كفوءة، وجيِّدة بحيث يتقبّلها المُتلقي عندما يسمع بها.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا.. لا تـُوجَد لديَّ تحفـُّظات على هذه الرجل، وعندما أسمع بعض كلماته، وخطاباته قد تكون عندي مُلاحَظات جزئيّة بعض الأحيان، ولكن بصورة عامة هو رجل يحاول أن يكون مُتوازناً في التعامُل مع كلِّ أبناء الشعب العراقيِّ.
نحن لا نستطيع أن نتقبَّل خطاباً لتحقيق الوحدة بين أبناء الشعب العراقيِّ، والحفاظ على هذه الوحدة لمُجرَّد خطاب الوحدة، بل لابدَّ أن يكون خطيب الوحدة أمامنا.
لذا يجب على كلِّ شخص يُريد لمُبادَرته النجاح والتوفيق أن يتحلـَّى بأخلاقيّة الوحدة قبل أن تـُكتـَب مُفرَدات الوحدة من الناحية النظريّة.
الرجل من خلال ما رأيته منه في أكثر من مُناسَبة لم أجد فيه نفـَساً طائفيّاً. قد تكون عندي مُلاحَظات جزئيّة هنا وهناك على بعض مُفرَدات خطابه، ولكن لا أصنـِّفه بأنه إنسان طائفيّ مُتمحِّض بالطائفيّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: عليها مُلاحَظات، ولديَّ مُلاحَظات منذ عمليّة التأسيس؛ وحتى التي لا يُوجَد عليها مُلاحَظات قد تستجدُّ بتقادُم الزمن مُلاحَظات عليها. الدستور ليس كتاباً مُقدَّساً إنما هو كائن يتناسب بنشوئه مع وعي المُجتمَع الذي يُصوِّت عليه، ومَن يُعبِّر عن الشعب هم أعضاء البرلمان، وبعد ذلك يتطوّر بتطوُّر هذه العقليّة، فهو ليس جامداً. الجانب الأكثر في الدستور هو المُتحرِّك مع الزمن.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: أعتقد أنَّ عليه مُلاحَظات، وكلُّ دساتير العالم تتعرَّض لحالة من التطوير، والنقد، والتبدُّل، والتعديل.
أوَّل، وأخطر هذه المُلاحَظات على الدستور هو إنه لم يفسح المجال لتطويره، وتبديله. هذه واحدة من المُلاحَظات، وإنه جعل يُمكِن أن يعترض ثلثا أيِّ ثلاث محافظات، وتـُعطـِّل هذا التعديل.
لماذا لا يكون مُتطوِّراً، ويفتح باب التعديلات؟ أعتقد أنَّ الكثير من الأشياء يجب أن تـُعدَّل في الدستور.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هل تقصد المُصالـَحة مع البعثيِّين؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الذي يتوب عن أيّ جريمة جميل أن يبدأ بذهنيّة جديدة في التفكير، ولكن يجب أن تتبدَّل أحاسيسه، وإرادته؛ ممّا يُشير إليه بالندم، ثم ينتهي على شكل نمطيّة بالسلوك؛ إذن هي حركة عقل، وقلب، وسلوك، ولا يكفي أن نقول: نبدأ صفحة جديدة، وليس بالضرورة أن ينتقل من صفِّ العدوان الأوَّل إلى صفِّ المسؤوليّة الأوَّل في الدولة، وعليه أن يقبل التراتبيّة، ويأخذ الوقت الكافي؛ حتى يتدرَّج، ويُثبت كفاءته. لا يجوز أن يكون الأوَّل بالعداء، والقتل، والتعذيب أوَّل بقيادة الدولة هذا في كلِّ دول العالم، وفي كلِّ المعايير، وفي كلِّ الديانات، وفي كلِّ الأنظمة الاجتماعيّة، نعم.. يأخذ وقته؛ حتى تأخذ نفسه، وعقليّته، والجوّ الاجتماعيّ العامّ يأخذ حِصّة من الوقت حتى يطمئنَّ الناس أنه بدأ بسيرة جديدة؛ نحن ننفتح على كلِّ قادم لنا، وكلِّ عائد من الصفِّ المُعادي إلى الصفِّ الصديق، وعليه أن يُبرهِن أنه اليوم وليد جديد ولادة وطنيّة بدأ رحلة جديدة لم يكُن كما كان سابقاً.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هو الآن يحاول أن يتمأسس، ويحاول أن يُظهـِر نفسه على شكل مُؤسَّسة. ماذا نقصد بالمُؤسَّسة؟ التراتبيّة في المسؤوليّة، وتوزيع الأدوار في داخل هذه الهيكلة، والأهداف المُحدَّدة، والانضباط مع بقيّة مُكوِّنات القوات المُسلـَّحة العراقيّة. وعلى الرغم من قِصَر المُدّة التي ظهر فيها إلا أنه يقترب من طبع المُؤسَّسة. لا أقول إنه وصل إلى مُستوى النموذجيّة؛ لأنَّ هذه يُراد لها وقت، ولكنه -بكلِّ تأكيد- بدأ يندمج مع الدولة، ويحتكم إليها، ويخضع لضوابطها.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: السفراء يخضعون لسياسة وزارة الخارجيّة التي بدورها تـُمثـِّل سياسة الدولة، وهي التي تقوم بعمليّة توجيههم، وإعطائهم السياسات العامّة، وفي الوقت نفسه السياسة الخاصّة في كلِّ دولة من الدول التي يتواجد فيها هناك مُشترَكات دبلوماسيّة معها، وهناك عناصر خاصّة في هذه الدولة دون غيرها، ولكن تـُوجَد مُشترَكات بينها كلـِّها، ونحن عقدنا مُؤتمَراً للسفراء، وأبلغنا بنظريّتنا الجديدة في التعامُل مع دول العالم؛ ومن خلال اللقاءات والتخاطبات بيننا وبين البعثات الدبلوماسيّة يأخذ السادة السفراء توجيهاً كافياً عن سياستنا مع هذه الدول سواء ما كان مُتعلـِّقاً بنا، أم بالدولة التي نتعامل معها، أي: يُوجَد نسغان: من العراق إلى تلك الدولة، ومن تلك الدولة إلى العراق.
أمّا أن تسألني عن مُستوى الطموح، فلا ليس بمُستوى الطموح. عمل الدبلوماسيّ فنّ مُعقـَّد، ليس سهلاً يُراد له ثقافة، وتخصُّص، وشهادة علميّة مُعيَّنة، وأداء، ويُراد له مُمارَسة؛ فكلما زادت مُمارَسة السادة السفراء زادت قدرتهم على أداء الدبلوماسيّة.
الدبلوماسيّة فنّ، والفنّ ينمو بالتجربة، وتغذية التجربة، ويتقويتها؛ حتى تـُعطيك أداءً دبلوماسيّاً جديداً.
وإذا سألتني هل يُوجد فرق بين ما نحن عليه الآن عمّا كنا عليه في الشهر الثامن بعد الوزارة الحديثة فبالتأكيد يُوجَد فرق واضح، ولكننا الآن على سفح الصعود، ولسنا في الوادي.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذا الكلام موجود سواء كان في التوازن القوميِّ، أم المذهبيّ. أنا أتناول هذه التكوينات كلها من زاوية التوازن الوطنيّ، ولا يهمُّني كم النسبة، ولا أستطيع أن أُخضِع هذه التوازنات إلى عقليّة حسابيّة رياضيّة؛ لأني أعتقد أنَّ هذا يُبضِّع البلد، ويُعطي انعكاساً سلبيّاً عن الدبلوماسيّة، وفي الوقت نفسه هذه قضيّة سبقتني عندما جئتُ إلى الخارجيّة.
معايير التقييم مطروحة الآن بدقة في السُلـَّم الدبلوماسيِّ، وتقوم على أساس الأداء الوطنيِّ. مَن يتمتع بقدرة عالية من الدبلوماسيّة، والكفاءة في الإدارة، والخدمة الحقيقيّة، والانضباط بالقانون، والابتعاد عن أيِّ نوع من أنواع الفساد، والمُبادَرة بتلك الدولة التي يتواجد فيها سيرتقي على سُلَّم التقييم.
ما الذي أقصده بالتوازن الوطنيّ؟
نحن نـُريد حالة وطنيّة حاكمة حقيقيّة على هيكلة وزارة الخارجيّة، أمّا عندما يكون الأكفأ كرديّاً، أو سُنـّيّاً، أو شيعيّاً فنحن نقبله باعتباره الأكفأ وليكن من أيِّ خلفيّة، ولكن أن نـُعطي حِصّة للكرديِّ، وحِصّة للسُنـّيّ، وحِصّة للشيعيّ فهذا حلم لا يتحقـَّق، ودعاء لا يُستجاب، ولا أقبله أبداً.
أنا أقبل الأكفأ وإن كان كرديّاً، أو سُنـّيّاً، أو شيعيّاً، أو مسيحيّاً. هؤلاء أبناء العراق، فتنعكس إفرازات البُنية الاجتماعيّة العراقيّة من الغدّة الاجتماعيّة على كلِّ الوزارات، وواحدة منها وزارة الخارجيّة.
أجمل شيء اليوم أنه عندما يأتي أحد إلى السفارة، والبعثة الدبلوماسيّة يجد الكرديَّ، والسُنـّيَّ، والشيعيَّ، والمرأة، والرجل، والمسيحيَّ، والمُسلِم يخدمون العراق، وبصمتهم الحقيقيّة تقدُّم الوطنيّة العراقيّة مثلما يتقدَّم العلم العراقيّ، والدستور العراقيّ على كلِّ الاعتبارات، ولكنَّ هذا لا يعني أن نتنكَّر لانتماءاتهم الثانية القوميّة، والدينيّة، والمذهبيّة، لكنهم يُمثـِّلون العراق، ولا ينبغي أن يُختزَلوا بأقلَّ من حجم العراق.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هو ليست مُشكِلة بقدر ما يُوجَد عُرف في التحالف الوطنيِّ أنه بعد أن تنتهي مُدّة عمل رئيس التحالف، وعندما يُتفـَق على رئيس تحالف جديد يتسلـَّم مسؤوليّته من السابق، أي: تنتهي مُدّة عمل رئيس التحالف الوطنيّ بعد أن يأتي شخص جديد، ونحن لم نـُغلِق هذا على أحد باعتبار أنَّ لديَّ التزاماً في الخارجيّة العراقيّة. يُوجَد كلام من أكثر من جهة تتحدَّث معي بأنه لماذا لم يكُن هناك جمع بين وزارة الخارجيّة وبين رئاسة التحالف الوطنيّ.
الأفضل أن نتخصَّص بأن يكون هناك رئيس تحالف، وهناك وزير خارجيّة، وهناك رئيس وزراء، وهناك وزير دفاع. هذا في الظروف الاعتياديّة.
بالنسبة لنا ليس لدينا عُقدة تمسُّك برئاسة التحالف؛ لأننا زهدنا بالأكبر منها، ولكن لا أحد يفكر أن نترك رئاسة التحالف في فراغ، وندفعها في دهاليز، ونحن غير مُتعَبين منها، ولا خائفين منها، ولا وجلين منها ما لم تأتِ اليد الكفوءة، وسنبقى نتواصل في الاجتماعات.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا.. لم يتبدَّد حلمي. كلُّ شيء لا يتحوَّل إلى مُؤسَّسة، ولا تـُنوَّع فيه الأدوار، ولا يُعطي فرصاً مُتكافِئة لكلِّ المُنتسِبين آيل للزوال بما فيه الأسرة. الأسرة أنا أفهمها على أنها مُؤسَّسة. الأب يجب أن يعرف دوره، والأم تعرف دورها، وكذا الأولاد والبنات فكيف بمُؤسَّسة التحالف الوطنيِّ اليوم؛ العالم عالم مُؤسَّسات، وتعبير عن احترام الكفاءات، وتعبير عن وجود مُناخ لتربية، ونشوء القابليّات؛ فالعراق يجب أن يشهد في المرحلة الحاضرة بصمة العمل المُؤسَّسيِّ في كلِّ مرافِقه.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نحن نستفيد من كلِّ منبر من المنابر، ومن كلِّ دولة من الدول؛ لإسماع صوت العراق، وما يحصل فيه، ونـُجيب عن كلِّ الأسئلة، والاستفهامات؛ لأنَّ هناك عدم تكافؤ في الإعلام، وهناك من يُحاول أن يُشوِّه حقيقة ما يجري في العراق، وما التقيتُ بأحد إلا وقال أنا لم أكن أعرف هذه القضايا، وما زارني أحد إلى بغداد إلا واستمعتُ إلى نفس الكلمة بأننا جئنا إلى العراق، ووجدنا غير الذي كنا نسمعه؛ لذا صدق مَن قال: ليس مَن رأى كمَن سمِع.
