مواضيع اليوم

عبقرية المكان ... في درة شرق السودان

النثر عند عمر الحاج موسى ، حديث نغيم وقول نظيم ، يختار كلماته بدقه وعمق وشفافية وجاء أبلغ نثره في حب مدينة كسلا التي عشقها وهام بها مثل كل المبدعين الذين أسرفوا في إطرائها .. يقول العميد الأديب اللبيب وهو يخاطب أهل كسلا :
أعود إلى كسلا فأجد الربع قد تغير إلا أن أربع لم تتغير .
أولها جبل التاكا ، حلية كسلا وعقدها ـ والمتأمل إليها من عل من الطائرة ، يخالها لكسلا كنهود الحسناء للحسناء ،،، مشرئبة عالية كأنها ترضع القمر .
ثانية الأربع ، نهر القاش ،، وقد أحاط بالساعد خصر كسلا عفيفاً ،، عنيفاً .. زرع أهلها على فخذيه حدائقاً غلبا وفاكهة وأبا ،، متاعاً لهم ولأنعامهم .
ثالث الأربع – أهل كسلا – سماحتهم غيث .. ونجدتهم غوث كلامهم كله ظريف كأنه يضحك ،، كلامهم كله عفيف كأنهم يغسلونه قبل الحديث به . ونساء كسلا يلبسون الثوب .. والثوب في كسلا يتثاءب عند الخصر – ما حضنت الغريب نظراتهن إلا وجفلت العيون واحتمت بالأهداب واعتصمت بالمعاصم حياءً وخفراً . يزدن في بهجة كسلا الفاتحة صدرها لكل عزيز زائر وكانت رابع الأربع عند العميد هي حالة الحب الذي يكنه ويتبادله مع المدينة فيقول : (( وعندما يحب المرء فلا سدرة لمنتهى فالحب للحب كالطيب وللطيب إفتضاح )) ...(انتهى)
تواتر القول واختلف الرواة حول اسم ((كسلا )) بعضهم يقولون أن الاسم كان لجارية سكنت تحت سفح الجبل اسمها ((كسلا)) يغشاها المسافرون ويجدون عندها ما يسد رمقهم من زاد لهم ولرواحلهم ، ويتممون كيفهم بقهوتها المصنوعة من اجود انواع البن الحبشي .. يرتاحون عندها من عناء السفر في ظلها الوريف فسارت بالاسم الركبان وارتبط اسم الجارية بالمكان ويقول بعضهم أن المدينة ارتبطت بالجبل الذي يطل عليها من الشرق وقد اخذ اسمه من جبل مشابه له في الشعاب الحبشية يدعى ((كسلون)) أو ((كسَلان)) وصار كسلا .
ويقول البعض أن الاسم قد أتاها من اسم ملك اثيوبي يدعى (( كاسا)) .. وهو قطعاً غير الإمبراطور كاسا الذي أسمى نفسه ثيودور وحكم أثيوبيا في الفترة من 1855 – 1868 ولكنهم قد يقصدون كاسا رأس التيغراي وهو إقليم متاخم لمديرية كسلا الكبرى وتعتبر هذه الرواية من أضعف الروايات حول فحوى الاسم .
وأطرف ما قاله الرواة حول إسم (( كسلا )) .. أنها أخذت الاسم من (( الكسل )) لأنها تقع بين فيافي البطانة وسواقي منطقة القاش المتربه في وادي ذي زرع وماء وخضرة .. هواءه عليل .. وجوه رطيب يدعو للكسل والخمول .
لكنني أرجح رواية الجارية لأن هناك العديد من المواقع في السودان أخذت أسمائها من الذين عمروا المكان مثل مدينة كوستي التي سميت على الخواجه كوستي الذي كان يملك حانوتا صغيرا في المكان قبل أن يصبح بندراً – و مدني التي سميت على اسم مؤسسها الشيخ مدني السني حفيد الشيخ الهميم والقاضي دشين .. وبربر التي تدعى أيضاً (( مخيرف النور )) كما يحلو لشاعرها ود الفراش مناداتها به جاءها الاسم من اسم صبي يدعى (النور) يرعى أغنامه في فترة الخريف في المكان الذي صار ((بربر))
وهناك شجرة محوبك (( ومسيد ود عيسى )) (( وقضروف سعد )) وخير شاهد على ذلك ، تلك القرى التي نشأت حديثاً على طريق أم درمان دنقلا مثل (( أم الحسن )) في مكان قهوة أم الحسن (( وتمتام )) حيث لا يزال صاحب الاسم يتأتئ مرحباً بالمسافرين .
أول الأربعة (( جبل التاكا )) سماه العربان على ثمرة شجرة الدوم (( تأكا )) وتعني بلهجة التبداويت (( البجاوية )) ما نطلق عليه كلمة (( القلُّوق )) وهي أحشاء الدومه التي يكسوها الشحم النباتي للدوم قبل انتضاجها – تحمل في جوفها سائل مثل ما نجنيه من ثمرة جوز الهند من شراب حلو المذاق .. وسمي الجبل على الدوم لأنه ينمو بوفره في المنطقة التي يتوسطها الجبل .
أما اسمه المتداول بين القبائل المحلية في المنطقة هو (( جبل تؤلوس )) وتخفف الاسم بمرور الزمن إلى (( تولوس )) ثم إلى (( أولوس )) وتعـني الكلمة بالعربية (( الجبل الأملس )) وذكره الشاعران ود الفراش والحردلو بهذا الاسم وجاء في بعض أشعار الحردلو ب (( جبل اللوس )) وسمي بهذا الاسم (( الأملس )) نسبة إلى شكله المتميز الملامح بقممه الملساء التي تختلف في الشكل عن الجبال الموجودة في المنطقة من سلسلة جبال البحر الاحمر حتى مشارف الهضبة الاثيوبية
على سفحه توجد ضرائح السادة المراغنه التي يزورها مريدوهم من كل أنحاء السودان أهمها ضريح السيد الحسن وخلفائه المدفونين في القبة المجاورة للمسجد العتيق .. وصف الرحاله في القرن الثامن عشر نقوشه وعمارته البديعه بكثير من الاعجاب كما وصفوا الثريات المجلوبة من مصر والسجاد العجمي القادم من بلاد فارس والاراضي المقدسة وتحدثوا بانبهار عن نوافذه المزينة بالفسيفساء التي اتوا بها خصيصا من المغرب – ونسجت الاساطير حول هذا المسجد الذي (( بناه عثمان ودمره عثمان وسيعيد بناءه عثمان )) ومعروف عثمان الذي بناه وعثمان الذي احرقه أما عثمان الذي سيعيد بناءه فلا زال في رحم الغيب . وقد بدأ الطليان في ترميمه إبان فترة احتلالهم للمدينة في عام 1941 وتراجعوا بعد الهجوم المضاد الذي نفذه الحلفاء وتركوا سقالات البناء في مكانها باقية حتى الآن وقد صارت محطاً لحمام الجبل الذي تكاثر حتى صار جزءا من ملامح الجامع العتيق ... تقول الاسطورة أن هناك (( شجرة اكسير )) في مكان ما بالقرب من الجبل يحرسها ثعبان ضخم ونمر . إذا طمست ورقة من غصونها في اللبن تتحول إلى ذهب – ولكننا لم نسمع يوما باحد قد ظفر بورقة من الشجرة الاسطورة .
حدثني البروفسير (( إيفان إيفانوفيتش )) رئيس قـــــسـم الآثار بجامعـة نابـولي عن إنـسـان ( راقي ) عاش في المنطقة قبل سبعة ألاف سنة وامتد نشاطه حتى جبال البحر الأحمر ودعم قوله بالحفريات التي أجراها على سفح الجبل قبل خمسة وعشرين عاماً واستطاع أن يكشف عن العديد من الآثار في أحافيره التي ذخرت بالسكسك والفخار والحجر المنحوت الذي عُبد مثله في اكسوم .
وثاني الأربعة ((القاش)) وهي كلمة بجاوية أصلها ((أوقاش)) والألف والواو في لهجتهم للتعريف وتعني الهائج – أو الفائر – أو المتمرد – في إشارة إلى طبع ((النهر المجنون)) الذي لا يضاهيه في طبعه المتمرد إلا النهر الاصفر في الصين – كثيراً ما روَّع المدينة بهديره مهدداً باجتياحها مثلما فعل اكثر من مرة من قبل .. ينحدر مزمجراً من هضبة المكادا (( الحبشة )) التي نسبوا إليها بصل المكادا (( الثوم )) والحمار المكادي ،، والبرق المكادي الذي لا يخيب .. ما أن يبرق وامضاً حتى يستعد اهل كسلا إلى زيادة متوقعة في منسوب نهر القاش .
يأتي مندفعاً يدفع أمامه يدفع أمامه أشجار الدوم والسنط والفاكهة وجثث الحيوانات تصطادهم الشيمة فيدورون حولها حتى تبتلعهم أو تطلق صراحهم .
