بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته..
أنطلق من قول الله -تبارك وتعالى-:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}
[آل عمران:159]
قبس دبلوماسيٌّ أستوحيه من مجموعة آيات في القرآن الكريم.. هذه الآية الشريفة إحداها.
ما أحلى جمعَكم، وأروع وحدتكم، وما أسعدني أن أعيش وإياكم أوقات التحدِّي، ونـُواجهه بصلابة.. بإرادة البناء، وإرادة الأمن، ووحدة الصفِّ!
ما أثرى محفلكم السياسيَّ وهو يضمُّ عقولاً، وأذرع الدبلوماسيّة العراقيّة، ومنافذ الإطلالة على العالم كلِّه من خلال أبنائنا وبناتنا الذين يعملون في السلك الدبلوماسيّ.
إخوتي الأعزّاء.. من وحي شعار المُؤتمَر (الانفتاح الإيجابيّ، والتصدِّي للإرهاب) نكون قد نلخـِّص مهمّتنا الحاضرة بأنـَّنا أمام انفتاح العالم.
العالم إلى الأمس القريب كان العالم مُنغلِقاً بين مُقاطِع، وبين مُنقطِع عن التعامُل معنا، وكان العراق لأسباب فـُرِضت عليه فرضاً من خلال سلسلة الحكومات التي تعاقبت على حكمه قبل سقوط النظام المقبور ترك آثاراً بالغة، وبصمات مُؤذِية على البلدان بعد أن شنَّ حُرُوباً طائلة في المنطقة، وحُرُوباً أهليّة في داخل العراق.
حتى يكون الانفتاح حقيقيّاً، وانفتاحاً إيجابيّاً لابدَّ أن يستوفي مجموعة مُستلزَمات، أولاً: هادف، وليس مُرتجَلاً. الانفتاح نظريّة، أن تعي مَوطئ قدمك قبل أن ترفع قدمك تعرف أين تضعها. لا نستطيع أن نعمل بعقليّة الاستنساخ والطبع في كلِّ دولة من الدول.
هذه الدولة تختلف عن دولة أخرى؛ لذا اعتبرنا -ضمن استراتيجيّتنا الدبلوماسيّة الحالية- أنه لابدَّ من إقامة العلاقة مع كلِّ دول العالم باستثناء إسرائيل؛ ما من دولة إلا ولنا نظريّة عمل معها، ونـُجيد فنَّ وعي المُشترَك في المصالح، ووعي المُشترَك في المخاطر. لم يعُد العالم اليوم عالم البُعد الجغرافيِّ والقرب الجغرافيّ، إنـَّما عالم البُعد السياسيّ والدبلوماسيّ، والقرب الدبلوماسيّ والسياسيّ؛ فرُبَّ دولة قد تكون قريبة جدّاً من الناحية الجغرافيّة، ولكنها بعيدة من الناحية السياسيّة والدبلوماسيّة؛ لذلك لا نستثني دولة من العالم؛ أولاً لابدَّ من العلاقة، وقد عقدنا العزم على أن نبني هذه العلاقة مع كلِّ دول العالم من دون استثناء، وثانياً هذه العلاقة ينبغي أن لا تكون علاقة من أجل العلاقة أنـَّما نتدبَّر ما يربطنا بهذه الدولة وتلك الدولة من مصالح قد تختلف من دولة إلى دولة أخرى، ولكن يكفي أن تكون ذات بُعد فيه مصالح؛ وهذه المصالح مدعاة لأن نـُرتـِّب عليها أثراً.. دول الجوار الجغرافيّ ست دول فيها ستة توجُّهات، ولسنا مسؤولين عن الخلافات الموجودة في هذه الدول، لكنـَّنا مسؤولون عن أن نتعامل معها على ضوء المُشترَك الذي يجمعنا وإياهم (إيران، وتركيا، والسعوديّة، والكويت، والأردن، وسورية) نبرم علاقات معهم. مبدأ العلاقة مع هذه الدول ثابت لا نتراجع عنه، ولا أحد يسألنا لماذا العلاقة، إنـَّما السؤال: لماذا عدم العلاقة؟