فرصة طيِّبة أن نـُعرِّف العالم بحقيقة ما يجري في العراق، ونحن -الحمد لله- بكلِّ شجاعة إذا كان لدينا نقاط ضعف نقولها، وليست مُشكِلتنا أنَّ عندنا نقاط ضعف إنما مُشكِلتنا أن يُتهَم العراق باتهامات باطلة، أمّا مَن يتكلم على نقاط ضعفنا كما هي فهو بالنسبة إلينا كالطبيب الناجح الذي يُشير إلى الخلل الموجود في جسمك.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: كلُّ دول العالم عليها أن تشترك إلى جانب العراق سواء كان من خلال دعمها السياسيِّ، أم الإعلاميِّ، أم الخدميِّ والإنسانيّ، أم حتى دعمها اللوجستيّ، ودعمها العسكريّ من دون أن تدخل إلى أرض العراق، وتتواجد كقطعات عسكريّة تـُذكِّر بالقواعد العسكريّة السابقة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: من التجنـِّي أن نحكم على المذهب السُنـّيّ من خلال داعش، أو نحكم على الإخوة السُنـَّة في العراق من خلال حزب البعث.
المذاهب السُنـّيّة الأصيلة ذات التاريخ المعروف عبَّرت عن مراحل تاريخيّة الشيخ الأعظم الشيخ النعمان، وبعده جاء مُباشَرةً الشيخ مالك بن أنس، وبعده الشيخ الشافعيّ، وبعده أحمد بن حنبل. هذه مراحل مرّت بها مذاهب فقهيّة اجتهدت لها ما أصابت، وعليها ما أخطأت؛ بالنتيجة هي موجودة على الأرض، ونحن نحترم الفكر، وقد نختلف، وقد نتحاور؛ نحن أبناء الدليل والبرهان، ولكننا لا نسمح لأنفسنا بأن نحكم على هذه المذاهب من خلال بعض الذين لا أصول لهم لا في التاريخ، ولا في الحاضر، والذين يستبيحون الدم.
أيٌّ من هذه المذاهب الأربعة إلى جانب المذهب الجعفريّ يستبيح الدم، والعرض، والمال؟
مُستحيل هذا. لا أحد يقول به. نحن الآن أمام حالات جديدة ليست فقط تستبيح، بل تتفنـَّن بالاستباحة، وتحرق الإنسان الحيَّ.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذه الحركات تأتي إلى المُجتمَعات ذات التكوين الثنائيِّ، وتـُحدِث الفرقة بينها، وهي ليست حديثة. ففي التاريخ دخلوا إلى ألمانيا في القرن السابع عشر 1618 إلى 1648 يُسمِّونها حرب الثلاثين عاماً بين ثنائيّة الكاثوليك والبروتستانت، وانتقلت من داخل ألمانيا إلى خارجها؛ فكانت ألمانيّة-ألمانيّة، ثم تحوَّلت إلى ألمانية-أوروبيّة كما حدث بين الدنمارك والسويد.
هؤلاء يأتون إلى مكان ثنائيّ، ويطرحون فكراً يُحوِّل الانتماء الثنائيَّ المُتكامِل إلى النعرة ثنائيّة مُتقاتِلة، ومُتحارِبة، ويستفيدون منها سواء كانت قوميّة، أم دينيّة، أم مذهبيّة، وبعض الأحيان جنسيّة (ذكوريّة-أنثويّة). إنـَّهم يُحاولون العبث بأيِّ ثنائيّة مُتعايشة، ومُتكامِلة، ويُحوِّلونها إلى ثنائيّة مُتقاتِلة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ:: لا يمنعني أن أزور، أو أستقبل مَن يزور أبداً إلا التزاماتي.
