تمهيد:
نسعى من خلال هذه المحاولة إلى تقديم قراءة
في كتاب الاستاذ" سعيد بنكراد"-الصورة الاشهارية- ، آليات الاقناع
والدلالة، والذي جاء في ستة فصول، في الفصل الاول تناول استراتيجيات التواصل / التلغراف و الاركسترا، وتناول في الفصل الثاني محددات
الاشهار، بينما خصص الفصل الثالث لبناء الوصلة الاشهارية / الايديولوجيات
الاشهارية، أما الفصل الرابع فخصصه للخبر و التواصل و التواصل الفعال / إستراتيجية
البيع، و الفصل الخامس عالج فيه مكونات الوصلة من اللفظ إلى الاقاع التشكيلي،
بينما الفصل السادس و الاخير تناول الإقناع الاشهاري / إستراتيجية القرصنة.
إن مضمون هذا الكتاب يندرج في إطار
منهجية تحليل الخطاب ،و بالتحديد الخطاب الاشهاري، فالوصلة الاشهارية ليست عرضا
محايدا لمنتج خال من الدلالات إنها نص ، و كباقي النصوص لا يمكن ان يستقيم وجودها
إلا من خلال العزل و الاقتطاع القصدي، عزل وضعيات بعينها من أجل التعبير عن معنى بعينه،
سبيلها في ذلك الكلمات و الاشكال و الالوان و ما بقي من حالات و إقناع كسيح، يضلل
أكثر مما ينير الطريق، على اعتبار أن الخطاب الاشهاري حالة من حالات "التواصل
الفعال" فهو منتج الواقعة و طرفها الاسمى، لذلك يقول ما يشاء وفق ما يتوهم
الناس من انهم في حاجة اليه[1].
من هنا كان حرص الاستاذ بنكراد ان يقدم
للقارئ الناطق بالعربية نظرة وافية عن آليات صناعة الاشهار، عن أنواعه و خطاطاته
وتقنياته و استعمالاته للموروث و المعطى الموضوعي و الاساطير، مستحضرا مفاهيم لها
ارتباط بالخطاب الاشهاري مثل مفهوم التواصل والاقناع...الخ، فالتواصل باشكاله و
أدواته هو البوابة لفهم تقنيات الإشهار، و
من هذه الزاوية يعد هذا الكتاب مقدمة لفهم آليات اشتغال الخطاب الاشهاري ومدخلا
لمقاومته.
تحليل المؤشرات:
1 -
بداية حاول الباحث في هذا العمل البحث عن دلالة "التواصل"، و
تحديد إطاره المعرفي و الدلالي من زوايا متعددة، لذلك فقد اعتبره الباحث
"جزئية حياتية تتخل كل مناطق الوجود الإنساني"[2]،
فالتواصل حاجة إنسانية أولية وليس مضافا عرضيا يمكن الاستغناء عنه، إنه ليس
اختيارا بل اكراه اجتماعي يتعلم الفرد من خلاله كيف يتأقلم مع قوانين المجتمع و
مقتضياته.
وعلى هذا الاساس فإن دراسة التواصل يجب
أن ينظر إليها من زوايا متعددة، سواء من حيث تصنيف الظواهر
التواصلية، أو تحديد أشكال تجلياتها أو من حيث الاحالة على التصورات النظرية التي
حاولت ، من منطلقات ابستمولوجيا مختلفة، تحديد حجم التواصل و عمقه و مناطقه
ووظائفه في النفس و الاجتماع، فبما أن التواصل هو أولا و أخيرا أساس التوازن
النفسي و أساس الاندماج الاجتماعي للفرد، و الأساس الذي تقوم عليه طرق الانتماء
إلى ثقافة ما، فإننا لا يمكن أن نفعل أي شيء لا يتضمن جزئية تواصلية، فغياب
التواصل يفترض انعدام السلوك الانساني، وهو أمر لا يمكن إقراره وليس هناك من يعترف
به[3].
في ثنايا الفصل، حاول الكاتب أن يبين
لقرائه أشكال و أدوات التواصل، فالتواصل قد يكون معطى بديهيا مرتبطا
بما يضمن الوجود الانساني ذاته، وهي حالة التبادل الاجتماعي النفعي الضروري
الذي لا يمكن أن تقوم للحياة قائمة بدونه، و قد يكون مصطنعا يتخذ شكل إلزام قسري
تفرضه الوسائط الحديثة التي تنطلق من مسبقات ايديولوجية و فكرية وعقدية من أجل توجيه السلوك و التحكم
في رد الافعال من خلال خلق حالات التنميط
السلوكي المستجيب لحاجات بعينها.
وكما ميز الباحث بين أشكال التواصل
كذلك ميز بين أدواته ، فهو في المقام الأول توا صل لفظي، يتخذ اللسان اداة مثلى
لصياغة الارساليات و نقل الانفعالات و قد يكون ايمائيا، يستند إلى أعضاء الجسد، كما انه قد يكون اجتماعيا تتحول
داخله الطقوس و العادات و ردود الفعل الجماعية و الفردية إلى حالات تواصلية تكشف
عن العمق الثقافي للجماعة، كما انه قد يكون منبثقا من الوجه المادي للحياة
كالعمران و تنظيم الفضاءات وطرق التعاطي مع الدورة الزمنية و انماط توزيعها، بل
هناك من تحدث عن حالات تواصل مفترضة قائمة بين الطبيعة والانسان[4]،
مثلا: الفلاح الذي يؤول الهالة المحيطة بالقمر كعلامة على مطر سيهطل قريبا.
إن التواصل باعتباره علما يبحث في
اشكال العلاقات التي تربطها الكائنات البشرية فيما بينها لم يظهر الا في فترة متأخرة، و بالضبط في الثلاثينيات من القرن
الماضي، وفي هذا السياق ميز الباحث بين نموذجين من خطاطات التواصل:
النموذج الاول سمي بالنموذج
التيليغرافي، ظهر هذا الاتجاه بدءا في المجال العسكري، حيث أخذ البحث طابعه
التقني، كان الهدف هو تحديد السبل العلمية
الدقيقة التي يستطيع من خلالها مدفع أرضي مضاد للطائرات أن يصيب هدفا متحركا بسرعة
فائقة، و في سياقه التقني هذا ، تبلور مفهوما جديدا سيتجاوز الحقل الذي ظهر فيه
ليصبح فاعلا في الميادين الاجتماعية ذاتها، ويتعلق الامر
بمفهوم الاسترجاع FEEDBACK، وهو يعني كل
نتيجة تؤثر بشكل استرجاعي في سببها، وكل
شيء يجب ان ينظر اليه باعتبار بعده الدائري لا الخطي[5].
ونتيجة التطورات اللاحقة التي عرفها
البحث في مجال نظريات التواصل اقتضت التخلص من اكراهات النموذج التليغرافي،
وتخليصه من طابعه الآلي لكي ينفتح التواصل على كل مناحي الحياة الانسانية بما فيها
تلك التي لا تشكل ظاهريا ثيمة تواصلية كبرى كالأبعاد الزمنية و المكانية.
والحاصل سيكون هو التخلي كلية عن
التعريف القديم للتواصل باعتباره رابطا لفظيا و قصديا بين شخصين، ليصبح "سيرورة اجتماعية، تتضمن عددا هائلا
من أشكال السلوك الانساني... باعتبار أن الفعل التواصلي هو فعل كلي"[6]،
إن مفهوم التواصل الاجتماعي هذا يتخذ شكل أركسترا كل عازف داخلها له آلة خاصة به،
مع فارق واحد لا وجود لقائد الجوق.
إن النموذجين معا حاضران في التواصل
الاشهاري يقول الكاتب، فما يتلقاه الفرد ليس خبرا يصف حالة، كما يشير الى ذلك
النموذج التلغرافي، بل يتوصل بصيغ حياتية معلبة في إرساليات تستثير الاستيهامات من
خلال الوعد بإشباع حاجات قد لا يدرك سرها بشكل واع[7].
