بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة، والسلام على مُحمَّد، وعلى آله الطاهرين، وصحبه المُنتجَبين، وجميع عباد الله الصالحين.
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته..
انطلاقاً من قول الله -تبارك وتعالى-:
{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : 105]
السيِّد الرئيس ناصر جودة المُحترَم..
السادة الحضور جميعاً..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
اليوم تـُواجـِه منطقتنا كلـُّها عاصفاً جديداً يُشكـِّل تحدِّياً أساسيّاً رُبَّما لم تألفه حِقـَب التاريخ من قبل إنـَّه عاصف الإرهاب الذي جعل المُسلِمين ضحيّة أساسيّة على مُستوى المصاديق والأفراد، بل شكـَّل تحدِّياً حقيقيّاً للإسلام كفكر، وقِيَم، ودين، ذلك الدين الذي انطلق من هذه المنطقة، وانتشر في رُبُوع العالم، ونشر الحُبَّ، والثقة، والطمأنينة، والسلام.
هذا الدين الذي أعاد بناء المُجتمَعات من جديد، بل أعاد الثقافات المسروقة من روما بعد أن سُرِقت، هذا الدين الذي جعل من المرأة سيِّدة مُجتمَعها بعد أن وُئِدت لا لشيء إلا لأنها أنثى، هذا الدين الذي حوَّل مُجتمَع العرب الذين كانوا يعبدون الحجر، وربطهم بجبَّار السموات والأرض، هذا الدين الذي بثَّ الحُبَّ في كلِّ مكان في الوقت الذي عانت البشريّة من أزمات حادّة، وعصف بها الحقد، والكراهيّة.
الإسلام براء من الإرهاب، وذلك لا يحتاج إلى استدلال، فهو واضح وُضُوح الشمس في رابعة النهار.
السؤال هنا: ما الذي يجعل هؤلاء يتشبَّثون بثقافة الإسلام المُزيَّفة، ويُمارِسون الإرهاب؟
هذه الثقافة سبقتها ثقافة أخرى، ثقافة السخط، والكراهيّة، والحقد، سبقتها ثقافة الاستفزاز لقِيَم الإسلام، وسبقتها ثقافات الاحتلال، وثقافات الاعتداء على المُقدَّسات، وانتهاك حُرمة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فحوَّلت هذه القِيَم إلى قِيَم مُضادَّة. وبعض السطحيِّين، والمُتشبِّهين بالمثقفين بدأوا ينحتون لأنفسهم ثقافة الثأر، والاستيلاء، والثورة على كلِّ شيء، وانضمَّ إليهم إعلام التشويه، الإعلام المأجور الذي تنحَّى عن موقعه كسلطة رابعة مُحترَمة وكريمة؛ لينحاز بحيث لا يتناول مُفرَدات الواقع كما هو، بل يُحاوِل أن يُضخـِّم ما يشتهي، ويُقلـِّص ما يشتهي.
عندما تنظر إلى الإعلام بعين الحقيقة تجد أنَّ هناك بوناً شاسعاً بين الواقع وبين وبين ما يتكلم به على هذا الواقع؛ فلو لم أعِش العراق، وأنظر إلى شاشات التلفزيون لتصوَّرت أنَّ العراق غابة، وأنَّ ساكنيه وُحوش. صدق الشاعر عندما قال: ليس مَن رأى كمَن سمع.
لا تقرأوا الشُعُوب من خلال إعلام مُزيَّف. اقرأوا الشُعُوب من خلال أبنائها. اقرأوا تاريخها وحاضرها من خلال حقيقة أبنائها، ما قرأنا ليبيا إلا من خلال عمر المُختار، ولم نقرأ المغرب إلا من خلال عبدالكريم الخطابيّ، ولم نقرأ فلسطين إلا من خلال شهدائها الحقيقيِّين، ولم نقرأ الجزائر إلا من خلال عبدالقادر الحسينيِّ الجزائريّ، إقرأوها من خلال أبنائها، أمّا إعلام الزيف هذا فلا يُعطي الحقيقة كما هي.. الإعلام المُزيَّف يقرأ، ويكتب، ويُصوِّر كما يشتهي.
ذكّرني الأخ وزير خارجيّة لبنان بسرجون الأكدي، فوقفتُ عنده قبل 2230 سنة (ق.م) حين أشار بإصبعه إلى أرض بغداد، ولم يكن اسمها (بغداد) حينذاك، وقال: (مَن يحكم قبّة العالم يتحكّم برياحها الأربعة).
هذه هي بغداد، هي أمُّ الحضارات، هي بما ترمز إلى الوسط والجنوب العراقيِّ، وأهرام مصر التي أشارت إلى حاضنة الحضارة البشريّة منذ ستة آلاف سنة.
إخواني.. العراق اليوم في الخط الأول من المُواجَهة ضدَّ حرب عالميَّة حقيقيّة اسمها (حرب الإرهاب)، لم تبدأ بالعراق، وقد لا تنتهي بالعراق، فلم يكن العراق البلد الأول، وقد لا يكون البلد الأخير؛ لذا نحن نواجه حرباً على جبهتين، الجبهة الداخليّة نواجه أصالة عن أعراضنا، وكرامتنا، وثرواتنا، وسيادتنا، وعن كلِّ أبنائنا، وحرب نيابة عنكم جميعاً من دون استثناء؛ لأنَّ كلَّ بلدانكم مُهدَّدة بالإرهاب.
الإرهاب ضَرَبَ دولاً في العُمق الديمقراطيِّ في كندا، وفي فرنسا، وفي السويد، وفي مُختلِف مناطق العالم، وكلُّ الدول مُهدَّدة بالإرهاب، وقد قلنا منذ 2004: الإرهاب لا دين له، ولا وطن له، وها هو اليوم ينشر ظلـَّه على كلِّ دول العالم، وأقول لكم: سمَّى نفسه الإسلام، والإسلام منه براء، وسرعان ما سينتشر في أمم أخرى، وسينتحل في المُجتمَعات الكوفوشيوسيّة صفة ًكوفوشيوسيّة، وفي المُجتمَعات البوذيّة سيعكس صفة بوذيّة، وفي كلِّ بلد سينتشر؛ لأنـَّه ليس تعبيراً عن قِيَم، ومبادئ، بل تعبير عن نزعة التمرُّد، وثقافة الاستيلاء، ويخرج، وينشز عن كلِّ الأعراف. هذه هي حقيقة الإرهاب.
إنه خُرُوج عن الطبع البشريِّ، ولا أحد يُغوينا، ويجعلنا نصدِّق بأنَّ الإسلام بفكره، وقِيَمه، وأمّته، وتاريخه يُبيح لأحد أن يقتل آخر بالطريقة التي ترونها في مصر، وفي العراق، وفي لبيبا، وفي الأردن..
إخواني.. نحن في العراق اليوم نمضي بكلِّ مُكوِّناتنا لصياغة العمليّة السياسيّة الجديدة، نعم.. الإرهاب يُحرِّك نزعات الشذوذ لكنه يستفيد من المُجتمَعات المُتنوِّعة التكوين، وهي مُؤهَّلة، فيُحوِّل التكوين المُتكامِل إلى تكوين مُتقاتِل بين الثنائيّات؛ لذا تمضي الحكومة الوطنيّة اليوم، وحققت نجاحات باهرة على أرض العراق عسكريّاً، وكانت قد بدأت أولاً بتنظيم صفوفها، ورصِّها في الداخل العراقيِّ عن طريق إيجاد أجواء مُلائِمة للعمليّة السياسيّة فالبرلمان العراقيّ اليوم يُمثـَّل بمُكوِّناته كلَّ مُكوِّنات الشعب العراقيِّ، وما من مُفرَدة اجتماعيّة في المُجتمَع العراقيِّ وإلا وتجدونها موجودة في البرلمان العراقيِّ، بل موجودة في الحكومة العراقيّة بنِسَب تتناسب مع حقيقة حُجُومهم في العراق؛ حتى نقطع الطريق على هؤلاء، وتشكَّلت الحكومة، وسبق تشكيل الحكومة ميثاق شرف من عشرين نقطة. كان إحدى هذه النقاط هو الاتفاق على حلِّ المشاكل المُتعدِّدة، ورصَّت الحكومة الاتحاديّة صفها مع حكومة الإقليم، وعملت على إشراك كلِّ القوى الوطنيّة، ونزعت فتيل الحالة الطائفيّة، واليوم المُكوِّنات العراقيّة بخلفيّاتها الدينيّة، والمذهبيّة، والسياسيّة، والقوميّة تجدونها تنعكس بشكل دقيق في الأطر، ولا تحتاج القضيّة جدول لوغاريتمات، ولا مكرسكوب إنما انظروا إلى الرئاسات التي تظهر في التلفاز. كلُّ مُكوِّنات الشعب العراقيِّ موجودة فيه؛ لذا لم يخرج وطنيّ واحد عن الحكومة العراقيّة. نحترم كلَّ الآراء، وحتى الذين يُخالِفونا، ولكننا نقول بكلِّ اعتزاز، ومن دون غرور: إنَّ العمليّة في العراق تمشي بشكل تنسجم بداخلها، كما أنَّ الحكومة العراقيّة عازمة على فتح صفحة جديدة من العلاقات مع كلِّ دول العالم بدءاً بدول الجوار والدول العربيّة انتهاءً بدول العالم المُتحضِّر الجديد، ونعتبر العلاقات مع كلِّ دولة أصلاً من الأصول؛ لذا نشكر لكلِّ هذه الدول استجابتها، وتفاعُلها، ودعمها للعراق.
أظنُّ أنكم لا تحتاجون إلى المزيد من الكلام، فالعراق بلد مُتعدِّد الثروات بنفطه، ونخله، ومائه، وزرعه، وعتباته المُقدَّسة، فكلُّ شيء في العراق ينبض بالغنى إلا أنه الآن يمرُّ بظروف استثنائيّة تتطلـَّب دعماً، وهذه من الاستحقاقات التي ترتـَّبت على الجرائم التي ارتكبتها الحركات الإرهابيّة في العراق؛ لذا أدعوكم إلى المزيد من الإسناد، وأنا شكرتُ كلَّ دول العالم على مُشارَكتهم، ومُساعَدتهم للعراق بخاصّة من كانت لهم استجابة سريعة في منبر نيويورك، وباريس، وجدّة عندما التقينا سويّة، ومنها دول عربيّة، وإسلاميّة، وأوروبيّة، وكذلك دول شرق آسيا، وأميركا، وأستراليا.. كلُّ هذه الدول دخلت، وساهمت.
لا نتصوَّر أنَّ الشعب العراقيَّ بحاجة لشيء، فأصعب شيء في المُواجَهة في الحرب البرّيّة هو الجنديّ. والدم المُتدفـِّق، والمُتشخـِّب اليوم هو من عُرُوق العراقيِّين، وهذا ما نـُقدِّمه نحن اليوم، ولا نـُريد أكثر من ذلك، أمّا الأمور الأخرى الإنسانيّة من دعم آخر فشعبنا بحاجة إلى ذلك، إذ إنـَّنا نـُقاتِل بالنيابة، ونأمل منكم أن ترتقوا إلى مُستوى هذه المسؤوليّات.
ينبغي أن تكون الجامعة العربيّة جامعة عربيّة حقيقيّة، وأيُّ ملفٍّ من ملفات العالم المُلتهـِبة يجب أن ندخله، ونـُفكـِّر أولاً من بوَّابة السلم، والأمن، وكلُّ المشاكل تمظهرت بأشكال مُختلِفة لكنَّ المُحرِّك وراءها واحد، وتعرفون ما أعني.
يجب أن يكون المُعادِل هو السلم، وحفظ كلمة الشعب سواء كان في اليمن، أم ليبيا، أم سورية، أو أيّ منطقة مُلتهبة فلا يُوجَد شيء عصيٌّ على الدبلوماسيّات عندما ترتقي إلى رسالة الدبلوماسيّة فليس هناك من بلد بلا خلافات، ولكن لا يُوجَد خلاف لا يُحَلُّ بالطرق الدبلوماسيّة، والسلميّة إذا أجدنا فنَّ صناعة الحُلُول، ونحاول عِدّة مرّات، وهذا يُلقى على عاتقنا جميعاً.
أرجو أن ترتقي الجامعة العربيّة لتلثم جراح فلسطين، وغزة، والقدس الشريف من انتهاكات إسرائيل، وأرجو أن تحفظ هذه الدماء؛ فعلى طول التاريخ، ومنذ أن وُلِدنا ونحن نرضع من حليب أمهاتنا أنَّ فلسطين أمُّ المصائب، وأمُّ الانتصارات، وجرحنا النازف.. هناك بدأ، واستمرَّ على طول التاريخ.
نحن مع مصر في مُعاناتها ومشاكلها، ومع كلِّ دولة عربيّة.
قبل أن أختم حديثي لابدَّ أن أشكر كلَّ الذين أشاروا بشكل مُباشِر، أو غير مُباشِر إلى تجربة العراق، والدعوة لإسناد العراق، وأشكر رئاسة المجلس مُتمنياً لأخي، وعزيزي، وصديقي معالي وزير خارجيّة الأردن الأستاذ ناصر جودة كلَّ التوفيق والنجاح في مهمّته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التعليقات (0)