نهر منفلت ما ابحر قارب قط على صفحته المائجة .... على ضفتيه تمتلئ أشجار الفاكهة بالثمار وتمتلئ الثمار بالسكر المذاب بنكهة المانجو و البرتقال واليوسفي والجوافة والموز .. حتى القريب فروت تشتهي مرارته التي يحجبها طعم السكر .
قديماً كانت السواقي تغالب أنينها فتجري على الجداول كوثراً .. ولكنها ما عادت تملاء ليل المدينة بوح وصبابة ولوعة بعد أن أخذت مكانها وابوزرات ((الليستر)) التي تقلق مضاجع العصافير .
يقول الشاعر اسحق الحلنقي في إحدى (غناويه) .. وهمو كثر في معشوقته كسلا ( اسقيك مياه توتيل – علشان تعود ليّ ) . وتوتيل نبع ماء تفجر في مكان قصي من الجبل – يصعب الوصول إليه – يتناول الناس هناك حكاية يكادو يقسمون بصحتها وهي أن الذي يشرب من ماء النبع ولو رشفة واحدة لابد أن يعود إلى كسلا مرة أخرى وان طال السفر . وتتردد نفس الأسطورة حول الشرب من ماء النيل .
وتوتيل كلمة تتكون من مقطعين .. ( توت – إيل ) .. وهي مـن مفـردات لهجـة التبداويت ( البجة ) وتعني ماء النقع الذي ينقط من مسامات (القربة) أو (السعدة) وهي مفردة من صميم لهجة البجاوي الذي لا يجد في لهجته مرادف لكلمة (نبع ) ، فاستعار هذا التعبير ليقربها من المعنى .
كان النبع يتدفق من الجبل ويجري ماؤه بين الصخور حتى السفح . يسيل في الوادي فتشرب منه حيوانات القرية والقردة والطيور حتى جاء الإيطاليون عام 1941 وسيطروا على ماء النبع بتحديد مساره في أنبوب فولاذي ضخم وفجروا في الجبل وعاءين لتصب فيهما المياه فيستخدمها الأهالي في شربهم وغسيل ملابسهم .
تعتبر عين توتيل مزاراً يفد إليه العشاق والعرسان في شهر العسل يتذكرون أبيات الحلنقي ويحلمون بالعودة مرة أخرى ليستعيدوا أيام العسل .
ويغشاه السواح الذين يحرصوا على زيارة المدينة عند زيارة السودان .. للوقوف على عبقرية المكان ... وما أن يسدل الليل أستاره وينصرف القوم حتى تتوافد إليها الحيوانات التي تعيش في الجبل تستقي منها وترطب جلودها خاصة في فصل الصيف عندما تجف المياه في أغوار الجبل .
استاذى وشيخى مولاناالمرحوم محمد الامين شريف ..عاشق كبير لمدينة كسلا
..ضرب اكباد الابل باحثا وموثقا لتاريخ الشرق وتراثه..طاف سواحل بحر القلزم يجمع تاريخ المنطقه وتراثها فى سواكن وعيذاب وعقيق..تسلق جبال اركويت ..وهبط وادى ادروس.... و جال فى غابات اجر
وشاباش وصابون فى الضفه الشرقيه لنهر القاش شمال مدينة كسلا حيث كانت< فللك > العاصمه التاريخيه لقبيلة الهدندوة ...جمع احاديث الرواه ممن شاركوا فى حروب المهديه فى كسلا او من لديهم مايقولوه عن تلك الايام السوداء من تاريخ المدينه..كان شيخى سائحا يجمع الآثار
ليثرى بها متحف الشرق الذى تقرر بناؤه فى مدينهكسلا وتعين مولانا كأول امين عام له ..وصار الحلم واقعا.. وبعد رحيله عليه رضوان الله فى مارس 1983 ..وئد ذلك الحلم وتحول المتحف < قبل افتتاحه> الى معهد للتأهيل الادارى حتى صدر مرسوم فى بداية التسعينات يقضى بأن يصير مقرا لجامعة الشرق فى المنى الذى صمم اصلا كى يكون متحفا.. يحفظ للشرق هويته وتاريخه .. عفوا شيخى .
صدر لملانا شريف كتابا فىمنتصف التسعينات< تاريخ مدينة كسلا > لدى مخطوطه اصليه بخط الشيخ كنت انوى نشره على نفقتى عرفانا له بعد ان تعثرت جهودى لطباعته بين باب الحاكم شاش والوزير محمد الامين حمد حتى رأى النور اخيرا بفضل جهد الدكتور ابوعشه .... اعتمدت هذا الكتاب مرجعا للحلقه الخاصه بقيام المدينة وفترة حروب المهديه فى
كسلا ... هذه المدينة التى تغالب اوجاعها فتزداد تألقا وجمالا .
كسلا مدينة عرفها الناس بالوداع ولكنها المدينه الاكثر معاناه بين مدن السودان الاخرى..لاقت اهوالا لاحصر لها..وعرفت ا لحروب والدماء والدمارقبل ان تكون.....عبر بالمنطقه النقس <عيزانا> امبراطور اكسوم فى القرن الرابع الميلادى وهو فى طريقه الى عاصمة الكوشيين فى مروى <البجراويه> ..وفعل بها مافعل مديا بأنه فعل ذلك انتقاما من الكوشيين الذين اساؤا معاملة رعاياه من البجه والهاسا<حسب تعبيره> وسجل ذلك فى مسلته الشهيره فى اكسوم< نقل النص بلانجليزيه مترجما عن الجئزيه الكاتب ديفيد باذل سن فى كتابه النادر افريقيا تحت اضواء جديده الصر بالانجليزيه عام 58 وترجمه جمال محمد احمد عام 59 وضمنه على المك فى كتابه مختارات من الادب السودانى.
غشاها احفاد عيزانا لاحقاطمعا فيها وصمدت امام كل المحاولات .
انشأها الاتراك عام 1841 وعرفت خلال حكمهم الموت وادمار والثورات المتكرره كما عرفت قليل من بسط فى الرزق ..حاصرها الانصار سبعة عشر شهرا سفكت خلالها انهار من الدماء من الجانبين حتى بعد سقوطها..
احتلها الايطاليون فى يوليو1894 وحاول الانصار استعادتها ولم يفلحوا حتى خرج الطايان بأتفاق مع الانجليز بعد الفتح....عاود الايطاليوناحلالها عام1941 وخرجوا منها بعد ستة اشهر من المعارك ضد الحلفاء انتهت بهزيمتهم وتقهقرم الى اريتريا حيث طاردهم الحلفاء الى هناك حيث جرت العديد من المعارك اشهرها معركة كرن ....وكانت كسلا الصخره التى اعاقت تقدم الجنرال جرزيانى الذى كان مخططا ان يلتقى بثعلب الصحراء روميل فى القاهره.....
دخلتها قوات المعارضه فى اكتوبر 2000 وهاجر منها اهلها واستعاد كبارهم مشهدخروجهم بعد دخول الطليان...كما انذرت بالاخلاء فى اكتوبر2002ومازالت ولاكثر من سنوات عشر تعيش اجواء الحرب من جراء العمليات العسكريه التى تنشط فى ريفها... اما غزوات الطبيعه التى يقودها ذلك النهر المجنون ..اعتاد عليها اهلها وتوائموا معها............... اى مدينة تلك التى تغالب الاوجاع والزعر
فتزداد بهاءا وروعه.
كانت المنطقه التى تقع بين بين الجبل والنهر فى القرن السابع الميلادى مضاربا لقبيلة الحلنقه العربية الاصل وهى <من خشم بيوت> البجه العشره . وعند سفح جبل التاكا كان يسكن كبيرهم الشيخ يعقوب..حفيد الشيخ عبد الله على الحلنقى المذكور بالطبقات والمعروف ب <اب رايات> -لم تكن فى المنطقه مدينه او قريه سوى ذلك التجمع السكانى للحلنقه الى ان وفد الى المنطقه السيد محمد عثمان الميرغنى..<الختم> عام1821 ووجد ترحيبا حارا من الشيخ يعقوب...جاء الاستاذ الختم قادما من سنار الذى وفد اليها بعد رحلته المعروفه التى عبر فيها البحر الاحمر الى مصوع ومنها الى سواكن وواصل رحلته البحريه الى ميناء<قصير> فى مصر واتجه غربا الى اسوان وركب النيل جنوبا الى السودان حتى وصل الى مدينة الدبه عند منحنى النيل حيث طافت عليه رؤية حددت له مكان رحلته القادمه وحلم بأنه اذا ذهب الى بارا سيتزوج من امرأة طاهره ستلد ولدا طاهرا.... نفس هذة الر}ية طافت على الشيخ العالم النيجرى عثمان دان فوديو - دان فودى - دان فوداى .. وكلها اسماء تعنى نفس الشيخ العالم الذى ألف مرجعا هاما حول الهجره فى الاسلام............. وتسابق الشيخان نحو بارا ونال قصبة السبق السيد الميرغنى وتزوج تلك السيده التى انجب منها السيد الحسن الميرغنى صاحب الضريح المشهور بقرية الختميه بمدينة كسلا. قبل ميلاد السد الحسن هاجر الاستاذ الختم الى سنار بغرض اللقاء بالعلماء فى سنار..كان ذلك قبل سقوطها بقليل . هناك اختلف السيد الميرغنى مع العلماء الذين كانوا يغيرون منه وخرج غاضبا قبل سقوطها فى يد اسماعيل باشا وتوجه الى شندى والمتمه وقوز رجب التى تقع على نهر عطبره والتى كانت الحاضره الوحيده بين الخرطوم ومينائى مصوع وسواكن التابعتين للحكم التركى آنذاك .
وتوجه الشيخ من قوز رجب الى التاكا حيث احتفى به الشيخ يعقوب كبير الحلنقه وحكى عن رؤية حلم بها حول زيارة شريف من مكه الى هذا المكان يعمره ويجعل منه قبلة للزائرين. هناك عند سفح الجبل اختط الميرغنى قرية <الشريفيه> التى عرفت لاحقا ب <الختميه> وبنى بها مسجدا تأسست حوله القريه. هذا المسجد بقى القليل من آثاره بالقرب من مرقد الشيخ يعقوب الواقع شرق ضريح السيد جعفر بين الضريح والجبل.
فى عام 1841 قررالحكمدار احمد باشا ابو ودان الحكمدار الرابع للسودان فى عهد التركيه السابقه احتلال شرق السودان وكان يشغل باله وجود موقع مناسب ليعسكر فيه جيشه تتوفرفيه مقومات الموقع العسكرى من حيث توفر الماء والغذاء ويكون فى ملتقى الطرق التى تربط بين الخرطوم عاصمة الترك والموانىء التى كانت من املاك <افندينا> فى البحر الاحمر...... مصوع وسواكن .
اختار له شيوخ الحلنقه موقع كسلا مما أوغر صدور الهدندوه الذىن كانو يسكنون منطقة القاش ضد الاتراك..... وما ان ضرب الحكمدار معسكره فى مكان كسلا الحالى وبدأ فى تعمير المكان حتى أعلن الهدندوه العصيان بقيادة زعيمهم محمددين
ولكنهم لم يقووا على منازلة القوه العسكريه التى دفع بها الاتراك الى المنطقه لقمع الثوره الوليده وتم دحر الثوار والقاء القبض على على الزعيم الثائر محمددين وارسل الى السجن فى الخرطوم حيث مات متأثرا بمرض الجدرى . اهمل التاريخ سيرة محمددين فهل نعيد له حقه
كأول ابطال المدينه الذين مهرت دمائهم ترابها الطاهر ؟.
بدأت المدينة فى النمو العمرانى حتى اقلق مضجعها تمرد مسلح عام1865
قاده الجنود الجهاديه السود الذين كانوا قوة ضاربه فى جيش الاتراك
فتمت تصفيتهم بالخديعة والعنف والتنكيل وانتهت محنة من اكبر المحن التى عاشتها المدينه فى تاريخها بعد ان خيم عليها الخراب والدمار والهلاك لعدة شهور قضى فيها خلق كثيرون بسبب التمرد والاوبئه والامراض التى انتشرت بسبب تراكم الجثث فى الشوارع من جراء ذلك التمرد الكارثه.
فى عام 1870 تولى ممتاز باشا شئون المديريه وكانت المدينه قد تحولت الى حاضره عمرت فيها المبانى الحكوميه بالطوب الاحمر وانتشرت
فيها الحدائق الغناء وكانت مساكن الاهالى بالطين والقش وصارت الحاله الاقتصاديه اكثر رغدا بعد ان ادخل ممتاز باشا زراعة القطن والتبغ والمحاصيل البستانيه واقام فيها محلجا ضخما لحلج الاقطان لازالت آثاره باقية حتى الان متمثلة فى المدخنة الضخمه التى تتوسط حامية كسلا الحاليه وسبق أن استخدمها الطليان كمدخنه لمصنع المكرونه الذى اقاموه فى الحاميه بعد كساد صناعة الحلج عندما احتلوا المدينة فى اواخر القرن التاسع عشر واستخدمت المدخنه لاحقا فى الحرب العالمية الثانيه كمنصة لارسال الاشارات الضوئيه .
وعمرت المدينة اكثر بعد افتتاح المسجد الكبيز بقرية الختميه عند سفح الجبل والذى بناه السيد محمد عثمان بن السيد الحسن والذى كان تحفة معمارية رائعه كما كان اكبر مساجد السودان قاطبة فهاجر اليه المريدون من كل انحاء السودان مما زاد المدينة عمارا وشانا . بعد اندلاع الثوره المهديه ومبايعة عثمان دقنه أميرا على شرق السودان ولانشغال عثمان بالمعارك بمنطقة البحر الاحمر كلف قائده مصطفى هدل بفتح مدينة كسلا معقل الختميه الذين عارضوا الدعوة المهديه..
تقدمت جيوش الانصار بقيادة هدل الى كسلا وقويت شوكتهم بعد استمالة قبائل الهدندوه الذين يسكنون منطقة القاش شمال كسلا و الذين انضموا لجيش المهديه. كان اول اشتباك مع جيش الحكومه فى منطقة جمام بالقرب من كسلا حيث سجل الانصار انتصارا كبيرا ولكنهم خسروا المعارك التى تلت تلك الموقعه وصار الامر سجالا بين الانصار والجيش الحكومى وحلفائه الختميه.
كان السيد محمد عثمان ابن السيد الحسن يقود المقاومة ضد جيش المهدية على خلفية الصراع بين الطائفتين . لكنه ادرك ان الامر اعظم من ان يقاوم..فأن بقوا فى مواقعهم سيكون مصيرهم الموت وان وقعوا فى الاسر سوف يلاقون الذل والهوان , فقرر الخروج من كسلا وتبعه مريدوه
واتجه شرقا الى مصوع .. سواكن.. ومن ثم الى مصر حيث توفى هناك ودفن بباب الوزير وخلفه فى كسلا خليفته السيد بكرى.
اطبق المحاصرون على المدينه واشتد حصارهم لها بعد وصول القائد عوض الكريم ود كافوت واشتبكوامع الختميه فى معركة < سدينا > جنوب غرب المدينه فى منطقة ريبا الحالية .. واستمرت المعركه يومين متتاليين
سفكت فيها كثير من الدماء من الجانبين.وارى اثنائها الختمية قتلاهم عند سفح الجبل بمنطقة < أويتلا > فصارت المنطقه مزارا حتى الان.
فى يناير 1885 وبعد قتال ضاراثبتوا فيه بسالة وحزما وثباتا استطاع الانصار اختراق قلب الجيش الحكومى وقتلوا منه اكثر من 750 جنديا وشددوا حصارهم على المدينة حتى وصلت الى حالة من اليأس بسبب الجوع والامراض والغلاء حتى اكل الناس الجيف والكلاب والجلود وصار يموت منهم فى اليوم الواحد اكثر من 40 نفسا بسبب الجوع مما ادى الى سقوط قرية الختميه وخروج شيوخ المراغنه الى ديم ناظر الحلنقه
فى <اب ريد> شمال غرب كسلا .
وبسقوط الختميه فى مايو 1885 بعد 15 شهرا من الحصار.. انكشفت المدينه وصارت قريبة من متناول ايدى الانصار بعد سقوط الختميه اقوى الحصون التى قاومت الحصار .
كتب محافظ سواكن الى الملك يوحنا الحليف الاثيوبى لانقاذ كسلا ..فكلف
واليه حاكم المنطقه الغربيه < الرأس الولا > الذى تباطأ فى نجدة المدينة .
بعد ان ساءت الاحوال , كره المحاصرون أن ىيسلموا أمرهم للمحاصرين بسبب مابينهم من ثأرات وقتل ودماء .. فكتبوا للمهدى فى امدرمان
وطلبوا منه ارسال مندوب عنه لاستلام المدينه وتأمين أرواحهم وأعراضهم.. فأستجاب المهدى وارسل وفدا برئاسة العالم العلامه الشيخ الحسين ابراهيم < الزهراء > والشيخ ابراهيم عالم وكتب كتابا لاحمد رفعت المدير المحاصر فى كسلا منحهم فيه الامان لنفوسهم وعائلاتهم وأذن لمن يريد الهجرة منهم .
تحت شجرة الجميز الضخمه أمام منزل العوض المرضى باشكاتب المديريه الذى صار فيما بعد امينا لبيت المال فى أمدرمان وهو جد المناضل محمد جباره العوض وهو الباشكاتب الذى لازال الحى يحمل اسمه .
هناك تحت شجرة الجميز تلك.......... تم الاستسلام للشيخ الزهراء بعد سبعة عشر شهرا من القتال .....

