مواضيع اليوم

درس تونس في الديمقراطية

حنان بكير

2011-10-30 00:12:16

0

  

حتى قبل أن تعلن النتائج النهائية ، بدا من خلال الارقام الاولية أن حزب النهضة الاسلامي قد استحوذ على النصيب الاكبر من أصوات الناخبين،  ليتبوأ، بالتالي، الموقع الاول على الخارطة  السياسية  في تونس ما بعد نظام بن علي.

وربما يكون هذا التقدم الكبير، الذي حققه حزب  النهضة،   قد شكل  مفاجأة لكثير من المتابعين والمراقبين، الذين كانوا يتوقعون أن العملية الاستئصالية، التي بدأت في عهد بورقيبة واستمرت طوال حكم بن علي، قد ستنجح في "تطهير" البلاد من التيار الاسلامي، هذا الاخير  الذي نجح في التنامي بوثيرة أسرع، وفي صمت، رغم عواصف القمع التي لم تكن تنتهي إلا لتبدأ، إلا أن توقعاتهم ذهبت أدراج الرياح بعد أن تبين أن ما كان ينقص التونسيين في الحقيقة  هو مناخ الحرية الملائم  للتعبير عن إرادتهم الدفينة.

 

فقبل  30  عاما من الآن ، بادر بعض المنتمين  إلى الحركة الاسلامية إلى تأسيس حزب ذي مرجعية إسلامية  يحمل اسم النهضة، ولان تونس ابتليت كغيرها من  الدول العربية بداء الاستبداد، فإن الاسلاميين كما اليساريين  وجدوا انفسهم خطرا على النظام  ،  ليتعرضوا لمختلف  اشكال القمع  الشرسة التي  القت بكثيرين  في السجون والمعتقلات و أجبرت آخرين على اللجوء الى الخارج، فرارا من تسلط  النظام   الديكتاتوري.

 فبورقيبة، الذي كان أحد رموز المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي ،   لم يرق له نشاط  تيارات الاسلام السياسي ، التي اعتبرها  حجرة عثرة أمام تقدم مشروعه "الحداثي"،  حاول جاهدا نزع جذور الهوية التونسية من بيئتها الاصلية  و  ترسيخ ثقافة غربية بديلة، لدفع تونس في اتجاه طريق  علمانية  معادية  للإسلام، رأى فيها خلاصا للتونسيين من براثين التخلف والرجعية.

 

 

 

لم يكن حظ راشد  الغنوشي، زعيم حركة النهضة، افضل من غيره من الملاحقين، فالرجل، الذي سبق له أن حوكم بالمؤبد على يد بورقيبة،  وجد نفسه، هو الاخر، ملاحقا من بطش السلطات التونسية، في عهد زين العابدين بن علي، ليحط الرحال على الاراضي البريطانية التي منحته حق اللجوء السياسي.

 

ولان قمع النظام  استهدف، بشكل كبير، اتباع التيار الاسلامي،  فان قاعدة التعاطف مع حركة النهضة بدأت في الاتساع لتشمل شرائح واسعة من الشعب التونسي ، ليكتشف الرئيس المخلوع حجمها الحقيقي، الذي برز خلال انتخابات 1989  و التي لم تكن  تعكس في الاصل وجود   نية للإصلاح والمصالحة  بقدر ما كانت  محطة  أراد لها النظام آنذاك، على ما يبدو ، أن تكون خارطة  طريقه لاكتشاف  موقع  الحركة في قلوب   التونسيين، ولعل هذا  ما فسر، لاحقا، بشاعة  الحملة التي استهدفت إسلاميي النهضة و اضطرت الغنوشي ، الى اللجوء الى الخارج حيث مكث ما يزيد على 25 سنة، قبل أن يعود  في يناير الماضي ، أي  بعد انتصار ثورة الياسمين.

وبالموازاة مع سياسة القمع والترهيب  ، سعى بن على، إلى تحويل تونس الى أداة في يد الدول الغربية لخدمة مصالحها السياسية والاقتصادية، وعرضها، مُقيدة،  كنموذج و منتوج "معلب"  في الخارج،  خلف واجهة كبيرة نجح الى حد كبير في تلميعها و تسخيرها، بعد ذلك، كغطاء على ممارساته  الديكتاتورية بالداخل.

ولهذا لم يبخل الغرب  بالتنويه بالنموذج التونسي  و"انجازاتها" الاقتصادية والتنموية، التي لم تكن لتصل إلى العمق، حيث ظل ملايين التونسيين  يقبعون   في التهميش والمعاناة، في الوقت الذي رفلت فيه الحفنة المقربة من موائد بن على في نعيم الثروة الفاحشة على حساب المقهورين.

اليوم، تطل تونس على العالم بملامحها الحقيقية، بعد ان خلصتها الثورة من قيود الاستبداد ، حيث شاركت كل الحساسيات، حول طاولة الاختلاف المشروع، في رسم معالم لطريق المستقبل،  بعيدا عن عبث يد نظام  عمدت، طوال عقود، على تلطيخ وجه تونس  المشرق و الحضاري على مدى التاريخ.

 

لقد بعثت النهضة، التي خرجت فائزة بأكثر من 40 بالمائة من الاصوات، برسائل التطمين الى مختلف الجهات، ووعدت بتعزيز مكاسب المرأة  واحترام التعددية، بل وعرضت تحالفا مع الاحزاب العلمانية، وها نحن نشهد، بعد طول انتظار،  ميلاد تجربة ديمقراطية جديدة في عالم عربي لم يعرف سوى الصوت الواحد والراي الواحد والحزب الواحد.

 

إن انتصار تونس لم يقف عند حدود تفجيرها  للثورة التي ألقت ببن  علي بعيدا عن  حدودها هاربا من غضب شارعها المنتفض، بل تجاوز ذلك بكثير حين رسمت قيادات احزابها السياسية، المتعددة المشارب والتوجهات، صورة مشرقة لمدى وعيهم في تدبير  الخلاف قبل وما بعد النتائج الانتخابية.

انتصار تونس في امتحان الديمقراطية انجاز كبير لا يختزل في تحقيق النهضة لفوز ساحق بأصوات الناخبين فقط ، لكن  يحسب لليسار، كما لغيره من الاحزاب الاخرى، قبوله المشرف  بقواعد اللعبة الديمقراطية الذي مكنه من الفوز    باحترام وتقدير الرأي العام، حين أقر أحد أبرز وجوهه، محمد نجيب الشابي،  زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي، بهزيمته وهنأ النهضة على فوزها.

لقد طوت تونس صفحة مهمة من تاريخها، وأهدت للعالم درسا ممتعا في الديمقراطية حيث قطف  التونسيون اولى  أزهار الربيع العربي في  فصل من فصول المنافسة المشروعة.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !