مواضيع اليوم

سيره شعب

مجدي المصري

2010-11-30 16:08:31

0

دائما ما كنت أتساءل عن السبب الحقيقي لأن يزدحم ويزخر التراث الشعبي المصري بسيره البطل الفرد المخلص لقومه وعشيرته من النير والإستعباد والظلم والفساد .. هذا البطل الشعبي كان هو المخدر المسكن لآلام هذا الشعب لدهور مديده قبل أن تصل الفضائيات والإنترنت الي كل بيت وكان المنشد والشاعر الشعبي هو النافذه الوحيده التي يطل منها ملايين البسطاء والمعدمين علي بساتين الحريه والإنعتاق وكانت سيره البطل هي المسكن لآلام الظلم وظلمات الضيم التي كانت تنحر بسطاء هذا الشعب الذي وقفت لهم أقدارهم بالمرصاد عندما تخير أجدادهم هذا الوادي الضيق المحازي لمجري النهر والذي كان دائما مطمعا للغزاه ومرتعا للفراعين سكنا وموطنا ..
عاش البسطاء والفقراء من هذا الشعب في قري معزوله عن العالم ليس بدافع الإنعزال ولكن خوفا من المجهول لا يشغل بالهم سوي الغد وماذا سياتي به الغد لهم من ظلم وجور وبطش من عدو محتل وغازي جامح أو حتي من أحد أبناء جلدتهم ممن أسكرتهم خمر السلطه وصولجان السلطان وسلطان المال وعاثوا في البلاد فسادا وفي العباد تنكيلا ..
عاش ملايين البسطاء من هذا الشعب تطحنهم أقدارهم وتتقاذفهم حظوظهم بين براثن الفراعين أسره وراء أسره يتوارثونهم كمتاع الغرور وكانت سيره البطل الفرد هي السلوي والزاد الذي يسترون به ما تعري بفعل الغزاه ويتقوتون به بعد أن نهم شره جبابره قومهم كل زادهم ..
بات البسطاء كل ليله بعد جرعه سيره البطل التي شنف الراوي بها أسماعهم يحلمون بسيفه البتار ورمحه النافذ يطيح برؤوس الظلم والفساد ويخلص العباد ..
ولكن هيهات أن يأتي البطل في صباح الغد وحتي وإن جاء وتوسموا فيه الصلاح وساروا وراءه كالحرافيش وبايعوه في ثوره وإنتفاضه يموت فيها خلق كثير سرعان ما يتحول البطل بعد أن تدنوا له الدنيا ويدنوا له الملك ويتحول الي فرعون لا يختلف عن ما سبقه من فراعين سوي في إسم الأسره الحاكمه الجديده وبكل بساطه يصبح موسي فرعون لينضم الي السلسله التي لا تنتهي والتي كتب علي أهل الوادي منذ فجر التاريخ أن يستعبدوهم وينهبوا ثرواتهم وخيراتهم ويدوسوا رقابهم ويمتطوا متونهم ..
كل هذا التاريخ الضارب في أغوار القدم بما فيه من ظلام وظلمه أثر كثيرا وغير كثيرا في التركيبه الجينيه لأبناء هذا الشعب فتحولت كثيرا من صفاته وخصاله الي مسخ عقيم فالبسطاء منهم وبعد أن قضي الغزاه منهم وترهم كفوا عنهم وتركوهم وشأنهم مع فراعينهم فلم يعد غزوهم يستهوي أحدا بعد أن جف ضرعهم ويبس عودهم وبالتالي كف عنهم وأدار لهم ظهره ..
فإطمئن فراعينهم وقروا عينا وإقتسموا وتقاسموا ما تبقي من أديمهم ومن حرثهم ونسلهم فتناسخت جيناتهم وتهجنت وتغيرت تراكيبهم الوراثيه فتولدت أجيال ترفض كل خليه من أجسادها أن تحمل أي إنتماء لهذا البلد أجيال إستشعرت الغربه والإغتراب والوحشه بين دروب الوطن فإنعزلوا وإعتزلوا بعد أن كفروا بقيم وطنهم وأعلنوا السلبيه في مواجهه أي شيئ وكل شيئ وهم الأغلبيه الغالبه التي حفرت الأزمنه المتواليه وطغيان الفراعنه أخاديد وتجاعيد في وجوههم وبين ثنايا جلودهم سوف تظل تتوارثها الأجيال وستبقي شاهدا علي ظلم الإنسان لعبده الإنسان ..
أما القله القليله المتبقيه وإن كانت السمره تضرب وجوههم الا أن جيناتهم أخذت منحي آخر مخالف تماما فالإستكانه والتبعيه والموالاه أصبحت سلوهم ومصدر رزقهم ومنهاج حياتهم فإستعذبت هذه القله تبعيه الفراعين وموالاتهم والسير في ركابهم وطاعه أوامرهم فهي السبيل الوحيد لهم للخروج من الجحور وشقوق الجدران التي هي مأواهم ومتواهم الي الطرقات والدروب وعن قناعه تامه باعوا أنفسهم وكرامتهم بما يجود به الفراعين عليهم وتحولوا الي وحوش كاسره تنهش لحم بني جلدتهم ..
وليس عدو بلدهم القابع علي الحدود يتربص الدوائر أو الذي يجول بين دوبهم خفيه ولكن الضعفاء البسطاء هم جل عملهم ينشرون بينهم الفزع والرعب ويسلبون الطمأنينه منهم وينهشون كرامتهم أو ما تبقي منها ويزوروا إرادتهم ..
ولا يبقي للغالبيه الصامته سوي الله يجأرون له بالشكوي ليل نهار تلهج ألسنتهم بقول : ..
حسبنا الله ونعم الوكيل أنت المولي وأنت النصير وأنت المنتقم وأنت المجير ..
مجدي المصري




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات