رداً على إحراق القرآن فى فلوريدا .. هل نحرق قلوب أقباط مصر؟!
«تعالوا نجعل 11 سبتمبر يوماً عالمياً لحرق القرآن»..
لم أصدق عيناى عندما طالعت هذه العبارة المفعمة بالتعصب والعنصرية على موقع الكترونى أمريكي بشبكة الانترنت فى مطلع الشهر الماضى.
وتصورت فى بداية الأمر أنى اخطأت ترجمة الكلام المكتوب على هذا الموقع رغم أن علاقتى باللغة الإنجليزية ليست بالغة السوء .
ولكن العبارة صريحة وواضحة بالإنجليزية الفصحى ومكتوبة بالبنط العريض
Burn A Quran Day International
وتحت هذا العنوان الاستفزازى تقول التفاصيل ان احدى كنائس فلوريدا الأمريكية تخطط لجعل يوم 11 سبتمبر المقبل يوما عالمياً لاحراق القرآن كشكل من أشكال التعاطف مع الضحايا الذين راحوا ضحية الهجوم على البرجين الشهيرين لمركز التجارة العالمى فى مدينة نيويورك منذ تسع سنوات.
ولأن هذه الدعوة التى تضمنها بيان كنيسة فلوريدا أكبر من تمر مرور الكرام.. فقد أدهشنى أكثر أنى لم أجد لها صدى من أى نوع، وبأى درجة، فى وسائل الاعلام المصرية والعربية .. صحافة واذاعة وتليفزيون.
ومرت الأيام .. وسافرت الى الهند وفوجئت فى ثانى ايام وصولى الى مدينة مومباى بمقال منشور فى جريدة "تابلويد" يوم الاثنين الموافق الثانى من هذا الشهر بعنوان «لا .. ليس باسم الرب» يتحدث عن ذات الدعوة ويضيف الى معلوماتى حقيقة مفزعة هى انها ظهرت على معظم مواقع الانترنت «الشعبية»، ويندد كاتب المقال، مفيد مهدى رئيس القسم الرقمى بجريدة «ميد داى» بهذه الدعوة التى تنضح بالكراهية والحقد، والتى تثير حربا دينية.
ويقول الكاتب الهندى ان هذه دعوة بالغة الخطورة، ليس فقط لانها تعطى ذرائع جديدة لجماعة «القاعدة» ومثيلاتها من المنظمات الاصولية المتطرفة، وتمثل تهديدا للسلم وانما لانها تمثل أيضا استفزازا حقيقيا لاى مسلم، بما فى ذلك المسلم الليبرالى البعيد عن كل صور التعصب الدينى، وهذه الدعوة التى تهدد ارواح مواطنين ابرياء فى أماكن كثيرة من العالم انما هى عمل مجرم قانونا فى أى دولة ديموقراطية على وجه كوكب الارض.
ويستنتج الكاتب الهندى من ذلك كله انه لا يجب فقط على الادارة الامريكية ان توقف هذا التحرك، الان، وإنما يتعين عليها ايضا ان تتخذ موقفا صارما وحاسما ضد المحرضين عليه، وعدم التذرع بأنه يندرج تحت خانة «حرية التعبير» أو الديموقراطية من قريب أو بعيد. وينهى "مهدى" مقاله المهم بعبارة بليغة يقول فيها ان التحرك الرسمى من جانب الإدارة الأمريكية لمنع هذا العمل الاستفزازى الاخرق هو «التغيير» الذى ينتظره العالم من الرئيس اوباما الذى وعد به أثناء حملته الانتخابية الرئاسية.
الغريب.. ان الصمت والتجاهل ظل هو سيد الموقف فى العالم العربى والاسلامى.. ولم تصدر سوى إشارات مقتضية جدا، وفاترة للغاية فى الأيام الأخيرة.
وهذه مسألة غربية ومريبة لاكثر من سبب.