رُبَّما يكون العسكريّ بحكم كونه عسكريّاً يخوض غمار حُرُوب، أو يحلو للبعض أن يُحوِّلوا المُؤسَّسات إلى عسكرة، لكنّ الدبلوماسيّة تـُفكـِّر كيف تفتح آفاقاً، فلا تـُوجَد علاقات بين البلدان بلا مشاكل، ولكن لا تـُوجَد مُشكِلة في السلك الدبلوماسيِّ عصيّة على الحلِّ؛ إن أجدنا فنَّ التعاطي الدبلوماسيّ، وأن أنسنـَّا الدبلوماسيّة، أي: إنَّ الدبلوماسيّة ليس حكراً على أبناء دين، أو أبناء مذهب، أو أبناء قوميّة، أو أبناء حزب، أو أبناء عشيرة؛ ولأنـَّكم تنتمون إلى عِدّة خلفيّات تـُذكـِّرونني بباقة الورد الجميلة الزاهية التي تكثر فيها الألوان، وكلما زادت ألوانها زاد شدّها، وجاذبيّتها. لا نتضايق من وجود خلفيّات مُتعدِّدة في وزارة الخارجيّة، ولكني أوجِّه رسالة: أن يُختزَل العراق بعائلة، أو حزب، أو قوميّة، أو دين، أو مذهب فهذا غير مسموح. رئيس جمهوريّة، أم رئيس وزراء، أم وزير خارجيّة، أم أيّ شخص آخر. كلـُّهم يُمثـِّلون العراق كلـَّه، وكلُّ واحد منهم بقدر ما يتسع لحجم العراق يأخذ أهمّيّته، وقيمته من حجم اتساعه لضمير العراقيِّين كلـِّهم؛ لذا لا ينبغي أن يقلق أحد لأنـَّه ينتمي إلى خلفيّة مُعيَّنة مهما كان حجمها مادام يُمثـِّل العراق كلـَّه.
العراق أمانة بأعناقنا، وينبغي أن يتقدَّم عنوان العراق على عناويننا الخاصّة، لا نستنكر على الآخرين أن يُظهـِروا عناوينهم، ويعتزّوا بخلفياتهم، ولكن ليس على حساب الوحدة الوطنيّة، والعنوان الوطنيّ.
هذا الانفتاح الإيجابيُّ ينبغي أن تكون السيادة سمته البارزة، ولا ينبغي أن نتهاون بأيِّ شيء يُؤذي، ويُصدِّع الوحدة الوطنيّة العراقيّة. التصدِّي للإرهاب أصبح اليوم بالنسبة للعراق مُفرَدة قفزت إلى حجم الاستراتيجيّات، ليس فقط على المُستوى المحليِّ، بل الإقليميّ، بل الدوليّ. العالم كلـُّه اليوم تتحشَّد طاقاته، ويتوحَّد خطابه نحو الإرهاب، والعراق يقود اليوم معركة، لكنَّ جُيُوش العالم مُضطرّة، أو مُقتنِعة، وتنحني، وتنضوي تحت لواء هذه المعركة؛ العراق اليوم يقود حرباً حقيقيّة، نعم.. إنَّ الموصل مدينة في شمال العراق غير أنـَّها حملت رسائل فقد تحشَّدت أكثر من 62 دولة من دول العالم في الموصل.
ماذا تعني الحرب العالميّة؟ تعني محور أوروبا الشرقيّ، ومحور أوروبا الغربيّ، وحدثت حرب عالميّة، ولم تشارك فيها أميركا، ولكن اضطرّت، ودخلت، وكذا الكثير من الدول، ولكن يُريدون أن يقولوا: إنَّ أوروبا إذا غضبت حصلت حرب عالميّة، لا.. الحرب العالميّة الحقيقيّة هي حرب كلِّ قارّات العالم، وكلّ بلدان العالم، وكلّ الشرائح الاجتماعيّة.. حرب قاسية وشديدة، وعلينا أن نـُواجـِه هذه الحرب، ولابدَّ لنا أن نتعامل معها بكلِّ أناة، وثبات، وقوة.
وأنا سعيد اليوم عندما وصل خبر انتصار أبناء قواتنا المُسلـَّحة بكلِّ مُكوِّناتهم في صلاح الدين، ونحن نرنو في الأفق، ونتطلـَّع إلى ذلك اليوم الذي تكتمل فيه الفرحة عندما تتوشَّح عمليّة المُواجَهة، فنرى الموصل أم الربيعين مُنتصِرة، وتعود إلى أحضان العراق الحبيب.
