سوريا والدم المسفوك عبثا

من سوء طالع الثورة السورية أنها جاءت فى مؤخرة الثورات العربية , وبعد أن ظهرت نتائجها وما تمخضت عنه أمام القوى العالمية من ناحية  وأمام بعض القوى الإقليمية والمحلية المؤثرة من ناحية أخرى حيث فتر حماس بعض  هذه القوى  للثورات العربية , وبعضها الآخر يشفق  من نتائجها والبعض يلعن  ربيعها ويعتبرها  أحد عواصفه  الخماسينية المتربه   ,  من هنا واجهت الثورة نظام بشار الأسد  وهى غير قادرة لا على إلحاق الهزيمة به  ولا على تلقى دعم دولى على غرار ماحدث فى ليبيا  , من هنا  انحصرت المواجهة  بين الثوار  من ناحية وبين النظام من ناحية أخرى  بالإضافة إلى بعض المؤيدين لهذا الطرف أوذاك من بعض القوى والتيارات  الإقليمية والمحلية التى لا تستطيع حسم المعركة لصالحها  بل كل ما استطاعته  هو إطالة أمدها  وزيادة عدد  ضحاياها  من  أبناء الشعب السورى المنكوب    .    لفت نظرى الشعار الذى رفعه  الثوار  فى الجمعة قبل الماضية  ويقول  ( ألم يشبع حقدك من دمنا يا أمريكا ) , مع  أنه  وقبل ذلك صدرت عدة تصريحات من الأسد وبعض أركان نظامه  تتهم الثورة بأنها مؤامرة أمريكية  ضد النظام السورى الصامد  والمقاوم لنفوذها  , .  هل فى ظل  هذه الظروف يمكن لأمريكا أن تساعد على استصدار قرار أممى  للتدخل فى سوريا  لصالح الثوار بإقامة مناطق حظر جوى على غرار ما حدث فى ليبيا  ؟   أعتقد أن هذا غير وارد مهما قامت طائرات النظام  بضرب الثوار واستهداف تجمعاتهم فى كل مكان   , فمن الواضح  أن النظام البديل لنظام الأسد سيكون أكثر عداء لأمريكا   وتحديا لها  من هنا  أجد غرابة فى شعار الثوار   , فإذا كانت أمريكا تحقد عليهم وتريد الشبع من المزيد من دمائهم  فلماذا يستنجدون  بها ضد  عدوهم ؟ ! 

أقول  إن الدم السورى المهراق لن يكون له من عائد مرجو نظرا لتوازن القوى  بين الطرفين  , فبشار مدعوم من إيران وحزب الله  وبعض مقاتلى الشيعة فى العراق  , وتلك قوى لن تقبل بالهزيمة , وعلى المستوى الدولى هو مدعوم من روسيا والصين  اللتان لن توافقا على أى إجراء من شأنه  هزيمة النظام  ,  وكذلك الثوار مدعومون  من بعض القوى الإقليمية مثل قطر  , وتنظيم القاعدة  وبعض  المقاتلين الجهاديين  فى مصر التى تدعم  حكومتها الإسلامية الثوار د عما بعضه ظاهر وبعضه خفى  , وهذه  قوى ليس من السهل أيضا هزيمتها   .  ونتيجة  لذلك  أعتقد  وبكل أسف  أن الحرب  الأهلية فى سوريا سيطول أمدها  وأن هذه الدماء المسفوكة تذهب هدرا وبلا عائد  .  أقول أيضا  إن سوريا أصبحت مسرحا لحرب طائفية  ذات صبغة دينية ومذهبية  وهذا النوع من الحروب لا تسهل مواجهته  أو إقناع أحد طرفيه بقبول التنازلات  خاصة بعد  كل هذه الدماء , وهؤلاء الضحايا , ومن المؤسف أن الوضع العربى الراهن  فى أسوأ  أحواله وأشدها تشرذما  , وأنه لا يوجد على الساحة  قوة عربية قادرة  لا على الإقناع ولا على التدخل القوى  للفصل بين الطرفين  وتبنى مشروع  لإنهاء النزاع عربيا  بعيدا عن الطائفية والمذهبية  .   إن  الوضع فى سوريا  يحتاج  إلى مايشبه المعجزة  لحقن الدم السورى  وللحفاظ  على سوريا  العزيزة من أن تصبح أطلال دولة  نتيجة هذه الحرب العبثية التى لا غالب فيها ولا مغلوب  من الطرفين المتقاتلين  وأن المغلوب الوحيد هو الإنسان السورى بكل انتماءاته  والوطن السورى بكل حضارته وثقافته وتاريخه