عن المُتصالحِ الذي لا يطيقُ نفسَهُ !
متصالحٌ أنا ؛
مع مَشهدِ البُحيرةِ الغامضِ ..
المشهدِ الذي مللتُهُ ،
مع موجزِ الأنباءِ السَّائلِ من فرطِ الدُّموعِ ،
مع الأصدقاءِ الذين كانوا سفلةً و صالحينَ ،
مع اللهِ - كضرورةٍ - كي تشعرَ أمِّي و بعضُ معارفي بالطُّمأنينةِ ،
مع "قصيدةِ النَّثرِ" و شُعرائها الذينَ لمْ يكتبوها بعدُ ..
بل حتَّى مع نصِّ "الهايكو" العربيِّ .. يا لسخائي !
متصالحٌ أنا ؛
مع التي شتمتْني حينَ زهدتُ بها يومًا ،
مع التي تلوكُني بِغِلٍّ منذُ أنْ مسحتُ على رأسِها بمودَّةٍ ..
و قلتُ : "إنَّ هذا سيضرُّ بكِ !"
مع النَّكرةِ الذي شوَّهَني لأنَّني لا أراهُ ..
لا أراهُ و حسبْ !
متصالحٌ أنا ؛
مع سجائرِ "أسبينَ" المُفردِ و عَرَق "أبو نؤاسَ" عام 1996 ،
مع الذَّاكرةِ المكتوبةِ ..
مع شباطَ من عام 1998 ..
مع ليبيا ..
مع الأرصفةِ التي شهدتْ على ضياعيَ ،
مع الحجَّاجِ الثَّقفي و بول بوت و عبد الوهَّاب البيَّاتي ،
مع الشَّاعرِ "الخرفِ" الكبيرِ و جنودهِ الصِّغارِ ،
مع صدَّام حسين الذي هيَّأ لنا الخازوقَ خلالَ ثلاثةِ عقودٍ ،
مع بوش الأب الذي زيَّتَ لنا الخازوقَ عام 1991 ،
مع بوش الإبن الذي أجلسَنا على الخازوقِ عام 2003 ،
مع "مام جلال" و الأربعينَ "صدَّامًا" في المنطقةِ الخضراءِ ،
مع الآنسة "ميسون الدملوجي" ..
فقط كي أغيظَ صديقي المالحَ كدمعةٍ !
في الواقعِ ؛
أنا متصالحٌ مع كلِّ شيءٍ تقريبًا ..
إلاَّ مع الدَّمِ المسفوكِ و الجوعِ النَّافرِ ..
و الوجوهِ الشَّتويَّةِ و الثِّيابِ المُقصَّرةِ ؛
كحدثٍ يوميٍّ مُعتادٍ و مباشرٍ !
نعمْ .. متصالحٌ أنا ؛
إنَّما لا أطيقُ الطَّارئينَ ،
الطَّوَّافينَ بتخنُّثٍ - و دونَ سببٍ - حولَ عُزلةِ الآخرينَ ،
المُتسلِّقينَ على كتفِ الفنِّ و جماليَّاتهِ الأساسيَّةِ ،
المحسوبينَ – لأسبابٍ أجهلُها - على الشِّعرِ و جدِّيَّتهِ الصَّارمةِ ،
المُرائينَ في الحُبِّ و دموعهِ و دمائهِ و كيسِ ضَحكهِ الصَّغيرِ ،
المملكوينَ كعبيدٍ أو إماءٍ لعلاقةٍ أو عاطفةٍ ،
المحتشمينَ لا لطبعٍ فيهم إنَّما لفجورٍ ينمو .. و ينمو ،
المُداسينَ في مواهبِهم و نفوسِهم و عقولِهم ،
الآخذينَ مِن الشَّرقِ نُخالةَ روحانيَّتِهِ ..
و مِن أوربَّا وهمَ الحريَّةِ - لا جوهرَها - و الإدمانَ على الخُمورِ ،
المزيِّفينَ خساراتِهم باجتراحِ القصصِ الكاذبةِ ،
الثوريِّينَ الجُبناءَ أمامَ إلهامِ التَّضحيةِ ،
المقاتلينَ برشاقةِ راقصِ الباليه أمامَ إيهامِ شاشةِ "اللابتوب" البرَّاقةِ !
لا أطيقُ هؤلاءِ ..
و لا أطيقُ نفسي أيضًا ؛
اللَّعنةْ !
اللَّوحةُ للتَّشكيليِّ الكويتيّ :
عبد الوهّاب العوضيّ
منشورٌ في صحيفةِ "الكويتيّة" الكويتيّة ؛
عدد 21 | كانون الأوَّل | 2011
سعد الياسري
كانون الأوّل | 2011
السّويد
الموقع الشّخصيّ
التعليقات (0)