س ح م
"س ح م" .. هي إختصار وشعار "سكك حديد مصر" .. وهي الصرح العملاق الذي لا تخطئه عين والذي تمتد خطوطه كالشرايين لآلاف الكيلو مترات داخل أرض مصر ..
وبدايات أو نشأه هذا العملاق كانت في العام 1851 حيث بُدأ في إنشاء أول خط سكه حديد في مصر وأفريقيا والشرق الأوسط وثاني خط سكه حديد إنجليزي بعد السكه الحديد الإنجليزيه ..
وبدأ أول تشغيل لسكه حديد مصر مع إفتتاح قناه السويس للملاحه الدوليه في العام 1854 في عهد الخديوي إسماعيل والي مصر .. فقد كانت فكرتها آنذاك أن تستخدم كطريق بديل لطريق الجمال الشهير .. والذي كان يربط ميناء الاسكندريه بميناء السويس وكانت السكه الحديد بحق آنذاك ليست فقط مفخره بل معجزه ..
حتي أن الكثير من الناس كانوا يظنوا أن القطار أو "الوابور" كما كانوا يسمونه زمان هو شيطان حديدي يلتهم الناس حيثما مر وكانو يفزعون ويهربون بمجرد سماع صوته ..
وأول خط سكه حديد تم إنشاؤه كان يبدأ من القاهره و ينتهي في كفر الزيات .. ليستكمل الركاب والبضائع الطريق الي الاسكندريه بواسطه الجمال .. ثم تم إستكمال الخط فيما بعد حتي وصل الاسكندريه شمالا ..
ثم بعد ذلك تم إنشاء الخط الثاني ويبدأ من القاهره وحتي السويس شرقا ..
ثم تلي ذلك خط من القاهره حتي أسيوط جنوبا .. ثم إمتد هذا الخط حتي وصل الي الأقصر .. ثم إمتد فيما بعد حتي وصل الي وادي حلفا في السودان .. والتي كانت ضمن القطر المصري آنذاك ..
وبعد الحرب العالميه الأولي تم مد خط جديد بإتجاه فلسطين حتي وصل الي غزه .. والتي أيضا كانت تحت قياده مصريه .. ومن غزه يمتد ويرتبط بباقي الخطوط البريطانيه الي باقي أرض فلسطين ..
وكانت السكه الحديد تدار بواسطه شركه خاصه أجنبيه وليست حكوميه مصريه وكانت تقدم خدمات نقل الركاب والبضائع مقابل أجر .. وبالتالي كانت الخدمه “services” بأحسن ما يكون وعلي درجه عاليه جدا من الكفائه والتنظيم والنظافه وكانت محطات القطارات وخاصه الرئيسيه ذات طُرز معماريه جميله .. والفرعيه منها تسر الناظرين .. أما المحطات من الداخل فكانت تشبه الفنادق الفاخره .. وكان ركوب القطارات أو الوابورات والسفر بها متعه لا تضاهيها كثير من المتع ..
وفي العام 1954 علي ما أعتقد تم تأميم شركه السكك الحديديه مع تأميم قناه السويس وتحولت الي "ق ع" أي قطاع عام وما أدراك ما القطاع العام .. فالتعيينات في هذا المرفق الحيوي كانت بواسطه "القوي العامله" .. ولمن لا يعرفها فالقوي العامله طبقا للنظام الاشتراكي الذي كان سائدا هو بمجرد أن يتخرج المرء حتي يحمل أوراقه ويتجه الي القوي العامله وهي التي تقوم بتوزيعه علي المصالح الحكوميه والشركات والمؤسسات كل حسب نصيبه بغرض "التوظيف التسكيني" .. فممكن أن يكون مؤهلك مثلا ليسانس آداب ثم يتم توظيفك في ورش هيئه السكك الحديد .. وهكذا دون النظر الي مؤهلك أو حجم العماله المطلوبه في المكان .. حتي تكدس الجهاز الإداري للهيئه بكم كبير جدا من العاملين شبه العاطلين لعدم حاجه العمل اليهم أو كفائتهم للعمل .. والي هنا لا توجد مشاكل فالدوله هي المُعين .. والدوله هي التي تدفع الرواتب و"س ح م" هيئه تابعه للدوله تديرها الدوله .. وتغطيها الدوله .. وبما أن كله حكومه فإن إصدار تصاريح الركوب المجانيه والمنخفضه السعر تزايد مع الأيام حتي بلغ أن إيرادات الهيئه لم تعد تغطي إنفقاتها ..
وكانت الدوله تدعمها ضمن الدعم الحكومي للشركات الحكوميه .. وتبعا لذلك قلّت وندرت أعمال الصيانه والتطوير والتحديث حتي تهالك المرفق تماما علي مر السنين ..
وعندما دخلت البلد عصر الخصخصه .. لم يكن في الإستطاعه بيع الهيئه كما بيعت الكثير من شقيقاتها ال "ق ع" فمَن مِن مشتريي تلك الفتره .. وكلهم معروفين .. يستطيع أن يشتري تلك الهيئه المتهالكه بكل أملاكها .. ثم ومن سيشتريها منه فيما بعد .. وبالتالي تم تحويلها الي شركه لا أعلم مسماها قابضه أم باسطه أم الاثنين معا .. أي "منبعجه" .. وجعلها هيئه مستقله بعيدا عن الدعم الحكومي ..
وهنا بدأت الكوارث تظهر جليه بعد إنحسار الدعم الحكومي عنها في حوادث القطارات التي أكسبت مصر شهره تفوق الشهره التي حققها أبناءها ممن حصدوا جوائز نوبل في مختلف المجالات .. وأشهر تلك الحوادث القطار الذي إحترق ليردي بحوالي 400 راكب مصري قتلي تفحمت جثثهم وتم دفنهم في مقبره جماعيه بعد تعذر معرفه هوياتهم .. وكذلك تصادم القطارين والذي أودي بوزير النقل رجل الأعمال لطفي منصور ..
والقائمه طويله لحوادث القطارات لايتسع المجال هنا لذكرها ..
واليوم تحتاج "س ح م" الي معجزه بمقاييس المعجزات حتي تعود الي سابق عهدها وأعتقد بأن الحل الأنسب هو تسليمها لإداره أجنبيه يعد حلا أمثل علي أن تتولي الدوله إعاده تسكين 60 % من عمالتها والتي هي زائده عن حاجتها وتستهلك الكثير من ميزانيتها في وظائف أخري داخل الدوله ..
كذلك يتم النظر الي مكافئات وبدلات الكبار والتي تلتهم باقي الميزانيات ليتبقي للهيئه شيئ من الإيرادات يتم إستخدامه في التطوير والتحديث …
مجدي المصري
التعليقات (0)