مواضيع اليوم

سميح الشريف ناسك الشعر وراهب المعرفة

فارس ماجدي

2011-12-31 08:36:47

0

 القصيدة مثل الحب لدى سميح الشريف....  
  الشعر  عنده لا يتحدد في لحظة كتابة القصيدة . الشعر لديه  طريقة حياة يعيشها بشكل مستمر ، يرى القصيدة  كواحدة من الذرى الساحرة الخلابة التي يأتي إليها  كما تأتي إليه ، كما لو أنه يصغي لصوت غامض يمليء الروح عليه، فيما يكون هو يسجل تلك الكلمات بشغف ولهفة كمن يصغي لوصية عزيز لديه يحتضر، وكأنه يرى أن  المحتضر سيكون الشاعر نفسه اي هو.. هو .

  المعاناة عنده لا تكون في لحظة كتابة القصيدة أبدا. المعاناة تجيء قبل ذلك بوقت طويل ، إنها معاناة الحياة. أما الكتابة فهي أجمل اللحظات على الإطلاق. سميح لا يكون فرحا ومتألقاًً مثلما هو في لحظة كتابة قصيدته ، العذاب  يكون عنده  قبل النص وبعده. أما لحظة يكتب  فالأمر يكون عكس ذلك حتما  فلحظة الكتابة يراها  برهة من النشوة القصيرة والنادرة و الخاطفة والسريعة ، مما يؤكد كم هو الشعر شبيه بالحب في كل شيء. ..

قال لي ذات مرة  الشعر مثل الحب سأعجز عن الشعر عندما أعجز عن الحب يا تيسير . 
وقال الشعر حالة، يظل مهيمناً على روحي  طوال الوقت، وهو الذي يسمح لي برؤية  الحياة من حولي غيماً شفيفاً يمتزج بالروح، يوقد الحالة الشعرية التي بها أعيش.

 يمكنني القول أنه لولا هذه الحالة الغامضة  العاصفة  التي تملك على سميح وجدانه  لما تسنى له احتمال هذا الواقع  بكل خساراته  وثقله . وعندما يتعامل مع أشياء الوجود  بهذه الشعرية الخالصة ، فهذا يعني أن الشعر لا يقتصر على بوح الكتابة على هذا النحو فقط، فكل ما يقع تحت نظره ويلامس كيانه هو ضرب من الشعر حتى يستحيل الكون كله الى هذه  الشعرية البالغة السمو . لذلك فإن النص لا يبدأ  عنده هنا وينتهي هناك، النص الشعري لديه مفتوح على آفاق  أخرى  تتابع  كموج مستمر متلاحق ومتلاطم ما بين الشهوة و اللذة بما لا يوصف. من هنا أزعم بأن الشعر  لدى سميح الشريف هو طريقة حياة، وهو ما يمكن اعتباره الحياة التي يعيشها فيما هو يفعل أو يتحرك أو يتنفس ، مما يجعله روحل لطيفا  ما مس شيء من الأشياء إلا استحال الى جمال ....

 

تنثال القصيدة في  داخله مثل شظايا البلور تتناهى  في الصغر، ثم تتراكم شيئاً فشيئاً  لتصبح بركاناً آسرا جميلا  يمنح الروح طاقة غامضة من إحساس  يجعلها تملك العالم  وتتمثله بشكل عميق ، حيث يشعرك بأنه يضع الجوهر في جيبه. ويتصاعد هذا الشعور رويدا رويدا  ليبدو في لحظة من اللحظات حالة من العشق تستعصي على الوصف.

عبث ساحر لا يكفّ عن الاندلاع في العمق  والتصاعد مثل بركان، بركان لا أبدع  ولا أطيب ولا أجمل ولا ألذ . تظل هذه الحالة تشحذ الذات  الكامنة للكتابة بلا هوادة لديه.. لحظة يكتب  تشفُ روحه  لا لتصادف تلك اللحظة الفاتنة التي تنبثق فيها الكلمة الأولى، أو الصورة الأولى، أو الإيقاع الأول أو الفيض الأول .. مثل الله .. عندما قال كن فكانت الهيولى التي استحالت الى صورة .. ثم استحالت هذه وتلك الى وجود  ينبض بالحياة  ويدفق بشهوتها  ... .
سميح شاعر يخلق نصه فيما هو يؤثث الكون بالصور وفيما هو أيضا يكون عرضة لملامسة يشغف بها القلب، فيقع قارئ  قصيدته في الكارثة ، فلا تنقذه إلا القصيدة نفسها .

لحظة  يبدأ في كتابة ما هيأته الأساطير في داخله يضحك ويحزن في ذات الوقت .. ليس لختلاط في مشاعره  وإنما هي النقائض التي تستدعي نقائضها باستمرار  في تضاد بهي وتصادم كأنه الجحيم .  