أولا.. نحن أمام كارثة محدقة لا يفصلنا عن وقوعها سوى بضعة أيام ومع ذلك فاننا نحن العرب والمسلمين لم نتحرك بعد، سواء كجهات رسمية حكومية أو هيئات أهلية ومجتمع مدنى، للقيام بعمل ملموس ومحدد لمنع هذه المصيبة قبل ان يقع الفآس فى الرأس، وما يمكن القيام به كثير جدا سواء فيما يتعلق بالضغط على الادارة الامريكية لحملها على التحرك لمنع هذا العمل الاجرامى، أو فيما يتعلق بحشد الدوائر المستنيرة فى الرأى العام الامريكى والغربى، بما فى ذلك دوائر من الكنائس الامريكية وأتباع الديانات الاخرى، علما بأنه لا توجد فى الولايات المتحدة كنيسة رسمية.
ثانيا.. رب ضارة نافعة.. فقد تكون هذه الدعوة فرصة لتنوير الرأى العام العالمى بحقيقة الدين الاسلامى، الذى تعرض لتشويه ظالم من جراء تورط حفنة من الاشخاص الذين ينتسبون الى الاسلام فى أعمال ارهابية قبيحة، وصلت الى ذروتها فى أحداث 11 سبتمبر 2001 التى تباهى بها هؤلاء المتطرفون المتأسلمون واطلقوا عليها اسم "غزوة مانهاتن" نسبة الى الحى الشهير بمدينة نيويورك الذى كان يقع به البرجان الشهيران اللذان كانا يمثلان رمزا للرأسمالية العالمية وليس الامريكية فقط.
ثالثا.. إذا كانت دعوة كنيسة فلوريدا لإحراق القرآن الكريم تقوم بالتعميم الخاطئ وتسحب مسئولية «غزوة مانهاتن» على كل المسلمين دون سبب منطقى، فانه يجب التنبه عند محاربة هذه الدعوة الاستفزازية من الوقوع فى الخطأ ذاته بتعميم خطأ كنيسة فلوريدا على المسيحية كلها أو المسيحيين على وجه العموم. فهذه فى النهاية جريمة يتحمل مسئوليتها قادة هذه الكنيسة بعينها ومن يؤيدهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
رابعا.. نرجو ألا يحاول المتطرفون منا الصيد فى الماء العكر أو أن يصابوا - كالعادة- بـ "الحول" أو "العمى" السياسى، وبدلا من أن يتحركوا لحشد الناس ضد أقرانهم المتطرفين فى كنيسة فلوريدا، ينصب اهتمامهم على تهييج المشاعر ضد المسيحيين المصريين الذين لا ناقة لهم ولا جمل فى هذه القصة ولا ذنب لهم فيها.
خامسا- ربما يقطع الطريق على هؤلاء المتطرفين المتآسلمين الذين يتربصون لاستغلال مثل هذه الممارسات الشاذة ان تسارع الكنيسة القبطية المصرية لادانة دعوة كنيسة فلوريدا وتبرئة المسيحية من أوزارها.
سادسا- التأكيد على ان التطرف لا تتم مقاومته بالتطرف المضاد، فالنار لا تطفئها النار. لكن الدعوة الى التعقل والحكمة لا تعنى بأى حال من الاحوال اهمال القضية أو السكوت على الأذى، وإنما تعنى مقاومة هذا العمل الاجرامى بكل السبل المشروعة المتاحة دون خلط الاوراق أو اختلاط الحابل بالنابل.
وهذا يحيلنا الى ملحوظة ختامية عن سر هذا الصمت العجيب والمريب لمعظم الدوائر الرسمية وغير الرسيمة عن «غزوة فلوريدا»، وهى ذات الدوائر التى تسابقت فى المزايدة على بعضها البعض فى واقعة الرسوم الدانمركية المسيئة للرسول صلى الله عليم وسلم، فلماذا كان هذا التكالب على إدانة الدانمرك ولماذا هذا الصمت الرهيب عندما حدث ما هو أبشع فى أمريكا؟
هل الدانمرك هى الحائط المايل الذى يمكن الهجوم المجانى عليه دون الخوف من دفع فواتير من أى نوع، بينما الامر يختلف مع «ماما أمريكا»؟!
وأليس هذا هو النفاق بعينه، وازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين التى نشكو من انتهاج الغرب لها ضدنا وندعى أننا نرفضها؟
وألا يعد هذا النفاق من المفطرات ومبطلات الصوم فى رمضان؟!
التعليقات (0)