2 -
بعد هذا التحديد انتقل الكاتب باحثا في محددات الاشهار، فالاشهار حسب الباحث هو وسيلة ضرورية من وسائل البيع، إنه
أداة التوسط المثلى بين عارض لبضاعة وبين زبون محتمل مضطر إلى استعمال هذه
البضاعة في تدبير شأنه اليومي، أو هو
تواصل مؤدى عنه، يعتمد خطاطة تواصلية وحيدة الاتجاه تتحقق من خلال وسائط وأسناد متنوعة و ذلك من اجل الترويج لمنتج او
ماركة أو شركة او قضية او مرشح يمكن التعرف عليه من خلال الارسالية[8].
وبعد هذه التحديد انتقل الباحث منقبا
عن المفهوم في سياقه التاريخي، مؤكدا ان الاشهار عكس ما توحي به واجهاته وتقنياته
الحديثة، ليس وليد الحضارة المعاصرة، فقد كان هناك في تاريخ التبادل التجاري ما
يثبت أن الانسان في رحلته الطويلة بحثا عن وسائل العيش و تحسينها لم يعدم وسيلة من
أجل الدعوة إلى شيء يريد بيعه او شراءه، أو استبداله بشيء آخر، وهو ما يعني ان
الاشهار قديم قدم الكتابة ذاتها[9]،
لكن بآلياته و أساليبه في الاقناع و البرمجة و التكييف و استثارة الانفعالات لم
يظهر إلا في القرون الثلاثة الاخيرة، و بالتحديد في القرن 19 عندما انجزت النهضة
الاوروبية الحديثة آخر حلقاتها المتمثلة في الثورة الصناعية.
إن الاشهار يروم أن يكون جذابا و
معزيا، إنه يمزج داخل الوصلات بين العاطفي و العقلي، انه يستدرج المستهلك الى
عوالم الاستهام، فالغاية من الوصلة الاشهارية هي الاستفراد بالمستهلك و توجيه
رغباته و تحديد حاجاته و تنويعها و استبدالها باخرى ضمن دورة استهلاكية لا يمكن ان
تتوقف عند حد بعينه، فمع الوفرة و التنوع اشتدت المنافسة و تكاثرت الأسناد و
اختلفت موادها، فكان ان حوصر المستهلك من كل الاتجاهات، لقد اصبح اميرا في عالم
لا يعترف بالامراء، لقد وجد الفرد نفسه
داخل مجتمع الاستهلاك وسط شبكة من الحاجات بلا حول ولا قوة، ولم يعد بمقدوره أن
يحتفظ بفكرة واحدة لمدة طويلة، فهو معرض لقنبلة لا تتوقف من الارساليات التي تمنعه
في غالب الاحيان من بلورة تصور منسجم يمكن ان نقول عنه انه التعبير الأمين عن
رغباته الحقيقية[10].
إن النص الاشهاري نص عرضي ولا يعيش في
الوجدان الا على شكل مثير سريع الزوال، انه يلبي حاجة و يختفي ليحل محله نص آخر
يلبي الحاجة نفسها أو غيرها وفق شروط جديدة، وفي هذا الاطار أشار الباحث إلى
نوعين من الخطاب الاشهاري، ما يطلقون عليه
"الإشهار الخشن"أو الإشهار التقريري ،و هناك أيضا "الإشهار
الإيحائي".
هذا، و أبرز الباحث الفرق بين كل من
الخطاب الدعائي و الخطاب الاشهاري، فهذا الاخير هو دوما في خدمة مؤسسات تعلن عن
نفسها من خلال ماركة، هي صوتها و صورتها و مسؤوليتها في السوق، في حين يرتبط
الاسلوب الدعائي بمشروع أوسع مشروع ديني أو ايديولوجي معمم أو قابل للتعميم، الاول
صناعة تقوم به وكالات مقابل مبلغ مالي، أما الثاني فمرتبط بمؤسسة تهدف إلى غايات
أخرى[11].
تلكم هي بعض الفواصل المميزة بين
شعارات عرضية زائلة لارتباطها بحاجات نفعية قد تزول بزوال اشباعها أو الوهم بذلك
وبين شعارات سياسية قد تظل خالدة لارتباطها بذاكرة شعب أو أمة.
لن نخوض في كل التفاصيل الواردة في هذا
الفصل ومع ذلك فقد حاولنا قدر الامكان استجماعها في هذه الخلاصة، الا انه ما يجب التنبيه عليه هو ان الوصلة
الاشهارية جوهرها أبعد من مجرد الدعوة إلى شراء منتج، إن المنتج مستودع للقيم، إن
الامر يتعلق في جل الوصلات الاشهارية بالتوجه إلى ما يشكل "لا
عقلانية-"الإنسان وأكثر مناطقه استعصاء على الضبط و التحديد.
3 -
انتقل بنا الباحث من المحددات إلى الأيديولوجيات الاشهارية، فالوصلة الاشهارية تبنى بناء محكما، وهي ليست
بريئة ، فالغاية من صناعة الإشهار كما يقول الباحث، ليست بيعا فحسب ، بل هي الكشف
عن الصورة التي تملكها المؤسسة الاجتماعية عن أفرادها ، ما يتعلق بذهنياتهم
وحساسيتهم تجاه الخبر، فالتساؤل عن الماهية الحقيقية للاشهار هو في واقع الامر
تساؤل عن الماهية الوجودية للانسان ذاته[12]،
وفي ثنايا الفصل يطرح الباحث هذا التساؤل هل يتعلق الامر بالتوجه إلى العقل الواعي
بأفعاله، أم إلى الصور الدفينة التي يتصرف وفقها المستهلك بشكل لا واع؟
يقول الكاتب هناك مبدأ ثابت يميز
الاشهار و يمنحه هويته، فلا وجود لوصلة إشهارية تتوجه بشكل مباشر إلى المستهلك و
تعرض المنتج مفصولا عن الوضعيات الانسائية ، كل شيء يتم داخل الفرجة الحياتية ووفق
اكراهاتها الأخلاقية و السياسية و الايديولوجية، فهناك استراتيجيات ثلاث للوصول
الى المستهلك:
أولا: استراتيجية تستنجد بعقل المستهلك و
ذكائه فتقدم له وصلات من طبيعة إخبارية.
ثانيا: استراتيجية من طبيعة آلية تهدف إلى
استنفار المتخيل الاستهلاكي من خلال أساليب الشعر والتكرار.
ثالثا: استراتيجية من طبيعة إيحائية ترى ان
السبيل إلى وجدان المستهلك هو لا وعيه، فاللاوعي هو خزان الصور النمطية التي تدفع
إلى الاستهلاك في غياب شبه كلي للرقابة العقلية.
ويمكن القول إجمالا ، بأن هناك نوعين
من الإشهار: إشهار مباشر (الإشهار الجمالي) وهو إشهار لا يكترث لحقائق المنتج و لا
لخصائصه و لا لوظائفه، فالغاية من الوصلة هي بلورة طريقة ذكية في التحدث إلى
المستهلك، وما عدا ذلك لا قيمة له، فالرابط بين المستهلك و المنتج ليس بالضرورة من
طبيعة واقعية، وهناك إشهار مباشر (الإشهار
المرجعي ) وهو إشهار يبني كل سيروراته التواصلية على المنتج و على محيطه المباشر
فالوصلة مرتبطة في المقام الاول بسلعة، وهذه السلعة لها خصائص تميزها، وتقوم
بوظائف محددة، وهي بذلك تتميز عن غيرها في القيام بهذه الوظيفة أو تلك[13].
