ا- تقديم..
حظيت الامة العربية بمكانة خاصة متميزة بين الامم فكان منها الانبياء والرسل، وحملت الرسالات الانسانية الى البشرية كلها، واخرها رسالة الاسلام. وشاءت حكمة الله ان يجعل في الوطن العربي كل الثروات والخيرات التي تجلب الخير والسعادة للناس القاطنين فيه من العرب ومن القوميات الاخرى.
وبفعل تلك السمات والمميزات-الانف ذكرها-نهض العرب منذ القديم وشيدوا الحضارات الخالدة، وامدوا البشرية على مر العصور، بعطاءات الخير والمحبة والعلم والانسانية. وفي الوقت نفسه شكلت تلك السمات والمميزات عنوانا لعداء شديد ومستمر من قبل بعض الامم والدول الطامعة في خيرات العرب. وبدلا من ان تتفاعل الامم الاخرى مع الامة العربية وتتعاون معها لخدمة البشرية والإنسانية ، فقد وقفت ضدها وتآمرت عليها منذ القديم، بالسلاح تارة أو بالدس والاختراق والتسلل تارة اخرى.
لقد شكلت التحديات الخارجية عامل اعاقة لنهضة الامة ومصدر قلق على حاضرها ومستقبلها في شتى المجالات. وما زال التحدي الامبريالي اكبر تحدي للامة العربية ولشعوب العالم الثالث، وازداد تاثيره بعد زوال الاتحاد السوفيتي وتفكك المنظومة الشيوعية السابقة. ولم تعد الولايات المتحدة التي تفردت بالقطبية الدولية الاحادية ، تكتفي بالاساليب القديمة في تحقيق مصالحها ، واقصد بذلك ، الاعتماد على الحلفاء والعملاء ، ولم تعد تعتمد على الكيان الصهيوني في المنطقة العربية ، بل اعتمدت اسلوب الهجوم وحرب الابادة والتفتيت، وهو ما فعلته في العدوان على العراق 1991.ومن ثم احتلاله عام2003
التقت الامبريالية مع الصهيونية في عدائهما للامة العربية والتآمر عليها منذ اوائل القرن العشرين، ومع ذلك فالكيان الصهيوني الذي يعد صنيعة الدول الامبريالية، حاول ان يتميز بالموقف والرأي في كثير من مقومات وجوده. وقد وقفت الدراسة على عوامل القوة وعوامل الضعف في الحركة الصهيونية وكيانها الاستيطاني، ومن ثم استشراف ملامح مرتكزات المجابهة معهما.
وفي اطار التحديات الداخلية توقفت الدراسة عند تحدي التجزئة القطرية التي جاءت ثمرة اتفاقية سايكس -بيكو وتطورها من حالة جغرافية ، الى حالة سياسية قانونية، اذ اصبح لكل قطر دولة وعلم ودستور واعتراف دولي بها مهما كان حجمها وثقلها الاقتصادي او السكاني. كما عالجت الدراسة تحدي الاقليات القومية التي وصلت مطالبها في بعض الاحيان حد الانفصال عن الدولة وكذلك المجموعات الدينية والطائفية، واستغلال الامبريالية الصهيونية هذه الاطارات السياسية والايديولوجية المغطاة بغطاء الدين لتفكيك المجتمع العربي وهز الشخصية العربية والنيل من مقوماتها القومية ومن ثقافتها ومن تراثها الحضاري العريق. وكانت النقطة المركزية التي اثارتها الامبريالية في هذا الاطار هي الديمقراطية
وحقوق الانسان.
لقد وقفت الدراسة على مدركات التحديات الخارجية والداخلية، لان معرفة الاعداء جزء من مستلزمات المعالجة، أي معرفة نقاط قوته ونقاط ضعفه، وكذلك معرفة نقاط القوة والضعف لدى الامة العربية.
وفي نهاية الدراسة ضمت بعض الاراء والمقترحات التي تشكل مرتكزات مهمة في مجابهة التحديات التي تواجه العرب.
2-الاستعمار والامبريالية
واجهت الامة العربية تحديات خارجية متعددة، جاءت من الشرق ممثلة في الغزو والاحتلال من قبل السلاجقة والبويهين والمغول والفرس والاتراك. ومن الغرب ممثلة في الغزوات والحروب الصليبية التي دامت حوالي 170 عاما، وفي الاحتلالات المباشرة من قبل بريطانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا في القرنين التاسع عشر والعشرين، وجاء زرع الكيان الصهيوني في فلسطين ليمثل ابشع انواع الاستعمار واخطرها على وجود الامة
وعلى مستقبلها.
وتطورت شراسة الغرب واطماعهم في الوطن العربي عقب الثورة الصناعية في اوربا، وتطور الرأسمالية من رحم النظام الاقطاعي. ففي الثورة الصناعية تطورت العلوم والتكنولوجية واتسعت رقعة القطاع الصناعي، وقاد هذا كله الى التفكير في ايجاد اسواق عالمية لتصريف منتجاتهم وجلب المواد الاولية لصناعاتهم. ولتحقيق تلك الغاية تم التركيز على صناعة السفن وتشكيل اساطيل تجوب البحار والمحيطات، ومن ثم القيام بغزوات ضد الدول ومنها الوطن العربي. بهدف السيطرة على المواقع الاستراتيجية ممثلة في الموانئ والممرات المائية التي تضمن سلامة المواصلات وسلامة تجارتهم مع الشرق.
واضافة إلى الاهداف الانف ذكرها فان القوى المعادية التي وقفت ضد الامة العربية استهدفت تفتيتها دينياً وطائفياً ومذهبياً وتجزئة الوطن العربي إلى دويلات قطرية، واقتطاع اجزاء من ارض الوطن والحاقها بالدول المجاورة، مثل إلحاق لواء الاسكندرون بتركيا والاحواز بايران، او اقتطاع ارض عربية مثل فلسطين لتوطين اليهود الصهاينة واقامة كيان استيطاني عنصري في قلب الوطن العربي، ليظل بمثابة خنجر مغروس في القلب، يمنع وحدته ويحول دون أن تصل الأمة إلى حالات النهوض والابداع والتقدم.
عملت القوى الغربية الاستعمارية المعادية على التسلل في المجتمعات العربية واختراقها من خلال التسهيلات التي منحتها اياها الدولة العثمانية فاوجدت اقليات اجنبية وقوميات متعددة وطوائف متنوعة في المجتمع العربي تستخدمها في اية فترة كقنابل موقوتة تنفجر في اللحظة المناسبة( ) . واضافة الى ذلك فقد عمدت القوى المعادية الى بث ثقافتها من خلال المدارس الاجنبية التبشيرية ومن خلال طالبي الدراسة في الكليات والجامعات الاوربية، ومن خلال المراكز الثقافية والجامعات التي تقوم بدور تجسسي وتخريبي في ان واحد. وتطور الغزو الفكري من حيث المضمون والاساليب، ووصل الى مرحلة خطيرة في عصر العولمة وثورة الاتصالات والمعلومات. وصار الغزو الجديد يهدد الامم والشعوب في هوياتها القومية والثقافية.
ان الهدف الذي تنشده القوى المعادية هو الهيمنة والسيطرة المباشرة على العباد وثرواتهم، وسلب سيادة الدول وتعطيل دور الامم الحضاري الانساني، وصولا الى الغاء هويتها القومية التحررية التقدمية. والتحدي الغربي عموما يؤشر بالاضافة الى الاطماع المادية وحب السيطرة، مقدار حقد الغرب( ) على الامم التي شيدت حضارات عريقة في بلاد الشرق ومنه الامة العربية. فقد جاءوا الى الديار العربية وهم يتنكرون لكل ما قدمه العرب من علوم وفنون واداب، متعالين عليهم ناكرين فضلهم. ويدّعون ان حضارات الامم الاخرى قد انتهت، وعدَوا العرب جنسا منحطا وكمية مهملة..كما عبر (جوليان) في كتابة افريقيا الشمالية تسير. وفسر (روحية غارودي) في كتابة حوار الحضارات هذا التعالي باعتقادات مزيفة مضادة بان حضارات الامم قد انتهت وان علمها بلى ومات ولا رجعة لها( ) .
ولم يقتصر عداء الغرب للعرب وحضارتهم وتراثهم فحسب، بل امتد الى معاداة الاسلام والادعاء بانه دين متخلف لا ينسجم مع المدنية والعلم والتكنولوجيا. واخيرا اتهام الاسلام والمسلمين بالارهاب. في اطار حملة مدروسة تقف ورائها الحركة الصهيونية، بهدف اذكاء نار الصراع بين الغرب المسيحي وبين الاسلام والعرب بخاصة.
ومرد هذا الخوف هو ادراك رواد الفكر الغربي خطر الاسلام على مذاهبهم المادية التي تنكرت لاهمية الروح ، فبات هؤلاء يشعرون بالتناقض مع الاسلام وما يمكن ان يحدثه من تفجر روحي في حياة الامم والشعوب التي جفت وخبت الروح والحياة فيها. ولا يخفي مفكر مثل (لورانس بروان) تلك المخاوف فيقول "ان الخطر الحقيقي كامن في نظام الاسلام وفي قدرته على التوسع والاخضاع وفي حيويته.. انه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الاوربي"( ).
لقد تنبه العرب من مخاطر صيغ التسلل التي تتبعها الامبريالية والصهيونية في اختراق المجتمعات لكي تتعامل معها باتجاه مضاد، أي تخريب النفوس والذمم والعمل ضد الاتجاهات المتضامنة بين صفوف القوى الثورية والوطنية,والتسلل من خلال.الرموز الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المجتمع، تلك الرموز التي سبق ان تعامل معها الامبرياليون في مراحل الاستعمار الاولى فتكونت لهم دالة ادبية ونفسية على شخوصها. كما استغلت الامبريالية سماحة العرب والاسلام في التعامل مع الاقليات القومية والطوائف الدينية واستغلت حالة الانفتاح بين العرب والعالم لكي تتسلل بصيغ ثقافية واقتصادية بهدف تفتيت البناء الاجتماعي للعرب.
ومن الواضح ان الامبريالية التي حققت الهيمنة الاستراتيجية على المنطقة العربية لم تعد تكتفي بما حققته من تجزئة الوطن وتفتيته جغرافيا ، وتفتيت الامة اجتماعيا واقتصاديا
وسياسيا ، كما ورد في اتفاقية (سايكس-بيكو)، بل عمدت الى اسلوب الهجوم لمزيد من التقسيم الجغرافي ضمن دائرة الكيانات القطرية ذاتها، وكذلك التقسيم الطائفي والعرقي. وهذا الاسلوب التفتيتي لم يقتصر على الاقطار العربية بل استهدف كذلك دولا كبرى مثل الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا واندونيسيا وبعض الدول الشيوعية السابقة.حتى لا يمتد المشروع
العربي النهضوي خارج الحدود الجغرافية ومن ثم يصعب حصره أو منعه من الانتشار.
فالامبريالية ومعها الصهيونية -ممثلة بكيانها العنصري الاغتصابي في فلسطين- لم تعد تكتف بالتفتيت الجغرافي بل سعتا الى التفتيت الطائفي والتفتيت العرقي لكي تصلا بالنهاية الى الغاء الشخصية القومية وتشويه الثقافة العربية والفكر القومي الاصيل، بحيث تصبح القومية العربية نظرية قابلة للنقاش ومحط جدل بين المثقفين يمكن قبولها كلا او جزءا او رفضها كلا او جزءا، ووضعت بدلاً من المشروع القومي ، مشاريع أخرى مثل: الشرق اوسطية، والشراكة المتوسطية، والعولمة بكل مضامينها وأخيرا مشروع "الشرق اللأوسط الكبير".
ومن المداخل التي خدمت الامبريالية، تسلل اليمين الرجعي في الحكومات العربية وداخل المنظمات الجماهيرية لتفكيك الوحدة الوطنية. والترويج للسياسة الامبريالية ومخططاتها الشرق اوسطيه للنيل من القومية العربية. ويستغل هذا اليمين الازمات والانحرافات في سياسات الانظمة القطرية، والنكسات التي اصابت مسيرة العمل القومي، لكي يصوب سهامه نحو القومية العربية والفكر القومي بعامة.
ان الذين يتهمون الفكر القومي بالعجز والتقصير انما ينطلقون من واقع الامة الراهن ويستسلمون له ويعيشون حالة اغتراب وازمة في داخلهم يعكسونها على القومية وفكرها.
لقد استثمر اعداء الامة الظواهر السلبية في المجتمع التي تخل بتماسكه ، وسخروا بعض الرموز السياسية والثقافية ، التي تروج للامبريالية والرأسمالية والديمقراطية الليبرالية. استغلوا كل ذلك ودفعوا بامكاناتهم الفنية لايذاء المجتمع ومنع تقدمه على طريق النهضة.
ان نظرة متفحصة لمسيرة الامة قديما وحديثا تكشف المفارقة بين واقع الامة وبين حقيقتها. واقع يعبر عن مصالح ضيقة وعن ظواهر مرضية تنال من الجسد العربي. اما حقيقة الامة فهي حقيقة حية تمثل النهضة والقدرات الكامنة التي تحتاج الى منفذ حيوي، ومحرك ثوري للافصاح عنها خلقا وابداعا. ولذلك أن مواجهة الإمبريالية يستلزم إستيعاب العلم والتقنية ، وتطبيع اتجاهات إستخدام العلم والتقنية وطنياً في ضوء الاهداف الوطنية والقومية وتوفير الفرص للقدرة على الابداع والخلق ، وترصين الاستقلال وتحرير البلاد من التبعية للأجنبي ويبدو ان الغربيين والصهاينة يدركون حقيقة الامة ولذلك عملوا ويعملون على اغلاق المنافذ التي تتيح المجال امام قدرات الامة للنمو والابداع والخلق. وقد ابدوا انزعاجهم الشديد من استمرار حركة الامة ونهوضها ولو في ركن محدود في الوطن العربي، ولذلك فان الامبرياليين فقدوا صبرهم ازاء هذه الحالة، وقرروا استبدال خططهم القديمة بخطط عدوانية تقوم على للإرهاب المادي والمعنوي.
ورغم كل ما حققته الامبريالية بالقوة العسكرية ومن خلال التقدم العلمي والتقني فهو يعد بمقاسات التاريخ-انتصارا مؤقتا لان الامبريالية بزعامة الولايات المتحدة الاميركية اخذت بالتخلي عن دورها الإنساني الذي يفترض ان تقوم به ازاء العالم، وبدأت تتدحرج من قمة الجبل نحو السفوح، منذ ان عمدت الى استخدام القوة ضد منابت الحضارة الانسانية.
وهدم حضاراتها وتاريخها ,فمثل هذه القوة الباغية لن تتمكن البقاء فوق القمة طويلا بل
ستواصل الانحدار نحو السفوح.
