كانت ندوة عرض على المتحدثين فيها سؤال واحد:
كيف ينظر الإسلام إلى (الحياة الدنيا)؟
وكانت الإجابات تتلخص فى أن الدنيا:
1-تافهة. 2-حقيرة. 3-قبيحة.
ولقد أزعجتنى وأحزنتنى هذه الإجابات.لأنها خطأ وخطر.
خطأ لأنها خلاف الحق وخطر لأنها تورد الأفراد والأمة مورد الهلكة.
قالوا:إن الدنيا تافهة بدليل قوله تعالى :"قل متاع الدنيا قليل".وما علموا أن
القلة لاتعنى التفاهة فقد يكون القليل عالى القيمة فسورة(الإخلاص)سطر واحد
وهو قليل ولكنها-كما قال صلى الله عليه وسلم-"تعدل ثلث القرآن".
وقالوا إن الدنيا حقيرة لقوله صلى الله عليه وسلم:"لو كانت الدنيا تعدل عند الله
جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء".فإذا كانت البعوضة حقيرة فما بالك
بجناحها؟وهذا فهم خاطىء للحديث فالحديث يبين ضآلة الدنيا لاحقارتها وحديث
النبى-صلى الله عليه وسلم-يبين أن السموات السبع والأرضين السبع فى جانب ملك الله
كحلقة ملقاة فى فلاة .ولا يصح القول أن البعوضة حقيرة فهى خلق الله وهى مخلوق عظيم
"هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه"وقد ضرب الله المثل بالبعوضة والذباب
والنمل والعنكبوت.
وقالوا:الدليل على أن الدنيا قبيحة قوله صلى الله عليه وسلم :"الدنيا ملعونة ملعون كل ما
فيها إلا ذكر الله وعالما ومتعلما" وهذا استدلال فاسد لأن الدنيا إذاخلت من ذكر الله ومن العلم
ماذا يبقى فيها؟وهذا الحديث تحديدا يعنى أن فى الحياة أمورا تستحق أن يحيا الإنسان من
أجلها وأن هذه الحياة جديرة ألا تضيع هباء منثورا.
وقالوا:إن المؤمن العاقل يجب أن يترك الدنيا لأهلها وأن يكون من أبناء الآخرة.
وهذا-لعمرى-كلام أحمق لايقوله إلا جاهل أو عدو متربص بالإسلام.
فليس فى القرآن ولا السنة المطهرة لفظ (الدنيا قبيحة)بل العكس ففى القرآن:"زين للناس
حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والأنعام والحرث
ذلك متاع الحيا الدنيا"والذى زين هاته الأشياء هو الله تعالى.
وقى الحديث"إن الدنيا حلوة خضرة"
بل إن القرآن يدعو المؤمنين إلى التمتع بالزينة الحلال ويمزج هذه المتعة بالدين مزجا عجيبا
"يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربواولاتسرفوا"
فانظروا-رحمنى الله وإياكم-كيف تتداخل متعة الحياة من زينة الملبس والمطعم والمشرب
وهى من خصائص الدنيا مع المسجد الذى هو رمز للعبادة فى الإسلام.
أما احتجاجهم بحديث"كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل "على وجوب ترك الدنيا
فهو فهم جهول وغبى لأن منطوق الحديث يقول غير هذا فالغريب وعابر السبيل فى أشد
الحاجة إلى ما يبلغهما غايتهما من طعام وشراب ولا يستغنيان عن المأوى والملبس
ووسيلة المواصلات وهل الدنيا إلا هذه الأمور؟ا
ولمن يترك المسلم الدنيا؟وإنما خلقه الله لإعمارها وقررأنه جديرباقتناص نعيمها وحده
"قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة
الدنيا خالصة يوم القيامة".تأملوا هذه الكلمات العلوية وهى تتجاهل غير المؤمنين مع أن الله
خلق الدنيا للجميع فى إشارة واضحة إلى أن المؤمن أجدرالناس بنعم الله لأنه يعبد الله.
وأنا أقول لهؤلاء الغافلين:إن أعداء الإسلام على استعداد لأن يبنواللمسلمين مساجد من الذهب إذا تركوا لهم الدنيا .
وقد يكون مناسبا أن أذكر حكاية ذلك الشاعر الذى مدح الخليفة (المأمون)وخرج حزينا
لأن الخليفة لم يقدر شعره وقال لصديق له:إن أمير المؤمنين لا علم له بالشعرفقد مدحته ببيت
أستحق عليه نصف ملكه قلت له:
أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلا
بالدين والناس بالدنيا مشاغيل
قال صاحبه: والله لقد حلم عليك إذ لم يؤدبك عليه.لقد جعلت أمير المؤمنين عجوزا فى
محرابها بيدها مسبحتها فمن لسياسة الدنيا وأمور الناس؟ألا قلت كما قال الشاعر:
فلا هو فى الدنيا مضيع نصيبه
ولا أمرالدنيا عن الدين شاغله
فهيا يا مسلمون أطيعوا أمر ربكم واملكوا الدنياواملأوها زراعة وصناعة وتجارة وعلما
وعلموا العالم أن هذا هو الإسلام عين على الدنيا وعين على الآخرة."فامشوا فى مناكبها وكلوامن رزقه وإليه النشور"
التعليقات (0)