إخواني الأعزّاء.. عندما أتحدَّث مع الدبلوماسيِّين أتحدَّث مع العقل السياسيِّ العراقيِّ الذي انتقل توّاً من مرحلة المُعارَضة إلى مرحلة الحكم، وأتحدَّث مع القناة ذات النزغين والاتجاهين من الخارج إلى العراق، ومن العراق إلى الخارج.. أتعامل مع السواعد والأذرع التي تستطيع أن تـُحوِّل هذه الطموحات، والأفكار، والنظريّات إلى واقع، فتدرّ على العراق حيثما يحتاج في الصعيد الاقتصاديّ إلى مزيد من الاستثمارات الأجنبيّة، وعلى الصعيد الأمنيِّ إلى المزيد من التعاطف والتجاوب.. كلُّ ذلك هو نتاج فعلكم، وأنتم مُتواجـِدون في الخارج، علاوة على تجسير العلاقة بين العراق المركز وبين أبناء شعبنا في كلِّ مكان يقع بالدرجة الأساس على عاتقكم.
من خلال زياراتي، وتردُّدي على مُختلِف العواصم التي أكاد لا أستثني منها أحداً إلا والتقيت بالجاليات العراقيّة، ورأيت على صفحات وُجُوههم، ومن خلال بريق عُيُونهم أنـَّهم يحملون أملاً، وبدأوا يُفكـِّرون أنَّ السفارات لم تعُد كما كانت سابقاً حين كانت السفارات أوكاراً للمُخابَرات، ومحطات اغتيال؛ حتى أنـَّه همس بأذني أحد الجالسين هنا مرّة، وقال لي: اكتشفنا خزيناً من الأسلحة من الـ(آر بي جي)، ومُختلِف أنواع الأسلحة في السفارة أيّام كانت، وهذا الذي يُذكـِّرنا كيف طحنت ماكنة المُخابَرات العراقيّة الكثير من أبنائنا في الخارج العراقيِّ في مُختلِف عواصم العالم.
اليوم أمامنا مسؤوليّات حقيقيّة، وكثيرة، نعم.. رُبَّما قطعنا شوطاً ما، ولكن لا ينبغي أن نقف؛ فبقدر ما لدينا من وعي النهاية في الطريق بقدر ما يُكسِبنا ذلك عزماً على المسير، وعدم الإعياء، والتعب.. لا ينبغي أن نجعل سقف طموحنا مُتدنـِّياً.. سقف الطموح لايزال بعيداً جدّاً عمّا نـُريد. نحن اليوم لم نكُن في الوادي، لكننا لسنا على القِمّة إنـّما نحن على السفح، ونحاول أن نصعد بثقة، وبخطى ثابتة، ونمشي حتى نـُسلـِّم هذه الأمانة مثلما سلـَّمها إخواننا السابقون ما بعد السقوط -جزاهم الله خير الجزاء- أدَّوا ما عليهم في هذه الوزارة، وفي تلك الوزارة.
إخواني.. سمعتم الإشارات التي تفضَّل بها الأخ رئيس الوزراء، ووضعنا المالي هو هذا، ولعلمكم أنَّ هذه ليست قضيّة خطة حكومة، وإنـَّما ظروف استثنائيّة أملت علينا أن ينخفض سعر النفط بهذا الشكل الحادِّ وبشكل مُفاجـِئ، وأن يتقلـَّص الإنتاج النفطيُّ، والصادر النفطيُّ العراقيُّ إلى الخارج؛ إذن نحن أمام قضيّة واضحة وُضُوح الشمس في رابعة النهار، لكنَّ هذا لا يُعفينا من مسؤوليّة أن نـُشيع ثقافة تهذيب الاقتصاد، وتهذيب الصرف في كلِّ مورد من مواردنا، هذه مُعادَلة: مورد يأتي، ومصروف. إذا لم نكن مسؤولين عن انخفاض إنتاجاتنا فلسنا معفوّين عن تحمُّل مسؤوليّة الصرف.
تهذيب الصرف أمر على أعلى درجات الأهمّيّة؛ لذا أملي بكم أن تـُقدِّروا طبيعة الظروف الماليّة التي يمرُّ بها العراق، وصدِّقوني رُبَّما تكون القضيّة الأمنيّة والملفّ الأمنيّ -بحسب سُلـَّم الأولويّات- يأخذ الخط الأوَّل، ولكن بعدها في الخط الثاني تأتي القضيّة الماليّة، والدبلوماسيّة، والسياسة، وما شاكل ذلك.