ان مرتكزات القوة المادية في عالم الاشياء لا يمكن ان تدوم طويلا والامم والشعوب التي اعتمدت المادة وقوتها في التحكم لم تذكر في التاريخ الا باوصاف الشر والعدوان، اما الامم التي حققت شيئا ملموسا في عالم الروح والمثل العليا فقد استمر ذكرها وتاثيرها الى مديات اطول. والحضارة العربية لم تتحول وتتطور باتجاه عالم الاشياء فحسب ولم تصبح عبدا للمادة، وانما بقيت المادة لخدمة القيم العليا وبقي الركن الروحي هو الذي يشكل مدخل النهضة والقيم الانسانية الجديدة.
وعليه فان قيم الروح والمثل العليا هي الاكثر ديمومة وتأثيرا في الاجيال اللاحقة، ولا سيما اذا كانت مدعومة بقوة الاشياء المادية. وكما خبا نجم الاتحاد السوفيتي لافتقاده الروح، فإن مصير عالم الغرب المادي سيخبو كذلك، وسيكون بحاجة الى الروح الموجودة في الاسلام مرة اخرى لان الغرب عندما جاء الى بلاد الشرق، جاء غازيا لاغراض مادية، وليس لاغراض الخير والفضيلة او لقضايا انسانية فالغرب جاء الى بلاد الشرق مستعمرا
غازيا مغتصبا ,ناهبا خيرات الناس .قديما وحديثا, ولذلك فأن دول الشرق معنية بتعاون جدي في الميادين الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لحفظ التوازن وتحقيق السلام العالمي. فدول الشرق مبدعة الحضارات العريقة، اقدر على حفظ التوازن والسلام العالمي، لانها تقدر الانسان، وتعتبره قيمة عليا، وليس اداة من ادوات الحياة، كما هو الحال في بلاد الغرب.
3-الصهيونية وكيانها الاستيطاني
لا نضيف جديدا الى وصف الصهيونية العالمية(2) بانها حركة سياسية عنصرية عدوانية متعالية تضرب بجذورها في صلب التوراة ، لاستثارة العواطف اليهودية نحو مخططاتها ، كما تأثرت بالفكر الأوربي ، وإستغلت الأوضاع الأوربية لنيل التأييد لمشروعها الاستيطاني في فلسطين. فالصهيونية حركة سياسية وضعت خططها من الواقع الذي عاشه يهود أوربا ، وحددت هدفها الأساس في جمع شتات اليهود ، وإقامة (وطن قومي) لهم في (أرض المعياد) بناء على أساطير (توراتية). وقد أجمعت أراء المحللين على تعريف الصهيونية بأنها حركة قومية عنصرية متطرفة إستغلت العاطفة الدينية في جميع شتات اليهود. كما إستغلت توجهات الدول الغربية الاستعمارية نحو الوطن العربي، لتنشىء تحالفاً إستراتيجياً مع الإمبريالية الاستعمارية ، تقدم لها بموجب هذا التحالف كل أسباب القوة المادية ، لتحقيق أهدافها في إنشاء كيان إستيطاني فوق أرض فلسطين ، ومن ثم تمكنها من ترجيح كفة الميزان العسكري لصالحها مقابل قوة العرب. وتُعد الصهيونية فرعاً من فروع الامبريالية، تفاعلت معها بحكم جملة من التحديات التي واجهت اوربا اواخر القرن التاسع عشر. ونظرا لازدياد مصالح الامبريالية في المنطقة العربية لا سيما بعد اكتشاف النفط فيها في اواخر عقد العشرينات واوائل الثلاثينات من القرن العشرين فقد توثقت العلاقة بينها وبين الكيان الصهيوني الذي زرعه الاستعمار وفق مخطط معروفة صفحاته للدارسين والمراقبين. لابقاء التجزئة والتفتيت والتسلل بكل اشكاله المعروفة وفرض السيطرة والابتزاز على المنطقة. ولابد من التوقف عند العلاقة بين الطرفين، حيث تجاوزت حدود المصالح المادية والاقتصادية والاستراتيجية، إلى حالة التفاهم العقائدي الذي وصل حد التزاوج بين الديانتين المسيحية البروتستانية واليهودية. واصبحت اليهودية جزءا عضويا في جسم الغرب وحليفا له لمحاربة العرب والاسلام معا.
وبدون الخوض في برنامج المشروع الصهيوني الاستيطاني التوسعي، لانه بات معروفا وملموسا فمن المفيد ان نتوقف عند مقومات القوة والضعف في هذا المشروع:
1-ان ابرز ما يميز الحركة الصهيونية هو قوة تنظيمها وتماسكها ودقتها ومثابرتها. الا ان هذه السمة ليست حكرا على الصهيونية بل يمكن ان تتسم بها اية حركة في العالم، فالقدرة على التنظيم واتقان العمليات الفنية في المجالات المختلفة، هي بمقدور العقول المتنورة اينما كانت، وليست حكرا على اليهود الصهاينة.
2-ومن مصادر قوة الحركة الصهيونية ارتكازها على قدرات الدول الاستعمارية في تأسيس الكيان الصهيوني والدفاع عنه وحمايته ومده باسباب القوة ماديا واقتصاديا وسياسيا واعلاميا. ان هذه النقطة ما زالت مهمة ومؤثرة في ابقاء الميزان في المنطقة لصالح الكيان الصهيوني، بسبب ضعف العرب وتفرق انظمتهم وعدم وجود سياسة ضاغطة للحد من الدعم الغربي له. ومع ذلك فان هذا الدعم لن يستمر الى ما لانهاية او الى زمن طويل. إذ ان المتغيرات هي سمة العصر والتطور. وبالتالي فان الطرفين قد يغيران تحالفاتهما حسب تطور الظروف والمصالح. ان منطق العصر يفرض وجود تكتلات بشرية لايقل عدد افرادها عن (150) مليون، وتكتلات اقتصادية، وهذا الامر متاح للعرب عندما تتوفر الارادة السياسية الحرة لدى الزعماء، في حين ان مثل هذا الامر غير متوفر
لدى الطرف الصهيوني.
3-واذا كانت الحركة الصهيونية تعتقد ان فكرة (شعب الله المختار) واعتبار الشعوب الاخرى حيوانات وهمج (غويم) كما ورد في التوراة والتلمود وبروكوكولات حكماء صهيون فان هذه النظرية تمثل عقيدة القلة الدينية المتعصبة المتزمتة وهي التي جعلت منها عدوة للشعوب في العالم وليس للعرب وحدهم.وبعد مدة من الزمن سيتحول النضال ضد الصهيونية الى نضال عالمي انساني وليس نضالا عربيا, والكيان الصهيوني وقف الى جانب الامبريالية وضد نضالات الشعوب في اسيا وافريقيا واميركا اللاتينية، وعليه.. فان النضال الذي يخوضه العرب ضد هذا الكيان هو نضال ذو بعد انساني عالمي وليس نضالا وطنيا وقوميا فحسب.
كما ان الحركة الصهيونية التي سعت الى تجميع يهود العالم ليكونوا قومية جديدة، فان هذا المسعى تقف امامه عدة عراقيل تتعلق بتعدد قوميات اليهود وكثرة منابتهم وثقافاتهم البنية الاجتماعية لدى الكيان الصهيوني، تتكون من عينات قومية متعددة كتعدد دول العالم. ومع مرور الزمن سوف ينكشف التناقض الاجتماعي والثقافي، ولا بد ان يمر المجتمع بحالة من الصراع الثقافي والصراع الطبقي. وهذا ما ظهر في تفرد اليهود (الاشكناز)( ) بمواقع السلطة العليا، واهمال (السفارديم)( ).
4-وتكمن قوة الكيان الصهيوني في قدراته العسكرية والفنية وما يحصل عليه من حماية خارجية وسند سياسي من الدول الامبريالية وفي مقدمتها الولايات المتحدة. واذا ما زالت هذه الحماية او خفت فانه قد لا يستطيع الدفاع عن نفسه ولا يتمكن من الصمود بوجه القوة العربية، الموحدة، او جزءا منها اذا التقت اوتوحدت.
وقد عبر (عيزر وايزمن) في مذكراته عن هذا الهاجس، بان كيانه لا يتحمل اية نكسة امام العرب، وعليه يجب ان يبادر (كيانه) في الهجوم وتحقيق انتصارات على العرب. ويقول: ان زعماء الصهاينة مقتنعون بان أي خسارة لهم امام العرب ستكون خسارة نهائية ولذلك يؤكد وايزمن قوله: "اننا يجب ان لا نخسر اية حرب لان ذلك يعني نهايتنا"( ). كما نشرت صحيفة (دافار) في 25/6/1969 أي بعد حرب الخامس من حزيران 1967 مقالاً بعنوان ((نصر عسكري وحل سياسي)) جاء فيه: " أن الزمن ، إن عمل لصالحنا فترة ، فسوف يقف على المدى الطويل ضدنا"(2). ويرى المحلل اليهودي (يهو شفاط هركافي) أن العرب هم الأقوى ، حتى وإن ظهروا ضعفاء ، لان قوة "إسرائيل" ليست قوة موضوعية بقدر ما هي إنعكاس للضعف لدى العرب.(3)
ان فهم عناصر قوة الكيان الصهيوني وعناصر ضعفه، امر مهم واساسي في وضع استراتيجية المجابهة في شتى المجالات. ومهما قيل عن الكيان الصهيوني الذي يشكل قاعدة ميدانية للمشروع المعادي للأمة العربية ، فإنه حقق الكثير من مخططاته خلال العقود الماضية، رغم وضوح تمرده على القوانيين الدولية، ورفضه الانصياع لقرارات الشرعية الدولية، ذلك بفعل الدعم الذي يتلقاه من الدول الغربية الأستعمارية ، وضعف الارادة العربية الرسمية في مواجهة مخططاته.
وبالمقابل فان الامة العربية رغم كل عوامل ضعفها، وما افرزه التدخل الخارجي من تعقيد في اوضاعها الداخلية، فانها ليست لقمة صغيرة سائغة يسهل على الكيان الغاصب ابتلاعها أو ترويضها وقتل روح المقاومة فيها.. انها (الامة العربية) كثافة بشرية ضخمة بالقياس إلى عدد اليهود في العالم، وبالقياس الى عددهم في الكيان الصهيوني(4). وتتوفر للامة اعداد كبيرة من العلماء والتقنيين والمختصين في مختلف الحقول، وقد يتجاوز عددهم، عدد سكان الكيان الصهيوني. وتعيش الامة العربية في رقعة جغرافية واسعة مترامية الاطراف (14مليون كم2)، تمنحها عمقا ستراتيجيا هائلا، لا يمتلكه الكيان الصهيوني في الشريط الجغرافي الضيق الصغير الذي يتربع عليه. وفي باطن الوطن العربي ثروات مادية هائلة ومتنوعة كلها عناصر قوة مادية، اضافة الى تراثها المجيد الحافل بمقومات القوة والصمود.
ان الخوف الصهيوني متأت من اعتبارات عدة، ابرزها ان العرب يمتلكون كل ممكنات القوة المادية والروحية (المعنوية) ممكنات بشرية وموارد مادية هائلة، مساحات زراعية كبيرة، وموارد مائية وفيرة، وموقع جيوبولتيكي متميز وسط القارات الثلاث. اضافة الى ايمان العرب بعقيدة جهادية متميزة، عبرت عنها العمليات الاستشهادية داخل فلسطين المحتلة، إذ شكلت (صواريخ) توازي اسلحة الدمار الشامل. اضف الى ذلك ان بعض الدول العربية باتت تملك اسلحة الدمار الشامل (صواريخ ارض ارض) متوسطة المدى، تطول أي هدف في فلسطين المحتلة من الدول المجاورة. فما تحقق للعرب في أم المعارك من صمود ومطاولة وابداع، وما تحقق في لبنان، وفي فلسطين المحتلة، لايجوز التراجع عنه، بل لابد من التقدم إلى الأمام، وتعميق سبل الجهاد حتى يتم تحرير الأرض العربية وطرد الغزاة منها.
ان الممكنات المادية والروحية التي يمتلكها العرب، تشكل مادة اساسية في تحقيق التوازن بين طرفي المشروعين المتصارعين، ومهما قيل عن قدرات الكيان الصهيوني في مجال اسلحة الدمار الشامل، فانها تشكل خطرا على الصهاينة انفسهم، ولا يستفيدون من استخدامها، إلا في حالة "الانتحار"، وخوض (اللعبة الصفرية)، بدون تحقيق هدف معين.
4- فهم الصراع العربي الصهيوني:
عندما يطرح الدارسون سؤالا لمن الغلبة.. اهي للعرب.. ام للكيان الصهيوني..؟ للجواب على السؤال فانه لا يوجد جواب قاطع على السؤال، بل توجد مؤشرات يجب اخذها بنظر الاعتبار ابرزها:
1- فهم الصراع وفق منطق التقدم التقني.. فالهوة كبيرة بين طرفي الصراع، ويميل الميزان لصالح الكيان الصهيوني في الميدان العسكري والتقنية العسكرية على وجه الخصوص. وقد تفوق الكيان الصهيوني في مجال التقانة، أي في عدد العلماء، ورصد الاموال للانفاق على مراكز البحوث، والعمل بقدرات كبيرة على الانجاز والاختراعات، في مجالات متعددة في الاقتصاد (الصناعي والزراعي) اضافة الى القطاع العسكري. ويعود هذا الاهتمام الى شيوع ثقافة العلم بين الشتات في الغرب، وبين المؤسسين للدولة الصهيونية مثل حاييم وايزمان (عالم كيمياء) وانيشتاين وغيرهم( ). ولكن الجواب العلمي على اختلال الموازنة بين طرفي الصراع، لا يمكن ان تكون ثابتة، ولا بد ان تتحرك الموازنة لصالح الطرف الذي يمتلك نقاط قوة اكثر من الاخر. ان التقدم التقني الصهيوني يقابله تقدم غير مألوف لصالح العرب، هو تقدم في مسيرة المواطن العربي، وفي استعداده للرفض ومواصلة النضال. وان اختيار العرب طريق التقدم العلمي يضيق الهوة بينهم وبين الكيان الصهيوني.
2- فهم الصراع من خلال موقف الدول الكبرى. إعترفت الدول الكبرى بالكيان الصهيوني فور قيامه 1948، وأمدته بأسباب القوة المادية والعسكرية والفنية، التي مكنته من إنتاج أسلحة الدمار الشامل. وفق اعتبارات المصالح المشتركة في المنطقة، ولكن هذه المواقف غير ثابتة دائما. ففي السابق تبنت الدول الاستعمارية الأوربية انشاء الكيان الصهيوني وحمايته والاعتراف به عام 1948، ولكن الولايات المتحدة تفردت بحمايته بعد الحرب العالمية الثانية حتى الآن وأتضح إنحيازها له بالباطل على حساب الحق العربي. وهذا أشر بدايات اختلال الموقف الدولي الموحد ازاء الكيان الصهيوني، ولاسيما بعد استمرار منهجه العدواني التوسعي على حساب العرب. وقد تميز بعد إنتهاء الحرب الباردة موقف الاتحاد الاوربي وروسيا والصين بدرجات متفاوته عن مخطط الكيان الصهيوني الرامي الى اعادة احتلال الضفة الغربية وغزة، ويؤشر هذا التباين في المواقف حالة الانقسام الدولي من هذا الكيان، وسوف يزداد الانقسام، كلما تصاعدت حالة الجهاد ضد الاحتلال الصهيوني.
