بعد الزوبعة التي أثارتها إساءات " ياسر الحبيب " للسيدة عائشة ( أم المؤمنين )، أصدر مرشد الثورة الإيرانية علي أكبر خامنئي فتوى تقضي " بتحريم الإساءة إلى الصحابة و زوجات الرسول صلى الله عليه و سلم. " و قد رحبت الأوساط السنية بهذه الفتوى معتبرة إياها محطة لرأب الصدع و تجنب الفتنة. و في هذا الصدد قال شيخ الأزهر تعليقا على مبادرة المرجع الشيعي الإيراني: "من موقع العلم ومن واقع المسؤولية الشرعية أقرر أن السعى لوحدة المسلمين فرض، وأن الاختلاف بين أصحاب المذاهب الإسلامية ينبغي أن يبقى محصورا في دائرة الاختلاف في الرأي والاجتهاد بين العلماء وأصحاب الرأي وألا يمس وحدة الأمة. ".
من موقع المسؤولية التي يضطلع بها مرشد الثورة بوصفه مرجعا كبيرا من مراجع الشيعة، يمكن القول أنه أدى واجبه الأخلاقي و الديني بإصداره للفتوى المذكورة. لكن قراءة واقعة الإساءة، وبغض النظر عن التسييس الذي رافقها، يؤكد أن حال المسلمين أعقد مما يحاول البعض أن يصوروه لنا. إذ لم يكن الكلام الذي تفوه به "ياسر الحبيب" في حق السيدة عائشة مفاجئا أو جديدا، فقد تعود الكثيرون ممن يسميهم السنة بالشيعة الرافضة، تعودوا الإساءة إلى الصحابة علنا في صلواتهم. و يكفي مثلا أن نبحث في الموضوع على موقع " يوتيوب " لتطالعنا عشرات الأشرطة الصوتية و المرئية لأشخاص يسبون أبا بكر و عمر و يتهمونهما بأقدح الأوصاف. ومن تم فالموقف السلبي من بعض الصحابة ليس حالة شاذة، بل يندرج ضمن إيديولوجية غير معلنة تؤطر العقيدة الشيعية التي تتخذ من مشكلة الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم منطلقا لتوجه مذهبي هو في العمق تتويج لخلاف سياسي ما زال يلقي بظلاله الطائفية حتى الآن. لذلك فالسؤال المطروح في هذا الشأن في علاقة مع موضوع الفتوى الخامنائية هو: ما مدى تأثير هذه الفتوى؟ و لماذا لم تصدر قبل اليوم؟.
إن الخرجة الأخيرة لمفتي الجمهورية الإسلامية لا تقدم و لا تؤخر في الأمر شيئا. و إذا كان لها من حسنة، فهي مساهمتها في إخماد سريع لنيران العواطف المتأججة التي تتغذى على الطائفية التي أصبح معها المسلمون " طرائق قددا ". لذلك فالفتوى لا تعدو أن تكون قارورة لإطفاء الحريق. و المسلمون ليسوا بحاجة إلى هذه الفتاوى الموسمية التي تبقي الوضع على ماهو عليه، و تحاول أن تدرأ على سلوكات تصدر عن " رجال دين " يلعبون دورا بارزا في تشتيت الصفوف و أدلجة الممارسة الدينية. لذلك فوحدة المسلمين التي تحدث عنها بيان الأزهر في ترحيبه بفتوى خامنائي، لا معنى لها في الواقع، لأن كل المؤشرات تدل على غيابها. و هذا الوضع ليس نتيجة لواقع محدد فرضته الظروف الراهنة، بل هو نتيجة لثقافة اجتماعية ترفض الإختلاف و تجعله مرادفا للتناقض. لذلك لم يسلم الإختلاف المذهبي من تبعات هذه الثقافة، و تجاوز مستوى الرأي و الإجتهاد. وهكذا تحول مبدأ " في الإختلاف رحمة " إلى نقمة على المستوى العملي. و رغم ذلك يصر المسلمون على تصدير الأزمة للخارج، و يتحدثون عن هجمة أجنبية ضدهم و ضد ثوابتهم الدينية، وهم يتناسون أن التهديد الحقيقي يواجههم من الداخل.
وبهذا الإعتبار فإن الفتوى الحقيقية التي ينبغي إصدارها لا يجب أن تتوقف عند ثنائية: الحلال و الحرام، بل أن تتجاوز ذلك إلى مستوى ممارسة نقد حقيقي للمرجعية الإيديولوجية الثاوية في تجليات التضارب المذهبي في بلاد الإسلام. فمن يجرؤ؟. محمد مغوتي. 04/10/2010.
التعليقات (0)