ودخلت جيوش الانصار المدينة المنهكه.


بعد الاستسلام للشيخ الحسين الزهراء وصل عثمان دقنه الى كسلا وخاطب الناس من أعلى ديوان المديريه وقرأ عليهم خطاب الخليفه الذى يعلن فيه وفاة المهدى ومبايعة الخليفه.
بدأ عثمان فى تنظيم الامور الاداريه فى المدبنه حتى أقلق مضجعه اختطاف احدى النساء بواسطة عصابة من قبيلة الباريا التى تسكن الجبال الاريتريه...فخرج بجيشه متعقبا الجناة حتى منطقة كوفيت داخل الحدود الاريتريه مما أثار غضب الاحباش فتقدم اليه الراس ألولا بجيش بلغ 20 الفا يدعمه فرسان قبيلة البنى عامر والحلنقه.. والتقى الجيشان فى كوفيت حيث جرت بينهم معركة طاحنه شبع فيها الطير من جثث القتلى من الطرفين وبقت ذكرى هذه المعركه فى الادب والشعر البجاوى الشفهى يتداولون وقائعها حتى الآن.
عاد عثمان مهزوما الى كسلا وحانقا على الجميع...وكان انتقامه رهيبا طال الجميع .. الختميه فى عقر دارهم عند سفح الجبل ..والجهاز الحكومى والادارى والعسكرى ..مما أثار سخط قادته وبدأت الخلافات تطفو على السطح وتعكر صفوالطمأنينه المفقودة أصلا فى المدينة المنكوبه حتى حسم الخليفة الامر وأمره بالتوجه الى قيادته فى سلهات وتعيين ابن اخيه محمد فاى أميرا على كسلا
كان فاى من الشخصيات المرموقه فى سواكن..وسر تجارها ,,,لكنه لم ينجح فى ادارة شئون المدينه حتى فطن الخليفه للامر وأمر بتعيين الامير ابوقرجه أميرا اداريا للشرق وواليا على كسلا فبدأ فى تنظيم المدينة وادارتها.
كان لشخصية ابو قرجه الكريزميه وصفاته التى اتسمت بالشجاعة والشهامه والكرم أثر كبير فى ارضاء القبائل المتنافره وأحسن معاملة الناس وكسب ود زعماء العشائر واهتم بشئون التجاره والزراعه والاعمال الاخرى وفتح طريق المواصلات بين كسلا والمدن الرئيسيه مثل القضارف وسواكن ومصوع وبربر كما قام بتأمين هذه الطرق فأنتعشت المدينه وعاشت رغدا لم تألفه فى مسيرتها المضطربه
لم يحتمل الخليفه كريزما أميره الطموح فكان نصيبه جزاء سنمار اذ تم نقله من كسلا الى بربر فى ظروف غامضه ومفاجئه بعد عزل أميرها محمد خير ثم مالبث أن أعاده الى كسلا مرة اخرى ثم الى الرجاف سجينا مغضوب عليه حتى نهاية الدوله المهديه .
مضت على المدينه خلال مجاعة سنة 6 ايام مريره وأشد بؤسا من أيام الحصار استطاعت تجاوزها ولكن شبح الحرب قد لاح من جديدبسبب الاطماع الايطاليه فى كسلا وتقدمت جيوش الانصار من كسلا والتقت بجيوش الايطاليين فى أغردات بعدان بسط الطليان نفوذهم على اريتريا...والتقى الجيشان فى معركة حامية الوطيس اظهر فيها الانصار بسالة نادره انتهت بخسارتهم بسبب تفوق السلاح الايطالى المتطور ...وانسحب الانصار الى كسلا تتعقبهم القوات الايطاليه حتى مشارف مدينة كسلا التى باتت مهدده بالاحتلال الايطالى .
فى 17 يوليو 1894 باغت الايطاليون جيش المهديه فى كسلا بهجوم كاسح ادى الى انسحاب الامير محمد قيدوم بباقى جيشه الى قوز رجب حيث واصل ازعاجه للقوات المحتله بهجمات متقطعه .
وهكذا انحسرت دولة المهديه فى كسلا بعد حكم دام تسع سنوات .. وبدأ الايطاليون فى تنظيم شئون المدينه وادارتها وظلوا فيها لمدة ثلاث سنوات تمكنوا خلالها من اعادة الحياة للمدينه .. وانتعشت التجاره..وتوفرت البضائع والمؤن الغذائيه الوارده من ميناء مصوع..وعاش المواطنون فى رغد ورفاه الى ان اضطر الطليان التخلى عن كسلا بعد هزيمتهم الكبيره فى معركة عدوهفى مارس 1896 امام جيش الامبراطور منليك الثانى الذى كان يقوده الراس ماكونن ... والد تفرى ماكونن الضابط الذى غير اسمه بعد توليه العرش الى الامبراطور هيلاسلاسى اى الذى يستمد هيبته من القوه الثلاثيه...مريم...والمسيح .... والروح القدس .
الصخره التى تحطمت عليها أحلام الدوتشى

بعد سقوط دولة المهديه..آلت شئون المدينه الى الحكم الثنائى وظل قدرها الدامى يلاحقها حتى اندلعت الحرب العالميه الثانيه..وكانت كسلا هى المدينة السودانيه التى ذاقت طعمها المرير.
وصلت أنباء الحشد المعادى والنوايا الايطاليه السيئه سبقت الغزاة الى أهل المدينه فبدأوا فى الاستعداد لمغادرتها طلبا للسلامه والنأى عن حرب ليس لهم فيها ناقة ولا جمل .
هكذا يكون مصير المدن المأهوله بأثنيات متباينه عند اندلاع الحروب…… تكون هشة أمام المصائب.. وتحطمت هذه النظريه فى المدينة المعجزه ..هذه الصخرة التى تحطمت عليها أحلام الدوتشى موسلينى .
كانت كسلا وعاء ضم قبائل الشمال فى تعايش حميم مع قبائل المنطقه بمختلف بطونها وأفخاذها
ووفدت اليها قبائل غرب السودان فكانت لهم نعم الدار فى دار صباح … ولازالت منطقة الكاره فى كسلا مستقرا لبقايا الجهاديه السود وأحفادضباط وجنود الكتائب السودانيه التى شاركت فى اعادة السودان ضمن
جيش كتشنر…..وعبرت بها واستقرت فيها قبائل الفلاته والهوسا والبرنو بعد هجرتهم من اوطانهم لزيارة الاراضى المقدسه وصارت لهم فيها ديوم وأحياء وأخيرا فرق كرة قدم تنافس فى ا لدرجتين الاولى والثانيه
كان بها الحبش والقبط والاغاريق والبنيان <الهنود> الذين مازالوا يملكون< غيتو> خاص بهم فى موقع مميز من المدينه له ابواب كانت تقفل ليلا … عاش فيها الصومال وبهم بالمشاركه مع البنى عامر تأسست فرقة العرب الشرقيه جاؤها محاربين ولازالوا يتمسكون بلقب< وريا> وأصل الكلمه WARIOR اى المحارب
استقر بها المناصير والشليقيه والمحس بعد مجيئهم ضمن ركب السيد على الميرغنى فى بداية القرن الماضى فى رحلته من سواكن الى كسلا فسكنوها وزرعوا ضفتى القاش وكسوهما اخضرارا ..مدينة بكل ألوان الطيف
ولانها دارا لسجاده للطريقه الختميه.... صارت مزارا ومقصدا للمريدين مماشكل من مجتمع المدينه مزيجا مدهشا من الجنسيات والاثنيات السودانيه التى تمثل ذلك التفرد الذى تميزت به الشخصيه السودانيه فىذلك الركن القصى من الوطن .
عندما بدأت الطائرات المعاديه التحليق فوق سماء المدينه .. بدأت قوافل الهجره العكسيه... ولكن نفر كبير من المواطنين رفضوا فكرة الخروج من المدينه وبقوا فيها عاشوا ظروف الاحتلال المرير وكانت قرية الختتميه وضرائح الساده المراغنه ملاذا يستجيرون بها كلما حمى الوطيس ... اذ قرر الساده المراغنه البقاء فى قريتهم الختميه عند سفح جبل التاكا حيث السجاده ومراقد اسلافهم .
كان الايطاليون يدركون جيدا نفوذ المراغنه فى المنطقه التى تحتلها جيوشهم ولاسيما انهم عبروا المنخفضات الاريتريه وهم فى طريقهم الى كسلا حيث ينبسط هذا النفوذ من مصوع الى كسلا مرورا بمنطقة كرن وأغردات... اذ ينتمىمعظم سكان الريف الغربى لاريتريا الى الطريقه الختميه......... فقد شهدت اريتريا
رحلات الاستاذ محمد عثمان الختم الاولى الى المنطقه قبل زيارته للسودان وعبرأريتريا هاجر حفيده السيد محمد عثمان بن السيد الحسن الى مصر بعد أن فقد الامل فى البقاء فى كسلا أمام زحف وحصار جيش هدل للمدينه الوادعه ....والى أ{يتريا هاجر أبناه السيد بكرى والسيد جعفر وصارت لهم فى أغردات دار تضرب اليها اكباد الابل وهاجر اليها بعض السودانيين خاصة اشراف خور بركه ليبقوا بالقرب منهما
كانت الختميه فى ايام الحرب مثل دار ابى سفيان......... مكان آمن لايطلق فيه الرصاص ولاتسقط عليه القنابل
...... وما أن تدوى صافرات الانذار فى سماء المدينه محذرة الاهالى من غارة جوية قادمه ....يهرع الجميع ركضا نحو الختميه طلبا للسلامه ... ومن الطريف أن الدجاج والكلاب كانت تتسابق نحو الجبل كلما دوت
صافرة الانذار.............
أطبقت جيوش الطليان على المدينه وتقدمت اليها بمحورين ..المحور الاول بين جبلى التاكا ومكرام وقد تعطلت القوة المتحركه فى هذا المحور بسبب جندى شجاع صمد فى مكمنه فى طرف جبل التاكا المطل على طريق التقدم وكان يطلق نيرانا كثيفه من مدفعه الرشاش المتوسط من طراز مكسيم واصاب اعداد كبيره من العدو الى ان تم قصف الموقع بالطيران واندهش القائد الايطالى عندما وجد هذا الجندى الشجاع ميتا وهويحتضن رشاشه وكان يظن ان بالموقع جماعه مشاه مدربه تدريبا جيدا ... ولايزال البعض يطلق على صخرة الصمود تلك..
<جبل المكسيم > تخليدا لذلك البطل الشجاع .
نجح الطليان فى التقدم من جهة السواقى التى تقع جنوب المدينه ... وفجأة امتلأت المدينه بالجنود الايطاليين من جهة الجبل واستمر تفقهم من الصبح حتى المساء وتركزوا فى منطقة الحاميه والسواقى لتغطية قواتهم من الطيران الانجليزى ومترسوا دباباتهم فى ساقيتى السيدعلى التى كانت تقع فى مكان سوق هيكوته الحالى وجنينة السيد جعفر التى كانت تقع فى مكان فندق هبتون الحاليه والمدرسه التى تقع جنوبه .. وسيطر الطليان على وسط المدينه ومعهم اتباعهم الاحباش وآلياتهم واسلحتهم الثقيله وسيطروا عليها سيطرة تامه وانسحبت القوات الحكوميه الى نهر عطبره ليعيدوا تنظيم انفسهم استعدادا للمعارك القادمه بعد ان فقدوا حاضرة مديرية التاكا الاستراتيجيه ..وبدأووا فى حشد جيوشهم فى منطقة كوبرى البطانه ..ويجمعون المعلومات عن العدو وقلقون مضاجع الطليان فى كسلا حتى اكتملت الاورط الوافده من دارفور والقضارف وشندى بجانب قوات الحلفاء التى كانت تضم قوات هنديه بالاضافه الى مليشيات الباندا بكر التابعه للناظر بكر والتى كلفت بمهام قتاليه فى قطاع القلابات..... كانت الحرب القادمه هى المحك الحقيقى لقوة دفاع السودان التى تواجه اولى معاركها بع التكوين
اما الطليان فى كسلا فقد ارادوا من الوهلة الاولى ان يظهروا< العين الحمراء>....وقامت بأعتقالات طالت حتى العريس الذى خرج معلقا سيفه الذى كان يعتبره جرتقا ضمن مراسم العرس ولم يكن يفطن الى انه كان يحمل سلاحا ....... ولكنهم سرعان مافطنوا الى غلطتهم وعادوا الى رشدهم وحاولوا استمالة المدينه الرافضه
للاحتلال ...وبدأوا فى تعمير المدينه بدء ا بالختميه حيث قاموا بالسيطرة على على مياه نبع توتيل من مكان العين فى موقع جنه جنه الذى يقع فى مكان عالى فى الجبل وتم ذلك بتوصيل ماء النبع الى الاسفل فى مكان يتيح الماء لتكون فى متناول دون المكابده فى الوصول اليها بواسطة انبوب فولاذى< لازال يؤدى دوره >
ونحتوا فى منطقة توتيل الحاليه وعائين لاستقبال مياه النبع وهى ما نطلق عليها بئر توتيل الحاليه............
واجتهد الطليان فى ترميم مسجد الختميه حيث مراقد الساده المراغنه واعة بناء ما اصابه من خراب ايام المهديه انتقلما للدور الذى قام به الختميه فى مواجة الانصار اثناء فترة الحصار ... وظلت سقالات البناء التى استخدمها الطليان فى مكانها حتى الآن شاهدة على ذلك الجهد الذى لم يقدر له الاستمرار بسبب انسحابهم المفاجىء من المدينه........ قبل انسحابهم واصل الطليلن جهدهم فى تعمير المدينه وبنوا المسجد الكبير القائم حاليا..كما قامو ببناء جسر على نهر القاش < الكوبرى القديم > بعد ان كان الاهلى يعانون الامرين فى فترة جريان النهر فى الخريف.. وكانوا ينقلون بين الضفتين بواسطة < العناقريب > الذى كان يحملها < التكارين >
على اكتافهم نظير اجر معلوم.
كان العمل الاستخبارى من قبل قوات الحلفاء نشطا.. وكثير ما شاهد الاهالى الملازم طلعت فريد يتجول فى المدينه بملابس رثه يبيع الجاج والبض وكان يظهر احيانا فى هيئة شحاذ يرثى له يتجول فى المدينه يجمع العلومات ويحرض السكان على المقاومه دون ان يفطن له الدو بسبب تستر الاهالى عليه .
كان طلعت فريد الذى صار لاحقا عضوا بمجلس قيادة الثوره فى الانقلاب الذى قاده الفريق ابراهيم عبود فى السابع عشر من نوفمبر 1958 كما كان واحد من ابرز رجالات ذلك العهد ...كان طلعت شخصية فريده ومحبوب فى مجتمع المدينة خاصة بعد تأسيسه فريق الشباب الرياضى الذى انشق من فريق الميرغنى الذى اسسه عام 1928 السيد محمد عثمان ابن السيد احمد >راجل شمبات > شقيق السيد الحسن ..
كان طلعت فريد من ابرز اللاعبين فى نادى الشباب الذى كان يضم كبار الموظفين وما زال كثير من الرواه والحبوبات يذكرون الاغنية التى تقول :
يا طلعت سيب الكوره
وأمشى شوف قيمة الدبوره
بجانب طلعت فريد ضم حشد الضباط من قوة دفاع السودان عددمن الضباط منهم الزين حسن واحمد مجذوب البحارى وحسن بشير نصر ومحمد نصر عثمان وكانو تحت قيادة آمرهم اليوزباشى محمد نصر نمر.....
يحفظ اهالى كسلا لطلعت فريد كثير من النوادر التى كان مسرحها ايام الحرب ..منها خطته الطريفه التى بناها على استخدام عدد كبير من الحمير البريه وقام بتعليق الفوانيس على اعناقها واطلاقها ليلا فى اتجاه المدينه فتقوم اسراب الطائرات بقصفها بوابل منالقنابل وتفتح المواقع الدفاعيه الاماميه لقوات الاحتلال نيران رشاشاتها الثقيله على عدو وهمى فيكشفون مواقعهم فتنهال عليهم قنابل المورتر من مسافات بعيده وتبقى المواقع الدفاعيه الايطاليه فى حالة قلق دائم واطلاق نار مستمر حتى ينبلج الصبح .
كانت طائرة < الزريقه > أى السوداء وهو الاسم الذى اطلقه الاهالى على واحده من اشرس المقاتلات الايطاليه التى اقلقت مضجع المدينه .. كانت مثل دون كيشوت استبدلت طواحين الهواء والخراف بالحمير والوهم وقد سخرت منها المغنيه الشعبيه بعد غارة فاشلة شنتها طائرة الزريقه على العاصمة الخرطوم فى تلك الايام وكانت الخسائر حمار لبائعة اللبن التى تدعى كلتوم .
طياره فوقنا تحوم
شايله القنابل كوم
جات تضرب الخرتوم
كتلت حمار كلتوم
ست اللبن

كان من أهم الاحداث التى شهدتها كسلا ايام الاحتلال..... زيارة القائد الايطالى الجنرال< جرزيانى > للمدينة
وقد حشد الطليان استقبالا ضخما على شرف قائدهم المتغطرس ..واجبروا الاهالى على استقباله فى الشوارع وهم يهتفون بالهتاف الذى لقنوهم اياه باللغه الايطاليه < أبيبو تليانو > .. أى عاشت ايطاليا .
بعد ستة اشهر من الاحتلال الايطالى .. دب اليأس فى نفوس المحتلين وكانت كسلا الصخرة التى تحطمت عليها أحلام الدوتشى موسلينى الذى مات بحسرته دون ان يحقق حلمه باتقدم عبر كسلا الى الخرطوم ثم القاهره والالتقاء بجيوش روميل فى مصر و ندب لذلك واحد من ا كفأ قادته < جرزيانى >
فكانت كسلا والعلمين موقعين تكسرت فيهما مخالب الدوتشى والفوهرر ..فأنهزم هناك ثعلب الصحراء روميل
وكانت الخيبة الكبرى للجنرال جرزيانى فى كسلا بعد مجد عريض فى تاريخ العسكريه الايطالية ..
فى يناير 1942 بدأ الهجوم المضاد على الجبهه الشرقيه على ثلاثة محاور أهمها المحور الاوسط .........
< محور كسلا >.. وتقرر انسحاب القوات الايطاليه من كسلا بعد الضغط العسكرى و النفسى الذى لحق بهم هناك....
انسحب الايطاليون من المدينه فى ليلة دون آ مقدمات وصحا الاهالى فى الصباح التاى لليلة الانسحاب اذا بالشوارع خاليه تماما من أى وجود ايطالى ... وتقهقرت قواتهم عبر السهول الغربيه لتحتمى بالمرتفعات الاريتريه التى ترقد على حافتها مدينة< كرن >.
لم ينسى الطليان أن يأخذوا معهم نفر من سكان المدينه وأعيانها الى< مندفرا > فى المرتفعات بالقرب من أسمرا
كان من ضمنهم الناظر جعفر شكيلاى ناظر الحلنقه وعدد من أعيان المدينه منهم محمد الحسن فقيرى – احمد الشابك- البخيت سيد أحمد .... كما قاموا بأسر كل الاغريق الذين كانوا يمارسون نشاطهم الاقتصادى هناك ..
عقابا لهم بسبب دخول اليونان الحرب بجانب الحلفاء .
كان من بينهم لبيرهم الخواجه كوستا اراماكس الذى كان يملك يملك اكبر متجر فى المدينه ومصنعا للمياه الغازيه < الليمونلده > - والخواجه خريستو الذى كان يملك اكبر طاحونه والخواجه ابو زبد صاحب البقاله العامره
وقد عاد الاسرى بعد سته اشهر ونظم لهم استقبال جماهيريا حاشدا .... كما حفظوا للسيدين الحسن ومحمد عثمان ابناء السيد احمد الميرغنى جميلا وعرفانا نظير توفيرهم الطمأنينه والمأوى للاهالى وحمايتهم من بطش الطليان.
لم تكتف القوات المتحالفه بأستعادة كسلا.. وطورت هجومها تتعقب القوات المتراجعه وجعلت من كسلا منطقة شئون اداريه لامداد المعركه بالرجال والسلاح والمؤن والذخائر وكل ماتحتاجه القوات المتقدمه صوب أسمرا .
ثبت الايطاليون أقدامهم فى كرن لمواجهة الزحف القادم من الغرب ودارت هناك معركة طاحنه ابلت فيها قوة دفاع السودان بلاءا حسنا وكانت معركة كرن أول النياشين فى صدر هذه القوة الوليده <قوة دفاع السودان >
صارت قوة دفاع السودان بعد أورطة العرب الشرقية لبنة للجيش الوطنى بعد الاستقلال
واستطاعت قوات احد أحد المحاور اختراق خاصرة الجيش الايطالى واقتربت كثيرا من العاصمه اسمرا ........
واندحر الطليان فى معركة كرن وفقد الجيش الايطالى الكثير من ضباطهوجنوده وعتاده بارغم من تمترسه بمرتفعات كرن التى لم توفر له الحمايه من جسارة الجندى السودانى الذى ضرب اروع الامثال فى الشجاعة والبساله والتفانى ................وانتهت الحرب بعد سقوط برلين والرايخستاغ وانتحار الفوهرر واعدام الدوتشى
وتوقيع وثيقة الاستسلام .
حملت الانباء نشوة الانتصار الكبير وفتحت كسلا ذراعيها تستقبل الابطال العائدين من معارك اريتريا بالزغاريد
والطبول واهازيج الفرح .... وغنت نساء السودان :
يجوا عايدين
الفتحوا كرن بينين

وانتشرت الاغنيه الشعبيه التى تمجد البطولات السودانيه والتى افرزتها ظروف الحرب فى تلك الايام ولا تزال الذاكره الشعبيه تحفظ الكثير منها مثل اغنية :
الله ليّا ..الليمون سقايتو عشيّه ..يا حاج أنا
وقد برعت الفنانه عائشه الفلاتيه فى هذا اللون من الغناء ..واقتفت اثر ايقاع التم تم وحولت الكلمات الهابطه فأغانى البنات الى اغنيات تشتعل حماسة تستنفر المحاربين الى القتال وتحتفى بعودة المقاتلين من مسارح العمليات .
عادت المدينة تحت الاداره البريطانيه من جديد .......... وكان السير همفرى أوكلك أول ممثل لحكومة الامبراطوريه فى كسلا بعد الفتح .... وكان جميع الاداريين الانجليز فى تلك الفتره يحملون رتبا عسكريه وكان عدد من الضباط الانجليز يديرون كل المرافق الحكوميه با لمدينه .. ووصلت المؤن والاغاثه للبندر الذى خرج لتوه من الحرب وبدأت الاداره الجديده فى تنظيم شئون المدينه واعادة ترتيب الاوضاع فيها وتم تشكيل محكمه
عسكريه لمعاقبة الجواسيس و المتعاونين مع الاحتلال تنفيذ الاعدام على عبد المجيد سلطان وهو من سكان الختميه وكان يعمل تاجرا ومقاولا بمنطقة القاش .
خلف السير همفرى عدد من الاداريين البريطانيين وجاء بعده مستر هندرسون واستلم منه المستر شترتون الذى لازال المسنين من الاهالى يتذكرونه وهو على صهوة جواده يتفقد احوال المدينه .. وكان السيد داؤد الخليفه اول
ادارى وطنى بعد المستر شترتون ...

أورطة العرب الشرقية سأتناولها مفصلة في سلسلة تأريخية لاحقاً
قطار الزحف المقدس

انتهت الحرب وعادت الابتسامه للمدينة من جديد وازدهرت الحياة الاقتصاديه والاجتماعيه والثقافيه و الرياضيه والسياسيه .. وعرفت المسرح والمنتدبات الادبيه.... < سأتناولها لاحقا بمزيد من التفصيل > وكانت حديقة العشاق دوحة للعصافير والشعراء والندامى ..وانطلق فى ليلها البهيج الغناء والطرب والشعر الجميل وصارت كسلا اغنية خضراء فى حديقة عاشقيها وفى اوتار المغنين.
واستمرت الحياه فى المدينه بايقاع نظيم ..مواكبة لما يجرى فى العاصمة الخرطوم.. وتأثرت بالمد الثورى والحس الوطنى الذى شهدته فترة مابعد الحرب وكانت لها اسهاماتها فى الحركه الوطنيه حتى انجلى الليل عن صباح مشرق نعم فيه السودان بطعم الحريه والديمقراطيه بعد نيل الاستقلال من الحكم الانجليزى المصرى
الى ان جاء العسكر الى السلطه فى السابع عشر من نوفمبر1958..جاؤا بانقلاب مشئوم ليبدأوا المسلسل الذى لازلنا نعانى منه حتى الآن .
يوم هب الشعب فى الحادى والعشرين من اكتوبر1964 ثائرا على جلاديه..كان لكسلا موقفها الفريد .
وكان <قطار الزحف المقدس > واحدا من اهم ملامح تلك الثوره اذ قررت جبهة الهيئات فى المدينه
مشاركة الشعب حصار القصر الجمهورى فى الخرطوم حتى يسقط النظام العسكرى... وتقدم الجمع المناضل محمد جباره العوض..< حفيد العوض المرضى> باشكاتب المديريه ايام حصارالههيه لكسلا وامين بيت المال فى
امدرمان فى عهد الخليفه . و المناضل اليسارى مامون محمد الامين < شنيبو > يؤازرهم شباب المدينه بكل الوان الطيف وقادة العمل النقابى والسياسى منهم القاضى فؤاد الامين وكوكبة من الشرفاء استطاعوا استقطاب الجماهير ودفعهم للتوجه الى الخرطوم للمشاركه فى صنع احداث الثوره...وبالرغم من الاضراب السياسى والعصيان المدنى المعلن قامت نقابة السكه حديد بتجهيز قطار حشدت فيه عددا كبيرا من عربات الركاب بمختلف درجاتها ..وانهالت التبرعات العينيه ..واشعلت المخابز افرانها فى غير موعدها لتوفير الخبز للمسافرين .. وتحملت العربات بكراتين المعلبات وصفايح الطحنيه وغيرها من المواد التموينيه كمساهمه من التجار ..وجاء المزارعون بالخضر والفاكهة .. واحضرت النساء ترامس القهوة والشاى و < كراتين الزواده >.. وكان هناك اكثر من مسافر من كل بيت .. واكتظت محطة السكه حديد بالمسافرين والمودعين فى جو حميمى ملفوف برائحة النضال .. وزخم الثوره وأطلق القطار صافرته المتواصله معلنا استعداده للتحرك حتى يأخذ المسافريهم امكنتهم على متنه.. وبدأ فى بف نفسه يخطو اولى خطواته فى تلك الرحلة غير مأمونة العواقب .
كنت من ركاب ذلك القطار ضمن ابناء جيلى < جيل اكتوبر > كما يحلو لنا ان نسميه < افتخارا > بين الاجال التى سبقتنا والاجيال التى اتت لاحقا.....
كان جميع ركاب القطار اسرة واحده.. ولم يكن يحدث فيه مايحدث عادة بين ركاب القطارات من شجار .. ومشادات بسبب المقاعد والازدحام واختلاف الامزجه ... كان وئاما حقيقا ليس له مثيل.
انطلق القطار الذى كتب عليه احدهم بفحمة التقطها من الارض < الزحف المقدس > فى رحلته صوب الخرطوم وكان < السيمافور > جواز مرور مفتوحا عند مداخل كل المحطات .
وتوقف فى القضارف ومدنى حيث وجد من جماهير المدينتين استقبالا حميميا وحاشدا بالهتاف ومزيدا من الزاد
وواصل القطار رحلته صوب الخرطوم .عندما وصل الى محطة سوبا على مشارف الخرطوم ,.. كان فى استقباله رتل من الدبابات والجنود المدججون بالسلاح بعد ان سرت فى الخرطوم اشاعة حول تكدس القطار بالاسلحه والذخائر ..... لم ارى غير سكين ضراع عم محمد جلاد العناقريب التى كنا نستخدمها فى تجهيز السلطه
وفتح علب الساردين .
وبعد جدل فى سوبا والخرطوم سمح لنا بالدخول للعاصمه وصحبتنا الدبابات حتى محطة الخرطوم الرئيسيه واتجهنا نحو القصر راجلين .. كان كل شىء قد انتهى بعد ان اشتد الضغط الجماهيرى واعلن الفريق ابراهيم عبود حل المجلس العسكرى....... واكتفينا من الصادمة بالاياب وعندنا الى كسلا بالقطار الذى غشى هذه المرة كل المحطات وشاركهم احتفالاتهم بانتصار الثوره .
عندما وصل القطار الى محطة كسلا كانت كل المدينة فى استقباله فى مشهد مهيب لايزال عالقا بالذاكره.... كانت الدموع والفرح والاحضان والزغاريد والهتاف والذبائح ...كان دورا مشهودا حفظه التاريخ وصار قطار الزحف المقدس واحد من ملامح ثورة اكتوبر المجيده .
حديقة العشاق

حظيت مدينة كسلا بحب اهل السودان وبمساحة معتبره فى فن الغناء والشعر لما حباها الله من طبيعة ساحره واسكنها اهل تميزوا بالوداعه وطيب المعشر < سماحتهم غيث .. ونجدتهم غوث .. كلامهم كله ظريف كأنه يضحك.. وكلامهم كله عفيف كأنهم يغسلونه قبل الحديث به..ونساء كسلا يلبسن الثوب .. والثوب فى كسلا يتثاءب عند الخصر.. ما احتضنت الغريب نظراتهن الا وجفلت العيون واحتمت بالاهداب واعتصمت بالمعصم حياءا وخفرا يزدن فى بهجة كسلا الفاتحه صدرها لكل عزيز زائر> .
وكسلا هى مهد اسطورة الجمال تاجوج فانتازيا العشق التى استلهمها الشعراء والكتاب .......... ومن اشهر عشاقها شاعر الدهليز توفيق صالح جبريل الذى تعلق بها وحو ت مجموعته الشعريه اكثز من قصيدة لكسلا اشهرها رائعته حديقة العشاق..كان شاعرنا يعمل مأمورا بمديرية كسلا فى منتصف الثلاثينيات وهى وظيفه اداريه مرموقه ..وقد ولدت هذه القصيدة فى جنينة اليوزباشى عثمان كيله التى كانت خضيرة نضيره ..بها استراحة جميلة واشجار باسقة مثمره ...وقد صارت الآن يبابا واثر من عزقديم تحكى عنه اطلال الاستراحه والصهريج والاسره الحديديه التى تحكى اثاث عزب الباشوات ..فقد صارت حديقة العشاق حديقة للاشباح بعد ان صارت خرابا اصاب وطن بحاله ...
غلب الاصدقاء توفيقا فى تلك الليله التى حل فيها وثاقه وتوبته برشفة من يد لاترتد عنها يد ولايرفض لها طلب .. وكان ذلك بايحاء من صديقه محمد عثمان يسن .. وقد نشرت هذه القصيده بعد 30 عاما من احداث تلك الليلة البهيجه....... يقول توفيق:
كان صبحا طلق المحيّا نديا
اذ حللنا حديقة العشاق
نغم الساقيات حرّك اشجانى
وأهاج الهوى أنين السواقى
بين صب فى حبه متلاش
وحبيب مستغرق فى عناق
ظلت الغيد والقوارير صرعى
والاباريق بتن فى اطراق
ياابنة القاش ان سرى الطيف وهنا
واعتلىهائما فكيف لحاقى
اامنى بين خصرها ويديها
والسنا فى ابتسامها البراق

والتمس العذر من عزيزى القارىء حتى لاااتبع< مسرور> الذى اقتلع عيونا من عيون الشعر السودانى يوم تجاوز هذه الابيات من القصيده :
والتقى النهدان بصدر
والتفت الساق بساق
واصبح الصبح والشهود نهود
مسفرات اما لها من واق ؟
ولتوفيق قصيدة اخرى لكسلا يقول فيها :

تذكر أيام اللقاء مشوق
فأومض والتاع الفؤاد بريق
فاذا القاش سجاجا تدافع ماؤه
وصافحه فى الشاطئين وريق
اذا التاكة السمراء بانت ..فأن
بى هواها مقيم والخيال طروق
ماطاب لى من بعد مغناك موطن
ولا عزّ دار والحبيب مشوق

اما شيخ شعراء الشعب محمد المهدى المجذوب فله مع كسلا ود وعشق قديم وله قصيده سماها
<جبل الختميه> صاغها عام 1944 فى اكثر من 180 بيتا يقول فيها :

سبقتنا نسيمة وردت توتيل اصداء مرها فى القلال
فجّر الله ماءها باسمة الثغر فرفت حيية فى الظلال
هى قلب الجماد يخفق مشتاقا فما شوق ذلة واحتمال
بهجة فى الصفاء وعين هى العين دعاء ورغبة فى وصال
هى عذراء للمنى كل دنياها..وللرقص فى شفوف الدلال
عجلى ياركاب ..رفّ لك الماء رفيف العقود والآجال

انجبت كسلا كوكبة من الشعراء والمبدعين منهم الشيخ سعيد القدال الذى عمل فى حقل التعليم وانتدب عام 1939 الى حضرموت حيث عمل مستشارا ثقافيا بدرجة وزير حتى عودته الى كسلا بعد الاستقلال فتم انتخابه رئيسا للمجلس البلدى .
وقدمت للقصيده العربيه الشاعر محمد عثمان كجراى الذى اصدر ديوانه < الصمت والرماد> فى
خمسينات القرن الماضى وهو احد رواد الحداثه فى الشعر العربى قضى عمره مناضلا ضد الانظمه الديكتاتوريه التى تعاقبت على السودان كالحمى . ويعتبر كجراى شاعر الثوره الاريتريه بحكم انتمائه الى احد فروع قبيلة البنى عامر المشتركه بين اريتريا والسودان وكان شعره وقودا للثوره حتى ارتفع علمها فر سارية اسمرا بعد 30 عاما من النضال فهاجر الى هناك ليقدم مساهماته فى مجال التعليم والصحافه حتى عاد اخيرا الى مدينته الاثيره يحلم بأستراحة المحارب التى لم تطول وسرعان ماغيبه الموت وضمه ثراها الطيب

من ابنائها النور عثمان ابكر الشاعر والاديب المعروف واحد مؤسسى مدرسة الغابة والصحراء الذى عبر عنها فى ديوانه صحو الكلمات المنسيه. ومن ا بنائها المبدعين فى مجال الفن التشكيلى
الفنانين حسين جمعان واحمد ابراهيم عبدالعال والنور محمد الحسن .

كما انجبت الشاعر الفحل شيخ العرب احمد ابوعاقله ابوسن وشقبقه الاستاذ حسان ابوعاقله الذى بذل جهدا كبيرا فى جمع ديوان قصائد من الشرق الذى شرفنى بتصميم غلافه ..كان الاستاذ حسان وفى سعيه لجمع هذا الديوات كأنه فى سبلق مع الموت وكان سعيدا بمولوده عندما رأى النور وفى هذا الديوان توثيق لاهم القصائد التى كتبت فى كسلا حديقة العشاق .
فتحت ذراعيها للشاعر الانسان الدكتور محمد عثمان جرتلى حيث كان له فيها مجلس عامر بالشعر والطرب ..كان نديما من الطراز الفريد..عشق كسلا وفتن بها وكتب فيها الكثير من
الشعر الجميل ولم تغب عن خياله ولسانه حتى رحيله عام 1984.
واحبها الشاعر الرقيق الاستاذ العوض احمد الحسين صاحب ديوان < مشاعر انسان >
وشاعر اغنية يانسيم ارجوك ..ودفن بها بعد رحيله المفاجىء ..... وغنى لكسلا شعراء النوبه
ميرغنى ديشاب ..كمال عبد الحليم ..على صالح داؤد..محمد صالح هارون ....

كما غنى لها د.جعفر ميرغنى .. ود باخريبه..ومبارك حسن خليفه.. وابراهيم عمر الامين ..
وخلف الله بابكر ..ود.ابراهيم الكامل...... ولايسع المجال لتضمين نصوص من شعرهم فى المساحه وكل هذه النصوص موجوده فى كتاب الاستاذ حسان ابوعاقله < قصائد من الشرق>
كان لعودة الكسلاوى بابكر محمود النور فى منتصف السبعيناِ أثر كبير فىتفعيل العمل الثقافى فى المدينه….درس بابكر السينما والاعلام فى جامعة موسكو وعندما عاد الى السودان لم يجد مجالا فى الصحافه او السينما وانتهى به المطاف موظفا فى الثقافة والاعلام ومن موقعه الوظيفى ساهم بابكر مساهمه فعاله فى قيام اتحاد الادباء وجماعة اولوس الادبيه تأسيس شعبه لجمع التراث بمكتب الثقافه والاعلام الذى ظل راكدا منذ ان فارقه الراحل الاستاذ مكى قريب الله …صادفت تلك الفتره نقل عبد المنعم الجزولى الى كسلا مسئولا عن المسرح
وقد قدم الاستاذ الطاهر عبد الكريم وزميله الاستاذ ميرغنى محمد ديشاب اللذين تم انتدابهما من وزارة التربيه والتعليم الىشعبة جمع التراث وقدما من خلال الشعبه عملا عظيما اذ تم فى هذه الفتره جمع اشعار احمد عوض الكريم ابوسن والصادق حمد الحلال < ود آمنه> وودشورانى وكان الطاهر قد جمع فى وقت سابق اشعار الحردلو ..كما تم جمع حكايات شعبيه من المنطقه مثل < فاطنه القصب الاحمر > وكان للشعبه مشروعا طموحا
كثيرا ماكان يواجه ببروقراطية القائمين على الامر من مدراء وزارة الثقافة والاعلام الذين كانوا يغلبون الاعلام على الثقافه التى كانت تجد النذر اليسير من اهتمامهم وقد علمت ان احدهم قد اخذ معه كل مجهود الباحثين عند نقله الى موقع آخر .
توج بابكر جهده بقيام مهرجان الثقافه الاول بمدينة القضارف عام 1979 اجتمعنا فيه من كل الاقليم وكانت مشاركة شيخ العرب احمد عوض الكريم ابوسن فى المهرجان الاول والثانى لفتة بارعه وكان المهرجان الثانى الذى اقيم بكسلا عام 1980 اكثر شمولا حيث اشتمل علىمسرح للطفل وليال للشعر شارك غيها عمالقة شعراء البطانه منهم شيخ العرب والصادق ود آمنه وكان هناك معرض للكتاب وآخر للفنون التشكيليه وقدمت العديد من المحاضرات بقاعة البلديه نذكر منها المحاضره المتميزه حول المتنبى واخرى حول الصوفيه فى شرق السودان قدمها مولانا محمد الامين شريف والمحاضره القيمه عن تاجوج التى قدمها الاستاذ العوض احمد الحسين واختتمت فعاليات المهرجان ب
< ليلة سرور > التى اقيمت بمسرح تاجوج احتفاءا بالمبدع الحاج محمد احمد سرور الذى عاش بكسلا وتزوج هناك ورزق بولد وبنت….. غنى فى تلك الليله أحمد المصطفى ـ حسن عطيه ـ عبد العزيز محمد داؤد .. تبلور كل ذلك الزخم الثقافى من خلال اتحاد الادباء وجماعة اولوس الادبيه التى كانت تضم كجراى ـومبارك ازرق
القاص الذى قدم للمكتبه السودانيه رواة < النمل > و < لغز تاجوج > وكوكبه من شعراء الحداثه منهم ميرغنى ديشاب وكما ل حليم واحمد طه و بابكر محمود النور وعبد المنعم الجزولى وعبد الغنى خلف الله الذى كان ضابطا رفيعا بشرطة كسلا كما ضمت المجموعه جابرحسين ومحمد خيرالتهامى وحسونه بدوى وغيرهم كما ضمت الجماعه بعض شعراء الاغنيه مثل عثمان حاج على
وكان لوجود الاستاذ محمد الامين شريف فى المدينه اثر كبير فى احياء نار الثقافه والبحث والاجتهاد

من ابنائها من الشعراء الشاعر اسحق الحلنقى امير شعراء الغناء السودانى واكثر الشعراء غناءا لها خاصة تلك الاغانى التى يتغنى بها على ابراهيم اللحو والتاج مكى الذى عاش فيها وشهدت انطلاقته الى عالم الغناء والشهره بأغانى اسحق والمبدع مرتضى عبد الرحيم صباحى والد الفنان معتز الصباحى … مرتضى من اكثر عشاقها وفاء لها لايمضى يوم دون ان يذكرها ويذرف دمعة حنينا لها …. ومن ابنائها الشاعر هلاوى وعزمى احمد خليل. ولاسحق الحلنقى شعر فصيح لايعرفه القراء مثل قصيدته < وقفه على قبر تاجوج > التى يقول فيها :

اليوم عدت اليك يا كســـــــــــلا
وبمقلتى تعاسة المتــــــغــــرب
فى كل شبر ضجة وتأســــــــــف
أتكرت بعدى جفوتى وتغربى
أنا ان رجعت الى غد لاتأســـفى
فالمجد بعض من فضائل مذهبى
هذى الجبال عبادتى فى صمـتها
شمخت كمحبوب عزيز المطلب
وبقبر تاجوج اصطحبت عبادتى
صليت فى قبر جريح متعــــب
والقاش ممتـد بعينى هــــــائم
بسط الذراع يلم لون المـــغرب
من ابنائها من الفنانين انس العاقب وابراهيم حسين وعبد العظيم عبد الله يوسف < حركه > والموسيقار عمر الشاعر والفاتح عوض الكسلاوى , وفيها بدأ ترباس والبعيو الغناء وقدمت لاوركسترا غازف الاكوريون الفاتح الهادى وعازف الطبل الزبير.
الحديث عن كسلا ذو شجون .. فمبدعوها فى كل مجال لايمكن حصرهم والشعر الذى كتب فيها والغناء الذى نظم لها يجعلها الاوفر حظا من مدن السودان الاخرى من غير امدرمان التى احتضنت الشعر والغناء منذ بداية القرن الماضى وحتى الآن .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !