مواضيع اليوم

في حرية الإفطار العلني.

محمد مغوتي

2010-08-19 15:43:54

0

                   في حرية الإفطار العلني.
   يعرف المغرب هذه الأيام نقاشا واسعا بخصوص حرية الإفطار العلني في رمضان. و الجدير بالذكر أن القانون الجنائي المغربي يجرم هذا الفعل و يعاقب مرتكبه بالسجن و الغرامة. لذلك يطرح هذا الموضوع نفسه بقوة بسبب أبعاده المختلفة التي تتراوح بين الدين و القانون و المجتمع.
   النقاش المحموم الذي تشهده المواقع الإلكترونية و الصحف المغربية حول الموضوع طفا إلى السطح بعد الدعوة التي أطلقها بعض الشباب على موقع "فيس بوك" من أجل فتح نقاش هادئ حول الموضوع. غير أن الهدوء في مثل هذه المواضيع الحساسة أمر مستبعد، فالشعور الديني يؤجج العواطف و لا يسمح بمناقشة من هذا القبيل. لذلك كان طبيعيا جدا أن نقرأ و نسمع كل أشكال الرفض و الاتهام بالعمالة و الكفر في حق هؤلاء. و بالتالي فإن أغلب الآراء تستهجن حتى مجرد فتح نقاش بخصوص هذا الأمر، لأنها تعتبر رمضان ذا قدسية خاصة لا يمكن القبول بالمساس بها عبر غض الطرف عن الإفطار في هذا الشهر جهارا نهارا.
    الموضوع يتسم بتعقيد خاص و يتداخل فيه ما هو ديني طبعا بما هو قانوني. لكن طبيعة المجتمع تفرض نفسها أيضا. بل إن نظرة المجتمع إلى شهر رمضان تتجاوز حضور الوازعين الديني و القانوني، وذلك بالرغم من أنها تظل محكومة في الوعي الجماعي بالشعور الديني نفسه. فكثير من الناس لا يؤدون واجباتهم الدينية بانتظام، لكنهم يحرصون على عدم تضييع فريضة الصيام، وذلك بسبب الهالة التي أحيط بها رمضان في كل البيوت المغربية عبر أساليب التربية التي تحرص على تشجيع الأطفال على الصوم بالتدريج. بل إن قدرة الإبن أو البنت على صيام شهر كامل تمثل علامة على البلوغ في عرف شريحة واسعة من أفراد المجتمع. هذا التأثير الإجتماعي له دور أساسي في توجيه النقاش حول الموضوع. لكنه يظل نقاشا مناسباتيا سيخبو بمجرد حلول عيد الفطر.
    مسألة الإفطار العلني في رمضان ليست مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي، فالأمر يتعلق بالهوية الدينية للمجتمع ومن تم فهو يعني مسا مباشرا بالشعور الديني للمغاربة في تداخل ضروري بين الشرطين الديني و الإجتماعي. غير أن المشكلة لا تكمن في خطورة الطرح و جرأته، وإنما في السياق العام الذي يحكم هذا الطرح. فالحلقة المفقودة في الموضوع هي طبيعة تناوله وآفاقه. و الحديث عن حق في الإفطار العلني ليس له أي سند قانوني ما دام المغرب بنص الدستور هو دولة إسلامية. كما هو الحال في كل البلاد الإسلامية. و هذا يعني أن التشريع الإسلامي له حضوره في القوانين المعمول بها. لذلك فالنقاش في مثل هذه المواضيع و إن كان على المستوى الظاهري يؤشر لحركية و دينامية ما، فإنه يوجه الرأي العام عن مشكلات أكثر إلحاحا. فمن ليس مقتنعا بالصيام يمكن أن يفطر في بيته. أما الأفق الحقيقي و المغيب في مثل هذه النقاشات فهو " الحرية " نفسها. و إذا كنا نؤمن بحرية كل شخص في أن يفعل ما يشاء، فمن اللازم أن نتذكر القاعدة الذهبية التي تقول: " تنتهي حريتي حينما تبدأ حرية الآخرين ". لذلك فالمشكل لا يكمن في عدم الصيام، لأن ذلك شأن شخصي متعلق بصاحبه. إذ لا إكراه في الدين كما نعرف جميعا. لكن أي تصرف علني في الشارع العام تحت مسمى الحرية يمكن أن يكون له و قع عكسي لأنه ببساطة يحمل استفزازا للآخرين.
    مازلنا نحتاج لكثير من الوقت لفهم دلالة الحرية قولا و فعلا. و كل النقاشات الجانبية من هذا القبيل تحجب الرؤية و لا تسمح بالتوجه إلى المشاكل الحقيقية التي ينبغي أن تكون الديموقراطية بكل معانيها الإنسانية حجر الزاوية فيها. و بعد ذلك سيكون لكل حادث حديث.
                    محمد مغوتي.19/08/2010.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !