آتٍ مِنْ البعيد جِداً !
مُشتاقُّ لأسرتهِ الصغيرة ؛ آتٍ على قدمينِ عاريتين ! مُنتعلاً حُلمه الماضي أدارج الآمال حينَ تأتي ولا تعود !
حينُ تَكون أداة اصطدام بقلوبنا ! و أحلامُنا هيّ جزء مِنا يقتلنا يُمارسُ دورَ الجزار فينا !
من بعدِ رحلةٍ شاقة , وألامٍ مُتعبة و أحلامٍ مُتبخرة , أحس بنشوة التفاؤل الذي لم يُحسه منذُ الأربعين شهراً الماضية !
فها هيّ الشمسُ تشرقُ في عينيه بالفرح والسعادة تذكرهُ أن الحبَ زادُ حياتيه الشاقة !
يرى القرية يتجول هُنا و هُناك , يتذكرُ يومَ كان متسولاً في هذا الزقاق لا يرتدي إلاّ جسدهُ مِعطفاً , مِعطفه الحاجة و الألم يتذكرُ كم كان يسعد حينَ يحصل على قطعة نقود فضية لا تسوي في قيمتها شيء ! , وكيفَ كان يجاهد يوم بأكمله حتى يحصل على بقايا رغيفٍ في سلةِ المهملات ! , لم يكن يعرف أن يكتب ! , كانت تكتبهُ أحزانهُ تفضحهُ عيونه تقيم حملة تشهير كبرى به !
إنهُ متسول ! , هذا قدرهُ , هذه وظيفته في الحياة !
كان يفكر في كل شيء وبدأ يستعيد الذكريات ..يتذكر و يبتسم ..يتذكر ويبتسم ..
حتى وصل إلى مَنزلة فتح الباب فلم يجد أحد ..
أستقبله الغبار كما تستقبله العناكب والفأران , تذكر أنهُ نسي أن يتذكر أنهُ غادر بلا سابقِ إنذار ! , لم يكن الزادُ يكفي , لم يكن حتى الحُب الذي نمى في عائلته يكفي !
حيثُ كانوا يرتدون الملاءات ذات خُروج للبحث عن لقمة العيش !
في مكبٍ , في سرقة , في ارتداء ثوب الشقاء تارة ثوب الذل تارة ثوب التودد تارة أخرى !
و هو يتذكر !
قال له الغبار أن عائلته خلصت إلى انتهاء ! , لم تعد تسكن هذا العالم الذي جمعهم طيلة سنوات جافة من العيش , جافة من الخلاص !
لم يمت هوَ من الجوع كنتيجة طبيعية فالأموات لا يموتون أخرى إلا بعد الحياة !
ماتَ وخلف خلفهُ ذكريات ممتلئ من الشبع الحُزني والمأساوي الذي رسم خريطة وجهه
خريطة عيشه على اللا شيء ! , وبقدر ما تكون فارغاً تكون ممتلئ لأشياء تؤلمك تمزقك
تتقاسمك لتحيا !
يا لـ التعاسة وهي ترتدي قناع الحزن في حفلٍ لم يدعو له مسبقاً .. توقف الساعة توقف مترقبة لِمَ يحدثُ لأن الوقت دومًا يخون يخون حتى نفسه ! , ويفضحها في كلِ مرةٍ أكثر ..
إنه فانٍ الآن , يمارس دور السارق ليسرق العيش !
هو مؤمن بمبدأ كما سرقتني أيتها الحياة فأنا أسرقك اليوم , والمبدأ هو من صنعي أنا ليس من صنع
مؤسسة أخلاقية تصنع مبادئ تتوافق مع معطيات عيشها , أنهُ موقن أن استنساخ حياته !
لا وجود له ولو كذب عليه كل أولئك الذين يتعاطفون معه يرمقونه بعيونهم ! , ولا يفكر أحدهم أن يعينه على الخروج من محنته وفقره من كلِ شيء يجعله يسرق يجعله يكذب ..
عمل .. و عمل .. وعمل إلى أن خلص إلى ارتداء سترة الجنون ليسرق عيشه من حياته !
ليبقى أكثر ليأكل أكثر ليسرق من الآخرين كُل شيء
نظراتهم , ابتساماتهم , تعاطفهم
وَ يضحك كثيراً ويمعن في الضحك في داخله يسكن الرصيف لا يُلام !
تستقطبه العائلات حِينَ يحتضر الصيف ويستسلم لبردة الشتاء البيضاء !
أيامهُ لا تتغير , إنهُ يتنفس الأن كما تنفس بالأمس , إنه عارٍ الأن كما هوَ عارٍ بالأمس ! , إنه محبط الأن كما هو محبط بالأمس , إنه يلعق المأكولات على الزقاق كما يفعل في كلِ يوم , إنهُ يكذب كما يكذب في كلِ مرة يضبط فيها بعد السرقة لم يقوى على قول أنه جائع فقط ! ,كان يفكر في كلِ يومٍ يمر لم كل شيء يمر كما يمر , ولما تسير الحياة عليه ذليلاً !
فكر في أن يُغير من حياته ! , أقدم على اختطاف طفل يذكره بطفله الأول , لكنه صدم إذ هوَ يختطف ذات الطفل ذات الساعة في كل يوم , لم ييأس حاول أن يغير وبعد تفكير جهيد قرر
الانتحار شنقاً كان جاداً لقد أقدم فعلاً على الانتحار لقد غير من حياته
كما يفعل في كل يوم !!
التعليقات (0)