ما أذكره دائما  وأنا شاهد هذه الحالات، هو أن ثمة صمت غريب وغامض يسبق لحظة الكتابة في روحه . صمت كثيف حيث لا يقوى على الكلام مع الآخرين من حوله  بل إنه أحياناً يكاد، لفرط توغله في الصمت، لا يحسن التخاطب  معي ومع الآخرين، فيبدو مرتبكاً يتعثر الكلام لديه، مضطرباً، تهرب منه لغة التفاهم مع العالم كله . كطفل يتلعثم أمام التفاصيل اليومية كأنه يصادفها للمرة الأولى يراها للمرة الأولى ، الأمر الذي يجعله متورطاً في حالة من الحرج بسبب عدم قدرته او رغبته في الكلام مع كل من حوله ، مثل كائن  غريب وحشي لا يحسن شيئاً يتصل بالبشر   وساعتها لن يفهمه سوى اقرب الناس له، حيث يفهمون حاجته الماسة للعزلة بعيداً حتى في نصه .  
وكثيراً ما تكون العزلة الشديدة هي هي ملاذه ومستقره وهي عزلة عن الكون  الخارج للذهاب بحرية أكثر إلى الكون في  داخله.

سميح هو احساس تلمسه بأناملك ، وهو يغمرك بعينية  تدرك  أن ثمة انفجار وشيك عليك عدم تفاديه قدر الإمكان  فهو انفجار الرحيم إنفجار الحبيب  . مثل الشهوة ، تأتي قصيدته لتنقل الروح من عذاباتها إلى الفردوس حيث النعيم المقيم ، حيث الرياض  النادرة من اللذة حيث  الجمال، حيث الأفق يركض وراء الأفق   في تتالي اللانهائي الذي يتبدى مثل حلم متاح لا يستطيع تأمله إلا من نبت الريش في مخيلته  

 

 

 

 جانب من استجواب طويل ذات ليل لا فجر له  ...   

سألني من أنت ؟
 واجبته  .اضطرب في حنجرتي الجواب .. 
 كيف لي أن افهم وطنا لا يعرف أنني هو ؟

ـ   من أي مكان أنت ؟
ـ   من  كفن  يمنح  الفجر جدائله يا طويل الأنفاس ويتعفن فيه الممتثل لجثته كأوسمتك  الذهبية هذه.. 
ـ  لماذا إذن لا تغادر المكان وإن كان وطننا  ؟
ـ   أنا  من هنا لي بيت صغير يطل على فضاء الكون .. وانظر يا رعاك الله  الى أنفاس أهلي جاثية على هاتي الصخور وتلك الطرقات التي تنتهي الى أقاصي المجرة ما مستها شمس الصباح إلا استحالت آهة تذرع الدروب الملتوية بين النجوم    فيتردد  صداها أهازيجا وورودا  ولأنك  من قفقاسيا  ..

ـ أحذرك أيها البدوي  أن تكمل .. وإن كنت من هناك فأنا هبة الأمير والملك ..لن يتسنى لك الوقت كي ترى إلى أنفاس أهلك البدو منشورة في ليل واديك وسيله العرم وما شأنك بالوطن ؟  ( يا ألم السؤال )

ـ   أوما تسمع إنين الموج  في أغدرة السيل ؟  أوما تسمع  إليهم وهم يقرأون في الناس مزاميرهم في ليل الجبال؟ هذه أسفارهم  مبذولة للعابر والقاطن الجديد اذا تسنى لك يا طويل الأنفاس .. أن تراهم عراة من الأوشال .. لا بأس  فهموا ليسوا كذلك هم المجد والحياة والتاريخ هم رنة المهباش ترقص على عبيرها الثريا   .

ـ   لماذا تذهب يا هذا  الى هذا الصمت الكثيف وتمعن في النظر  ؟
.ـ    هذا ليس صمتا هو أمل في ذهابك الى الصحو

ـ   أراك تأمل في يأسك هذا وطننا.. ثم قال لي أيها الغريب   ؟
   
(اقتنصني أيها اليأس و اقصفني أيها االغريب  واقصلني  روحي يا رعد الأعالي) 
 
 

ـ    أريد أن اذهب الى زنزانتي الى ظلامها وبردها .

ـ   أجبني أولا  لماذا تكتب ؟

ـ   أكتب  نعم أكتب  لإيقاظ الصخر لأنهر الريح   
في الآبار العميقة.. واسرح بقطعان الحروف في ذرى هضاب ناعور  
أكتب كي اختزال الفصول في الخريف  
لضع أربعين  عاما 
في كلمات أربع ..

أكتب  لثلة حاكمة ما فتأت تحبس الوعول  في حضيرة شاسعة ومن ثم تحاول إقناعها بأن هذه هي سهول الله المقدسة..  
أكتب حتى لا أصير خريطة تنقل من قلبي فيضيق الفضاء على أهلي ويهرب الهواء
و حتى لا أرى جدي وأبي في هيئة حلم  شاسع  أكتب حتى لا أراك   
    

ـ : هل جوابك الأخير هو هذا  ؟  
ـ : لا. لا . لا ..  إنني مسكون  بالأسئلة

, إن الذهاب إلى الأسئلة هو رحلة لا يرافقني  إليها الآخرون و لفرط  الأجوبة التي تحاصرك  أراك تفقد  عادة الحياة أنا جريح سؤال تناسل  من الريح

تلك القناديل التي ملأت   أجرانها  بكيمياء الروح
لماذا تنطفئ  يا وطني الغالي واحدا بعد الآخر
حتى لكأن  العتمة صارت  تبتلع الفضاء

وصار هذا العلج  يسألني عن معنى الوطن !!!!!

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !