الأصل و الروافد
بعد ما تقدم لابد أن يتبادر إلى الذهن سؤال مهم:ما أصل هذا التيار الفكرى المسمى بالتصوف
وما روافده وكيف تطور حتى وصل إلى حالته الراهنة؟
تعالوا نستمع إلى شهادة رجل برع فى علوم (الجغرافيا)ولم تكن له خصومات دينية أو مذهبية.وهو(البيرونى)يقول فى كتابه:(تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة فى العقل أو مرذولة)بعد حديثه عن آراء فلاسفة الهند القدامى:(وهذا رأى السوفية وهم الحكماء ولماذهب فى الإسلام قوم إلى قريب من قولهم سموا باسمهم)أى أنه يقررأن الصوفية-السوفية-مستمدة من فلسفة الهند القديمة التى تشيع فيها فكرة الاتحاد والحلول بالإله التى تسمى عندهم(النرفانا).
والإمام (ابن الأثرم)وهو متقدم فقد توفى 253هجرية يتحدث عنهم فى كتابه (التنبيه والرد)
يقول:(ومنهم العبدكية جعلوا أن الدنيا كلها حرام محرم لايحل الأخذ منهاإلا القوت فيحل لك أن تأخذ القوت من الحرام حيث كان ومنهم الروحانية وزعموا أن لهم أرواحاتنظرإلى ملكوت السموات ويعاينون بها الجنان ويجامعون الحور العين ويتلذذون بمخاطبة الله إياهم)
وهو-هنا-يضيف إلى الرافد الهندى رافدا فارسيا يتمثل فى عبدك هذا .
ومن المؤكد أن هذا الفكر وجد فرصته الذهبية فى الخلاف الذى وقع بين (على)و(معاوية)رضى الله عنهما ثم بين أصحاب على رضى الله عنه وكان التشيع هو اللباس الإسلامى الذى
برز فيه التصوف الإسلامى على الساحة الإسلامية.
ومن الأدلة الواقعة على ذلك أن هذه النغمة-نغمة التشيع لعلى وآل البيت-طرقت سمعه-رضى الله عنه-فنفاها نفيا صريحا حين سئل:(هل خصك رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بعلم؟)فقال:(لا والذى فلق الحبة وبرأالنسمة ما خصنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-بشىء من العلم إلا ما فى هذه الصحيفة أو فهما يفهمه المرءمن كتاب الله عز وجل)وأخرج الصحيفة فإذا فيها:(العقل-أى الدية-وألايقتل مسلم بكافر).
وأول من ابتدع تلك المقولات اليهودى عبد الله بن سبأ.وقبل (على)رضى الله عته لم يكن لهذا الفكر أثر ألبتة.فالأصل-إذن-همدى فارسى واللباس شيعى باطنى.
أما عوامل ازدهاره فهى :
أنه لما استقر الأمر لمعاوية-رضى الله عته-وانتهت الفتنة انشغل الناس بالعلم والتدوين إلى جانب الفتوحات وكان للفقهاء الحظوة عند الأمويين مماجعل الشيعة يحقدون عليهم وينفسون
عليهم هذه المكانة هذا من ناحية ومن ناحية أخرى وقع الفقهاء أنفسهم فى حبائل التفريعات
والتشديدات والاختلافات حول العديد من مسائل التشريع الأمر الذى أوقع العامة فى الحيرة خاصة بعد أن اشتد الخلاف بين الفقهاء إلى حد التكفير وإبطال العبادة.
وكانت هذه الفرصة الذهبية للتصوف ليقفز إلى الساحة ليسهل للناس ما شدد الفقهاء ويحلون لهم ما حرمه أولئك بل وصل الأمر إلى إهدار الشريعة بالكلية باعتبارها ظاهرا والمهم-فى نظرهم-هو الباطن وكان لهذا أكبر الأثر فى استقطاب كثير من العوام وشيوع مقولات صارت من الأمثال مثل :(ربنا رب قلوب) (مدد يا ...)(يامتولى)....................
وشاع الحديث عن كراما الأولياء-بحق وغير حق-والعوام تستهويهم خوارق العادات والوعد بالثواب الجزيل على الأعمال اليسيرة.
وزادت السنون والقرون هذا الفكر رسوخا فى ظل الضعف العام الذى شل كيان الأمة خاصة
مع تقاعس العلماء عن التصدى لهذا التيار وتبيان الحق للناس بل-للأسف الآسف-آثربعض
العلماء أن يركب هذه الموجة الآثمة متعللين بشتى الظروف ليحققوا من وراء ذلك مكاسب
دنيوية سامحهم الله وهداهم وغفر لهم.
أضف إلى ذلك عاملا مهما ففى ظل قيام كيانا ت إسلامية منفصلة ومتناحرة اهتم الحكام بصرف الناس عن الاشتغال بالسياسة وقدم الصوفية لهم -بسرور-هذه الخدمة وذلك بتغييب الناس عن واقع حياتهم وإغراقهم فى مسائل باطلة مثل تهويمات الأذكار الصوفية والتوسل
بالأولياء .وبضربة واحدة كسب هؤلاء الحكام والعوام.
والخلاصة:أن-تقريب الفقهاء-ثم اختلافهم-ثم حالة الضعف والتمزق العام.كل ذلك هيأالبيئة
المناسبة لازدهار التصوف.
ولا يزال الحديث مستمرا والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التعليقات (0)