أنهى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي زيارته إلى السعودية بشعور يختلط فيه القلق بالمرارة بعد أن فشل في أن ينتزع من مضيفيه أكثر من كلمات المجاملة مؤكدين له أنهم سوف يدرسون عرضه المتمثل في بيعهم تقنيات تتعلق بالطاقة النووية بمبلغ يجاوز الأربعين مليار دولار حسب مصدر مطلع تحدث مع "إيلاف".
وحاول ساركوزي الإفادة من زيارته إلى السعودية لتشجيع المملكة على إبرام عقود هامة مع الشركات الفرنسية التي تعول كثيرا على السوق السعودية الغنية بالمشاريع والأموال. وكان في طليعة هذه العقود اتفاق تعاون نووي مدني يوفر التكنولوجيا الفرنسية للمملكة تملصت منه الرياض بهدوء.
وبعيداً عن كون صفقة الطاقة النووية خيالية وسبق أن عرضت على أبو ظبي ورفضتها فإن محللين قدر لهم زيارة الرياض وسماع بعضاً من الهمس عن النشاط السياسي الخارجي يقولون بأن المملكة ليست معجبة بسياسة ساركوزي في منطقة الشرق الأوسط والتي كان عنوانها الرئيس اللعب على المتناقضات.
ويتساءل محلل سياسي رفض ذكر أسمه عن الحد الذي استفادت فيه السياسة الفرنسية من تناقضاتها خصوصاً فيما يتعلق بالعلاقات مع السعودية، فبينما كانت تحاول تذويب النفوذ السياسي للمملكة في الشام من خلال تشجيع سوريا على أن تصبح أكثر صلفاً مع الدول العربية المعتدلة، وتشجيع دول أخرى اشتهرت بمضايقة الرياض ومهاجمتها من فوق الطاولات وتحتها، فإنها تأتي الآن لمحاولة الحصول على بضعة من العقود التجارية من المملكة السعودية، وتنمية تعاون اقتصادي بمليارات الدولارات.
ويلازم الحظ العاثر السيد ساركوزي منذ وصوله إلى قصر الاليزيه على الصعيدين الشخصي والمهني؛ فنشاطاته لم تعد مثيرةً للإعجاب في الداخل ولا في الخارج أيضاً، بعد أن خفت بريق الفترة الأولى من رئاسته التي كان فيها الأوروبيون يبحثون عن فرنسا شابه بعد سنوات حكم شيراك العجوز.
ويثير حرصه على اصطحاب أصدقائه من رجال الأعمال، خلال زياراته الرسمية لدول العالم، غضب عدد من الأوساط الفرنسية التي تعتبره شكلاً من أشكال إساءة استخدام السلطة، إذ لم يسبق لأي رئيس فرنسي أن لعب دور مدير تسويق لشركات أصدقاءه على هذا النحو المكشوف.
ولا تنسى الرياض أن مواقف باريس العربية وحرارة العلاقات لم تعد متوهجة كما في زمن الرؤساء السابقين، إذ يحن العرب إلى الأيام التي كانت فيها فرنسا أوثق الحلفاء الغربيين لهم كما كان خلال العقود الأربعة الماضية، في وقت تشهد فيه العلاقات مع الخليج بروداً رغم محاولات فرنسا تسخينها من الناحية القطرية.
ومعروف أن ثمة برودا خفيفا في العلاقات بين باريس وأبو ظبي نتيجة عدم تلبية رغبة الشيخ محمد بن زايد المرور على باريس قبيل ذهابه إلى أميركا التي استقبل فيها استقبالا شبه رئاسي شاركت فيه وجوه أميركية على أعلى المستويات كان أبرزها الرئيس باراك أوباما.
وعندما عاد الشيخ إلى أبو ظبي مرورا بباريس استقبله السفير الفرنسي في الإمارات، وفُسّر هذا التصرف لدى مطلع فرنسي على الوقائع في باريس أن هذا يفسر بالتغير السائد في التصرفات الفرنسية تجاه المنطقة.
ولم يكن هذا الموقف الوحيد الذي يشي بتغير السياسة الفرنسية في المنطقة، فحين زار وزير الخارجية الفرنسية الرياض مدعوا في الحفل الذي أقامه السفير الفرنسي هناك، تكلم بطريقة غير دبلوماسية عن الأوضاع السعودية فرد عليه احد المسئولين ردا قاسيا ما وضعه في موقف محرج.
وفد الرئاسة الفرنسية الذي صحب الرئيس إلى الرياض لم يضم مسئولين فرنسيين فقط بل مجموعة من الأصدقاء من ذوي المصالح الاقتصادية منهم من جاء بطائرته الخاصة ومنهم من صحب الرئيس على الطائرة الرئاسية.
وكان لافتاً كيف أن بعضهم لم يكن يتوانى علناً وعلى جنبات الموائد الرسمية في الإيحاء بعلاقة من هنا أوهناك، أو بذكر أسماء يطرحها أحدهم للتأكيد على علاقاته الوثيقة بطرف أو آخر داخل المقامات العالية السعودية.
ومن بين الأسماء التي صحبت ساركوزي خلال زيارته إلى الرياض من خارج الحكومة الفرنسية زياد تقي الدين، والكساندر جوري الذي كان قريبا من شيراك ثم نقل البندقية إلى حيث ساركوزي، وهو يملك ٨ بالمائة من افيوليا ولا يتقن العربية.
ويضاف إليهم باتريك مليكي وهو صديق شخصي وعمدة لافولا الياس بن شاذلي، وهو تونسي يقال في باريس إن لديه نفوذا في الرياض لم يتسن لإيلاف التأكد منه حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
وقد ارتفعت الصادرات الفرنسية إلى السعودية بشكل كبير في السنوات الأخيرة حيث بلغت قيمتها 4.1 مليار دولار في 2008، أي أكثر بثلاثة أضعاف من مستواها في العام 2003.
لكن فرنسا تبقى في الموقع الثامن بين الدول المصدرة إلى المملكة وتراجعت حصتها في السوق من 4.1% في 2000 إلى 3.5% في 2008، بحسب البنك السعودي الفرنسي وهو فرع محلي لمجموعة الاعتماد الزراعي (كريدي اغريكول).
التعليقات (0)