3- ان المعسكر الاستعماري الذي وقف وراء الكيان الصهيوني له جذره المادي المتمثل في المصالح المتباينة. وقد دخلت هذه المصالح مؤخراً مرحلة التنافس ثم التناحر في مجالات اقتصادية عديدة، وهناك امثلة عديدة اشرت اختلاف وجهات النظر في الاتفاقية الدولية للتجارة الحرة. والخلافات الاقتصادية التناحرية بين الولايات المتحدة وكل من المانيا واليابان والصين. ويمكن للعرب ان يستفيدوا من هذا الوضع الجديد، عندما تتوفر الارادة العربية. واقرب فرصة امام العرب هو التحول من اعتماد الدولار غطاء لعملات بلادهم، الى العملة الاوربية (اليورو).
ان معركة المواجهة بين المشروعين(1) الامبريالي- الصهيوني ، والعربي النهضوي التحرري،ليست تلك التي تدور رحاها فوق ارض فلسطين والعراق فحسب، بل هي التي تدور فوق أي بقعة عربية تسجل انتصارا لفلسطين او أي قضية عربية اخرى. بحيث تضع المواجهة العرب في الطريق الصحيح. كما ان العنصر الحاسم في المواجهة هو ارادة الامة العربية، فعندما حسمت ارادة شعوب فيتنام والجزائر المواجهة باسلوب جهادي امكن طرد الاستعمار وحققت الانتصار الناجز. ان مواجهة اعداء الامة سياسيا واقتصاديا، وروحياً هو السبيل لاضعاف دورهم الاستعماري، والحد من نفوذهم، وهذا لا يتحقق الا بارادة عربية حرة، تأخذ بعين الاعتبار مصالح الامة، قبل مصالح الغرب الاستعماري.
5- سبل مواجهة التحالف الإمبريالي ـ الصهيوني
تتحدد المواجهة والصراع بين الامة العربية واعدائها الصهاينة والامبرياليين بالسبل العملية الاتية:
1- الجهاد ضد الإمبريالية والصهيونية ، لايجوز أن يكون اتجاهاً مؤقتاً، أو رد فعل آني، بل لابد أن يظل منهجاً أصيلاً وعميقاً في مسار الأمة العربية، لانها حاضنه الامجاد والاجداد العظام. والعرب اليوم يتحملون مسؤولية الجهاد لنفس المبادئ والاهداف السامية التي جاهد من أجلها أسلافنا الاماجد. ومن خلال الجهاد يتجه العرب باتجاه تحرير كامل التراب العربي المغتصب، إذ لايجوز القبول بتحرير جزئي، لانه قد يحمل معه معاني الارتداد والنكسة والتراجع، أما تحرير فلسطين من النهر إلى البحر هو الخطوة الجهادية نحو الوحدة العربية، من خلال وحدة النضال القومي ضد أعداد الأمة.
2- ولما كانت الإمبريالية تقوم بعمليات هجومية خارج وطنها، فلابد أن يكون رد الأمة عملاً جهادياً إقتحامياً يتعرض على مصالحها في بلاد العرب. ويأتي هذا الاشتراط الجهادي بعد أن تخطت الإمبريالية الامريكية كل الحدود القانونية والشرعية الدولية، وصارت تقــــــوم
ـــــــــــ
1 إستشرف الفكر العربي الصراع بين المشروعين منذ 1904 وفي ضوء نتائج الصراع بينهما يتوقف السلام
في العالم.
لمزيد من التفصيلات أنظر: نجيب عازوري ، يقظة الأمة العربية تعريب وتقديم: د. أحمد بو ملحــــم
(بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، د.ت)
12) لمؤتمر وزراء خارجية الدول
الإسلامية، الذي عقد في بغداد 1981.
بعملياتها العسكرية بدون هذا الغطاء، وبشكل منفرد وعلني، بدعوى الدفاع عن مصالحها وأمنها.
3- ان طريق النصر يبدأ بشعار بسيط هو "بالشعب المنظم والنفط المؤمم وبالارادة الحرة نصنع النصر". ان هذا الشعار رغم كل التطورات الدراماتيكية ما زال شعارا صالحا اليوم وغدا، لان العرب اذا لم ينظموا انفسهم ويسيطروا على ثرواتهم النفطية ويحققوا الاستقلال الاقتصادي، ويمتلكوا الارادة السياسية الحرة الرافضة للتبعية، فان ملايين العرب تظل طاقة معطلة.
4- تحقيق التضامن والوحدة ، أي التضافر والوحدة على طريق الحقيقة التي تخدم مصلحة الجماهير وتخدم طموحاتها. ومن خلال العمل الوحدوي الجهادي، يتم خلق نموذج جهادي جديد لعهد بطولي جديد العمل العربي المشترك في شتى المجالات، وفي مقدمتها الاقتصادية هو احدى السبل للارتقاء بالامة فوق خط التردي، وخطوة على طريق العمل الثوري الجهادي.
5- العمل لتعميق صلة ابناء الشعب في اقطارهم أي تعزيز الحس الوطني فيهم، وتعميق الايمان بدور الشعب الفاعل في الصمود والتضحية لمواجهة اعداء الامة. وخير وسيلة لتحقيق هذه الغاية، هي احترام حقوق الانسان، والسماح بممارسة الديمقراطية، واحترام رأي الاخر وقبول الحوار معه.
6- اقامة جبهات داخل الاقطار العربية يشارك فيها القوى السياسية الوطنية بكل اطيافها، تمهيدا لاقامة جبهة قومية عريضة على مستوى الوطن العربي، لان المواجهة مع اعداء الوطن والامة، يستلزم استنفاذ كل طاقات ابناء الامة، باتجاه الخلق والابداع والصيرورة.
7- تعزيز المؤسسات الديمقراطية وتعميق ارادة الشعب واحترام حقوق الانسان كما حث عليها الاسلام والعقائد الدنيوية.
8- تطوير العلاقات العربية-الاوربية على اساس المساومة والاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة، ولا سيما بعد ان تطورت مسيرة الاتحاد الاوربي، باعتماد عملة موحدة والتعامل بها ابتداء من اول عام 2002م.
9- ممارسة حق العرب الطبيعي والقانوني في تأميم الثروات النفطية واستخدامها سلاحا في المواجهة وضد الدول التي تساند الكيان الصهيوني وسحب الودائع المالية العربية من البنوك الاجنبية، واستثمارها في مجالات تخدم الامن القومي العربي، ولاسيما بعد ان اخذت الدول الغربية، تصادر اموال الدول والشركات والمنظمات العربية بدعوى انها تمول الارهاب. اذ من السهل على دول الغرب ان تصطنع الذرائع لكي تصادر الاموال العربية، لحل ازماتها الاقتصادية.
10- التمسك بحق العرب في ممارسة الجهاد السياسي والاقتصادي والعسكري والعلمي، من اجل فتح المجال امام العقل العربي لكي يبدع في كل المجالات، ويحقق النهضة والتقدم والتحرر الناجز من كل اشكال السيطرة الاستعمارية. فالجهاد هي فرصة العرب لاثبات وجودهم واستعادة دورهم الحضاري، وضمان مستقبلهم ومستقبل الاجيال اللاحقة.
6-التجزئة وبروز القطرية
ارتبطت تجزئة الوطن العربي جغرافيا مباشرة بالتحدي الامبريالي- الصهيوني، لمنع قيام وحدة عربية باي شكل كان. وعليه فان هذا التحدي هو المعوق الكبير امام كل عملية وحدوية عربية كما عبر ارنولد توينبي وقال: ان "اسرائيل شوكة في جنب المساعي الوحدوية العربية"( ). وبدلا من ان يشكل هذا التحدي عاملا للتوحيد، فانه اثار تناقضات كبيرة بين العرب حول كيفية ادارة الصراع، وحول الوجود الفلسطيني وسبل الصراع وغاياته. وبمقدار ما تعددت الاراء ولدت تناقضات وصلت حد الاحتراب ونسيت التحدي الصهيوني-الامبريالي، في حين ان هذا التحدي وفق منطقه التاريخي يشكل عاملا ودافعا نحو الوحدة. ولكن يبدو ان مخطط التجزئة وزرع الكيان الصهيوني، كانا وصفة طبية لزرع الفرقة وابقاء التجزئة. اذ كثيرا ما دعا مفكرو الغرب منذ اوائل القرن العشرين الى زرع كيان غريب في قلب الوطن العربي، لكي يمنعوا وحدة العرب التي عمل من اجلها محمد علي وجمال عبد الناصر من قبل وعمل لها البعث وصدام حسين لاحقا.
وفكرة زرع الكيان الصهيوني في فلسطين لم يكن ارضاء لطموحات اليهود الصهاينة فحسب، بل لابقاء هذا الكيان مصدر قلق للعرب، ومنعهم من النهضة والتقدم، ووضع العراقيل أمام وحدتهم. ولم يتوانى الصهاينة عن بذل أي جهد في سبيل تحقيق هذا الهدف وابقاء التجزئة. ويذكر زعماء الصهاينة امثال (رفائيل ايتان) ان كيانه قدم مساعدات الى بعض الحركات الانشقاقية الطائفية في الوطن العربي لاحداث مزيد من الانقسام( ).
ومن الحقائق التاريخية ان الاستعمار الغربي والصهيونية قد استهدفا النهضة العربية القومية ومركز الاشعاع فيها، وشارك (الغربيون) بادوار مختلفة في مؤامرة التجزئة والتفتيت. وما حصل في اتفاقية (سايكس- بيكو) هو تثبيت قانوني وثقافي ونفسي للتجزئة بهدف ضرب أي توجه وحدوي، وضرب أي مشروع نهضوي داخل اقطار التجزئة. وعندما استكمل زرع الكيان الصهيوني تنفيذا لما ورد في وعد بلفور، اصبح الباب مفتوحا امام القوى المعادية لتمعن في تفتيت البناء الاجتماعي والنفسي والثقافي والسياسي والجغرافي للأمة العربية.
ومن مراقبة تطور الكيانات القطرية، نرى ان الدولة القطرية كونت مع مرور الزمن عصبية من نوع ما، تطورت العصبية مع مرور الزمن الى ان نمت شعورا مشتركا، تحول إلى عصبية لتلك المؤسسة، وبات الفرد يدافع عنها لاعتبارات ومصالح ذاتية، لانها (الدولة) صارت مصدر رزقه. ومع تطور النظام القانوني، اخذ الفرد يتكيف مع الوضع القانوني للدولة القطرية. وقليل من الافراد استطاعوا احكام الموازنة بين تعلقهم بالمؤسسة القطرية والمصلحة القومية العليا، ومع مرور الوقت تكونت علاقة مصالح بين الفرد ودولته القطرية. بسبب امتلاك الدولة القطرية ورسائل فنية وتقنية، واجهزة امن متقدمة، مهمتها حماية السلطة العليا واختراق القوى الوطنية والقومية وتفتيتها او محاربتها بالاعتقال
تارة أو قطع الارزاق تارة اخرى( ).
لقد استفحلت حالة التجزئة والظاهرة القطرية فتحولت من كيانات جغرافية الى كيانات سياسية لها قوانينها واعلامها ودساتيرها واعتراف دولي بها. ثم تحولت الى ايديولوجيات متخندقة في زوايا مظلمة، تحاول ان تغلق ابواب التاريخ العربي وتراثه العريق، وتصطنع لنفسها تاريخا جديدا وفلسفة جديدة في الحكم رغم ان غالبيتها يعتمد في امنه واقتصاده على القوى الخارجية. ان شيوع الانظمة القطرية بالاسلوب الذي سبق ذكره يفوت الفرصة على الفكر القومي الوحدوي من ان ينتشر ويجد له مكانا في اذهان وقلوب الحكام والمسؤولين. وفي ظل هذه القطريات ازداد عدد الفقراء والعاطلين عن العمل، وتصاعدت حدة التوتر بين الاقطار،الامر الذي اشاع اجواء الاحباط والضياع، وبالتالي الاستسلام او السكوت عن مخططات الاعداء الهادفة الى تصفية قضية الصراع بين العرب واعدائها الامبرياليين والصهاينة. نمت القطريات وتصاعد اثرها في حين غاب النظام العربي عن التخطيط المستقبلي لمواجهة التحديات، رؤية مستقبل الدولة القومية. والنظر بجدية الى مخاطر مشكلات الانفجار السكاني وتلوث البيئة وثورة الاتصالات او ثورة تكنولوجيا الفضاء والاقمار الصناعية والانترنيت. كما ان هيمنة القطريات وارتمائها في احضان الاجنبي غيب المؤسسة القومية رغم ضعفها (جامعة الدول العربية) وفسح المجال امام تشكيلات جديدة لكي تظهر مثل الشرق اوسطيته. ومشاريع التسوية مع الكيان الصهيوني,والشرق أوسط الجديد.
لقد ظهرت اولى النتائج السلبية للسياسة القطرية،أثناء العدوان على العراق 1991 وفرض الحصار الشامل عليه، اذ تبين مقدار ضعف الانظمة العربية، عندما صدقت اكاذيب الادارات الغربية ووسائل اعلامها، وفتحت ابواب بلدانها امام القوات الاجنبية، وفتحت خزائنها المالية لتمويل العدوان. ولم تمض سنوات عدة، حتى انكشف ضعف تلك القطريات، وصارت تعاني من الديون ومشكلات اقتصادية وامنية عديدة. وادركت مؤخرا ان العمل العربي المشترك هو السبيل لانقاذ ما تم التفريط به من قبل، والعودة الى صيغة التضامن في بعض المجلات كالاقتصاد والثقافة.
واذا كانت العوامل ، الانف ذكرها. مصدر قوة للدولة القطرية، فان الاحداث اكدت مقدار ضعفها وتقصيرها في مجالي التنمية والامن.
ومهما اجتهدت الدولة القطرية في ميدان التنمية واقامت مشاريع اقتصادية مهمة، فانها تبقى محدودة التأثير والفائدة، نظرا لعدم توفر المواد الاولية والطاقة البشرية في كل قطر، وعدم توفر السوق التي تستوعب الانتاج. وكذلك الحال بالنسبة لموضوع الامن، فقد شكلت القوى الخارجية اكبر تحدي امام الامن الوطني والامن القومي معا. وتحديا لامن العرب في مجالات الاقتصاد ولا سيما الماء والغذاء. وزاد في خطورة هذا الأمر إعتماد بعض الدول القطرية في امنها على القوى الخارجية فلم يعد يهمها غير حماية المسؤولين فيها على حساب المصلحة العليا للدولة والمواطنين. وقد دلت التجارب ان الاعتماد على الاجنبي والاحتماء به بدلا من الاحتماء بالمحيط الوطني والقومي قاد إلى خسائر فادحة في شتى المجالات. في حين ان الانتماء الى حضن الامة وعمقها القومي يقود الى النجاة ويحقق مصلحة الشعب.
ورغم وجود الخصوصيات القطرية فأنها يجب أن لا تؤثر على الحد الادنى من التلاقي بين العرب، ولا تعطل الفعل الجماعي للامة والتضامن من بين الاقطارالعربية ,نظرا لأن التضامن:
يجعل جميع المتفقين حوله فوق خط التردي.ان يجعلهم ينقلون وضعهم الى حالة افضل والى امام,وأن يكون هذا البرنامج ملزما للجميع,و لا يكون موجها ضد احد، وانما ينطلق من الحرص على علاقات ابناء الامة لمواجهة المؤامرة.وان ينطلق العرب من الروح الاخوية التي تربطهم.وان يبتعدوا عن التشنج عندما يخطئ واحد منهم بل يعمدوا الى التسامح.
وان يعملوا بروحية التضحية
وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام كل واحد لخيارات الاخر مع الحرص على التفاعل والصراحة والمناقشة الحرة بين الاشقاء.
7-التفتيت القومي والديني والطائفي والثقافي.
استخدم اعداء الامة موضوعة التفتيت القومي والديني والطائفي والثقافي، قبل تنفيذهم مؤامرة التقسيم والتجزئة. وقد استغلوا سماحة الاسلام في الابقاء على الاديان والقوميات، كما استغلوا ظروف الدولة العثمانية لكي يتسللوا الى داخل المجتمعات العربية ويعملوا على اختراقها اجتماعيا وثقافيا، وتكوين قوى وحلقات مرتبطة بها يمكن ان تعمل ضد الامة العربية وضد مشروعها النهضوي في أي وقت تريد.
لقد شجعت القوى المعادية هجرة الاقوام الى البلاد العربية والاقامة بها لتكوين اقليات قومية فيها، وقد تبنت تلك الاقليات القومية غير العربية وامدتها ببعض اسباب القوة لكي تعمل على بلورة كيانها، والمطالبة بالانفصال عن جسم الامة العربية وعن الوطن العربي. وقد كانت وسيلة القوى الغربية في ذلك فتح المدارس التبشيرية لتدريس مناهج محددة تعمـق
ولاء الدارسين للغرب، وتربطهم مصيريا بالرأسمالية، وتثير فيهم نزعات العرق والدين والطائفة. وعملت القوى المعادية على دعم الافراد والجماعات والحركات الهادفة الى هدم الاسلام وتشويه مبادئه السمحة. والنيل من شخصية الامة العربية وتشويه الاسلام الذي يشكل عماد الوجود القومي للامة ومحاربته باتهامه بالارهاب.
لقد تبين من قراءة التاريخ ان الغرب استغل موضوع الاقليات والطوائف استغلالا واسعا لاغراضهم وتلبية مصالحهم. فاثار الغربيون "البرر": في المغرب "والزنوج" في جنوب السودان "والاكراد" في شمال العراق "والاقباط" في مصر.
كما تبى الغرب المسيحيين في البلاد العربية، وطالبوا بامتيازات لهم تثلم السيادة الوطنية لكل قطر، وتخلق مشكلات جديدة تنضاف الى مشكلات العرب الاخرى كالتخلف والفقر والجهل وغيرها. وبدلا من المطالبة بحقوق ثقافية للطوائف الدينية من غير الاسلام، اخذت بعض الطوائف ترتبط بالغرب وتنفذ مخططاته.
اما عمل الغرب المضاد للاسلام، فقد ابتدأ بكسب أو تشجيع بعض رجال الدين لكي يؤسسوا حركات سياسية دينية معروفة،: محمد عبد الوهاب، في الحجاز، وسليمان المرشد في سوريا، وغلام احمد القادياني في باكستان وغيرهم. ومن قراءة التاريخ ظهر ان التعصب الديني والمذهبي يبرز عندما تكون الامة ضعيفة مجزئة. ويختفي هذا التعصب عندما تنهض الامة وتحمل الرسالة الانسانية الخالدة. ويصبح التنوع الديني في حالة الوحدة والنهوض عامل قوة واثراء للحياة والفكر كما حصل في فترات الحكم العربي الاسلامي القوي الموحد. تطور تدخل الغرب والصهيونية في الاسلام فعملوا على ايجاد تجارب مشوهة باسم الاسلام في أكثر من بلد إسلامي، لتحقيق غرض محدد هو دق اسفين بين العروبة والاسلام وتشويه صورة المسلمين والصاق تهمة الارهاب بهم.
إن نظرة الغرب بعامة إلى الإسلام، نظرة متجنية ومتجاوزة حقيقته، ودافع هذه النظرة، الحقد على الإسلام (عقيدة وثورة وحضارة).
ورغم وضوح هذه الحقيقة فإن الغرب الاستعماري يدعي " ان الإسلام ضد التجديد، منطلقاً من بعض التجارب المشوهة للإسلام، والتي تتصرف مع الحياة بأسلوب رجعي متخلف. وأنه (الإسلام) بات متخلفاً عن فهم الواقع أو معالجة المشكلات المعاصرة.
وإزاء هذه النظرة المتجنية على الإسلام برزت الحركة القومية العربية المؤمنة لكي تظهر حقيقة الإسلام وجوهره الحضاري الثوري، وصلته العضوية الحية مع العروبة، فهو بالنسبة لها "روح في الجسم"، واكدت التجربة القومية المؤمنة أن الإسلام ثورة مستمرة، ضد الظلم، لانه يؤمن بأن الإنسان ولد حراً، وإختاره الله ليكون خليفته في الارض. كما أن الإسلام يؤمن بالعقل وبالتطور ورفض الجمود ، لقوله تعالى "وعلمنا الإنسان ما لم يعلم". ولانه ثوري فإنه كذلك يرفض التعصب العرقي والاجتماعي فهو ثقافة الجميع، وعقيدة ثورية للجميع، ومنه يستمد المجاهدون ثوريتهم ضد الظلم والاستعباد والجهل.
ولأن الإسلام ثوري ويؤمن بالجهاد من أجل السيادة ومن أجل البناء والنهضة، فقد ناصبه الغربيون بعامة والامريكيون بخاصة كل هذا العداء قديماً، وإتهامه بالإرهاب حديثاً.
من هذه المبادئ العظيمة إستمدت العروبة المؤمنة قوتها وصمودها، وصارت (العروبة المؤمنة)، وصفاً لحقيقة الأمة العربية ، التي إقترنت نهضتها الأولى برسالة روحية ذات أبعاد فكرية وإجتماعية وحضارية شاملة. والعروبة المؤمنة توحيد روحي للأمة، تعزيز وحدتها الاجتماعية والثقافية والسياسية، وتبعث في أبناء الأمة إستعدادهم للخلق والنهضة والتقدم، ومواجهة التحديات الخارجية والداخلية بروح إيمانية ثورية عقلانية تقدمية.
واضافة إلى التجارب الرسمية المشوهة للإسلام، ظهرت حركات سياسة مغطاة بغطاء الدين، تهدف الى استلام السلطة، وقد افرزت بعض الحركات سلوكيات اجتماعية وفكرية مثل (الاهاب الفكري) و(التكفير العقائدي) ورفض الحوار مع الاخر وانكاره، ورفض التعددية الفكرية والسياسية. وكما اهملت بعض الحركات العقل والمنطق رغم اهتمام القران الكريم بالعقل وذكره في اكثر من سورة.
ومن الواضح ان الغرب الإمبريالي لم يعادي الحركات السلفية، التي لم تتعرض الى مصالحه ومصالح الصهاينة، بل نالت دعمه وتشجيعه، ويؤكد هذا النهج المفكر الاميركي نعوم شومسكي الذي قال: "ان الولايات المتحدة لا تعادي الاصولية، بل تعادي الحركات الوطنية التي ترفض التبعية..واضاف قائلا: إن الولايات المتحدة مع الاصوليين في افغانستان وساعدت على تسهيل وصول الشباب العرب الى افغانستان لابعادهم عن فلسطين"( ). وعندما قررت وضع قدم لها في افغانستان، لاغراض استراتيجية كونية، ومصالح اقتصادية نفطية (نفط بحر قزوين)، عادت لتتهم الحركات الاسلامية (طالبان) و(القاعدة) بالارهاب، وتشن عدوانا على افغانستان وتدميره وقتل اهاليه.
لقد إستغل الإمبرياليون منطق السلفين في العودة الى التراث والارتماء في احضانه ورفض الحاضر بكل ما فيه من تطور، وكذلك رفض الحوار مع الاخر او الاعتراف بالرأي المقابل. وهذا المنطق يخالف تطور العصر، اذ ان التراث العربي لا يمكن ان نكتشف حقيقته بالسكون اليه والاستكانة في رحابه قبل أن يكتشف بالجهد والنضال والجهاد( ). فالتراث ليس مجرد نصوص فحسب، بل اكتشاف مضمون هذه النصوص، بالجهد والعقل والجهاد، وبذلك يصير التراث محركاً ودافعاً نحو التقدم والنهضة، أما الركون في أحضانه والسكون إليه، فهو التخلف والاستكانة.
وإذا كان الاهتمام بالتراث عاملا مهما في تعزيز الاصالة، فالمبالغة فيه تقود الى الانكماش، وغلق الابواب على العصر والحداثة، كما ان تقليد الحديث فقط ونسيان التراث والاكتفاء بالتقليد يسلب الشخصية القومية ابرز مقوماتها. ولذلك فأن معالجة هذه الثنائية
يكون بالموازنة الدقيقة بين التراث (الاصالة) وبين المعاصرة (الحداثة).
يرى السلفيون ان المجتمع قد ابتعد عن الايمان بسبب ما اوجدته المعاصرة من اسباب اللهو والمتعة، ولكن دعوتهم الى الايمان النصي قادهم الى التحجر والابتعاد عن مقومات التقدم والنهضة ، لان الحياة من غير ايمان صادق هي حياة ميت، حياة بلا فضيلة وبلا دور انساني مشهود وبناء.
وكذلك ينبغي التميز بين ايمان الوراثة وبين ايمان الخلق فأيمان الخلق هو ، ايمان من تشع له الصورة التي يريدها، لا ايمان من ينتظر لتنزل عليه الصورة التي يتمناها، ايمان من يخلق صورة المجتمع التي يؤمن بها، لا ايمان من يستسلم لواقع المجتمع الذي يرثه.
ولم تكتف القوى المعادية باثارة موضوع الاقليات القومية والدينية والطائفية، بل طرحت اغطية اخرى للتفتيت الاجتماعي والثقافي، وطرحت موضوعة الديمقراطية وحقوق الانسان، وقد تعاملت مع هذا الموضوع بمنظارين مختلفين لنفس القضية، والامثلة والشواهد كثيرة، فالغرب ينظر لاكراد العراق نظرة شفقة، في حين ينظر لاكراد تركيا بانهم شيطان يجب رجمه. ويرضى عن ديمقراطية الانظمة الحليفــة له ، ويسكت عن الانظمة التي لا تؤمن بالديمقراطية ولا تمارسها، في حين يرفض ديمقراطية من يخالفه الراي، او يدافع بالحق عن مصالح امته القومية.
ان فضح ومجابهة القوى الامبريالية التي تستخدم سلاح الديمقراطية بوجه شعوب العالم الثالث يستلزم العودة الى التاريخ ففيه ما يفضح دعاة الديمقراطية والمتباكين على حقوق الانسان. فالبريطانيون والفرنسيون هم الذين وضعوا (سايكس-بيكو) و (وعد بلفور)، وساعدوا الصهاينة في انشاء كيانهم الاغتصابي، وما زالت الولايات المتحدة تحقن هذا الكيان بكل مقومات الوجود والعدوان ضد العرب، وهم الذين ضربوا العراقيين والمصريين والجزائريين والفلسطينيين والسوريين عندما هبوا مطالبين بالحرية والاستقلال. لانهم يتصرفون بازدواجية مطلقة ازاء قضايا الشعوب والامة العربية بالذات.
سبل مواجهة التحديات الداخلية
1. تعميق الانتماء الوطني والقومي لمواجهة مخاطر التفتيت الجغرافي والطائفي والعرقي ومواجهة مخاطر العولمة على الهويات القومية، وسيادة الدولة القومية. والارتقاء خطوة نحو العمل القومي الموحد وصولاً إلى أية صيغة تعاونية مشتركة توحد الجهد والطاقة.
2. ترسيخ الحصانة المبدئية، وتثقيف الاجيال العربية حول إستراتيجية واضحة تضع حداً لتدخل القوى الإمبريالية. أي غرس مبادئ الوطنية، المرتبطة بحب الوطن والاستعداد التام للدفاع عنه.
3. تعميق الإيمان بالأمة وتراثها، وإحياء التراث العربي العظيم، والذي يعزز قيم الصمود والجهاد والتضحية.
4. توفير الفرص المواتية أمام الإنسان العربي ليفصح عن طاقاته العقلية، وابداعاته الخلاقة، بمزيد من التمسك بالعلم والتقنية.
5. مقاومة محاولات أعداء الأمة، دق أسفين بين العروبة والإسلام، لجعلهما ثنائية متناقضة، ودفعهما نحو الاحتراب. وإثبات الصلة العضوية بينهما.
المصـــادر
1.د. أحمد سوسة، المفصل في تاريخ العرب واليهود، (بغداد: وزارة الاعلام ، 1980)
2.جورجي كنعان، سقوط الامبراطورية الإسرائيليـة، (بيروت: دار الطليعة ، 1980)
3.عيزر وايزمن، الحرب من اجل السلام (مذكرات) :غازي السعدي، دار الجليل
للنشر عمان 1984
4.محمد خالد الازهري/ شؤون عربية، كانون الاول 1989، جامعة الدول العربية/ تونس
5.نادر فرجاني، الامكانات البشرية والتقانة العربية، المستقبل العربي، العدد 252.
6.د.نزار الحديثي/ الامة العربية والتحدي/ دار الحرية/ بغداد 1985
7.نجيب عازوري، يقظة الأمة العربية، ترجمة وتقديم: د. أحمد بو ملحم (بيروت: المؤسسة
العربية للدراسات ، د.ت)
8.د.يوسف خوري/ المشاريع الوحدوية العربية/ 1913-1987، مركز دراسات الوحدة
العربية 1988 بيروت.
9.يهو شفاط هركافي، قرارات إسرائيل المصيرية (عمان: دار الكرمل ، 1990)
10.صحيفة الدستور الاردنية-عمان 1994.
التعليقات (0)