آخر فصول مسلسل مصادرة الفكر وخنق الابداع في المنطقة العربية، تدور منذ بضعة أسابيع في مصر، حيث طالب عدد من المحامين المصريين الذين يحسبون على التيار الاسلامي في بلاغ للنائب العام بمصادرة ومنع الطبعة الأخيرة من كتاب " ألف ليلة وليلة " التي أصدرتها " الهيئة العامة لقصور الثقافة " ضمن "سلسلة الذخائر."
جاء في دفاع المحامين أن الكتاب يحتوي " كما هائلا من العبارات الجنسية الصريحة المتدنية والقمينة والداعية الى الفجور والفسق واشاعة الفاحشة وازدراء الأديان والعديد من الجرائم المعاقب عليها طبقا لنصوص قانون العقوبات "... هكذا وبقدرة قادر تحولت " ألف ليلة وليلة " من درة غالية( ألهمت العديد من المبدعين في ميادين المسرح والشعر والموسيقى والسينما والمسرح في كل بلاد الدنيا ) الى نص للفسوق والفجور في عيون هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم في غفلة الجميع حماة للدين والوقار الاجتماعي وأوصياء على الأخلاق. وكما جرت العادة دائما في محاكم التفتيش الحديثة، تكون النتيجة قتل الابداع ومصادرته باسم الشعور الديني. والقصة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، أصبحت موروثا حضاريا كونيا منذ أن قام المستشرق الفرنسي " أنطوان غالان " بترجمتها الى اللغة الفرنسية سنة 1704، حيث استندت معظم الترجمات بعد ذلك الى نسخة " غالان". وتأتي القيمة التراثية لحكايات شهرزاد من كونها تجمع بين الخيال والواقع و تسجل تلاقحا فكريا فريدا بين ثقافات مختلفة تمتد الى الهند وبلاد فارس و العرب.
هكذا اذن يريد الخانقون للابداع أن يجتثوا الرذيلة والفسق من بوابة ارغام شهر زاد على السكوت عن الكلام المباح. وكأن حال العرب والمسلمين اليوم في غاية الطهارة والعفة التي لا ينبغي السماح بتلويثها بايحاءات "ألف ليلة وليلة " الجنسية. لكن يبدو أن المحامين الذين يطالبون بمنع القصة من التداول في الأسواق بدعوى حماية أخلاق المجتمع يتناسون أن عددا كبيرا من كتب التراث العربي والاسلامي تتضمن ألفاظا من هذا القبيل. فهل سيجعلنا هاجس الحفاظ على الحياء العام نمنع كل تلك الانتاجات الفكرية؟.وهل سنعيد النظر في كل الكتب الدينية التي تستعمل في تفسيراتها قاموسا جنسيا؟. هل بلغ تردي الذوق العام في العالم العربي الى مستوى التأثر ببضعة كلمات جنسية مرسومة على ورق؟. أسئلة لا حصر لها ينبغي أن نطرحها ونحن نعيش هذا السقوط الى الهاوية في عالم ينشد أدوات التقدم والرقي والازدهار.
انهم يخنقون الفكر والتعبير والفن الجميل. لكنهم لا يدركون أن للأفكار أجنحة، ولا أحد يستطيع منعها من التحليق والطيران. محمد مغوتي.15/05/2010.
التعليقات (0)