- كم سفرة لحدِّ الآن. يُمكِن 300 سفرة؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا أعرف، ولم أحسبها، لكنـّها سفرات كثيرة، وأحاول أن لا أنقطع عن العراق.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ليس سهلاً أن أعمل، وأتصدَّى لحقيبة وزارة الخارجيّة في الحكومة، وأجيبك بمعزل عن هذه المسؤوليّة، أي: لا تخلو من صعوبة، ولكن مع ذلك أجيبك: الحكومة تصدّت والعراق في وضع استثنائيّ، والاستثنائيّات كثيرة، فالمُدُن كلـُّها مُهدَّدة، وسقطت مدينة الموصل، وجزء من الأنبار، وصلاح الدين، وكانت طبول الخطر تـُقرَع في ديالى، ومنطقة حمرين، ومناطق أخرى، والتحدِّي الثاني هو التحدِّي الاقتصاديّ لأسباب ليست بيدنا إنما بيد موازين دوليّة انخفضت أسعار النفط من 100 دولار للبرميل الواحد إلى أقلَّ من 30 أو 30 ومُوازَنة العراق تعتمد بنسبة 90% أو أكثر على النفط؛ وهذا ليس شيئاً سهلاً. هذه حقيقة لا نستطيع أن نـُنكِرها، والاستثناء الثالث أنَّ بعض الأطراف تجتهد -ولها أن تجتهد- وتتحفـَّظ على التعامُل، أو إنها لا تـُجيد فنَّ التعامُل مع الحكومة عندما تختلف معها؛ وهذه يُراد لها مِراس، ومُرُونة، وترويض للنفس؛ لذا كثـَّفنا الجُهُود باتجاه أن نجعل الإخوة الفرقاء في الأمس يجلسون معاً، ويتعاملون معاً. وأنا أعتبرها نقطة مُضيئة في التجربة الجديدة، وهي ليست حكومة ملائكة، ولكنها حكومة ملائكيّة. حكومة الملائكة تعني كلُّ واحد منهم مَلاك، ونحن لا نـُعطي هكذا شهادة، ولكن حكومة ملائكيّة أنَّ المُتخاصِمين في الأمس جلسوا معاً في رئاسة الجمهوريّة الذين يُعبَّر عنهم أنهم صُقـُور الاختلاف، وهم نواب رئيس الجمهوريّة، ويجلسون مع رئيس الجمهوريّة. أنا أعتبره شيئاً جيِّداً، وأنا قلتُ في النادي الأوروبي في دافوس: تعلـَّموا منا.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: اليوم عندما يشعر الجميع أنهم أبناء العراق لا يُوجَد أحد يسمح لنفسه أن يُصعِّد من سقف مطالبه على حساب إخوانه وأشقائه. هو تدوير من جيب إلى جيب على مُستوى المكاسب، وتهديد من مكان خطر إلى مكان خطر آخر على مُستوى المخاطر الموجودة. داعش عندما جاءت لم تـُفرِّق بين كرديٍّ وعربيٍّ، وعندما انخفض سعر النفط لم يُصِب قوميّة دون قوميّة، أو مذهباً دون مذهب.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا.. أنا أبرئ السُنـّة كسُنـّة، حاولت داعش أن تستغلَّ، وعندما جاؤوا رفعوا شعار الدفاع عن السُنـّة.
محافظة الموصل المسلوبة الآن هي محافظة سُنـّيّة، وكذلك صلاح الدين غالبيّتها من الإخوة السُنـّة، وكذا الأنبار، وحتى المناطق الأخرى التي يتواجد فيها السُنـّة والشيعة وهي ديالى وبغداد هذا جانب، ومن خلال التضحية والمُضحِّين تفهم مَن المُعتدي يُوجَد عندك طرف مُنتهَك، وطرف مُعتدٍ، وعندك في الوقت نفسه الضحيّة؛ ومن خلال الضحيّة تستطيع أن تكتشف هُويّة الجاني.
التضحيات الآن، والمُضحّون، والمجنيّ عليهم هم الإخوة السُنـَّة مثلما هم الشيعة، والعراقيّون جميعاً في كلِّ محافظة.
أنا أعتقد أنَّ هذه الظاهرة تتعامل بالمُفرَدات السُنـّيّة، وتنتحلها، ولكنها بعيداً عن الأداء المذهبيِّ، وإنما تحاول أن تـُكرِّس الحالة الطائفيّة.
التعليقات (0)