أسامة احمد السباعي
في
الأسبوع الماضي، علا صوت جهوري شق الصمت الذي ران في صالة استقبال الركاب
القادمين من الخارج، صاحب الصوت رجل يرتدي مشلحا يصيح: (ما يجوز.. حرام..
اتقوا الله.. هذا فسق.. إنه والله فساد في الأرض)!.
وعلى
بعد أمتار، وصلت فتاة مع بعض من أهلها قادمين من الخارج، واخذت تركض نحو
رجل متقدم في السن.. احتضنته وقبلته وهي تقول (والله وحشتني كثير يا بابا).
بحلق المستقبلون حول الرجل صاحب الصوت يستفسرون، منه عن مصدر الفسق
والفساد في الأرض، فأشار إليهم وهو متجه صوب الأب وابنته والتوتر والغضب
يملآن جوانحه.
لحق بعض المستقبلين الرجل ووقفوا أمامه دون وصوله
إلى الأب وابنته. والبعض الآخر من المستقبلين يحثونهما على الإسراع في
الخروج من الصالة.
بلغ الغضب من الرجل أقصاه، فرفع عقيرته:
أوقفوا هذا المنكر لكن الرجل المسن وابنته غادرا المطار وصوته يلاحقهما
حتى غابا عن الأنظار.
ما الذي يضير الرجل أو أيا من الموجودين في
المطار أن تحتضن ابنة أباها. أي تحتضن محرمها؟ صحيح أن هذا حدث امام الناس
وهذا السلوك قد لا يستسيغه البعض. غير أن حرارة اللقاء دعت الابنة ان
تحتضن أباها وتقبله. وقد يتكرر المشهد بين الزوج وزوجه. المهم هل نجد في
الحضن ما نخشى منه على المشاهدين من مشاعر وأحاسيس حسية؟.
ألا
يجمل بنا في مثل هذا الموقف أن نحسن الظن في سلوك هؤلاء الذين غلبت عليهم
عواطفهم فأنساهم جو اللقاء أنهم أمام جمهرة من الناس.. وكان عليهم ضبط
عواطفهم والانتظار حتى يصلوا إلى بيتهم فيقبّلوا ما شاء لهم من التقبيل
والحضن.. وان لم يفعلوا!؟.
إن لم يفعلوا فلا مناص من ايجاد العذر
لهم، وغض الطرف عن أي إجراء يفسد لقاء الاثنين (رجل وأمه او خالته او عمته
أو ابنته او زوجته).
ترى هل يمكن تصور رد الفعل الذي يحدث لو هجم
الرجل على المسن وابنته؟ الا تحدث مشادة قد تنتهي باشتباك لا تحمد عقباه؟
فلو تدخل من المستقبلين ممن لا يرون في الأمر غضاضة، لانتهت المشادة
بالتفرقة بين الطرفين.. ولو تدخل ممن يؤيدون الرجل، لانتهت المشادة
بالاشتباك بالأيدي.. وربما بالعصي أيضا!.
ما الذي تجنيه- أيها الرجل- من وراء تدخلك وصياحك؟ أنظر إلى الحالة نظرة المشفق.. وتبسم، ولا تنظر إليها نظرة المعترض.. فتكشّر..
لا تغلو في رد الفعل، ولا تضخم الأمور فتلبسها لباس التحريم أو تخلع
عليها حلة الفساد وسوء الأخلاق، والفعل ابتداء مباح بين أنثى ومحرمها.
ويصدف في اليوم الذي اكتب فيه هذا المقال ان اطلع على مقال للدكتور سالم
احمد سحاب (المدينة 17/4/1430هـ-ص2) في عموده (ملح وسكر) تقرب فكرته إلى
فكرة مقالي.. فقد عنون لفكرته (الحبة والقبة في عمل الهيئة).
علق
الدكتور سحاب على المواطن محمد القحطاني الذي أوسع ضربا في أحد مواقف
السيارات التابعة لمجمع تجاري في الرياض، وذلك لتقبيل الرجل لزوجته في
مواقف السيارات وضمه اليها!.
علق مستفسرا لماذا يصر بعض موظفي
هيئة الأمر بالمعروف على تضخيم بعض القضايا الصغيرة؟ لماذا يصنع أحدهم من
الحبة قبة، ومن الصغيرة كبيرة.
ما الذي يعطي منسوبي الهيئة الحق بإدانة المواطن وإنزال العقوبة عليه؟.
أما كان من الحكمة نصح الزوجين بالكلمة الطيبة.. بدلا من ممارسة تفيض غلظة وشدة؟.
إن الرجل (صاحب قضيتنا) سواء أكان، يمثل نفسه أو يمثل الهيئة قد يرى أن
حضن الابنة لأبيها، أو الزوج لزوجته، او الأخ لأخته في المطار منكر يستحق
معه التهجم عليهما وقد لا يراه الناس إلا أمرا عاديا لا يثير لهم غريزة
ولا يؤذي لهم مشاعر. ليس من شيم الإسلام التهجم على الناس وبهذلتهم
وإهانتهم ومطاردتهم في الشوارع.
إننا اليوم نجتاز عهداً جديداً في معاملة الناس.. عهدا يقوم على عدم الأذى
باليد أو باللسان، وتقديم (بدلا منه) حسن النية والكلمة الطيبة، واقرار
مبدأ الستر لا الفضيحة. فهل من مجيب؟
نقلاً عن صحيفة "المدينة" السعودية
التعليقات (0)