فلسطين – محمود درويش في اليونسكو
بقلم : حسن توفيق
إن أجمل أيامنا هو هذا الذي لم يأتِ بعد .. هذا ما نطق به قلب الشاعر التركي ناظم حكمت ، وهو نفس ما أحس به واستوعبه محمود درويش ، فقد انضوى الشاعران العظيمان تحت لواء فكر تقدمي مستنير يجير الفقير ، ويحاول أن يرى الحياة تتجدد في مناخ يسوده الحب وترترف فيه الطمأنينة لكي يسعد كل الناس من مختلف العقائد والألوان والأجناس ، لكن ناظم حكمت كان ينطلق في حبه للناس أجمعين من خلال حبه لوطنه تركيا ، وكذلك كان حال محمود درويش الذي ينطلق في حبه للبشرية من عمق حبه لتراب فلسطين الغالية ، دون أن ييأس أبدا لأنه يدرك أن فلسطين برغم كل الويلات الأخطبوطية التي تحاول خنقها لا بد أن تنتصر، ولا بد أن تنفض عنها رماد الأساطير الصهيونية المعادية لحق كل إنسان في أن يعيش حرا أبيا فوق أرض وطنه .
رحل الشاعران ، واحتضنت الأرض في تركيا جسد ناظم حكمت يوم سنة 1964 كما احتضنت الأرض في رام الله بفلسطين جسد محمود درويش يوم 13 أغسطس سنة2008 لكني وجدتهما – في خيالي – يتعانقان وهما يحتفلان بانتصار حاسم جديد للحرية المقدسة ضد التعصب الأعمى ، وضد كل من يسرقون – بكل بجاحة ووقاحة – أوطان الآخرين ، وضد من يزعمون – زورا – أنهم ذهبوا إلى أرض بلا شعب لكي يسكنوها ويعمروها ، لأنهم كانوا شعبا بلا أرض.
هذا هو محمود درويش – وبرغم غيابه – يهتف بأعلى الصوت : على هذه الأرض ما يستحق الحياة – على هذه الأرض سيدة الأرض ، أمّ البدايات ، أمّ النهايات ، كانت تسمَى فلسطين ، صارت تسمَى فلسطين – سيدتي : أستحقُ لأنك سيدتي .. أستحق الحياة . وإذا كان من حق محمود درويش أن يهتف بأعلى صوته ، فإن من حق كل عشاق الحرية - لا في فلسطين وحدها وإنما في العالم كله - أن يبتهجوا ، فها هي سيدة الأرض ينادَى على اسمها الذي حاول الغزاة العنصريون – منذ سنة 1948 - أن يطمسوه وأن يشطبوه من التاريخ والجغرفيا ، ومن أذهان الناس جميعا ، ها هي فلسطين ينادَى على اسمها في يوم مشهود من أيام النضال ضد العتصرية وضد كل القوى المتجبرة التي تتوهم أن الظلم يمكن أن يدوم إلى الأبد .
ها هي فلسطين – محمود درويش دولة كاملة العضوية في منظمة اليونسكو العالمية ، ولم يكن ما تحقق إشفاقا أو مجاملة ، بل كان استرجاعا لحق ظلّ ضائعا وتائها على امتداد سنوات تلو سنوات ، لكن الحق لا يمكن أن يضيع وإن طال الأمد ، طالما أن أصحابه يطالبون به دون أن ييأسوا أو يرميهم الإحباط في بئره السوداء التي لا قرار لها .
أبدا لم تكن فلسطين أرضا بلا شعب ، ولم تكن مسرحا للقتل والإبادة إلا بعد أن جاء الصهاينة – القراصنة إليها وأعلنوا قيام دولتهم العنصرية على أرضها ، بمساندة علنية من بريطانيا التي كانت العظمى وقتها ، وبانحياز أعمى من جانب الولايات المتحدة الأمريكية – القوة العظمى في هذا الزمان وإن كان هذا إلى حين ، لأن الظلم – كما يقول ابن خلدون – مؤذن بزوال العمران ، حتى وإن لم يستوعب الطغاة الظالمون دروس التاريخ ، فالحقيقة أن التهديد الأمريكي بعدم دفع جزء بسيط من ميزانية اليونسكو لمجرد قبول فلسطين عضوا في تلك المنظمة هو تهديد أقرب ما يكون إلى أسلوب الابتزاز والترهيب ، لكنه – في خاتمة المطاف – تهديد أجوف ومثير للسخرية ، وقد يستحق قدرا من الرثاء !
إذا كانت فلسطين – الدولة تتلقى المعونات الاقتصادية إلى أن تكنمل لها مقومات الدولة ، فإن فلسطين – الثقافة تتميز بالثراء من خلال مثقفيها وأدبائها وشعرائها وفنانيها ، ويكفي أن نتذكر – على سبيل المثال – ادوارد سعيد ، ونتذكر معه إميل حبيبي وغسان كنفاني واسماعيل شموط ، إلى جانب شعراء الحرية عبر مختلف الأجيال من أبي سلمى وإبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود إلى سميح القاسم وتوفيق زياد وسالم جبران وفدوى طوقان ، فلسطين – الثقافة هي كل هؤلاء وسواهم وهم كثيرون ، وفلسطين هي فلسطين – محمود درويش : على هذه الأرض ما يستحق الحياة .
magnoonalarab@yahoo.com
التعليقات (0)