مواضيع اليوم

كيف يمكن فهم التحالف الأمريكي الإخواني؟

أحمد سالم أعمر حداد

2012-06-24 00:38:27

0

 صعب جدا الادعاء بفهم خيوط ذلك الزحف المتسارع لحركة الاخوان المسلمين على تغيير الانظمة السياسية العربية،بكل سلاسة وتمكين. لكن لا بأس من المحاولة والتساؤل لماذا يقطف الاخوانيون ثمار دمار الربيع العربي وحدهم ؟ لماذا تتساقط الانظمة السياسية العربية كأحجار الدومينو ، ويسود الاخوانيون ويحكمون دون غيرهم من القوى السياسية والوطنية ؟ وولماذا انتهى ذلك التطويق السلفي السعودي للاسلاميين والاخوانيين خصوصا ، ولم يعد مجديا سياسيا وتم الاستغناء عنه أمريكيا، بعد الاستهلاك الكامل لجهود وخدمات القاعدة ، من طرف الامبراطورية الامريكية المطاطية.              


بعد مقالتي يوم أمس حول التأثيرات التي أعتقدها محتملة للازمة السياسية الكويتية ، على الامن الخليجي ، سألني أحد أصدقائي على تويتر وهو يتفاعل مع مضمون المقالة : ‏ هل يعتبر الإخوان تنظيما إسلاميا معتدلا، وهل ترغب أمريكا فعلا في أن يتسلموا حكم مصر مع ما يروى عن موقفهم تجاه إسرائيل ؟. سؤال صديقي في غاية الأهمية لأنه يصعب أن نصحح في الاذهان صورة الاسلامي المناهض للسياسات الامريكية والامبريالية ، والصهيونية ، على نفس القدر الذي يصعب معه تصحيح صورة الولايات المتحدة الأمريكية ، عدوة الاسلام والمسلمين ،وخاصة التنظيمات الاسلامية ، لاعتقادها بأنها ارهابية ولا تفرخ سوى الارهابيين. لكن السياسة كما قالت لي عجوز حكيمة ذات مرة، "السياسة كصندوق السفر ياولدي تجد به كل شئ والعديد من الأشياء المتنافرة،ولا توصف بوحدة الموضوع ،لكنها في النهاية كلها تخدم المسافر صاحب الحقيبة
 .ومسافرنا المشهور عندما نتحدث في السياسات الدولية ، هو الولايات المتحدة،ويبدوا أن جميع الاحداث في الشرق الاوسط وشمال افريقيا،تخدم اهدافها الاستراتيجية ، والجيوسياسية. لذا اعتقد بأن  رواية التمكين الامريكي للاخوانيين،في الشرق الاوسط وشمال افريقيا ، زلزال قادم من دول الخليج العربي ، لا محالة، وهم يخدمون الاجندة الأمريكية ، دون ان تراودني أية شكوك.            

حافظت التنظيمات الاسلامية على مر عقود عديدة، وعل رأسها جماعة الاخوان المسلمون ، المتشعبة داخل كل دول النظام السياسي العربي،على لهجة تصعيدية شديدة القوة، ومناهضة للسياسات الامريكية ، والغربية عموما. ومع اشتداد مخاوف الادارة الامريكية على مصالحها جراء تمدد الخط الاسلامي،ونجاح هذه التنظيمات في بناء قواعد شعبية حقيقية، عبر العمل الاجتماعي والاقتصادي الجاد، عمدت الى تطويقهم عبر تنظيم استخباري هلامي عرف بالقاعدة،وهو تنظيم سياسي متطور عن الفكر السلفي الجهادي،مهمته انتاج العنف في كل مكان ، من أجل كسر شوكة هذه التظيمات،وتشويه صورتها اسلاميا وغربيا
عبر التهم النمطية كالارهاب والتطرف والعنصرية ،ومنع مشروعهم التصاعدي لاسلمة المجتمع. فضلا عن مهمته الكبرى،ودوره المعروف كشماعة تعلق عليها ن كل تدخلات حلف الناتو العسكرية،في الشؤون الداخلية للعديد من الدول، تحت يافطات محاربة الارهاب،وفي أحسن الأحوال،التدخل لاسباب انسانية.                 

كان هذا التوجه الأمريكي/ الغربي عموما، بمثابة الضوء الاخضر بالنسبة للانظمة العربية،لقمع هذه التنظيمات،وانحسار تمددها الاجتماعي ، وتعطيل ارتقاءها الى تنظيمات سياسية،حيث منعت في كل البلدان العربية تقريبا،واستمرت في النشاط بشكل غير قانوني مكتفية بالعمل القاعدي (القاعدي هنا تفيد العمل الشعبي ) ،من خلال المساجد ،وانشطة الدعوة الاسلامية. واستمرت الانظمة الاخوانية جميعها،في اتهامها للولايات المتحدة الامريكية ، بدعم الديكتاتويرات،والانظمة الاستبدادية القمعية.


 اليوم ، ورغم أن الحركات الاحتجاجية التي سميت اعلاميا بالربيع العربي ، كانت من فعل الشرائح الاجتماعية ، المطالبة بمنافع سوسيو اقتصادية ، وليست من فعل التنظيمات الاخوانية ، التي انقضت على الأحداث وتبنتها بشكل راغماتي ، الا أن الولايات المتحدة رأت أن ثورات الربيع العربي ربما  تسهم في الدفع بالخطط الأمريكية التي ترمي إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط سياسيا واقتصاديا. كما ان الادارة الامريكية فوجئت و لم تصدّق أبداً أن الحركات الإسلامية السياسية وخصوصا الاخوان المسلمون ، قادرة  بل وتقبل تبنّي قوانين الديمقراطية الغربية والالتزام بها، والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وهنا التقت المصالح،بين الولايات المتحدة الأمريكية الاخوانيين الساعين الى تحقيق هدف قديم يتمثل في الوصل الى  السلطة والحكم، وتصفية الحسابات مع الانظمة السياسية العربية،وربما مع شخصوها البارزين،من الرؤساء والملوك، العرب. والغريب أن التنظيمات الاخوانية أظهرت براغماتية منقطعة النظير تمثلت في، تخفيف لهجة العداء الى الولايات المتحدة الامريكية،بل وتقديم ضمانات عديدة بخصوص المصالح الامريكية ، وأمن الكيان الاسرائيلي.
                     

رغم غرابة المقارنة بين الكويت ومصر،الا ان الأزمتين الحاليتين تتشابهان بشكل كبير،من حيث تفاقم  الازمة التشريعية ، والاهداف التي ينشدها تنظيم الاخوان المسلمين بكلا البلدين، فالاخوان يضعان مصر والكويت بين خيارين لا ثالث لهما ( مع الاشارة الا أن التظيم الاخواني ينشط سياسيا بشكل شمولي بمعنى انه تنظيم صاحب سياسات كلية محكمة )، فاما الوصل الى السلطة،أو اشعال فتيل الثورة ،واشاعة الفوضى الخلاقة. ففي اعتقاد الاخوان ، كلاهما طريق يؤدي الى النصر في النهاية،ما دام الدعم الامريكي متوفرا،ولن يسمح بقمعهم مجددا من طرف الانظمة السياسية العربية، واذا حدث القمع يتم تنفيذ الخطة عبر طائرات حلف الناتو الذراع العسكرية للولايات المتحدة المريكية، كما يوشك أن يحدث في سوريا.

الشعوب العربية قامت بثورات غير موجهة فكريا،بل تم اشعالها عبر الوسائط الرقمية وقنوات اعلامية لسان حالها ناطق بالعروبة والاسلام ،واهدافها الخفية تنفذ الاجندات الغربية،وتمت سرقة هذه الثورات ،من طرف التنظيمات الاسلامية، والولايات المتحدة الامريكية ،التي عرفت جيدا كيف تجعل الاحداث ،وفواعل الثورات يخدمون اهدافها. أمام عجز واضح أبانت عنه الانظمة السياسية العربية ،من حيث القدرة على تشكيل التحالفات الدولية،حيث فشل النظام الليبي في التحالف مع القطبين القادمين الروسي والصيني ،و  ايقاف الزحف الامبراطوري الامريكي،وبوادر فشل النظام السوري أصبحت تلوح في الافق. ولم يتبقى للانظمة السياسية العربية، خاصة الخليجية، التي لم تعرف ثورة بعد،سوى المضي قدما في تنفيذ مخططات الاصلاح  الداخلي،الجذري،سياسيا واقتصاديا ،واجتماعيا،لقطع الطريق أمام زلزال الفوضى السياسية ، والعنف القادمين .                  


 
 أحمد سالم أعمر حداد
باحث مغربي متخصص في تحليل الصراع
newsdata1@gmail.com





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !