كي لا ألدغ من جحر مرتين
كمال غبريال
الحوار المتمدن-العدد: 4123 - 2013 / 6 / 14 - 16:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
ترتيب أولوياتي كان دائماً هو إسقاط أيديولوجية الإخوان في الشارع، ثم إسقاطهم من على كراسي الحكم، ومحاولة قلب هذا الترتيب جري وراء سراب إن تحقق ستكون الكارثة القادمة لا تقل كثيراً عن الكارثة الحالية. . ثمة شواهد كثيرة تجبرني على الثبات على هذا الموقف، وتمنعني من الانجراف وراء حماسة التخلص سريعاً من الكابوس الراهن. . عفواً يا سادة، لست معكم ولست منكم، فلن أنزل يوم 30 يونيو لأشارك في فعاليات يجني ثمارها فلول اليسارجية والعروبجية الذين احترفوا اللعب على كل الحبال، والذين هم أساس وقوع الشعب المصري فريسة لفكر منكفئ على ذاته كاره للحياة. . لن أكرر خطيئة خروجي في هوجة يناير ومشاركتي فيها. . إلى هنا وكفى!!. . ربما يكون التراجع عن المواقف بمثابة انتحار أدبي، لكنني أفضل هذا الانتحار على اعادة اقتراف ذات خطيئتي في 25 يناير، يوم ساهمت في ثورة يتصدر مسيرتها ذئاب الظلام، مع هؤلاء الذين لا يقلون ظلامية من عينة حمدين الصباحي وخالد يوسف وابراهيم عيسى وعمرو حمزاوي. . . . . إلخ. . لا أستطيع استيعاب إمكانية الحصول على نتائج مختلفة تحت قيادة ذات النخبة التي سلمت مصر بيديها لذئاب الظلام. . إمكانياتي العقلية قاصرة عن إدراك أعجوبة كهذه!!
تنوية لا لزوم له:
تغيير موقفي من مشاركتي الشخصية في تظاهرات 30 يونيو يأتي متسقاً مع سائر تحليلاتي وتنظيراتي منذ سنوات طويلة مضت وحتى هذه اللحظة، وخلاصتها أن نقطة البداية هي تغيير الثقافة في الشارع المصري قبل محاولة التغيير في قمة السلطة، أو لكي تؤدي لتغيير حقيقي وبناء في هرم السلطة، ولقد تغاضيت عن فكري حماسة لخروج الجماهير في 25 يناير، واتضح أنني ارتكبت خطيئة، وتكررت حماستي لمظاهرات 30 يونيو المرتقبة، لكنني تدراكت الأمر الآن، بعد أن حفزني على المراجعة مواقف ذات شخوص النخبة التي سلمت البلاد للإخوان، وما يبدونه من تلون ومتاجرة بالدين للمزايدة على الإخوان، ظناً منهم أنهم بهذا يكسبون الجماهير، ولقصور خطير في الوعي لديهم، ولتشوه رؤاهم العروبجية اليسارية التي تشترك مع أيديولوجيا الإخوان في العديد من المحاور والجذور، مما لا تتسع هذه العجالة له، واستعرضته مراراً في مساهماتي الفكرية، وبصورة عامة نجد أن المشتركات بين النخبة المعارضة بمصر حالياً وبين مختلف صنوف التشكيلات الظلامية على قدر كبير من الأهمية والخطورة، بحيث تكاد تضع الطرفين في ذات الخندق، فهم يشتركون في العداء للعالم الحر، وفي تجاوز الوطن لتأسيس إما خلافة إسلامية أو وحدة عربية، وهم يرفضون العلاقات الاقتصادية السائدة عالمياً، عودة لعلاقات تنتمي لعصور خلت، قد تكون العودة لعصور الاشتراكية البائدة، أو لعلاقات تعود أربعة عشر قرناً مضت، كما يشترك الطرفان في تجاهل التفكير العلمي المنهجي، وتناول الأمور عبر التهريج والفهلوة والارتزاق بالشعارات دغدغة لمشاعر الجماهير.
انتصار الظلاميين يتم بسهولة وسرعة الانحدار من قمة جبل، أما انتصار الحضارة والإنسانية فيتم بصعوبة وبطء صعود نفس الجبل!!. . سقوط حكم الإخوان يأتي في الدرجة الثانية من الأهمية بعد سقوط أيديولوجيتهم، فالمشكلة ليست في افتقاد المهارة في الإبحار بالسفينة المصرية، بقدر ما هي بالدرجة الأولى الاتجاه الذي تم ضبط بوصلتها عليه.
لست أدري حقيقة كيف يمكننا الخروج من دائرة الخيارات الجهنمية المطروحة، الركود والتعفن على يد مبارك، أو التخلف والظلام على يد مرسي، أو الخراب العاجل على يد حمدين الصباحي وأمثاله!!. . يدعي العروبجية واليسارجية أن الحفرة التي يعدونها لنا أفضل من الهاوية التي أسقطنا فيها الإخوان. . شخصياً لا أحب الخيار بين بديلين كلاهما منيل بنيلة!!. . "عدالة المساواة بين المجتهدين الأذكياء والمقاطيع الأغبياء" هو الشعار الذي يرفعه الأونطجية للإثراء على حساب جماهير المتنطعين الغفيرة، فالفساد والاشتراكية صنوان لا يفترقان!!
لأن الرأسمالية لم تتحوصل في صيغة دوجما، بل كانت مجرد مبادئ للحرية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تحقيقاً لحياة أفضل للإنسان، فقد كان من الطبيعي أن تتطور مع الزمن، وهي ما يسود العالم الآن، كما لن تكف أيضاً عن التطور المستمر، أما الدوجما الاشتراكية ممثلة في الاشتراكية العلمية وسائر تطبيقاتها، فقد كانت منذ البداية وهما مقدساً في رأس ماركس وإنجلز المضروبين بالهلاوس الصراعية الدموية، وارتدى ذلك الوهم ثوب النظرية العلمية، فكان ساقطاً نظرياً قبل أن يتضح سقوطه وفشله العملي، فهجره حتى مراكزه الرئيسية في كل العالم، وبقيت الشعوب الفاشلة بطبعها فقط تتمسك حتى الآن بأهدابه. . لن تجد حتى الآن من يرتدي عباءة الماركسية البالية، إلا حيث يوجد أيضاً من يريدون ببول البعير التوصل لأستاذية العالم. . أهل الكهف في نعيم!!
لا أرى ثمة فائدة ترجى من شعب لا يوجد فيه من يجرؤ أن "يقول للغولة عينك حمرا"!!. . العلمانية الليبرالية هي شاطئ النجاة، وإذا كان التوجه إليها غير متاح الآن في مصر، فلابأس من أن نرزح فيما نحن فيه أو في أمثاله، حتى تتيسر لنا استقامة التوجه إلى حيث ينبغي أن نمضي. . على طريق د. فرج فودة أنا سائر، راجياً أن أستحق أن ألقى ذات مصيره.
التعليقات (0)