تقرير - رومل السويطي : على الرغم من الظروف القاسية التي عايشها من بداية عمله، وعلى الرغم من أنه لم يتجاوز الأربعين عاما إلا قبل حوالي عام واحد فقط، إلا أنه تمكن من فرض نفسه على السوق الفلسطينية في مجال صناعة المفروشات والأثاث المنزلي ذو الجودة والتصاميم العالية، بل ومنافسة السوق العالمية وفي مقدمتها الصين. وصفه بعض أصدقائه بأن جرأته الزائدة جعلت منه من أهم رجالات الصناعة الوطنية، ليتدرج من مجرد تاجر في معرض صغير جدا، إلى صاحب أحد أكبر وأهم مصانع الأثاث المنزلي، الى جانب سبعة معارض ضخمة في محافظات نابلس ورام الله وطولكرم والخليل.
أول أجر كان "ساندويشة" يوميا !
نضال البزرة "ابو مصطفى" تلقى تعليمه الابتدائي من الصف الأول وحتى السادس، في مدرسة الكندي بمدينة نابلس، وكان خاله أبو عماد القتلوني يعمل في مقصف المدرسة، وفي فترة "الاستراحة" كان نضال يعمل مع خاله مقابل أجر رمزي وهو عبارة عن "ساندويشة" يوميا، وكانت تلك الساندويشة لها مذاقا خاصا لديه، لأنها وببساطة شديدة من تعب يديه، وشكلت لديه نواة "العقلية التجارية". ومع مرور الزمن، تتطورت هذه العقلية من خلال مساعدة نضال لوالده في المنجرة الصغيرة التي يملكها في "حارة الفقوس" بنابلس القديمة، فبعد عودته من المدرسة كان يتوجه إلى البيت ليراجع دروسه ساعة أو ساعتين، ثم يحمل معه الطعام إلى والده، ويساعده في بعض أشغال المنجرة.
الانتقال إلى الأردن ..
في العام 1979 وبسبب ضيق الحال، ينتقل والد نضال إلى الأردن، ويقوم بفتح منجرة ومعرضا للأثاث المنزلي في مدينة الرصيفة، ويلحق نضال مع جميع أفراد أسرته بوالده في الأردن في العام 1981، وكان في الصف الرابع الابتدائي ولم يتجاوز العاشرة من عمره، ولأسباب تتعلق باختلاف الجنسية وجد نضال صعوبة في الالتحاق بالمدارس الحكومية في الأردن، لكنه تمكن من الالتحاق بإحدى المدارس الخاصة التي رفضت التحاقه بالصف الخامس ابتدائي، وقبلته طالبا في الصف الأول إعدادي، بسبب تأخره عن المدرسة عامين كاملين، وكان ذلك سببا بإخفاقه لاحقا في امتحان التوجيهي. وخلال فترة تواجده في الأردن والتي زادت عن عشر سنوات، كان في باله تحويل حلمه بأن يكون تاجرا كبيرا إلى واقع ملموس، فبدأ وهو على مقاعد الدراسة بتجارة الملابس، وفي العام 1988 التحق في الجيش الأردني لتأدية خدمة العلم، وبعد مرور ستة أشهر، خرج من الجيش بعد تقديمه للجنة طبية بسبب ظروف صحية لا تسمح له بالاستمرار في خدمة العلم، وفور خروجه عاد إلى تجارة الملابس، وتوّج محاولاته بأن يكون تاجرا مميزا، بالسفر إلى سوريا، وهو بعمر 18 عام، حيث تعرّف على صاحب معمل للنسيج في مدينة حلب، وعمل لديه مدة ستة شهور، وخلال ذلك كان يشتري بعض الملابس السورية بمبالغ بسيطة، ويبيعها من خلال مسوقين في الأردن، وبعد ذلك توجه إلى العاصمة اللبنانية بيروت في محاولة منه لتوسيع مجال عمله، لكنه فوجئ بأن الظروف السياسية والاقتصادية كانت سيئة، فلم يتمكن من تحقيق ما يصبو اليه، فيقرر العودة إلى الأردن، ويستأجر "كشك" صغير لبيع الملابس، ويبقى كذلك حوالي عام، تمكن خلالها من ادخار بعض النقود.
من العراق .. يقرر العودة إلى نابلس !
ومع نهاية عام 1990 تجمعت قوى التحالف لغزو العراق، فدبت النخوة العربية والشهامة الفلسطينية لدى نضال البزرة، شأنه في ذلك شأن غالبية الفلسطينيين في الأردن، فقام برفقة عدد من أصدقائه وبعض الأحرار بالتوجه إلى العراق برفقة عشر شاحنات مليئة بالمساعدات التموينية، واستقبلهم عدد من ضباط الجيش العراقي في "الرمادي"، وبعد أن طلب نضال البزرة وبعض أصدقائه التطوع في الجيش العراقي، شكرهم الضباط العراقيون على مشاعرهم، وأبلغوهم بأنهم يكتفون بهذه المشاعر وأنه لا ينقصهم جنود. وخلال تواجده في بغداد وقعت أول غارة على العاصمة العراقية حيث شاهد بنفسه كيف تحولت السماء إلى جمرة من نار، فأحسّ بعشق بلاده فلسطين، ويقرر في تلك الليلة العودة إلى الوطن وأن يترك العمل في أي بلد غير وطنه وخاصة نابلس، وأن يساهم في اقتصاد وطنه بكل جهد ممكن.
في العام 1992 يعود البزرة إلى مدينة نابلس، ويبدأ العمل كموظف مبيعات لدى معرض عمه لبيع الأثاث المنزلي في المدينة لمدة ثلاث سنوات، اكتسب خلالها المزيد من الخبرة، وخلال ذلك، كان يعيش مرحلة التفكير والتخطيط لما يريد من تحقيق الهدف الأكبر في حياته المهنية الخاصة، سيما وأنه على قناعة تامة من قدرته على تحقيق ما يريد وأن لديه الإمكانيات التي تؤهله لتطوير ذاته إلى أبعد الحدود.
أول مشغل .. وأول معرض لصناعة الأثاث
في أوائل العام 1996 افتتح نضال البزرة مشغل لصناعة "الكنبايات" في منطقة راس العين بنابلس برأس مال لا يزيد عن (4000 دينار أردني)، ولم يكن يتجاوز الـ 26 من عمره، ويلقى المشغل نجاحا ملموسا، أعقبه افتتاح أول فرع لبيع الأثاث المنزلي تحت اسم "مؤسسة نضال البزرة للمفروشات" في العام 1999، ويفخر البزرة بشقيقه وشريكه "رائد" الذي يصغره بأربع سنوات، الذي وقف إلى جانبه من بدايات العمل.
لم تستمر فرحة النجاح كثيرا، حيث انطلقت انتفاضة الأقصى في العام 2000، حيث تعرض البزرة لأزمة مادية كبيرة، كادت أن تطيح به وبمشروعه، لولا لطف الله، ثم الصدق في التعامل مع الموردين للمواد الخام، ويظل يقول لنفسه وللآخرين: "من صادق الناس شاركهم أموالهم"، ويستمر في مقاومة تلك الظروف العصيبة حتى عام 2001، حيث توجه إلى الصين، ليكون من أوائل المستوردين للأثاث الصيني، بعد أن كان التجار يستوردونه من تركيا وايطاليا. وبعد أن استورد كميات كبيرة من الأثاث الصيني، تعرضت مدن الضفة الغربية وبضمنها نابلس لاجتياحات عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق، لكن ذلك لم يحل دون تسويق بضائعه، وتمكن من تجاوز المحنة بصعوبة بالغة.
الانطلاقة الكبرى ..
في العام 2003، بدأ نضال البزرة على قناعة تامة بأن هناك ضرورة وطنية ملحة لتطوير العمل، خاصة بعد مشاهدته للدمار الذي لحق بنابلس بفعل ممارسات جيش الاحتلال بحق المدينة، ويتذكر مقولة غاندي الشهيرة: "ويل لأمة تلبس مما لا تصنع وتأكل مما لا تزرع"، فيقرر في عام 2004 إقامة مشغل لصناعة الأثاث المنزلي مساحته لا تزيد عن 800 متر مربع، في قرية بيت ايبا الملاصقة لحدود نابلس من الجهة الغربية، وأعقب ذلك افتتاح الفرع الثاني للمعرض في مدينة طولكرم. وبعد أن لاحظ البزرة أن إيمان المستهلك الفلسطيني بالمنتج المحلي من هذا الصنف من الصناعات الهامة، قد ازداد، قام في العام 2007 بشراء مقر ضخم في منطقة وادي التفاح بنابلس مساحته 5000 متر مربع، خصص منها 3000 متر مربع لصناعة الأثاث المنزلي مع عشرة خطوط إنتاج، و 2000 متر مربع كمعرض لبيع ما يتم صناعته، تحت اسم "رويال رائد البزرة للمفروشات"، وكل ذلك بإشراف عدد من المهنيين والفنيين المخضرمين في هذا المجال، مع استخدام أفضل المواد الخام وأجمل التصاميم التي تضاهي الصناعات العالمية سواء في الجودة أو الشكل أو السعر.
في العام 2008 قام البزرة بشراء فرع مميز آخر في رفيديا بنابلس، ثم أعقبه بافتتاح فرع آخر ببلدة حوارة، وآخر قرب محطة العزوني للمحروقات في نابلس، وبعد أن لاحظ بان قناعات المستهلك تزداد بمنتجاته، بعد أن فرضت نفسها بفعل جودتها العالية، قام في الأول من عام 2011 بانطلاقة حملة فخر الصناعات الوطنية التي شملت تقديم جوائز عديدة في مقدمتها سيارة "كيا فورتي 2011" ، وبعد نجاح تلك الحملة التي حضره افتتاحها وسحوباتها كبار الشخصيات الوطنية والاقتصادية في نابلس، قرر افتتاح الفرع السادس في رام الله، وحضرت حفل الافتتاح في حينه، محافظ رام الله الدكتورة ليلى غنام التي أعربت عن تمنياتها بأن تشارك البزرة في افتتاح الفرع السابع في القدس، ويقول البزرة مداعبا بعض أقرانه بأن الله تعالى على ما يبدو استجاب لدعاء محافظ رام الله الدكتورة غنام، لأنه قام فعلا بافتتاح الفرع السابع لكن في الخليل وليس القدس، موضحا بأن الافتتاح الفعلي في الخليل سيكون بعد حوالي عشرين يوما، معربا عن أمله بأن يستجيب الله لدعاء السيدة غنام ويتمكن من افتتاح فرعه الثامن في القدس الشريف.
نضال البزرة .. الجانب الآخر:
- ما هي هواياتك؟
الإبداع في العمل.
- ما هي أبرز المحطات الصعبة التي مررت بها؟
الأزمة المادية التي تعرضت لها في العام 2000 بسبب انتفاضة الأقصى.
- ما هي أجمل لحظة في حياتك؟
في كل مرة يتم افتتاح فرع جديد للمؤسسة.
- ما هي أكثر لحظة حزن مررت بها؟
وفاة المصطفيين: والدي الحاج مصطفى، وابني البكر "مصطفى" رحمهما الله.
- كيفي تمضي وقتك بعيدا عن العمل؟
كلما شعرت بالإرهاق الشديد، ألجأ الى بعض الرحلات الداخلية برفقة العائلة أو بعض الأصدقاء.
- ما هي نصيحتك للجيل الشاب؟
أن تقرر من البداية أن تكون شيئا ملموسا وليس مجرد رقم.
- ماذا كنت تحلم عندما كنت طفلا؟
أن أكون أكبر صاحب شركة في مجال الأثاث المنزلي، وقد كان من فضل الله.
- ما هي الجوانب التي يعتقد الآخرون انها سلبية في حياتك وما هي الجوانب الايجابية؟
من السلبيات "الجرأة الزائدة" ومن الايجابيات أيضا "الجرأة الزائدة"! ومن يصفني بهذا الوصف في كلا الحالتين هو دقيق في وصفه.
- هل تتابع الرياضة؟ من تشجع من الفرق؟
للأسف لا، لكني من المشجعين لجميع الفرق الرياضية الفلسطينية.
- ما هي ضريبة النجاح؟
ضريبة النجاح دائما الحرمان من الجلوس مع الأطفال وبعض الأصدقاء المقربين.
- ما هو اول شيء تقوم به عندما تصحو من النوم؟
أستيقظ الساعة السابعة صباحا وأتناول حبة فواكه، ثم أراجع برنامجي اليومي قبل مغادرة المنزل.
- كيف تختار أصدقائك؟
قبل أن أقرر صداقتي لشخص معين، أنظر إلى علاقته بأهله وشعبه وبلده، فإذا كانت جيدة، اقرر أنه من الممكن أن يكون صديقا، من منطلق قاعدة " من ليس فيه خير لأهله وشعبه وبلده، فلن يكون فيه خير لك".
- هل تتبع نظاما غذائيا معيا؟ ما هي أكلتك المفضلة؟
لا أتبع نظام غذائي بكل أسف، أما أكلتي المفضلة فهي "الأوزي".
- ما الذي تعنيه المرأة لك؟
المرأة تعني "الأمان".
- هل تتابع الأغاني والموسيقى؟ من هو مغنيك المفضل؟
أستمع لبعض الأغاني خلال السفر. والصراحة أن معظم الأحيان أستمع للقران الكريم لبعض المقرئين المميزين.
- نابلس .. ماذا تعني لك؟
نابلس هي بمثابة الأم والأب والبيت والمدرسة .. هي كل شيء في حياتي.
- ما هو شعارك في الحياة؟
الشعار الخالد: لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس.
|
التعليقات (0)