كن ليبراليًا ودعني أقتلك
بقلم: كمال غبريال
أضحك أحيانًا حتى أوشك على الانفجار حنقًا، وأنا أستمع لما يساق من تنظيرات لمروجي الإرهاب والقتل على الهوية الدينية، حين أراهم يكادون أن يقولوا: "كن ليبراليًا ودعني أقتلك".. يقولونها للشعوب الغربية، التي يهربون إليها من جحيم وفقر الشرق الكبير، فتفتح لهم أحضانها باعتبارهم أخوة في رابطة الإنسانية، التي لا تعلو عليها رابطة لدى هذه الشعوب.. يجدون المأوى والحماية والحياة الكريمة، ويجدون أيضًا مجالاً متسعًا للتعبير عن الذات، وهنا "مربط الفرس" كما يقولون.. "التعبير عن الذات"، فحين يبدأ هؤلاء في التعبير عن ذواتهم.. عن معتقداتهم الإيمانية.. عن سيكولوجيتهم المنقوعة في العنف والتعطش لسفك الدماء والكراهية المجانية.. أبناء ثقافة "السيف أصدق أنباء من الكتب"، وأشعار عنترة ابن شداد التي تقطر بالدماء وهو يقول: "وسيفي كان في الهيجا طبيبًا يداوي رأس من يشكو الصداع".. هكذا تطفح المدن الأوربية بروح العداء والمتفجرات، وتتلطخ محطات المترو بالدماء البريئة، التي أريقت من أجل زيادة رصيد القتلة من الحوريات في جنات الخلد!!
وإذا ما اتخذت هذه الشعوب أي مواقف أو إجراءات لمحاصرة الوباء الذي فتحت له أبوابها، ليسري في شوارعها وشرايينها، وهي تفعل هذا بصعوبة بالغة، ووسط معارضات مستميتة من شعوبها، التي لم تتعلم حتى الآن بما فيه الكفاية، والتي تعودت على السماحية والانفتاح على الآخر، ويصعب عليهم أن يتجهوا عكس ذلك، بل يصعب عليهم تصور أن هناك بشرًا أشد خطرًا وفتكًا من العقارب والفيروسات المدمرة.. عندما يتحركون ببط وعلى استحياء لحماية مجتمعاتهم وحضارتهم، تتعالى أصوات المُكَفِّرين وسدنة الإرهاب، تنعي الليبرالية الغربية التي تخلى عنها أهلها، وبدأوا في اتخاذ التدابير الوقائية من الخطر الزاحف عليهم!
لكي تظل أبواب ونوافذ الغرب مفتوحة أمامهم بلا ضابط ولا رابط، ولابأس من ترويج اصطلاح حديث هو "الإسلاموفوبيا"، و"الفوبيا" التي تعني أمراض الخوف غير الطبيعي، هي نوع خاص من أمراض نوبات الهلع والذعر الشديد، ويعرف على أنه خوف كامن مزمن وغير مبرر (غير منطقي)، من شيء أو مكان أو سلوك معين، يؤدي لقيام المريض بمحاولات واضحة للهروب من موقف، لمواجهة الشيء أو الظرف الذي يعتبره المريض خطرًا على حياته.. هكذا تكون نتائج جهاد المجاهدين والاستشهاديين الأبرار في مختلف العواصم والمدن، غربية وشرقية أيضًا، هي مجرد تخيلات و"فوبيا"، ينبغي على الشعوب الحرة الحذر منها، والاستنامة لتسلل الجهاد والجهاديين، ليقتلوا ويسفكوا من دماء الكفار ما شاء لهم الهوى، فهكذا وهكذا فقط يكونون ليبراليين بحق!!
وعندما تحظر الدولة المصرية على مدى عصور جماعة الإخوان المسلمين، بتنظيمها السري العريق في الجرائم السياسية والاغتيالات.. تلك المدرسة الأولى للإرهاب والعنف باسم الدين، والتي تخرج ويتخرج منها سفاكو الدماء على مستوى العالم كله، وتعمل كطابور خامس داخل مصر، يتسلل عن طريقهم إلى البلاد إرهابيو حماس وحزب الله، مهددين أمن البلاد التي ارتووا من نيلها، وظللتهم سماؤها.. عندما يمنع الدستور المصري تسلل ذئاب التأسلم السياسي للحياة السياسية المصرية، لتحويل مصر المحروسة إلى مصرستان، تتناحر مكوناتها وتذبح بعضها بعضًا باسم الله والإيمان، كما حدث ويحدث في البلاد التي سيطر عليها أمثال هؤلاء، بداية من أفغانستان حتى الصومال، مرورًا بالعراق الذي ينسبون بلاياهم فيه إلى القوات الأمريكية، التي لولاها لأفني الطائفيون العراقيون من سنة وشيعة بعضهم بعضًا.. عندما تحمي الدولة شعبها من الهلاك على أيدي هؤلاء المتاجرين بالدين والدين منهم براء، تكون الدولة استبدادية وغير ديموقراطية، وعندما يناهض المثقفون المستنيرون ودعاة الحداثة تواجد مثل هذه الجماعة في الساحة المصرية، يكونون مدعو ليبرالية، إذ عليهم أن يقبلوا بمتاجرة هذه الجماعة بالدين، ويفسحوا لها المجال لخداع الشعب المصري المؤمن والتقي بطبيعته، لكي تصل على أكتاف الجميع إلى الحكم، ليكون مصير كل من التزم بالليبرالية التي يريدونها هو الذبح، أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، إذا ما فكر لحظة بعد ذلك في ممارسة الليبرالية، التي هي في شرعهم حقيقة بدعة مستوردة من الكفار وأعداء الدين.
هكذا يتصورون أن الليبرالية تحتم على من يعتنقها أن ينزع الجلد عن جسده، لتهاجمه باسم الحرية كل صنوف الحشرات والميكروبات.. فالإرهابيون المتأسلمون من حقهم استغلال القوانين والبيئة الليبرالية أسوأ استغلال.. بل وكما قال أحد ذوي اللحى العظيمة الشعثاء، مجاوبًا من يسأله كيف يفعل ذلك في بلاد منحته المأوى والحرية، ووفرت له كرامة لم يتحصل عليها في بلاده، التي طاردته وطردته هو وما يدعو له من أفكار، فما كان إلا أن جاوب المتساءل المتعجب، بما حول تعجبه إلى ذهول، بأن هذه البلاد بالنسبة له كدورة المياة.. فكما يحتاج فضيلته إلى دورة المياة (عوضًا عن الخلاء) لكنه لا يحترمها ويعتبرها نجاسة ورجسًا، فكذا هذه البلاد، هو يحتاج لمساحة الحرية المتاحة فيها وإلى أموالها، ولينشر فيها دعوته المقدسة، لكنه يظل على موقفه منها، بأن شعبها أنجاس، وبلادهم أرض الفسق والفجور والكفر!!
هذه هي المفارقة الطريفة غير الظريفة على الإطلاق مع هؤلاء.. لو تركنا لهم المجال، وأتحنا لهم أن يسرحوا ويمرحوا في البلاد كيفما شاءوا، فسوف يشهرون سيوف التكفير في وجوهنا، ويغمدون خناجره في صدورنا.. وإن حاولنا درء خطرهم عنا، وتحجيم نشاطاتهم التخريبية، فسيواجهوننا بالتباكي على الديموقراطية والحرية المهدرة، وفسوف يجدون من بيننا من يصدقهم، ليس فقط جريًا وراء مصالحه الخاصة والانتهازية، بل أيضًا من قبيل السذاجة والغفلة!!
التعليقات (0)