سقوط طاغية ..هل من رثاء؟
سقط القذافي وقبله سقط زين العابدين بتونس ومبارك بمصر. وقبلهم سقط صدام حسين في العراق . دائما يسقط الطغاة في مذلة . وكلما سقط طاغية اهتزت حناجر الشعب العربي بالتصفيق ورفعت أعلام النصر . غير أن سؤالا واحدا يبدو محيرا: على من ننتصر؟
في المسألة كثير من المغالطة . هل قتلت الشعوب العربية طغاتها؟ هل تخلص الإنسان العربي من الظلم والاستبداد؟ هل سيشرق على العرب فجر الحرية والكرامة ؟ هل سيدخل العالم العربي عصر النهضة والتقدم والازدهار؟
هذه بضع أسئلة محرجة .. والأكيد أن المواطن العربي تناسى طرحها في غمرة فرح بالانتصار. وحتى لو طرحنا هذه الأسئلة فلن نجد لها جوابا . لأن الجواب عند أمريكا تخفيه في ملفات سرية لمخابراتها وجواسيسها. ومؤسساتها المكلفة بشؤو ن الشرق الأوسط والمتخصصة في قضايا العالم العربي.
ولكن ما دخل مخابرات أمريكا في الموضوع؟
اتفق العالم أجمع على التنويه بمقتل القذافي . وعبر قادة الغرب عن ابتهاجهم لمصرعه. بل سارع باراك أوباما لإلقاء كلمة عبر وسائل الإعلام يبدو أنها كانت معدة من قبل. ومتى كان الغرب يفرح لفرحنا أو يهتم بمصالحنا وشؤوننا؟
هذا وحده يكفي ليجعلنا نعيد تقييم الأمور. فلا نسارع بإعلان فرحتنا لمقتل طغاتنا. إن طغاتنا جزء منا . فكيف نرضى أن يذلهم الأمريكان أمام أعيننا؟ وكيف نقبل أن نسلم أراضنا للغرب يعيث فيها فسادا يقتل الحكام ويذل الحكومات ضدا على إرادة شعوب لم تعد تعرف إرادتها ولا مصلحتها ؟
لقد أذل الأمريكان صدام حسين صبيحة عيد الأضحى. وأحضر حسني مبارك إلى المحاكمة على سرير المرض.وقتل القذافي في موضع أشبه بالمزبلة . ألا يستحق هذا شيئا من الرثاء؟ إنها كرامة الأمة العربية تمرغ في التراب.
لنرجع قليلا إلى الوراء. يوم أن أعلن الرئيس الأمريكي بوش الابن عن خارطة طريق الشرق الأوسط . يومها لم نفهم أن الطريق إلى السلام مع إسرائيل يمر على جثة الرؤساء العرب . ولم نفهم أن معالم الطريق عبارة عن ثورات شعوب عربية وسقوط أنظمة استبدادية . حتى إذا فرح العرب بالنصر جاء الأمريكان بالمعارضة لتحكم . ألا يعني هذا استبدال طغاة عرب بحكومات أمريكية بأسماء عربية . كما حدث في العراق ويحدث الآن في ليبيا وبعد أيام سيتكرر نفس السيناريو في اليمن وسوريا وغيرها .
إن الطغاة لا يستحقون رحمة ولا شفقة أو رثاء . غير أن زوالهم بهذه الطريقة المهينة لا يخدم أبدا مستقبل الأمة العربية.
إن الديمقراطية لا تؤسس بالثورة وإنما بالتدرج في التحول الثقافي والاجتماعي والعلمي والسياسي. كما أن الديمقراطية لا تستورد . ولا تجلب على متن الدبابات والطائرات الأمريكية.
إن الشعوب العربية تسلم نفسها بكل طواعية للاستعمار الأمريكي . استعمار من شأنه أن يشعل فتيل النعرات الطائفية . وأن يؤدي إلى مزيد من التقسيم للوطن العربي. ولنا عبرة مما حدث في العراق من دعم رهيب للأكراد. ومما يحدث الآن في مصر وليبيا من دعم مفضوح للأمازيغ والأقباط على حساب الوحدة الوطنية.
إن الفتنة كانت نائمة .. وها قد أشعلتها أمريكا وأذنابها في العالم العربي . فما المستقبل وما المصير؟
التعليقات (0)