بسم الله الرحمن الرحيم
معالي السيِّدة الوزيرة رئيسة المُؤتمَر..
السادة الحُضُور..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ستون عاماً مضت على تأسيس مُنظـَّمة مُؤتمَر عدم الانحياز الذي سُمِّي في ما بعد وكانت لبنته الأساسيّة (مُؤتمَر باندونغ)، وقد نصَّ على مجموعة أهداف ذات طابع إنسانيٍّ تهمُّ كلَّ الشُعُوب، وهُمُوم العالم كان من جملتها: الحفاظ على سيادة الدول، واحترام حقوق الإنسان، وعدم التدخـُّل في شُؤُونه الداخليّة، وكثير من الأهداف التي لُخـِّصت بأنها مبادئ باندونغ، وهي عشرة مبادئ.
النظرة الموضوعيّة إلى ما بعد مرحلة باندونغ ماذا حصل في العالم؟ هناك قرابة 100 دولة استطاعت أن تحصل على استقلالها؛ بناءً على مبادئ باندونغ خلال مُدّة 40 سنة في الوقت الذي مضت 300 سنة قبل باندونغ ولم يُحقـِّق العالم مثل هذا الإنجاز الكبير؛ وهذا يدلُّ على مصداقيّة باندونغ، وقيمته، وتلقـِّي الشُعُوب، وتقبُّلها مثل هذه المبادئ، لكننا يجب أن نـُثبـِت إلى جانب هذه الحقيقة أنَّ هناك ظواهر شاذة مازالت تنشر ظلها، وتفتك بالإنسان، وتخترق كرامته، وتتحدَّى حُقـُوقه في مُختلِف مناطق العالم.
هناك حرب مُعاصِرة اسمها (حرب الإرهاب)، وهي لم تأتِ بطرق تقليديّة كما كانت سابقاً على شكل جُيُوش مُنظـَّمة إنـَّما أخذت نمطيّة جديدة تتميَّز بأنـَّها ليست حرب جُيُوش، بل هي حرب ثقافيّة، أدلجة، وفكر، ومُحاوَلة انتحال الثقافة الدينيّة -والدين منها براء-؛ باسم هذا الدين، وباسم ذلك الدين تحاول أن تـُؤدلِج الحرب، وتـُعطيها بُعداً آيديولوجيّاً، استهدفت الإنسان بطريقة غير تقليديّة، فتقتل الطفل، والمرأة، والشيخ الكبير، ثم تـُمارِس حرباً بشعة، وتنشرها على شاشات التلفزيون. قتل الناس، وقطع الرُؤُوس علناً، وحرق مُواطِنين وهم أحياء.
هذه لم تعتدْها الحُرُوب التقليديّة السابقة، وفي الوقت نفسه هناك عولمة في الإرهاب.. تستطيع أن تعرف عولمة الإرهاب من خلال عولمة الضحيّة؛ فكلُّ بلدان العالم مُستهدَفة من قِبَل الإرهاب، وكلُّ الشرائح الاجتماعيّة مُستهدَفة من قِبَل الإرهاب؛ لذا يُعبِّر الإرهابيّ عن نفسه من خلال استهدافه كلَّ الناس من دون استثناء.
امتدَّت الحُرُوب إلى أكثر من منطقة من مناطق العالم؛ بغية رسم خارطة جديدة هي أشبه ما تكون بجريمة سايكس-بيكو بعد الحرب العالميّة عام 1916، مُحاوَلة رسم خارطة جديدة في العالم؛ حتى تنوب، وقد تنتهي حرب الإرهاب، ولكن تبقى آثارها على مَدَيات بعيدة من الزمن.
فلسطين القلب الإنسانيُّ النابض بالحُبِّ، والإنسانيّة، والثقة لايزال مطعوناً، ولايزال نازفاً، وكلُّ مُؤتمَرات العالم تـُؤكـِّد على فلسطين، وحقـِّها، لكنـَّنا لم نشهد خطوات عمليّة ترسم وضعاً جديداً، وتـُعيد لفلسطين حقـَّها في الوجود.
ماذا في العراق؟
العراق يشهد معركة حامية، يشهد حربين في آن واحد: حرب الأصالة عن نفسه، وكرامته، وإنسانه، وأمواله، وكلِّ ما يتعلـَّق بالعراق، وحرب الوكالة نيابة عنكم جميعاً في كلِّ مناطق العالم. هذه الحرب تـُهدِّد أعماق أوروبا، وأفريقيا، وآسيا، وأستراليا، وكلَّ مناطق العالم، ويقوم العراقيّون بخوضها، ويُسجِّلون انتصارات باهرة في مُواجَهتها. يحاول الإرهاب أن يلعب على الحبل الطائفيّ.
العراقيّون. مُسلِمين، وغير مُسلِمين، سُنـَّة وشيعة كلـُّهم يد واحدة يُواجـِهون الإرهاب، ويرسمون ملحمة جديدة؛ لينتصروا، وقد انتصروا، وقد تقهقر الإرهاب، وتراجَعَ عن المناطق التي كان قد احتلـَّها. حاوَلَ الإرهاب أن يستغلَّ بعض الأخطاء السياسيّة، والإداريّة السابقة لكنه لم يستطِع أن يكسب الجولة الأخيرة، نحن -العراقيِّين- أبناؤنا يُسجِّلون أروع الانتصارات.
ندعوكم من هذا المنبر.. نـُطالِبكم بضرورة التنسيق في المجال الأمنيِّ والاستخباريِّ لدعم الدول المُتضرِّرة بالإرهاب، ومنها: سورية، وليبيا، وتونس، وأيّ منطقة مُتضرِّرة.
لابدَّ من مُواجَهة هذا الفكر، وهذه الثقافة، وفقه الإرهاب، وطرح، وترويج الفقه الإنسانيِّ الجديد الذي يجعل الإنسان هو القيمة العليا، ولابدَّ من تجفيف المنابع الماليّة لمُواجَهة الإرهاب، وفرض عقوبات على داعميه، وحظر الأنشطة الدعائيّة، والإعلام الذي يُحرِّض على الإرهاب، والتوافر على الدعم الإنسانيِّ، والخدميِّ للنازحين العراقيِّين، وتبنـِّي مواقف العراق في المُنظـَّمات، والمحافل الدوليّة، ودعمه سياسيّاً، وتكثيف الجُهُود لمنع انتشار الإرهاب في مُختلِف مناطق العالم، ومُراقبة حركة التجنيد الجنونيِّ في بعض بلدانكم للإرهابيِّين في الأقطار المُختلِفة باتجاه التضحية.
أودُّ أن أؤكـِّد عليكم أنَّ مصطلح الجنوب-الجنوب هو مصطلح جيِّد، لكنـَّنا لا نـُريد أن نفتح معركة بين الجنوب والشمال مثلما جاءت دول الشمال، واقتسمت الثروات. نـُريد أن يتكثـَّف الجنوب مع الجنوب، ولكن يتكامل مع الشمال من دون أن يفتح معركة. العالم كلـُّه بملياراته الستة لا ينتظر منكم أن تـُوحِّدوا لغته، ولا انتماءاته، بل يتطلع أن تجعلوا الإنسان هو القيمة العليا الحقيقيّة، وينتظر منكم أن تـُشيعوا ثقافة الاتفاق بين بني الإنسان.
يُنتظـَر منكم أن تطرحوا آليّات الحوار، والتعارُف في الخلافات، وحوار حضارة. بلاد النهرين، مع بلاد النيل، مع بلاد فارس، وبلاد الصين، وبلاد الهند كلـُّها سجّلتها المسيرة البشريّة عبر التاريخ فلابدَّ أن نـُعيد للعالم هذه الحضارات، وليس صراع الحضارات.
مرَّة أخرى أشكر السيِّدة الرئيسة، وأشكركم جميعاً.
والسلام عليكم ورحمة الله.
التعليقات (0)