إخوانكم في مجلس الوزراء يعكفون دائماً على دراسة كلِّ السُبُل التي تـُمكـِّنهم من التغلـُّب على هذه الصعاب، وأنتم لستم بعيدين عن هذه المسؤوليّة.
دول الجوار الجغرافيِّ أعطيناها أولويّة في العلاقة، ونتردَّد عليها، وسنبقى نتردَّد عليها، وأنتم تعلمون جيِّداً أنـَّها مُختلِفة مع بعضها؛ ومن موقع مُرتكَزنا الاستراتيجيِّ الدبلوماسيِّ أن نبرم علاقة مع كلِّ دولة من جانب، ولا ندخل في المحاور الإقليميّة والدوليّة من الجانب الآخر. نحن نـُدرك جيِّداً أنَّ دولة على الشرق قد تختلف مع دولة أخرى.. ليس سِرّاً عليكم أنَّ تركيا تختلف مع سورية، ونحن نعتزُّ أنَّ لدينا علاقة مع تركيا، ولدينا علاقة مع سورية، وعندما نـُقيم علاقة مع تركيا لا نقبل أن نـُقاطِع سورية، أو عندما نـُقيم علاقة مع سورية أن نقطع علاقتنا مع تركيا.. لهم حقائق جغرافيّة؛ والحقيقة الجغرافيّة لا تـُبدِّل من نفسها شيئاً.. علينا أن نـُفكِّر كيف نـُطوِّع الديمغرافية، والسكانيّة، والسياسة، والبُنى الفوقيّة؛ حتى تتكيَّف مع الجغرافية، ولا نرتكب حماقة المُقاطـَعة. هذه لا نفعلها أبداً؛ لذا سنبقى أوفياء لمصلحة بلدنا، ونتعامل مع كلِّ هذه الدول ضمن نظريّة واضحة، ولا تـُوجَد دولة مع دولة، بل لا تـُوجَد عشيرة مع عشيرة، بل لا تـُوجَد عائلة في داخل عشيرة، بل لا تـُوجَد أسرة في العائلة الواحدة ليس فيها مساحة اختلاف قد تتسع، وقد تتقلـَّص، فلا عالم بلا اختلافات. الاختلاف موجود، ومُهندِسو النجاح، والسعادة، والانسجام لا يُلغون الاختلافات لكنهم يُجيدوا فنَّ تقديم المُتفـَق على المُختلـَف، وعندما نـُقدِّم المُتفـَق على المُختلـَف سنجد أنَّ هناك آفاقاً واسعة بيننا وبين الآخرين.. لا مجال لأن نـُراوح في مساحة الاختلاف.
جعلنا من ثوابتنا في السياسة هو احترام المواثيق الدوليّة، ورتـَّبنا عليها أثراً. رأيتم قبل أيام، ورُبَّما سمع بعضكم، أو شاهَدَ مُتفضِّلاً ما حصل في شرم الشيخ حين فـُوجئنا بأنَّ هناك هُجُوماً مُفاجـِئاً على اليمن قـُبَيل انعقاد القِمّة، وبكلِّ سرعة رجعنا إلى ثوابتنا، وإلى منهجيّتنا، وإلى دستورنا، وإلى الميثاق الذي وقــَّعنا عليه (20 نقطة) نحن لا نتدخـَّل في شُؤُون الدول الأخرى، ولا نـُؤيِّد ذلك إذا كان التدخـُّل سياسيّاً فكيف بك إذا كان التدخـُّل عسكريّاً، وكانت الدولة عربيّة.. هذا لا يعني أنَّ هناك صفقة عاطفيّة مع اليمن، أو حساسيّة عاطفيّة من السعوديّة أبداً؛ السعودية شقيقة لنا، ومن دول الجوار.. اليمن ليست من دول الجوار، ولكنـَّها شقيقة لنا.. مقياسنا واحد، ولا تـُوجَد لدينا مقاييس مُختلِفة، فثبَّتنا الموقف من وحي استراتيجيّتنا السياسيّة، والدبلوماسيّة بأنـَّنا نرفض التدخـُّل في شُؤُون اليمن، كما نرفض التدخـُّل في شُؤُون أيِّ دولة، ويزداد رفضنا عندما ينتقل من التدخـُّل السياسيِّ إلى التدخـُّل العسكريِّ.
