مواضيع اليوم

صديقي السياسي ..

صادق البصري

2012-05-13 17:49:46

0

 صديقي السياسي .. ( قصة قصيرة )


منذ أكثر من عقد من الزمان فارقته ، لا اعرف أين هو ألان ولم اسمع عنه أية أخبار، كباقي أصدقاء الطفولة والدراسة الذين فرقتهم السنون والأيام والأحداث ، صدفة وأنا أراجع دائرة حكومية في وزارة ما لمحت شخص حاشد للوجوه له ملامح صديقي وأن طرأت بعض التغيرات الطفيفة من زيادة في الوزن وسحنة مالت إلى البياض ،وهندام أنيق ،كان يتوسط حلقة من أشخاص كأنهم حمايته الشخصية ؛ لم يكن سياسيا في يوم من الأيام وكانت أفكاره على الدوام رجعية قبلية ماورائية ، وفشل في الدراسة حسب علمي ، إذا كيف وصل إلى هذا الحال وما السر!؟ ظلت تلك الأسئلة تراودني والفضول يأسرني دون إجابات ، لوحت له بيدي من بعيد ،
في البداية لم يعبأ بتلويحتي ،سخرت من نفسي وترددت ،إلا إن شعورا ما دفعني إلى الاقتراب من حلقة حمايته ومناداته باسمه ،فألتفت إلي وظل محدقا بي وكأنه يحاول شحذ ذاكرته ،أمرهم أن يسمحوا لي بالاقتراب أكثر وكأنه عرفني ، تصافحنا وتعانقنا وتبادلنا التحيات والأمنيات والود ،كأي صديقين يتقابلان بعد مدة طويلة ،وضع يده في يدي وسرنا معا ، ألغى جدول إعماله ، وصرف طاقم حمايته،وأدخلني جناحه الخاص في الوزارة ، تكلمنا كثيرا ، عن الذكريات والأصدقاء وشؤون الحياة ، تكلمنا عن الزواج والأطفال والمعيشة ، والغلاء والسياسة .
قال : إن الحياة مأدبة كبيرة ذكي من يستخلص لنفسه مكانا لائقا أمام وجبة شهية .
وقال أيضا : إن الجو جميل ورائع .
قلت : إن درجة حرارة الطقس في الخارج جحيم لايطاق
قال : إن الشتاء حين يأتي بمطره يغسل الأبنية والشوارع ويمسح عن أعين الناس الحزن ويمحو ذكر حرارة الصيف ولهيبه .. والنسيان نعمة.

قلت : :بل قل إن الشتاء إذا كان بمطر غزير يغرق الأزقة وتكثر الأوحال ، وتطفح المجاري في الشوارع و البيوت المنخفضة ،ويمنع أرزاق الكسبة ويقتل المزروعات .
قال وهو يضغط على يدي انه من الأفضل للمرء دائما أن يفترض النيات الحسنة ويتفاءل ، يجب أن يكون قلبك أغنية تتسع لكل أحزان الناس ياصديقي ، وأردف لا اخفي عليك أحيانا يرافقني الحزن عندما أكون وحيدا ، اشعر إني غريب ووحيد وخائف، وكثيرا ما افتقد وجوه الأصدقاء . . كنت أهز راسي موكدا صحة ذلك ..
وأخيرا دعاني إلى وليمة غداء في جناحه الخاص .
قال : اطلب ماتشاء من طعام وشراب ، ودون أن اطلب أي شيء امتلأت الطاولة بصنوف الطعام الشهي، و بصمت بدأنا تناول الطعام الفاخر كانت فعلا وليمة فاخرة ، بعد مغادرتنا مائدة الطعام جلسنا في مكان آخر أكثر شاعرية ، طلب لنا الشاي وقال إن الشاي هنا أطيب مايكون ، وأنا احتسي الشاي تطلع في وجهي وضحك واستمر في الضحك ، تساءلت في نفسي ماالذي اضحك صديقي السياسي ، لكنني شاركته الضحك ببلادة ، فجأة رن نقاله بنغمة كئيبة ، وعلى عجل قام ليغادرني قال اعذرني لقد قضيت معك وقتا طيبا، وأنا مسرور برؤيتك ، صافحني وعانقني ، وقال أكمل شايك أو اطلب أي شيء آخر من النادل ، وأنا أستأذنك وخرج ،رشفت الشاي بسرعة وهممت بالخروج وأنا أسير في رواق الوزارة استرجعت ذاكرتي مادار بيني وبين صديقي السياسي من كلام
ومواقف ، تأكدت إن الجو خارج الوزارة ليس رائعا ، وأيقنت أن أحزان الناس لاتسعفها أغاني الكون ، وأدركت أن النسيان ليس نعمة دائما، وأن على المرء أن لايفترض النيات الحسنة في كل المواقف ، وأن طعم الشاي كان ليس طيبا ، ولكن الحق يقال مآدبهم فاخرة ، وتذكرت أيضا أننا كنا نتكلم طيلة الوقت مع هز أقدامنا .
 

صادق البصري /بغداد




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !