الثورة السورية ليست بنت البارحة, عمر انطلاقتها إلى اليوم14 شهرا, ولكن عمرها في النفوس أكثر من 40 عاما. وعليه فهي ليست هبة أو انتفاضة يمكن قمعها أو إخمادها بوسائل وحشية, وسائل لم يسبق أن استعمالها من قبل نظام ضد شعبه عبر تاريخ البشرية. ولم ينهها الصمت العربي, والدولي والمصالح الدولية. الثورة السورية اندلعت ولن تعود مهما كانت التضحيات ومهما بلغ الصمت العربي المخزي والصمت الدولي الأكثر خزيا لأنه صمت من دعاة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, صمت على ذبح الإنسان.
هدف الثورة السورية ليس فقط إسقاط نظام استبدادي شمولي بُني على الطغيان واحتقار وتدمير قيم الإنسان. فهي, ولكي تكون ثورة, لا بد إن يكون الإسقاط كاملا لنصف قرن من الظلم والطغيان والاستبداد والفساد, و "للقيم" التي أنتجها, والثقافة التي عممها, و تلك التي نمت على جوانبه كالطحالب كنتيجة طبيعية لأوضاع غير طبيعية, ولتزويره التاريخ وإلحاق الأذى العميق بالوحدة الوطنية, عن طريق بث الخلافات والأحقاد بين مكونات الشعب السوري الواحد, ولكي لا يُعاد, وإلى الأبد, إنتاج الطغيان والاستبداد والفساد, وليصبح الإنسان الحر هو الإنسان, لا بد, ومرة أخرى لتكون ثورة, من إعادة البناء كاملا فالنظام المقبور, قريبا, لم يُخلّف شيئا واحدا يمكن ترميمه أو البناء عليه. وعليه, فالمهمة, و مرة أخرى حتى تستحق الثورة اسمها, هي إعادة بناء الإنسان والمجتمع والدولة بناء عصريا يضعنا في القرن الواحد والعشرين دون عقد ومركبات نقص, فمن ضحى تضحيات الشعب السوري يستطيع الانطلاق دون عقد أو مركبات نقص.
عن نضال الإنسان السوري من اجل التغيير وإسقاط النظام ومن احل البناء القادم تحدثت إحدى بنات الثورة السورية المناضلة ريما فليحان, كثائرة قادمة من قلب الثورة, للمجلس الأوروبي عن حقيقة الثورة السورية. لم يشتم من حديثها عطور فنادقية, ولم تمزج لغتها بلكنات المؤتمرات أو الصالونات. تحدثت بلغة وباسم شابات وشباب الثورة, وهي التي قبل خروجها من أرضها تلاحقها تهديدات بالتصفية والقتل, كانت معهم في المظاهرات والمعتقلات.
نعم الثوار الحقيقيون على الأرض وحدهم من يحق لهم الحديث عن الثورة, ووحدهم عندما يتحدثون لا يحاولون إطراب المستمعين واصطياد إعجابهم وثنائهم, وإنما وضع الحقائق والوقائع أمامهم بمنطق الثوار أصحاب الحق وبحجج المدافعين عن مطالبهم, ووحدهم من يطرحون تصوراتهم وأمالهم التي ضحوا من أجلها, دون المرور على كتبة ومنقحين من كتاب وأدباء ودكاترة في كل الاختصاصات وكل أصحاب الألقاب, فالكلام الصادر عن القلب يصل القلوب دون صراخ وتنميق وتنقيح.
سمع البرلمان الأوربي, كل ضجيج المعارضات والصراعات "المعارضية" وأصحاب الأقلام السيّابة وفي الوقت نفسه السائبة على هواها , ولم يسمعوا ما يريدون أن يعرفوه من مصادره مباشرة.
جاءت ريما, سمعوها بانتباه, منهم من بكى وكاد يبكيها, فالمعاناة التي شرحتها, غير مسبوقة في التاريخ المعاصر, وما عرضته من مطالب الثورة في الحرية والحياة الكريمة والديمقراطية, وحقوق الإنسان بجنسيه, لم تأتي بأكثر منها الثورة الفرنسية, وإنما العكس لم تطرح تلك الثورة على عظمتها قضية تحرر وتحرير وحقوق المرأة في إعلانها الشهير الذي دخلت مبادئه كل التشريعات الحديثة العالمية ( بما فيها دستورنا السوري ياللعجب!!!).
سمعوا ريما, ومن منطلق الثورة ومن الآمال المعلقة على الثورة, تطالب باسم الطفلة والشابة وألام بحقوق المرأة وبإصلاحات تشريعية تساوى بين الرجل والمرأة, فالمرأة جديرة بذلك. وان كان على المرأة الفرنسية على سبيل المثال, إن تشارك مشاركة فعالة في تحرير فرنسا من النازية حتى تحصل على حقوقها كاملة ومنها حق التصويت, فهذه هي المرأة السورية تشارك الرجل الحر الثائر ــ مخلفة وراءاها أشباه الرجال من الصامتين ممن جبنوا حتى عن قول كلمة في قضية قتل وتعذيب وتشريد ممن مفترض أنهم إخوته في الوطن والمواطنة ــ نضاله, وتقدم ما يقدم من تضحيات جسام, وستبني معه المجتمع الجديد ودولة القانون والمؤسسات والحريات الأساسية وحقوق الإنسان, على أسس الديمقراطية والمواطنة, والمساواة في المواطنية. وعليه تكون قد وصلت إلى ذلك بفعل نضالها وتضحياتها, وغيرت المعادلة المبنية على أن الرجل هو الذي يحدد دور المرأة ويبين مهامها و"يمنحها"حقوقها كما يراه هو لها.
قالت ريما فاسمعت.
تحية ريما فليحان. تحية سهير الاتاسي. تحية رزان زيتوني. تحية فدوى سليمان. تحية مي سكاف... تحية لنساء وطني. للثوار والثائرات.
هايل نصر
التعليقات (0)