الحرب هي الحرب، وقد علـَّمتنا تجارب الحُرُوب أنـَّها تبدأ بسُهُولة، ولكن لا تنتهي بالسُهُولة نفسها، ذكّرناهم بتجربة عبد الناصر في اليمن في الستينيّات، وماذا كانت النتيجة. عبد الناصر بعد أن ملك قلوب الكثير من المصريِّين، بل الكثير من العرب انسحب من اليمن. ما دخلنا نحن كطرف مُنحاز، إنما طرف مُحايد إيجابيّ، وليس بمعنى مُحايد غير مُبالٍ، لا.. نحن نـُبالي، ونحسب لكلِّ شيء حساباً، والسيِّد رئيس الجمهوريّة ألقى كلمة مع الرؤساء بعد أن فضَّ اجتماع وزراء الخارجيّة، وبيـَّنَ هذا الموقف إلى جانب موقف آخر كانت هناك مُبادَرة من السيِّد السيسي رئيس جمهوريّة مصر العربيّة بإنشاء قوة عسكريّة مُوحَّدة. نحن مع هذا، لكنَّ القوة العسكريّة المُوحَّدة يجب أن تستوفي مُستلزَمات نـُشُوئها في البداية، ويكون هناك تشاور ليس في رواق الدبلوماسيّة، بل في رواق العمل الأمنيِّ، والعسكريِّ: (وزراء الدفاع، والداخليّة، والقيادات العامّة للقوات المُسلـَّحة، والناس الميدانيِّين).
كيف نسيتم العراق الذي نيَّفَ عمر جيشه على المائة عام، اسألوا الجنرالات العراقيّة يُعطوكم تجربة، وهل نسيتم أنَّ سماواتكم في مصر، وفلسطين، وسورية، والأردن حلـَّق فيها النسور العراقيّون للدفاع عن فلسطين؟! ثم نأتي إلى هنا، ونسمع بأنـَّه تـُوجَد هكذا مُبادَرة. قالوا: نحن بالنيّة نعملها.
قرار الدُخُول إلى اليمن سبق القرار بتشكيل هذا، واشتبهوا عندما قالوا هذا، وذكّرناهم أنتم دخلتم اليمن، والقرار لم يصدر بعد.
كيف تتقدَّم هذه على هذه، وعلى الرغم من ذلك أكَّدنا احترامنا للدول في الأسرة العربيّة كافة، وأكَّدنا أنـَّنا لا ننفي أهمّيّة أن تكون قوّة عربيّة مُشترَكة، ولكن ليس بهذه الطريقة، ولا هذه العجالة، وذكَّرناهم بتجربة أوروبا، وما استطاعت أن تنتهي إلى الاتحاد الأوروبيّ لو لم تطِر بجناحين الجناح الأمنيّ وهو النيتو، والجناح الاقتصاديّ وهو السوق الأوروبيّة المُشترَكة، وكم تمنـَّيت، وقلتُ هناك: أتطلـَّع إلى أن نبدأ بالسوق العربيّة المُشترَكة؛ حتى تنتشر البضائع العربيّة، والمنتوج العربيّ، والثروة النفطيّة العربيّة في كلِّ الأسواق، وتعمّ كلَّ المناطق، وأنا مُتأكِّد أنه سوف لن يبقى عربيّ فقيراً إذا ما استـُثمِرت هذه الثروات.
إخواني.. تنوُّعكم أؤكـِّد عليه كثيراً في الدبلوماسيّة، وفيه رسالة إلى كلِّ العالم بأنـَّنا غير مُتضايقين، ونتشرَّف بكلِّ خلفيّة بشرط أن تكون الخلفيّة الوطنيّة العراقيّة هي اللافتة العريضة، والانتماء الوطنيّ العراقيّ مُتقدِّم.
ثالوث الوطنيّة: (الوطن، والمُواطِن، والوطنيّة) عقد في الدستور، وكلِّ شيء يترتـَّب عليه أثر مشروعيّ حتى لو لم يكن شرعيّاً.. أنت داخل في عقد بالدستور، وبالميثاق الذي أبرم فيما بيننا. في كلِّ شيء عقد. سواء أكنتَ عربيّاً، أو كرديّاً، أم تركمانيّاً سُنـّيّاً أم شيعيّاً، مُسلِماً أم غير مُسلِم هذا شأنك، ولا يتدخـَّل أحد فيه، بل أحترمك عليه، حتى وإن كنتُ أخالفك.
الشيء الذي لا نحترمه عندما نـُقدِّم الانتماء الحزبيَّ.. لا يُوجَد أحد منا غير مُنتمٍ أنا لا أتصوَّر إنساناً غير مُنتمٍ، ومَن يقول إنه مُستقِلّ فهذا هرطقة كلاميّة، هذا كولن ولسن يقول: اللامنتمي وبعد اللامنتمي. هذا مُجرَّد كلام.
كلُّ الناس مُنتمون: القوميّة انتماء، والجغرافية انتماء، واختصاصك انتماء. ليس لدينا مُشكِلة فيه. الذي أؤكـِّده وشكاوى كثيرة بأنَّ هناك حساسيّة؛ لأنـَّه يُوجَد تمييز في السفارات، حتى هنا في الخارجية هذا التمييز يُحاول أن يجعلنا نحن إذا ما وافقنا على تعيين أحد؛ إذن لهذه الخلفيّة، وإذا تأخَّرت مُعامَلة أحد لأنه فلان شيء. هذا فساد. والفساد يجب أن نحاربه جميعاً.
تعرفون جيِّداً أنَّ بعض مظاهر الفساد ذات طابع ماليّ، ويُوجَد أكثر من هذا، وكبرى دول العالم فيها فساد، ولكن يجب أن نُسجِّل فروقاً كبيرة ونحن نشرع في صناعة الدبلوماسيّة الجديدة، ونصنع فروقاً تـُقلـِّص حجم الفساد، ويتسع حجم التغيير والإصلاح.
هذا المُؤتمَر فرصة فأدلوا بأصواتكم، وتحدَّثوا، وانقلوا تجاربكم وخبراتكم إلى إخوانكم هنا، وبكلِّ تواضُع خذوا من إخوانكم هنا. لا ينبغي أن يُفضَّ المُؤتمَر بمجموعة كلمات، وتصافح، ودعوات.. هذا ليس عيباً لكنَّ الشيء المُهـِمَّ قبل أن يفضَّ المُؤتمَر، هو: بماذا جئتم إلى المُؤتمَر، وبماذا ستخرجون من المُؤتمَر؟
الوقت ضيِّق، والمَهمّات كثيرة، وعليكم أن لا يلتفت أحد يميناً ويساراً، أنتم مَن تصنعون الدبلوماسيّة كلٌّ من موقعه فليس الوزير، أو رئيس الوزراء يدَّعي بنفسه أنه أكثر وطنيّة منكم جميعاً. كلكم تتحمَّلون هذه المسؤوليّة؛ لذا -إخواني- لا تبخلوا على إخوانكم بالمُلاحَظات، واطرحوها بتواضُع، وخذوا -أيضاً- منهم بثقة؛ حتى عندما تعودون إلى مقارِّ عملكم في هذه العواصم تكونون قد استكملتم الدورة الحقيقيّة. هذه أعتبرها دورة رائعة للتعرُّف إلى كلِّ نتاجاتكم.
مرّة أخرى أشكر لكم هذا الحُضُور، وأتمنـَّى مزيداً من العطاء، والإثراء، وأشكر إخواني السادة الذين شرَّفونا في الحُضُور السيِّد رئيس الجمهوريّة، والسيِّد رئيس الوزراء، والسيِّد رئيس مجلس النـُوّاب، والسيِّد رئيس مجلس القضاء، وأخي العزيز هوشيار زيباري، وكلـُّكم من دون استثناء، وأعتذر كثيراً للتأخير الذي حصل، ولم يكن سهلاً عليَّ أن تتأخـَّر افتتاحيّة الجلسة ساعة كاملة، ولكن يكفينا أنـَّها كانت في عمل ميدانيٍّ ساخن، وشَّحه الأخ أبو يُسر (الدكتور حيدر العبادي) بإكليل، وتوَّجه بالخبر السارّ، وإن شاء الله إلى المزيد من الإنجازات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التعليقات (0)