وفي الأخير يكننا القول ،ان الباحث في
هذا الفصل ، يقدم لنا الصورة الحقيقية على بناء الوصلة الإشهارية، فالإختلاف بين النوعين حسبه، ليس أمرا يعود إلى
مزاج المستشهر و ميولاته الفردية بل هو وليد تصورات مختلفة للإنسان و الوجود
والأسياء، ما يشبه الاستقطاب الايديولوجي الذي يميز بين الافراد في طريقة اشباع
الحاجات، بل هو مرتبط بالحالة الحضارية التي استقر عليها شعب ما، ان الامر يتعلق
بايديولوجيات حقيقية تفصل بين التصورات المختلفة للعالم، و موقع الانسان داخله،
فما وراء العلامات التي توهم بالبداهة التجارية هناك نقاش حقيقي و تصورات مختلفة
للحياة، و قد تكون هذه التصورات متناقضة أحيانا
فيما بينها في تقديرها للقيمة المضافة التي يأتي بها الابداع، إنها
ايديولوجيات اشهارية[14].
4 -
لقد تمت الإشارة في الفصول السابقة الذكر على خاصية اساسية في النص
الاشهاري فهو تجاري في المقام الاول، ولا غاية له سوى حث الجماعات و الافراد على
الشراء و خلق نمط حياتي قائم أساسا على
الاستهلاك باعتباره سبيلا فرديا وجماعيا نحو "سعادة" تخترق اليومي بأبعاده النفعية ، ولهذا السبب فإن الارسالية
لا تحيل في العملية الاشهارية على فعل تواصلي كما يمكن ان يتحقق بين طرفين
يتبادلان التأثير ، فالتواصل في حالة الاشهار أحادي الاتجاه، وسر نجاح أي وصلة
إشهارية هو الإقناع ،أي إقناع المستهلك بضرورة الشراء، فالوصلة التي تتغنى ب"الحياة الجميلة" أو السعادة
الأسرية" أو "الشباب الدائم"، دون أن تقود إلى شراء المنتج المسؤول
عن السعادة و الشباب لا يمكن ان تصنف ضمن الغايات الاشهارية[15].
من خلال عملية الإقناع يتم استدعاء
المستهلك لاقتناء البضاعة إلا أن هذه الدعوة تختفي وراء غايات أخرى غير الغايات
التجارية، فالجوع مثلا "قد يشبع بالعدس كما قد يشبع بالبسطيلة و شتان بين
الوجبتين"[16] ،
لكن الوصلة الاشهارية لا تقدم للمستهلك ما يعرفه بشكل مسبق بل تضع أمامه ما يعتقد
انه يجهله عن نفسه و عن محيطه، مثلا وصلة
ما نطلق عليها ( S ) لا تستعمل لأنها تشبع بل لأنها صحية.
هذا المستهلك للمنتج، اما عن المستشهر
فإن عمله ليس اعتباطا بل يقوم على دراسات نفسية و اجتماعية بالغة الدقة، فعمله
يقوم على تصنيف المستهلكين من حيث الميول النفسية و الاجتماعية، ومن حيث الوضع
الاجتماعي ومن حيث السن والجنس و الانتماء
الطبقي و الثقافي، بل و اللغوي أيضا ( صياغة الوصلات الاشهارية في المغرب يكون
باللغة الفرنسية اذا كان موجها إلى شريحة تعلن عن انتمائها إلى الحداثة و لو
شكليا، و هي عادة الطبقات العليا و بعض شرائح الطبقات المتوسطة، وقد يختار عامية
بالغة البساطة عندما يتوجه إلى البسطاء و فقراء الأحياء (الشعبية) وتلك حقيقة
مركزية في الميدان الاشهري فلا وجود لإرسالية تتوجه إلى كل المستهلكين ، فكل
إرسالية تنتقي جمهورها ، وتبعا لذلك ، تنتقي "أدوات إقناعها، فهناك وصلات
خاصة بالشيوخ و أخرى خاصة بالشباب و أخرى
بالعمال و رابعة بأصحاب الصناعات، وهناك مناسبات الزواج والحج، والسفر، و الذهاب
إلى المدرسة، والعمال المهاجرون و علاقتهم بأسرهم في المغرب[17]
( اتصالات المغرب نموذجا )
ومن أجل التسلل إلى وجدان المستهلك يتم
اعتماد تقنيات تواصلية متنوعة من طرف المستشهرين، وتستمد هذه الخطاطات اسسها
الفلسفسة من علوم شتى كما سبقت الاشارة إلى ذلك[18].
5 -
لقد سبقت الإشارة في الفصول السابقة إلى الكشف عن بعض الآليات التي تعتمدها
الوصلة الإشهارية، في عملية الاقناع، و في هذا الفصل سيقوم الباحث بالكشف عن
مكونات الوصلة الاشهارية، أي الكشف عن الادوات التي بها تكتمل الوصلة، و المقصود
بها مجمل اللغات التي تستعنلها الوصلة من أجل صياغة مضامينها،وهي النسق اللفظي و
النسق الأيقوني و النسق التشكيلي، ولقد تمت الإشارة سابقا إلى ان المنتج لا قيمة
له إلا من خلال ما يقوله عنه الخطاب الذي يقوم بتمثيله، فنجاح الوصلة أو فشلها لا
علاقة لهما بطبيعته ولا بوظيفته، بل مصدرهما الآليات التلفظية المعتمدة في تحويل
المنتج إلى وعاء للقيم الانسانية، وهو ما يمنحه حياة أخرى غير ما يقوله جوهره
المادي أو استعمالاته المختلفة، فاختيار اللون أو الشكل أو الخطوط أو الوضعيات لا
يختلف في شيء عن الاختيار الذي يفرضه النسق اللفظي، فالإشهار يبحث في الكلمات عن
جرسها و سهولتها في النطق و التداول، فهو لا يتوفر إلا على ثوان معدودات يحرص على
عدم تبذيرها في كلمات لا تستسيغها الآذان، فكما ينتقي من الالوان أقربها إلى النفس
و أكثرها قدرة على التسلل إلى عين المشاهد و إثارة انتباهه، ومن الأشكال أكثرها
تعبيرا عن الحالات الانفعالية التي يعرض لها، فإنه يميز أيضا بين " الألفاظ
المشبعة" من قبل الأسماء والأفعال والصفات، وهي ألفاظ حاملة لمضامين قابلة
للاستعمال في معزل عن الروابط وبين الالفاظ الفارغة، التي عادة ما يتجنبها مصمموا الوصلة الاشهارية،
لانها تعوق التذكر و تستدعي مجهودا اضافيا لتداولها و يتعلق الامر بكل أدوات الربط
التي تقوم عليها الجملة في الاستعمال العادي[19]
.
إذن هذا مجمل ما قام عليه الفصل الخامس، فالوصلة تفرض وجودها
باكتمال مكوناتها، فاللون كمكون أساسي في بناء الوصلة يمتلك طاقة تعبيرية هائلة،
وبالتالي استثمارها في سيرورة التواصل الانساني أمر بالغ الاهمية كما أن
اللون "يعد أداة لإثارة الانتباه و استمالة النفوس والإيحاء بعوالم قد لا
تستطيع الكلمات الكشف عنها أبدا، وهكذا فإن اختيار اللون عند المشتشهر مسألة حاسمة بل إن جزءا كبيرا من نجاح الوصلة
أو فشلها مربط باختيار اللون المناسب للمضمون الذي تصوغه الوصلة على شكل جزئية
حياتية بادية من خلال ألوان، فبدونها لن يكون للوضعية معنى [20]،
وما يصدق على اللون ينسحب على الشكل فإن "التقابل بين القيم اللونية وبين ما
يناسبها من الأشكال هو المدخل الرئيس نحو منح المنتج المعروض أكبر قدر ممكن من
الأهمية" [21]،
فالشكل يعد المدخل الأساس لإدراك المحيط المباشر ، وهو الأساس الذي يقوم عليه استحضار
التجارب السابقة ، "فالعالم يحضر في الذهن عبر الحواس، من خلال سلسلة من
الأشكال ، وخارج هذه الأشكال لا يمكن قول أي شيء عن العالم، .... وأشكال الكون
محددة من خلال معايير بعينها ( الحجم، و
الموقع، و الوجهة )، وهذه المعايير ذاتها ليست
كذلك إلا من خلال سلسلة القيم المرتبطة بها[22].
وبكلمة يمكن القول ، إن نجاح الوصلة أو
فشلها راجع في ابعد حدوده إلى التناسب بين اللون والشكل، ومن ثم يمكن التأكيد على
أن كل منتج يستدعي الألوان والأشكال المناسبة له ( ميديتيل – اتصالات المغرب ..
الخ ) .
6 -
وختاما يمكننا القول ، إن الأستاذ بنكراد ، رام في هذا العمل تقديم صورة
حقيقية عن الصورة الإشهارية ، إذ أكد في الفصل الأخير من هذا الكتاب ،بأن الإشهار
يتميز بخاصية أساسية "كونه يجمع ضمن بنية واحدة بين ثلاثة أنشطة إنسانية
متباينة من حيث التكوين والجوهر ، ومن حيث الغايات والاشتغال يتعلق الأمر بالتعبير
والخبر والإقناع ، وهي أنشطة أساسية في كل واقعة إبلاغية كيفما كان نوعها ومهما
اختلفت سياقاتها إلى الحد الذي يجعل التواصل إقناعا وتعبيرا وخبرا في الوقت
ذاته"[23]،
ومن ثم فإن عملية إقناع المستهلك يتم فيها استخدام جميع الوسائط للوصول إلى وجدان
المخاطب ، فالصحة والراحة والسعادة ، وجميع التعابير اللغوية التي من شأنها إقناع
المستهلك.
واستنادا الى كل الملاحظات السابقة
،فإن القوى الإقناعية في الإشهار تكمن في خلق حالة تطابق بين عوالم المنتج وبين
رغبات المتلقي الواعية واللاوعية ، فرغبة المتلقي في الشراء وليد الإلتباس ،فهو
يكمن في التراكيب بين بعد تجاري وآخر رمزي ، وما ينتج عنه من تبديل لروابط فعلية
مع الواقع ، بروابط من طبيعة رمزية .
فلا حدود إذن في الإشهار بين الإغراء والبرهنة
والحجاج والتضليل والتعبير والخبر ، إن هذه الأدوات صالحة جميعها من أجل الوصول
إلى الغاية النهائية،وهي البيع ، ومن هذه الزاوية يعد الإشهار أكبر قرصنة عرفها
تاريخ التواصل البشري
الكاتب : سعيد السلماني
[1] -
سعيد بنكراد، الصورة الاشهارية، المركز الثقافي العربي المغربي ط 1، 2007،ص 9.
[2] -ن.م.
ص 12.
[3] -ن.م.ص.17-18.
[4] -ن.م.
ص. 19-20.
[5] -ن.م.
ص 21.
[6] -
ن.م.ص-31.
[7] -ص.م.ص:43.
[8] -ن.م.ص:45.
[9] -ن.م.ص:46.
[10] -ن.م.ص:51.
[11] -ن.م.ص:
56.
[12] -
ن.م.ص: 73-74.
[13] -ن.م.ص:82-83.
[14] -ن.م.ص:
83-84.
[15] -ن.م.ص:
107-108.
[16] -ن.م.ص:
109.
[17] -ن.م.ص:
121-122.
[18] -حتى
تكون استراتيجية البيع فعالة فإن المؤسسات الاشهارية تحوي خبراء متخصصين في
التنظير و التصميم الاشهاري و الباحث أشار الى مجموعة من الخطاطات المعتمدة من أجل
تسويق المنتج، و اختصارا يرجع اليها في الكتاب على امتداد الفصل الرابع.
[19] -ن.م.ص:
146- 147.
[20] -ن.م.ص:
156.
[21] -ن.م.ص:
170.
[22] -
ن.م.ص: 172.
[23] ـ ن ، م ، ص ، 187.
[24] ن ، م ، ص ، 214 .
التعليقات (0)